تفاصيل الخبر

أكبــر فـسيـفـســــاء مـــن الـنفــــايـات المـعـــــاد تدويـرهــــا تُـدخــل لبــنان فــي مـوسوعــــة ”غـيـنـيـــس الـعـالـمـيــــة“!

03/08/2018
أكبــر فـسيـفـســــاء مـــن الـنفــــايـات المـعـــــاد تدويـرهــــا  تُـدخــل لبــنان فــي مـوسوعــــة ”غـيـنـيـــس الـعـالـمـيــــة“!

أكبــر فـسيـفـســــاء مـــن الـنفــــايـات المـعـــــاد تدويـرهــــا تُـدخــل لبــنان فــي مـوسوعــــة ”غـيـنـيـــس الـعـالـمـيــــة“!

 

بقلم عبير انطون

استطاع لبنان الاحد الفائت دخول <موسوعة غينيس العالمية> بأكبر لوحة فنية مكونة من مواد قابلة للتدوير في مساحة تبلغ سبعمئة متر مربع على شكل سفينتين قديمتين تصارعان الموج، وذلك على الواجهة البحرية عند منطقة ضبية. ولفكرة تحويل النفايات الى تحفة فنية أكثر من رسالة وهدف، فأي شركة هي المبادرة وما هو دافعها؟

<الأفكار> اطلعت على مختلف تفاصيل المشروع وعادت بالأجوبة بدءاً من المبادر بالفكرة وصولا الى مراحلها المختلفة والصعوبات التي واجهها. معنا بدأ بالتعريف عن نفسه:

- اسمي وائل جابر مؤسس وصاحب شركة <ميموريز ايفانتس> الموجودة في دبي منذ 13 عاما. فكرة صنع لوحة الموزاييك من النفايات اتت من خلال لقائي بسيدة التقيتها بالصدفة لمرة واحدة، فسألتها عن نطاق عملها لتفاجأني بإجابتها بأنها تعمل في مجال النفايات. بقيت الفكرة عالقة في رأسي الى ان طاف جوابها في عقلي من جديد عقب الشعور الذي انتابني والذي عرفه جميع اللبنانيين بعد أزمة النفايات التي استفحلت في الاحياء والشوارع. لقد أتت هذه الازمة لتدفعني الى التفكير بمبادرة ما، وقد بلغت أوجها مع صورة نهر النفايات التي نشرت عالميا عبر موقع <سي ان ان> ورآها العالم أجمع... إذاً اجابة السيدة التي اشرت اليها معطوفة على الأزمة البيئية وصورة الـ<سي ان ان> ولدت الفكرة لدي، وقد عملت عليها بداية مع فريق مختصر ومع رين خوري مديرة المشروع في لبنان... استمرينا في الاعداد طوال ثمانية أشهر الى أن جاء التنفيذ الفعلي مع متطوعين على مدى ثلاثة اسابيع وتمكنا من تحطيم الرقم القياسي السابق الذي حازته النمسا بحيث صنعت لوحة مماثلة مساحتها 455 مترا مربعا سجلته في 9 تموز/  يوليو الماضي.

ويضيف وائل:

- بهذه اللوحة اردت اظهار الوجه الآخر للعملة، وتوعية الناس للنظر بشكل مختلف الى أية مشكلة تعترضهم عبر البحث عن حلول ملائمة بدل وضع اليد على الخد والتذمّر... صورة النهر الجارف ستقابلها صورة الموزاييك الفنية الجميلة في الاعلام المحلي والعالمي كلما جرى البحث عن نفايات لبنان في الانترنت. اردت ان أؤكد بان النفايات ليست المشكلة انما المشكلة هي في كيفية التصرف حيالها. لبنان ليس بلد الـ<زبالة>، انما لبنان فيه مشكلة <الزبالة> ويمكن حلها.

 

<كليفر.... ناس>!

فريق الشركة الرائدة الذي عمل على مشروع الموزاييك من مرحلة التحضير حتى تسلم الشهادة العالمية يمثل طاقات لبنان جميعها ومن مختلف المناطق. الصورة المصغرة عنه تثبت ذلك. فوائل جابر طارح الفكرة ورئيس شركة <ميموريز ايفانتس> هو من كفرنبرخ الشوف، ورين خوري مديرة المشروع من البترون فيما سومر سري الدين من بزبدين وبيار عبود من ميروبا وجميعهم <كليفر ناس> اي اناس اذكياء، وهي العبارة التي ينضوي تحتها، ومعهم، كل شخص يفكر مثلهم بطريقة ايجابية وفعالة من دون اي تمييز مناطقي او ديني او طائفي.

الموزاييك على الواجهة البحرية في منطقة الضبية ليست الاولى في مسيرة وائل جابر وفريق عمله الذي يرفع، وفي كل ما يقوم به، راية الشباب اللبناني وقدرته العالية على الابتكار والتنفيذ. وقد ترافق الحدث الذي شكله دخول الموزاييك في <غينيس> مع معرض لمختلف المنتوجات المصنوعة من مواد قابلة للتدوير والتي يمكن استخدامها في البيوت والمكاتب، كما تخللته نشاطات فنية جاءت اشبه بمهرجان توعوي وتثقيفي

وبيئي.

كذلك، فان موزاييك النفايات هي الانجاز الخامس في سلسلة مشاريع نفذتها الشركة ودخلت بها <موسوعة غينيس> للارقام القياسية. الباكورة كانت في الامارات العام 2016 مع تسجيل اكبر <جدار غرافيتي> يتوهج في الظلام تحت الأشعة البنفسجية، وذلك ضمن فعاليات <الامارات تبتكر> في راس الخيمة بمشاركة اكثر من 34 فنانا محليا وعالميا من 13 دولة شاركوا جميعا في الرسم على الجدار لفترة ثلاثة اسابيع حيث جسدوا امارة رأس الخيمة على ثلاث مراحل مختلفة: الماضي والحاضر والمستقبل على مساحة 416 مترا مربعا شيدت على مدخل الحديقة كجزء من اسبوع الابتكار في الامارات.

بعد <جدار الغرافيتي> جاء انجاز أكبر البوم من صور الـ<ديجيتال> (50 الف صورة)، تلاه تحطيم الرقم القياسي من خلال اكبر <كانفا> مصنوعة من الاختام. وهذان المشروعان <الالبوم> و<الكانفا> استقبلا في 9 أماكن في الدول العربية كذلك انجزت الشركة اطول مسيرة سيارات في العالم في ابو ظبي.

 لست ملاكا...!

وائل الذي درس مجال العلاقات العامة وسافر الى دبي في العام 2006 بعمر العشرين عاما بمعاش 400 دولار اميركي، هو اليوم في عمر الثالثة والثلاثين رئيس شركة تعمل بنجاح. يتكلم باعتزاز عن مسيرته وبالكثير من الواقعية. لوحة الموزاييك المصنوعة من النفايات التي يعاد تدويرها في ضبية، ودخولها <موسوعة غينيس> هل صنعها لوجه الله وللرسالة منها فقط، خاصة انه وجد صعوبة بالغة في تمويلها وتكبد تكاليفها من جيبه الخاص بمبلغ ستين الف دولار، وسط مساعدة بسيطة لأحد المصارف التي آمنت بفكرته؟

أجاب وائل:

- بكل تأكيد، لست ملاكا هابطا من السماء، انا رجل اعمال. لا يجب التغاضي مطلقا عن ان للمشروع رسالة لكنني اعمل في مجال العلاقات العامة واعرف الأثر الايجابي لمثل هذه المشاريع على شركتنا واسمها بطريقة ذكية لشركة ذكية، ولاشخاص يفكرون بطريقة صحيحة. وأنا على يقين بأن عملنا البيئي الفني هذا سيثمر نتائج ملموسة على صعيد شركتي محليا وفي الخارج، وسيترجم في المقبل من الايام مشاريع واعمالا ننفذها حتى اننا بدأنا نتلقى الاتصالات من بعض المناطق اللبنانية.

وائل سعيد جدا بالتغطية الاعلامية التي حظي بها مشروعه حتى ان دولة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، لما علم بفكرة الموزاييك استدعاه وفريقه واستقبلهم، مثنيا على الخطوة. <تطرق الحديث مع دولته الى أكثر من ناحية ما قد يفتح مجالا للتعاون في ما بعد، وقد يكون لنا اجتماع قريب مع دولته>، يقول وائل. كذلك فقد عرفت تغريدة الشيخ سعد حول فكرة اللوحة ومبادرة الشباب القيمين عليها وقعا خاصا: <هذا دعم كبير وهذا ما يحمسنا للمضي قدما وبالكثير من الحماس>.

الشروط !

بات وائل الذي يدخل عبر مشاريعه <كتاب غينيس> للمرة الخامسة على دراية تامة بالشروط التي تطلبها اللجنة العالمية وهي بالطبع ليست سهلة: نسير بحسب كتيب الشروط بحذافيره فنحصد نتيجة ايجابية، تماما كما حصل في <المارينا> وحصدنا اللقب العالمي. وبين الشروط التي كانت موضوعة لإنجاز اللوحة ان تتشكل من النفايات القابلة لاعادة التدوير والا يدخل بين موادها الخشب او الحجر، على ان لا تتشكل أيضا من اكثر من طبقة واحدة من النفايات وألا تظهر الأرضية التي تغطيها قطع النفايات الصالحة للتدوير، فضلا عن وضعها متراصة وليس بشكل عمودي أو مكدسة فوق بعضها البعض، كذلك يدخل من ضمن الشروط ان تجري عملية تدوير اللوحة بعد 10 أيام من تنفيذها لتشمل كل عناصرها الجمالية. هذه المواصفات جميعها جاءت مطابقة اذ تمت تلبيتها وشهد عليها ممثل <لجنة غينيس> القادم من مصر محمد جبر الذي حطم بدوره رقما

قياسيا في <غينيس> في مجال الغطس تحت الماء.

لكن ما الذي سيحل بالموزاييك بعد نجاحها واستعراضها تحت عدسات الكاميرات وعيون الناس والبيئيين نسأل وائل فيجيب:

- ستأخذها جمعية <قوس قزح> في 15 آب (اغسطس) ونتبرع بها لإعادة تدوير المواد التي استخدمت فيها كالشوادر والتنك والكرتون بحيث بلغت 9530 مادة بلاستيكية، تنك 4185، ألمنيوم 2778 و1062 زجاجة، وذلك من اجل انتاج كراس متحركة من البلاستيك للاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

تاريخ لبنان وازماته...!

فكرة الموزاييك فنيا وضعها بيار عبود صديق وائل، وهو مهندس داخلي سافر منذ 15 عاما وجعله الحنين الى لبنان وتعلقه بناسه يتعاون لتنفيذ اللوحة، وهو يملك شركته الخاصة في الامارات العربية. بالنسبة لبيار ليست القصة حكاية تحطيم رقم قياسي، فتسلمه من قبل الممثل الرسمي للموسوعة في منطقة الشرق الأوسط الشهادة الخاصة بهذا الإنجاز في حضور حشد من الفعاليات والشباب اللبناني ليس سوى تحفيز اللشباب ولمبادرات ثقافية تشبه الوطن الذي نتمناه جميعا...

الفسيفساء كما رآها بيار الشغوف بالفنون التشكيلية والرسم والنحت، هي عبارة عن سفينتين قديمتين ترمزان الى تاريخ لبنان المنفتح على البحر والتجارة وهما تصارعان الأمواج العاتية وتحاولان عبورها على الرغم من المشقات في رمزية الى تجاوز الصعاب اللبنانية في كل مجال، ليس آخرها ابسط المقومات كالماء والكهرباء والسير والبيئة، أما العصافير الثمانية عشر الماثلة فإنها ترمز الى طوائف لبنان العديدة، وحتى العلم اللبناني في اللوحة فانه مصنوع من المواد نفسها.

عمل بيار مع فريق من اربعة اشخاص منذ نحو سبعة اشهر بينما بدأ التنفيذ فعليا على الواجهة البحرية في الثالث من تموز/ يوليو، وتطوع لإنجازها العديد من الجمعيات البيئية من كافة المناطق اللبنانية ايمانا منها بالاثر الايجابي للوحة، وترويجا لاعادة تدوير النفايات واستخدامها وايجاد الحلول المستدامة لها بهدف رؤية لبنان أكثر نظافة وصحة، وبفضل أشخاص <يؤمنون بعمل القلب للحب وبقدرة الدماغ للابداع والتخطيط والتنفيذ> كما تقول مديرة المشروع في لبنان رين خوري. فلو قام كل منا بتغيير صغير واحدث فرقا ايجابيا ولو بسيطا فانه يحسب له ولوطنه ويصل الى التغيير المنشود نحو الافضل مثله مثل العديد من الاشخاص الذين يعملون لاجل هذا التغيير، بينهم مثلا النائب بولا يعقوبيان <الاخت والصديقة> كما يصفها وائل، والتي عبّرت عن سعادتها بأن العائلة البيئية تكبر يوما بعد يوم في لبنان وان هذه الموزاييك كانت حلما بالنسبة لها بينما يفكر الآخرون بتقاسم الجبنة وبحلول <مسمومة> كالطمر او الحرق، في وقت يمكن تحويل النفايات الى مصادر ابتكار وثروة.