تفاصيل الخبر

اهتمام المجتمع الدولي بلبنان يعود مشروطاً وتركيبة حكومة دياب أول امتحان لعودة الثقة!

02/01/2020
اهتمام المجتمع الدولي بلبنان يعود مشروطاً وتركيبة حكومة دياب أول امتحان لعودة الثقة!

اهتمام المجتمع الدولي بلبنان يعود مشروطاً وتركيبة حكومة دياب أول امتحان لعودة الثقة!

لم يسبق أن تعامل المجتمع الدولي مع الأزمات اللبنانية المتلاحقة بلامبالاة كما هو الحال مع الأزمة الراهنة، وهذا ما يلاحظه اللبنانيون وعدد من أصدقائهم الدوليين، ناهيك عن الديبلوماسيين العاملين في لبنان. لقد مضى أكثر من شهرين على بدء <ثورة 17 تشرين> وما تلاها من مضاعفات اقتصادية ومالية وتفرعات سياسية من دون أن يكون للمجتمع الدولي أي إشارة عملية على طريق الدخول على خط المعالجة الضرورية باستثناء جلسة يتيمة لمجلس الأمن الدولي أصدر بعده بياناً فيه من التعابير العامة الشيء الكثير، ومؤتمر <رفع العتب> الذي عقدته مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس وبمبادرة من المسؤولين الفرنسيين بالتنسيق مع الأمم المتحدة وما صدر عنه من سلسلة <نصائح> للبنان سبق أن سمعها المسؤولون اللبنانيون بالمفرق خلال زيارات ديبلوماسيين أجانب للبنان. غير ان كل ما قيل في باريس أو في نيويورك لم يحمل جديداً ولا شكل اهتماماً جدياً بالأزمة اللبنانية أو أوجد خارطة طريق لها باستثناء التوصية الدائمة بالاسراع في تشكيل حكومة جديدة وإقرار اصلاحات بنيوية ومكافحة الفساد، وهذه مسائل يرددها اللبنانيون يومياً ويعرفونها عن <ظهر قلب> ولا حاجة للمجتمع الدولي أن يذكرهم بها.

 

شكوى من أداء الطبقة السياسية!

خلال جلسة في دارة أحد السياسيين <المستقلين> جمعت وزراء ونواباً وعدداً من الديبلوماسيين، أثار الحاضرون مسألة غياب الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني الراهن الذي يتدهور بشكل غير مسبوق، وتباينت الآراء حول هذا الأمر بين الحاضرين. منهم من عزا السبب الى ان لبنان لم يعد أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي كما كان في السنوات السابقة بدليل ان منسوب الاهتمام تراجع بشكل دراماتيكي وغابت المبادرات ومعها الدعوات الجدية الى المعالجة. وفي رأي هؤلاء ان لبنان لم يعد في السنوات الأخيرة كما كان قبلها لجهة الدور الذي كان يلعبه في محيطه والعالم، بعدما سلبت دول هذا الدور، فيما استغنت دول أخرى عن <وظائف> كان يقوم بها لبنان من خلال تركيبته الفريدة كنموذج للعيش المشترك بين مختلف الطوائف لاسيما بعد الحروب التي اشتعلت في الجوار اللبناني وأسقطت التركيبات المتنوعة لشعوب هذه الدول بفعل ما حصل من ارتكابات طائفية ومذهبية نتجت عنها هجرة واسعة من المسيحيين من الدول المعنية، فيما التزم أفراد العائلات الروحية في تلك الدول إما الحذر في مقاربة موضوع العيش المشترك، أو اعتنقت الأفكار المتطرفة التي فرضت نفسها بقوة السلاح والقتال.

ومن الحاضرين من قال ان من أسباب تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة اللبنانية، شعور الدول الكبرى بأن الطبقة السياسية اللبنانية ليست على مستوى من التعاطي المسؤول والوطني مع الأزمات اللبنانية المتتالية، وتتصرف بالبلاد وكأنها <مقاطعات> حزبية أو طائفية مثل الملكيات الفردية تتعامل معها انطلاقاً من حسابات فردية لا تراعي الحسابات والاعتبارات الوطنية. وأورد أصحاب هذا الرأي سلسلة أمثلة لقياديين لبنانيين مارسوا <أنانيتهم> في التعامل مع مسائل كان يفترض أن يضعوا هذه الأنانيات جانباً ويسارعوا الى التعاون في سبيل الخروج من المآزق التي وقعت فيها البلاد ولا تزال. وتوسع أصحاب هذا الرأي في تعداد الحالات التي مرت بلبنان لم تكن فيها ردود فعل القيادات اللبنانية على مستوى من المسؤولية الوطنية، وكيف ان بعضهم تراشق مع البعض الآخر غير آبه ما يسببه ذلك من مضاعفات سلبية على الوضع في البلاد.

الموقف من حزب الله!

ووجد عدد من الحاضرين سبباً آخر يتعلق بالموقف الدولي من حزب الله لاسيما لجهة عدم تجاوب لبنان مع دعوات وجهت إليه لـ<يضبط> اندفاعة هذا الحزب محلياً وعربياً واقليمياً. وفي هذا السياق يقول أصحاب هذا الرأي، ان دولاً عدة سعت مع الدولة اللبنانية الى إبعاد حزب الله عن مواقع المسؤولية لاسيما بعد تصنيفه بحزب <ارهابي>، ووجهت سلسلة رسائل في هذا الصدد بدأت بالمواقف الكلامية والبيانات الإعلامية وتشعبت لتصل الى الحصار المالي والاقتصادي على الحزب وفرض عقوبات على عدد من

مناصريه داخل لبنان وخارجه. ويضيف هؤلاء ان كل هذه الرسائل و<العقوبات> تجاهلتها الدولة اللبنانية واستمرت <تحتضن> الحزب وتمثله في الحكومات التي تشكلت وترعى تنامي دوره في الداخل وفي الحروب المجاورة للبنان حتى بات جزءاً من معادلة اقليمية تتجاوز الساحة اللبنانية الى غيرها من الساحات العربية والاقليمية.ويقول أصحاب هذا الرأي ان لبنان <تذاكى> في مكان ما على المجتمع الدولي حين أعلن مسؤولون فيه على الملأ (والمقصود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه السياسي) ان حزب الله لعب دوراً كبيراً في تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي ومنع العدو من تكرار اعتداءاته حين خلق <توازن الرعب> الذي حمى الحدود اللبنانية الجنوبية من الاعتداءات الاسرائيلية الواسعة النطاق كما كان يحصل في السابق الى درجة ان العدو بات <يعدّ الى العشرة> قبل ارتكاب أي اعتداء على السيادة اللبنانية، في البر والبحر والجو. وعليه لا يمكن <مكافأة> هذا الفريق الكبير من اللبنانيين من خلال فرض العزلة عليه وعدم اشراكه في الحياة السياسية اللبنانية. وفي تقدير أصحاب الرأي إياه ان الدولة اللبنانية <فرضت> حزب الله على المجتمع الدولي بشكل أو بآخر لاسيما من خلال توزير ممثلين عنه في الحكومات المتعاقبة، و<تسهيل> وصول ممثلين عنه الى الندوة البرلمانية. ولذلك <ابتعد> المجتمع الدولي عن لبنان لعدم تجاوبه مع الدعوات المتكررة لوضع حد لـ<تمدد> حزب الله وازدياد قوته وتأثيره في الدول المحيطة بلبنان.وعليه فإن العقوبات التي اتخذت بحق مسؤولين وأفراد في الحزب تركت آثاراً ليس فقط على المستهدفين فحسب، بل كذلك على جميع اللبنانيين والمؤسسات المصرفية والشركات اللبنانية وغيرها. من دون أن يتبدل الموقف اللبناني حيال الحزب ما أغضب دولاً عدة، كبيرة وصغيرة، وانسحب الغضب على الداخل اللبناني.

أما الرأي الرابع فقد عرضه أصحابه بالقول إن لبنان دخل <الفلك الإيراني> وبات في عداد دولة الممانعة، وفي <اعترافات> أكثر من مسؤول إيراني، ما يؤكد هذه الاتهامات، وعليه بالتالي أن يتحمل وزر خيار لن يفيده بشيء، لا بل على العكس سوف يحمله الكثير من النتائج لعل أبرزها <شبه المقاطعة> الدولية لعدد من المواقع الرئيسية في البلاد، إضافة الى استمرار الاجراءات التي تؤذي المجتمع اللبناني ككل وليس فقط مجتمع حزب الله أو البيئة الشعبية التي تحتضنه. ويورد أصحاب هذا الرأي، الزيارات المتتالية، في السر حيناً وفي العلن أحياناً، لمسؤولين إيرانيين لبيروت يلتقون مسؤولين وسياسيين يبحثون معهم مساعدة لبنان لتجاوز محنته مع تذكير هؤلاء المسؤولين دائماً بأن لبنان أرض المقاومة التي لا بديل عنها للمحافظة على السيادة والاستقلال والكرامة. صحيح ــ يضيف أصحاب هذا الرأي ــ ان زيارات المسؤولين الإيرانيين قد خفت بعض الشيء قياساً الى الزيارات السابقة، إلا ان التواصل لم ينقطع بين القيادة الإيرانية والمسؤولين اللبنانيين على مختلف المستويات.

 

ترقب تركيبة الحكومة الجديدة!

وتشعب النقاش في تلك الجلسة الى السؤال الأبرز وهو عما سيكون عليه تعاطي المجتمع الدولي مع الحكومة العتيدة، وهل ستشهد البلاد تعاوناً دولياً مع الحكومة رئيساً وأعضاء؟ بعض الحاضرين تخوف مما ستكون عليه ردة فعل المجتمع الدولي حيال الحكومة العتيدة والتي قد يعتبرها <حكومة اللون الواحد> مع ما يعني ذلك من انعكاسات سلبية لا قدرة للبنان على تحملها... وفي رأيهم ان العيون الدولية <مفتحة> على الوضع السياسي الذي نشأ في البلاد بعد أحداث 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وما يمكن أن يحدثه من تغييرات في الحياة السياسية اللبنانية، وصولاً الى النظام اللبناني الذي ينادي المتظاهرون بسقوطه منذ اليوم الأول لـ<الثورة>. لكن النقاش أفرز رأياً آخر خلاصته ان تشكيل الحكومة الجديدة كان مطلباً دولياً تجلى في البيانات ومؤتمرات الدعم وغيرها، ما يعني ان التجاوب اللبناني مع ما هو مطلب تشكيل الحكومة يفترض أن تلاقيه دول المجتمع الدولي بخطوات داعمة سبق أن تعهدت بالقيام بها فور صدور مراسيم التشكيل، وبالتالي فإن لا خوف على المقاربة الدولية لمرحلة ما بعد تشكيل الحكومة العتيدة خصوصاً إذا كانت ردة الفعل في الشارع متجاوبة مع ضرورة إعطاء الفرصة للحكومة الجديدة التي يفترض أن يتمثل فيها <الحراك الشعبي>. وهذا يعني عملياً، دمج الاصلاحيين بالتقليديين وصولاً الى وضع أفضل. علماً ان أي دعم دولي للبنان سيكون هذه المرة مشروطاً وليس مفتوحاً كما حصل في باريس 1 و2 و3، ولعل العودة الى توصيات مؤتمر <سيدر> خير دليل على ما يريده المجتمع الدولي من اصلاحات ومقاربات قد تطيح التركيبة القائمة حالياً حول مواقع القرار. ويستوجب على لبنان تقديم <كشف حساب> معنوياً كل فترة ليثبت للعالم سيره على السكة الصحيحة. ولأن المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإن التعويل كبير على ما ستكون عليه تركيبة حكومة الرئيس حسان دياب ومدى تجاوبها مع طموحات المجتمع الدولي والمواصفات <السرية> التي وضعها لشكل الحكومة. ولن يكون تجاوب المجتمع الدولي سريعاً مع الحكومة العتيدة بل سيتريث لمعرفة كيفية تعاطيه مع الحالة الشعبية التي أفرزتها <ثورة 17 تشرين>، على أن يبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه. وذكّر أصحاب الرأي <المتفائل بحذر> بما ردده المشاركون في مؤتمر مجموعة الدعم الدولي للبنان، في الاجتماعات المغلقة أو الموسعة على السواء، بأن <لا شك أبيض> يعطى للبنانيين الموضوعين تحت المجهر، لأن كل خطوة ستكون موضع متابعة وتقييم قبل أن <تغدق> هذه الدول مساعداتها على لبنان وشعبه.

وفي ساعة متقدمة من الليل انتهى النقاش في تلك الجلسة على وقع المثل اللبناني الشعبي القائل: <ما تقول فول.. حتى يصير بالمكيول>، واستطراداً على لبنان أن يبادر لاستعادة ثقة الدول به حتى تُقدم لمساعدته ومحاولة اخراجه من الانهيار الذي بدأت تلوح عوارضه بشكل لا يحتمل أي شكل أو تأويل!