بقلم طوني بشارة
دخلت اليونان في العقد الاخير في مرحلة تحول مهمة في تاريخها المعاصر، فقد قادتها السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العقود الاربعة الاخيرة الى حافة هاوية الافلاس. وبدأت الشرارة الأولى لهذه الأزمة في عام 2004 عندما تم الإعلان ان اليونان لم تكن مؤهلة منذ البداية لتكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي الموحد، وذلك لأن البيانات الاقتصادية التي تسلمتها للجهات الأوروبية المسؤولة آنذاك تم تزويرها وأعطيت عوضاً عنها معلومات خاطئة عن صحة أداء الاقتصاد اليوناني.
في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2009، اعترفت الحكومة اليونانية الجديدة ان الحكومة السابقة قد زيفت الحسابات القومية، وأن الحكومة الحالية تعاني من عجز في الميزانية، ثمّ تخطت الأزمة ذروتها مع وصول عجز الموازنة في اليونان إلى 13 بالمئة من الناتج المحلي وهذا يمثل خمسة أضعاف ما هو مسموح به في منطقة <اليورو>.
والآن تدين اليونان لصندوق النقد الدولي بحوالى5 بالمئة من ناتجها القومي، وبحوالى70 بالمئة للصندوق الأوروبي، وبالتالي فالجزء الأكبر من ديونها لصالح المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوروبي، مما أنتج أزمة مالية خطيرة انطلقت فعلياً في العام 2009 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وانقسمت القوى السياسية اليونانية بين مؤيد للاقتراض من منطقة <اليورو> والمصرف المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، واللجوء الى آلية الاستقرار المالي الاوروبي، ومعارض لذلك بحجة ان شروط عقدي الاقتراض تؤدي الى خسارة اليونان لسيادتها الوطنية وتمنع استدامة خدمة الديون السيادية، وفيما الجميع يتحدث عن المصلحة الوطنية، يتطلع كل فريق منهم الى أهدافه الحزبية .
وأول قرض أبرمته اليونان في تاريخها المعاصر كان مع الحكومة البريطانية في العام 1823، قبل أن تحصل على قروض أخرى خلال الحقبات المتتالية.وسبق لها ان أشهرت افلاسها اربع مرات في الأعوام 1827 - 1843 - 1893 - 1932، وذلك لأسباب عدم ايفائها بمستحقات ديونها في كل المراحل.
واللافت ان العديد من الخبراء الماليين والاقتصاديين في لبنان اشاروا الى وجود تشابه بين اليونان ولبنان في التباطؤ الاقتصادي ، وتدهور المالية العامة، والدين العام المرتفع، وكأنهم يلمحون الى خطورة تحول لبنان الى يونان ثانية، والبعض الآخر بدد هذه المخاوف معتبراً ان لبنان يملك مقومات لمواجهة أزمة الديون، مستنداً الى قوة القطاع المصرفي من جهة، وقوة المصرف المركزي المعزز باحتياطات ضخمة بالعملات الاجنبية من جهة ثانية، ناهيك عن التحويلات المهمة من المغتربين، واستحقاقات الدين السنوية بالعملات الاجنبية القابلة للاستيعاب.
انقسام بالرأي كان الدافع لطرح تساؤلات عديدة تمحورت حول أسباب الأزمة اليونانية، ومن السبب الرئيسي لنشوبها: اليونان ام الدول الاوروبية؟ وما سبب اتخاذ منطقة <اليورو> إجراءات سيئة ضد اليونان؟ وكيف تعاملت اليونان مع الأزمة حتى الآن ولماذا فرضت قيوداً على المصارف؟ ومن المستفيد من خروج اليونان من الإتحاد الأوروبي؟ هل يكون ترك منطقة <اليورو> خيار اليونان الأخير؟ وهل سيتحول لبنان الى يونان ثانية؟
أسئلة عديدة للاجابة عنها قابلت <الافكار> كل من الدكتور جورج قرم، والدكتور غازي وزني وجاءت بالتحقيق الآتي:
الدكتور قرم اعتبر ان الأزمة قد نبعت من سوء إدارة المالية العامة اليونانية منذ انضمام اليونان الى الاتحاد الاوروبي، ومن ثم الى منطقة <اليورو>، وقد استفادت من المساعدات السخية وكذلك من القروض. ولا بد من الإشارة الى ان البنك الاميركي( الغولدن ساكس) قد بادر الى إعطاء معلومات غير دقيقة عن الوضع المالي في اليونان، ولم يقم الاتحاد الاوروبي بأي متابعة او مراقبة لما كان يجري في الاقتصاد اليوناني، خاصة بعد الانضمام الى منطقة <اليورو> مع بداية عقد الالفين. ويتابع قرم: فجأة في عام 2010 وقعت اليونان في ضيقة مالية وطلب مساعدة من قيادات الاتحاد الاوروبي، ولكن رزمة المساعدات تأخرت مما فاقم الأزمة في اليونان وأدى الى زيادة في المديونية، وذلك بالإضافة الى الشروط التعجيزية التي تم وضعها لمنح المساعدات المطلوبة.
ــ من السبب وراء الأزمة: اوروبا أم اليونان؟
- بالنسبة للسنوات السابقة أرى ان المسؤولية مشتركة، والى حد بعيد احمل المسؤولية لألمانيا التي اتخذت مواقف متصلبة وفرضت شروط غير واقعية، والحكومات اليونانية السابقة قبل الحكومة الحالية قبلت بهذه الشروط، ولم تستمع الى الصرخات الاجتماعية في اليونان، لأنه كالعادة وقع عبء الشروط على الفئات المتوسطة الدخل والفقيرة، وكما هو معروف، فإن المعالجات التقشفية المفروضة على الاقتصاد اليوناني قد ادت الى تراجع الناتج الوطني المحلي بواقع 25 بالمئة، وهي نسبة غير مقبولة، ومع ذلك استمر الاتحاد الاوروبي في فرض رزمة الاصلاحات نفسها، الى ان أتت الانتخابات النيابية الماضية وقلبت الموازين السياسية في المجلس النيابي، ذلك ان حزب رئيس الوزارة الحالي نال اكثرية كبيرة في المجلس النيابي وهذا بدوره ادى الى انزعاج كبير لدى دول الاتحاد الاوروبي وعلى رأسها المانيا، وكأن الممارسة الديموقراطية ممنوعة في اليونان، فالحكومة الحالية ارادت تغيير الشروط التي ادت فعلياً الى كارثة اقتصادية - اجتماعية في هذا البلد.
ــ كيف تعاملت القيادة اليونانية الحالية مع الأزمة حتى تاريخه؟
- ان القيادة الحالية اليونانية قد قامت بجهد كبير لتبرير ضرورة تغيير المنحى التقشفي المفروض على الاقتصاد اليوناني، لأن هذا المنحى قد ادى الى تفاقم الأزمة في اليونان، بدل تخفيفها، ولكن القيادات الاوروبية بقيت صماء امام كل الشروحات والطروحات للحكومة اليونانية الحالية، لذلك بادر رئيس الوزراء <تسيبراس> الى إجراء استفتاء شعبي حول الموضوع مما اثار غضباً شديداً لدى الاتحاد الاوروبي ومرة اخرى بشكل خاص لدى المانيا.ويتابع الدكتور قرم: لقد اخذ الخلاف طابع عداء الماني - يوناني تعود جذوره الى ما حصل في الحرب العالمية الثانية من دمار وإفقار للشعب اليوناني تحت الاحتلال النازي، وبعد ذلك الإنزال البريطاني في اليونان لوقف الانتشار للحزب الشيوعي اليوناني، لدى فئات عديدة من الشعب اليوناني، وعندما طرح رئيس الوزراء الاستفتاء قام الاعلام الاوروبي بحملات تهويل واخافة للشعب اليوناني لكي يصوت من اجل الحفاظ على البرنامج التقشفي، وهذا ما يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية اليونانية وفي الآلية الديموقراطية التي أتت بهذه الحكومة.
ــ يبدو جلياً ان التقشف هو جزء من المشكلة، فلماذا تفرضه اوروبا على اليونان كحل؟
- هناك العديد من الاسباب لغرض التقشف. فالبعض منها متعلق بالعقيدة <النيوليبرالية> التي تسير عليها قيادات الاتحاد الاوروبي وهي عقيدة ادت الى وصفات اصلاحية اساءت ليس فقط الى اقتصاد العديد من الدول النامية التي طبقتها، إنما أساءت أيضاً الى الاوضاع الاجتماعية داخل الدول الغنية في الاتحاد نفسه، وتجسد ذلك في زيادة هائلة في مستويات البطالة، وفي تراجع دور الدولة في الحماية الاجتماعية، وفي عمليات الخصخصة التي جرت بشكل عشوائي، لكي تستفيد بعض الشركات المتعددة الجنسية او بعض المصالح المرتبطة بأنظمة الحكم في الاتحاد الاوروبي نفسه.
ويتابع الدكتور قرم: اما العامل الثاني، فله جذور في التاريخ الاوروبي نفسه وتعود هذه الجذور الى الانفصال الذي تم بين كنيسة روما وكنيسة بيزنطيا اي الكنيسة الارثوذكسية، ونظرة اوروبا الكاثوليكية وأيضاً البروتوستانية، اي بشكل خاص المانيا نفسها الى المسيحية الشرقية، وأيضاً الى حماية روسيا الحديثة للكنائس الشرقية ولذلك هذا الازدراء باليونان وتحميل اليونانيين كل مسؤولية الأزمة الحالية كما كان قد فعله الاتحاد الاوروبي والدول الغربية عامة تجاه الشعب الصربي وقياداته في حرب الانفصال الشعواء التي ادت الى تفكك يوغوسلافيا واخيرا الموقف من اوكرانيا، حيث فرقت اوروبا بين المناطق الكاثوليكية والمناطق الارثوذكسية وعمقت الشرخ بين الجزئين من الشعب الاوكراني. ومن الواضح اننا نشهد اليوم مسعى الى بذر الانشقاق داخل الشعب اليوناني وإثارة الخوف من حرب اهلية اذا لم ترضخ الحكومة الحالية الى الاملاءات الاوروبية.
ــ لماذا لجأت اليونان الى فرض قيود على المصارف في ظل الوضع الراهن؟
- كان من الطبيعي في هذا الجو، حيث شهدت اليونان هروب رساميل كبيرة من نظامها المصرفي الى الخارج ان تضع قيود على التحويلات المصرفية وعلى سحب الاموال من المصارف اليونانية كما كانت قد فعلته قبلها حكومة جزيرة قبرص عندما تعرضت الى التهويل نفسه من قبل قيادات الاتحاد الاوروبي.
ــ هل كان ترك منطقة <اليورو> هو الخيار الانسب لليونان في الوقت الحالي؟
- ان الترك ليس الخيار الانسب، والحكومة الحالية لم تقل ابداً ان بودّها ترك منطقة <اليورو>، بل صرحت بأنها لا تنوي الخروج من منطقة <اليورو>، إنما الاعلام الاوروبي المغرض وبشكل خاص تصريحات الرسميين الالمانيين قد زرعت او قامت بتشويه الموقف اليوناني حيث صرحت عند تحضير الاستفتاء ان رفض برنامج الاصلاح الاوروبي بالاستفتاء يعني بشكل آلي الخروج من <اليورو>، مما زاد من خوف المودعين والمستثمرين والشعب اليوناني بشكل عام .
وختم قرم حديثه:
- أشبّه مسـألة اليونان بلعبة <شطرنج> صعبة ومعقدة حيث نرى اليونان وحيدة امام العملاق الالماني الذي استقطب رأي معظم الدول الاوروبية الى جانبه، باستثناء الرأي الفرنسي مؤخراً وذلك لأسباب تتعلق بنظري باعتبارات سياسية داخلية فرنسية، وذلك لكي لا ينمو اليسار الفرنسي الذي يتعاطى مع الطروحات اليونانية الحالية ولكي لا يخسر الحزب الاشتراكي الحالي في فرنسا من قاعدته التي قد تنتقل الى احزاب يسارية اكثر رديكالية على غرار النموذج الاسباني حيث الانتخابات الاخيرة أعطت أغلبية كبيرة لحزبين يرفضان أيضاً سياسات التقشف للاتحاد الاوروبي.
وبدوره أشار الخبير الاقتصادي غازي وزني الى ان اليونان بعد الاستفتاء تواجه تحديات تهدد مستقبلها المجهول وتعود الى أزمة سيولة نتيجة رفض البنك المركزي الاوروبي مدها بالسيولة ورفض الاتحاد الاوروبي دفع القسط الاخير من برنامج المساعدات البالغ 7.2 مليار يورو بسبب رفضه خطة الترويكا (صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية) وتخلفها عن سداد دينها لصندوق النقد الدولي البالــــغ 1.6 مليار يورو، كما تواجه تحديات تعود الى استحقاقات دين تقارب 3.5 مليار يورو في تموز/ يوليو، و3.2 مليار يورو في آب/ أغسطس للبنك المركزي الاوروبي.
ويتابع وزني : ان أزمة اليونان هي أزمة ديون ارتفعت في السنوات الاخيرة بشكل مقلق من 127 بالمئة من الناتج المحلي عام 2009 الى 177 بالمئة عام 2014 و185 بالمئة عام 2015 اي حوالى 320 مليار يورو.
ــ ما هي اسباب هذه الأزمة؟
- تظهر الاسباب على الشكل الآتي:
1 - الانضمام المبكر وغير النظامي لليونان الى الوحدة النقدية في العام 2001 ، عبر قيامها بعمليات تحسينية لحساباتها الاقتصادية والمالية. وقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية في العام 2004 عدم صحة الحسابات وعدم إيفائها شروط الانضمام، واستفادت اليونان من دخولها الاتحاد بالاستدانة المبالغة بفوائد متدنية لتنفيذ المشاريع الاستثمارية الضخمة والمكلفة والعشوائية...
2 - تدهور المالية العامة: وصل العجز الى مستويات خطرة اذ بلغت 15.7 بالمئة من الناتج المحلي في العام 2009 نتيجة الهدر في الانفاق والتهرّب الضريبي ثم تراجع العجز الى 10.9 بالمئة عام 2010 وصولاً الى 3.5 بالمئة في العام 2013 نتيجة الخطة الاصلاحية التقشفية للمؤسسات الدولية منها إصلاح نظام التقاعد، خفض الانفاق العسكري، الغاء الامتيازات الضريبية للجزر اليونانية علماً ان القطاع السياحي يمثل 20 بالمئة من الاقتصاد و20 بالمئة من القوى العاملة ويوفر ايرادات سنوية تقارب 14 مليار يورو لـ24 مليون سائـح. وهنا تتوقع <الترويكا> ان يحقق اليونان فائضاً أولياً نسبته 1 و 2 و3 و3.5 بالمئة في السنوات 2015 و2016 و2017 و2018.
3 - هبوط النمو الاقتصادي: لقد أدى برنامج الترويكا الى خسارة اليونان في فترة 2009 - 2013 حوالى 26 بالمئة من اقتصادها اذ سجل نمواً سلبياً قارب 3.1 بالمئة في العام 2009، 4.9 بالمئة في العام 2010، 7.1 بالمئة في العام 2011، 7 بالمئة في العــام 2012، 3.9 بالمئة في العام 2013 ثم سجل في العام 2014 نمواً ضعيفاً قارب 0.6 بالمئة ويتوقـــع ان لا يتجاوز النمو 0.5 بالمئة في العام الحالي.
ويستطرد وزني: في الوقت عينه أدى هذا البرنامج الى ارتفاع معدلات البطالة الى 26 بالمئة من القوى العاملة والى تعمق الأزمة الاجتماعية للطبقة الفقيرة والمحدودة الدخل التي تنادي للتخلي عن <اليورو> والعودة الى الدراخما، كما يواجه الاقتصاد اليوناني صعوبة تحقيق معدلات نمو مرتفعة بسبب ضعف قدراته التنافسية مع دول منطقة <اليورو> اذ قارب معدل نموه الوسطي في فترة 2004 و2008 أقل من 2 بالمئة.
ــ لماذا يعتبر الدين اليوناني خارج السيطرة؟ وهل من الممكن تشبيه الأزمة اللبنانية بالأزمة اليونانية؟
- الدين اليوناني خارج السيطرة للأسباب الآتية:
- غالبية مصادر تمويل الدين خارجية: بلغ الدين في نهاية العام 2014 حوالى 313 مليار يورو وشكل 177 بالمئة من الناتج المحلي ومموّلة من المصادر الآتية: الاتحاد الاوروبي 53 مليار يورو، صندوق النقد الدولي 23 مليار يورو، البنك المركزي والاوروبي 27 مليار يـورو، المصارف الاجنبية 34 مليار يورو، الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي 142 مليار يورو، سنــــدات الخزينـــة 14.8 مليار يورو (4.6 بالمئة من الدين).
- استحقاقات الدين السنوية كبيرة: 20 مليار يورو لعام 2015، 7 مليار يورو لعام 2016...
- عجز البنك المركزي اليوناني عن التدخل لتمويل الدين وحاجته الى موافقة السلطات النقدية والمالية في بروكسل.
- ضعف امكانيات المصارف اليونانية بتمويل الدين.
ويتابع وزني:
- في المقابل، فإن الدين اللبناني تحت السيطرة ويمكن احتواء مخاطره للأسباب الآتية:
- غالبية مصادر تمويل الدين داخلية (المصارف، والمصرف المركزي) : بلغ الدين في نهاية العام 2014 حوالى 66.56 مليار دولار وشكل 140 بالمئة من الناتج المحلي ووزع بنسبة 61.5 بالمئة للدين بالليرة اللبنانية و38.5 بالمئة للدين بالعملات الاجنبية، وموّل بنسبة تفوق 80 بالمئة من المصارف اللبنانية والمصرف المركزي .
ويستطرد وزني : الدين بالليرة بلغ 41 مليار دولار وغالبية مصادر تمويله داخلية: 32 بالمئة من المصرف المركزي و51 بالمئة من القطاع المصرفي اللبناني ما مجموعهما 83 بالمئة. اما الدين بالعملات الاجنبية، فبلغ 25.6 مليار دولار، 90 بالمئة سندات يوروبوند أي 23.1 مليار دولار منها 18.6 مليار دولار للقطاع المصرفي و2.3 مليار دولار لمصرف لبنان مــا مجموعهمــــا 20.9 مليار دولار ونسبته 81 بالمئة من الدين بالعملات الاجنبية.
ويضيف وزني : كما ان توزيع استحقاقات الدين بالعملات الاجنبية واطالة امدها قد تمت بشكل لا يمثل ضغوطاً على الدولة، وقد بلغت 2.250 مليار دولار في العام 2016، 2.275 مليار دولار في العام 2017 وتضاف اليها خدمة الدين العام بالعملات الاجنبية التي تقارب 1.35 مليار دولار. وهنا لا بد من الإشارة الى ان المصرف المركزي اللبناني هو مصدر تمويل أساسي للدين خصوصاً الدين بالليرة اللبنانية عند إحجام المصارف، ومصدر تمويل للدين بالعملات الاجنبية بسبب الاحتياطات بالعملات الاجنبية لديه، ويجدر أن نشير أيضاً الى ان الدين العام انخفض في فترة 2006 - 2010 من 180 بالمئة للناتج المحلي الى 134 بالمئة ثم ارتفع في فترة 2011 - 2014 الى 140 بالمئة من الناتج المحلي.
ــ ماذا عن وضع المصارف اليونانية وهل هي شبيهة للمصارف اللبنانية؟
- مما لا شك فيه ان المصارف اليونانية هشة وتعتمد على المصرف المركزي الاوروبي لسيولتها، إذ تحتاج المصارف اليونانية للرسملة حوالى 20 مليار يورو، وتنقصها السيولة نتيجة خسارة جزء من ودائعها ( القطاع الخاص ) في السنوات الاخيرة والتي تراجعت من 238 مليار يورو عام 2009 الى 130 مليار يورو في أيار/ مايو 2015 اي بتراجع نسبته 45 بالمئة ومشكلاً 73 بالمئة من حجم الاقتصاد. أما التسليفات فإنها تبلغ 200 مليار يورو، متجاوزة اجمالي الودائع ما يدفع بالقطاع الى الاعتماد على تمويل نظام <اليورو> Euro system لتغطية الفجوة وذلك مــــن خـــــلال اصـــــدار سندات دين أو اسهم مقابلها ( 115 مليار يورو ) فضلاً عن ان نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها مقلق اذ يصل الى 33.5 بالمئة من إجمالي التسليفات ما يتسبب بربحية ضعيفة او بخسائر للمصارف.
ويتابع وزني: ان ضعف السيولة يؤثر على المصارف ويجعلها غير مستقلة في نشاطها، ومقيدة بإرادة المصرف المركزي الاوروبي الذي منعها مؤخراً من التوظيف في سندات الدين السيادية، واستناداً الى ما سبق يمكن القول ان المصارف اليونانية هشة تفتقد الى القدرة لتمويل الدين السيادي، وتستند على البنك المركزي الاوروبي المصدر الوحيد لتأمين سيولتها في اطار مساعدات طارئة للسيولة (ELA) التي بلغت 81.4 مليار يورو مع الإشارة الى ان البنك المركزي الاوروبي رفض مؤخراً زيادتها بقيمة 6 مليار يورو لمواجهة سحوبات المودعين ما دفع بالمصارف الى إقفال أبوابها. أما البنك المركزي اليوناني، فإن استقلاليته محدودة اذ ينفذ سياسة البنك المركزي الاوروبي.
ويتابع وزني:
- في المقابل، فإن القطاع المصرفي اللبناني متين وقوي، وقادر على تمويل الدين السيادي، اذ بلغ إجمالي ودائعه في نهاية العام 2014 حوالى 144.5 مليار دولار مشكلاً ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد وسجل في السنوات الاخيرة معدلاً وسطياً قارب 8 بالمئة ويملك فائض سيولة يفوق 30 بالمئة من اجمالي ودائعه. أما اجمالي تسليفاته، فإنها بلغت في نهاية العام 2014 حوالى 88 مليار دولار ونسبته 61 بالمئة من اجمالي الودائع منها 50.8 بالمئة مليار دولار للقطاع الخاص و37.3 مليار دولار للقطاع العام وشكلت الديون المشكوك بتحصيلها نسبة 4.9 بالمئة من اجمالي التسليفات فضلاً عن ان اجمالي التسليفات سجلت نمواً وسطياً في السنوات الأخيرة قارب 9 بالمئة.
ويستطرد وزني: هنا لا بد من التذكير بأن تحويلات اللبنانيين في الخارج تعتبر من المقومات الرئيسية التي تدعم الاقتصاد الوطني ونمو المصارف والاستثمارات والوضع الاجتماعي.وقد بلغت في العام 2014 حوالى 8.9 مليار يورو ونسبته 18 بالمئة من الاقتصاد.
وينهي وزني حديثه قائلاً:
- رغم التشابه بين اليونان ولبنان في التباطؤ الاقتصادي وتدهور المالية العامة والدين العام المرتفع، فإن لبنان يملك مقومات لمواجهة أزمة الديون، مستنداً الى قطاع مصرفي قوي، ومصرف مركزي معزز باحتياطات ضخمة بالعملات الاجنبية، وتحويلات مهمة من المغتربين، واستحقاقات دين سنوية بالعملات الاجنبية قابلة للاستيعاب.