تفاصيل الخبر

أحزاب لبنان..خلافات ومزايدات وعبور فوق الدولة

30/04/2020
أحزاب لبنان..خلافات ومزايدات وعبور فوق الدولة

أحزاب لبنان..خلافات ومزايدات وعبور فوق الدولة

 

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_77414" align="aligncenter" width="590"] علم لبنان...المغيب الأبرز[/caption]

 أصبحت الأحزاب في لبنان تُمثل السواد الأعظم من اللبنانيين وتُشكل المرجعية بالنسبة اليهم، بعد أن تحوّلت إلى حصنهم في مواجهة الأزمات التي يُعانون منها، من جرّاء الممارسات الخاطئة التي تُمارسها السلطة السياسية، مع العلم أن هذه الأخيرة مكوّنة من رؤساء الأحزاب وبالتالي إذا كان ثمة إرادة ونيّة واضحة للمُحاسبة، وجب على الشعب أن يُحاكم ويُحاسب هؤلاء كونهم يُمعنون في إسقاط هيبة الدولة وإفقارها، وتجريدها من كل علاقاتها، من أجل أن تخلو لأحزابهم الساحة ويُصبحون هم، الحاكمون بأمرهم، إنطلاقاً من القاعدة التي تقول "كل ديك على مزبلته صيّاح". واللافت في كل هذه المواجهات، أن لـ"حزب الله" نصيب الأسد فيها خصوصاً في شقّ الخلافات التي تستحكم بين الأحزاب.

 

انقلاب المواجهات..والأحزاب تتصدر الواجهة

 لم تعد المواجهة في الشارع في لبنان تتمحور كما في بقية دول العالم، بين السلطة والشعب، ولم تعد الإحتجاجات تقوم على مبدأ مواجهة السلطة الفاسدة وإمعانها في ضرب شعبها وإفقاره، بل تحوّلت إلى مواجهات سياسية مُبرمجة على توقيت الأحزاب يُعبّرون عن رسائلهم من خلال الناس ونوعية المطالبات التي يُعلنون عنها. فعلى سبيل المثال إذا كان أحد هؤلاء الزعماء قد جرى تغييبه عن "قالب جبن" ما وبالتالي تم إقصاؤه عن توزيع الغنائم والمحاصصات، سرعان ما يستخدم الشارع عن طريق حزبه وجمهوره، وذلك من باب الدفع إلى إعادة النظر بطريقة التوزيع، واقتطاع حصة من القالب لصالحه.

[caption id="attachment_77413" align="alignleft" width="394"] النائب والوزير السابق وليد جنبلاط...الأقلية الحائرة[/caption]

والمؤسف اليوم أن الصراعات بين الأحزاب اللبنانية، بدأت تأخذ طابعاً مذهبياً ومناطقياً بحيث أن كل زعيم سياسي بات عمله مُقيداً لصالح الطائفة ومصلحتها، بدل أن يكون في خدمة الشعب.

 من باب إنتقال المواجهات أو عمليات الكرّ والفرّ السياسية بين الحكومة والشعب، تبرز المواجهة السياسية الأعنف بين "حزب الله" والحزب "التقدمي الإشتراكي" التي تمر بأصعب وأقسى ظروفها لأسباب عديدة، بعضها سياسي وبعضها الآخر مناطقي. والمعروف أن زعيم "المختارة" وليد جنبلاط، صار يُشكل الهاجس الأكبر داخلياً بالنسبة إلى "الحزب"، حيث أن التاريخ المُمتد من العام 2005 وحتى اليوم، يكشف عمق الأزمات والخلافات التي نشبت بين الطرفين لأسباب عديدة لا تبدأ باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا تتوقف عند تداعيات السابع من أيار، وبالتأكيد لم تنته مع التدخل العلني لـ"الحزب" في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري العدو الأبرز لجنبلاط.

 

غياب اللقاءات والمشاورات بين حارة حريك والمختارة

[caption id="attachment_77412" align="alignleft" width="413"] السيد حسن نصر الله..توجس وقلق مستمران[/caption]

 حتى اليوم لا برنامج لقاءات بين "السيد" و"البيك" وحتى عمليات التنسيق الميدانية بين الحزبين في عدد من المناطق، قد تراجعت بنسبة كبيرة حتى قبل انتشار فيروس "كورونا"، وقد جاء هذا التراجع، نتيجة فقدان "الود" السياسي بين نواب ووزراء الطرفَين، وتجاهل حارة حريك الرد على الرسالة التي كانت وصلتها من المختارة منذ فترة قريبة والتي تتعلّق بأزمة البلد الاقتصادية، وتضمنها جانب من العلاقة بين الحزبين، وضرورة تصحيح الخلل الذي كانت أنتجته بعض الظروف السياسية. وأكثر من برنامج اللقاءات، لا يبدو أن الطرفين جاهزان اليوم لإعادة ترميم الثقة بينهما أو أقله تعبيد الطريق للآتي من الأيام بانتظار أن تتحسّن الظروف وتُصبح إمكانية التواصل مُتاحة، ولو برعاية "عين التينة" التي لطالما جهدت في سبيل تحسين مزاجية الجهتين واستعادتهما إلى الوحدة السياسية نفسها.

لعلّ أبرز الأسباب التي تحول دون استعادة زمن التواصل والوصال بين حزب الله والاشتراكي" بحسب مصادر مقربة من الأول، أن "الحزب" لم يعد يؤمن بنسج تحالفٍ سياسي مع جنبلاط ولا بجدوى اللقاءات بينهما انطلاقاً من مقولة "من جرّب المجرب". وبالنسبة إلى حزب الله أيضاً، يبدو أنه مُكتف اليوم بالتهدئة مع "الاشتراكي" وهو لا يسعى إلى تثبيت أي مصالحة معه، طالما أن الخلاف بينهما تعدى حدود الانضباط، بالإضافة إلى الهاجس الذي عاد ليؤرقه مجدداً، من احتمال عودة التحالف بين "المختارة"، وكل من "معراب" و"بيت الوسط"، الذي لاحت تباشيره في الأفق، قبل أيام. أما على ضفة "البيك"، فلا شيء يعلو فوق قول الحقيقة، التي تكمن هنا في صورة البلد الذاهب نحو الانهيار نتيجة التسويات والتحالفات الثنائية والثلاثية، والاستفراد بالبلد وكأنه شركة خاصة، يحميها السلاح غير الشرعي. والمُستغرَب عند "المختارة"، تناحر هذا الفريق على الصلاحيات، رغم أنها مُحددة بموجب الدستور. وعلى الرغم من هذا السواد كله تُشدد مصادر مقربة من زعيم الجبل، أن لبنان محكوم بالتفاهمات ولا مجال لإقصاء أي فريق مهما كبر حجمه أو صغر. وتضيف: لكن من يُصر على إلغاء وليد "بيك"، عليه أن يُراجع حساباته وأن يُعيد قراءة التاريخ بشكل أوضح، وذلك وفقاً للمصلحة الوطنيّة، لا تلك الشخصيّة والحزبيّة، والمذهبية.

 

الإنهيار بين "حزب الله" و"المستقبل"

  [caption id="attachment_77410" align="alignleft" width="426"] الرئيس سعد الحريري..ومشروع الدولة الناقص[/caption]

 بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، كانت الإنهيارات سريعة كالسيل الجارف، فقد ضُربت العلاقة بينهما في الصميم غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط عام 2005 قبل أن تعود وتستقر نوعاً ما في صيف العام نفسه للإغتيال بتوقيت موعد الانتخابات النيابية التي جمعت "أولياء الدم" بـ"حلفاء القاتل" ضمن توليفة مصالح سُمِّيت يومها بـ"الاتفاق الرباعي". ومع هذا ظل التباعد سيّد الموقف بين "الأصفر" و"الأزرق" وسط ازدياد اهتماماتهما ونشاطاتهما المتباعدة مع خط احمر عريض ما زال يفصل بين النهجين ويرسم حدود العلاقة بينهما حتى اليوم، وذلك من دون إسقاط المساعي التي قامَ بها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإصلاح ذات البين والتي امتدت ثلاثة أعوام من العام 2014 حتى سنة 2017 تخللها 42 جلسة حوار في مقر الرئاسة الثانية، انتهت بإعلان نوايا معقودة على "ربط النزاع". لكن السؤال هو، هل فعلاً رُبِطَ النزاع بين الطرفَين، وهل انعكس إيجاباً على الشارعَين؟

 في ما يتعلّق بأخطاء حزب الله والتي يعتبرها "الأزرق" وجمهوره أنها فاقت الخيال والإحتمال، فهو بحاجة إلى أكثر من "الاعتراف" لكي تُقبل توبته قد يصل ربما إلى الإقرار أو الاعتراف الخطي مع وجود نية خالصة بالتوبة وعدم العودة إلى الخطيئة، ما يعني أن طريق عودة "الحزب" عن كل ما قام به من وجهة نظر "المستقبل"، لن تكون معبّدة بالورود والأهازيج وقصائد الغزل. وقد خبر "الازرق" هذا الأمر مرّات عدّة كان أعلن فيها "الحزب" عن إنتهاءِ دورهِ تماماً في سوريا وعودته إلى لبنان بمقولة "أنجزت المهمة".

 أما لجهة "حزب الله" ونظرته إلى تيار المستقبل، فتؤكد التجارب والأحداث التي مر بها الطرفان أن الأول يتعاطى مع الثاني على أنه مشروع وُلد في زمن الحريري الأب هدفه ضرب "المقاومة" ومن ثم تفريغه تنظيمياً وشعبياً وذلك على مراحل كان بدأ فيها الصدام الأول بينهما في 13 أيلول عام 1993 تحت جسر المطار وذلك عندما جرى إطلاق نار على تظاهرة كان يُقيمها الحزب ضد "إتفاقية أوسلو"، يومها اتهم حزب الله حكومة الحريري الأب بالوقوف وراء تحريض الجيش وقد ظل مثابراً طوال أعوام على إحياء ذكرى الذين سقطوا تحت عنوان "المجد لأيلول الشهداء". وقد عبّر نصرالله المفجوع يومها بمقتل ولده هادي نصرالله بقوله "لقد كانت محاولة لخلق شرخٍ داخليٍّ وقد تخطيناها بحكمة وصبر، وأخذنا أكثر المواقف شجاعة في تاريخ الحزب، لأن أسهل الأمور كانت إعطاء الأوامر بالرد".

 

استمرار الخلاف حتى في عهد الإبن

 حتّى في عهد الرئيس سعد الحريري، ظلّت الخلافات والمناكفات بين حزب الله والأخير تتحكم بطبيعة العلاقة، وبقي الشارع المُعبر الأبرز عن تلك الحالة والطريقة الأفعل لتصفية الحسابات بينهما وكثيراً ما كان هذا الشارع شاهداً على دماءٍ سقطت من الجهتين وكثيراً ما كان الحماس على الأرض، يظهر بالهتافات المذهبية والسياسية، وبألوان الأعلام الإيرانية والسعودية، وهو تعبير واضح حول الشرخ المذهبي الخطير بين الشيعة والسُنة والمتجذّر في النفوس، وذلك لأسباب عديدة أبرزها إطباق "الحزب" اليوم على مفاصل البلاد، وفرض الرئيس حسان دياب رئيساً للحكومة من خارج الإجماع السُنّي.

اليوم، وعلى الرغم من توصيف الحالة القائمة بين حزب الله والرئيس الحريري على أنها تمر بمرحلة مساكنة أو صداقة عن بُعد، أو تفاهمات مُسبقة الدفع، إلّا أن الواقعَين الميداني والسياسي، يؤكدان أن ما يُفرق بينهما هو أكثر بأشواط مما يجمعهما خصوصاً أنّ لكل طرف منهما مرجعية إقليمية لا يُمكن لهما أن يرسما خطوط هذه العلاقة ولا يُمكن تجاوز هذه الخطوط، إلا بإذن من الخارج.

 

ماذا عن العلاقة بين حركة "أمل" وحزب الله اليوم؟

  [caption id="attachment_77411" align="alignleft" width="392"] الرئيس نبيه بري...الحصن الحصين[/caption]

 عاد التوتر ليسود العلاقة بين حزب الله وحركة أمل. لم يُعقد اللقاء المُنتظر بين الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله على الرغم من الأهمية التي كانت تُبنى على هذا اللقاء خصوصاً الشق المتعلق بالوضع الحكومي. وفي هذا الخصوص تؤكد مصادر خاصة أن بري غير مرتاح لطريقة تعاطي الحكومة ورئيسها حسان دياب مع كل الاستحقاقات المالية والاقتصادية والسياسية، وأنه يشعر بأن الفريق الحكومي بما فيهم حزب الله والتيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة، يتخطونه في القرارات وكأن المطلوب منه فقط التوقيع على بياض في الجلسات النيابية.

 وتشدد المصادر على أن الرئيس بري لم يعد مرتاحاً كما في السابق لطبيعة العلاقة مع حزب الله ورغم هذا يؤكد أمام زوّاره أنه ضنين على حماية الطائفة الشيعية وصون وحدتها وعدم الإنجرار نحو التأزيم مع الحزب، لكن في المقابل على حزب الله أن يُدرك أنني لست تلميذاً في مدرستهم وأن لحركة أمل كيانها وجمهورها وحجمها السياسي.

 في المحصّلة، ثمة من يرى أن لـ"حزب الله" هواجس كثيرة في البلد، أولها الخوف من الإلتفاف على سلاحه ومحاولات ضربه من الداخل، وليس آخرها محاولات التطويق والحصار التي يتعرض لها من الخارج. هذا كلّه يجعل "الحزب" أشبه بمنظومة لا تثق حتّى بالأقربين إلى أن يُثبت هؤلاء أنهم أهل للثقة.