تفاصيل الخبر

أحـــداث سوريــــا تـجـبــــر الـتـجـار اللبنانييـن على اختيـار الـخـــط الـبـحــــري

09/10/2015
أحـــداث سوريــــا تـجـبــــر الـتـجـار اللبنانييـن على اختيـار الـخـــط الـبـحــــري

أحـــداث سوريــــا تـجـبــــر الـتـجـار اللبنانييـن على اختيـار الـخـــط الـبـحــــري

 

بقلم طوني بشارة

توفيق-دبوسي المتتبع للاوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان يلاحظ أن الأزمة السورية المتفاقمة وما رافقها من إقفال للمعابر البرية، كان وما زال أثره سلبياً جداً على حركة الصادرات اللبنانية.

ومنذ حوالى السنتين ونصف السنة تقريباً انقطعت حركة التجارة البرية بين لبنان والعراق ودول الخليج.

وفي العام 2013 أيضاً وللأسباب نفسها، توقفت حركة التصدير البرية من لبنان إلى دول الخليج لمدّة 15 يوماً، يومئذٍ صدّر المنتجون اللبنانيون عن طريق البحر وبواسطة عبّارات (رورو) لنقل الشاحنات التي تحمل السلع، لكنّ المصدّرين تراجعوا عن استعمال الخط البحري بعدما «اكتشف» المعنيون في لبنان وسوريا أن هناك طريقاً بريّة تمرّ عبر مدينة السويداء السورية يمكن سلوكها برغم أنها تزيد فترة الرحلة لأكثر من أربع ساعات.

المصدرون اللبنانيون ولفترة زمنية محددة،  فضّلوا التصدير برّاً نظراً لكلفته المتدنية التي كانت تتراوح ما بين 2500 دولار و3000 دولار لكل شحنة قبل الأزمة السورية، وقد ارتفعت إلى نحو 5000 دولار.

اليوم أصبح الأمر مختلفاً بعدما باتت الطرقات والمعابر «غير آمنة» لجهة عمليات الخطف والاحتجاز التي قد تنجم عن تطوّر الاحداث وتسارعها على الصعيد العسكري والأمني، مما جعل المصدّرين غير راغبين في الاعتماد على الخطّ البرّي حتى لو كان مُتاحاً للعبور، مما أطلق عملية البحث، مجدداً، عن الخطّ البحري.

غير أن هذا الخط يطرح مشكلة اساسية ألا وهي ارتفاع كلفة الشحن من خلاله مقارنة بكلفة الشحن البرّي، في وقت أن كلفة الإنتاج المحلية مرتفعة، مما قد يعرّض البضائع اللبنانية لنكسة اضافية بسبب أسعارها المرتفعة، وما زاد الأمور سوءاً أن انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار بالتزامن مع العقوبات التي فرضتها روسيا على الصادرات الأوروبية، دفع البضائع الأوروبية نحو أسواق الخليج بكلفة إنتاج متدنية وتنافسية جداً.

وهكذا علا صراخ المنتجين المحليين مطالبين بدعم الفرق بين كلفة النقل البري والنقل البحري إلى دول الخليج، وفي هذا المجال برزت مشكلتان: الأولى أن هناك مبالغة من المصدّرين المحليين في الحديث عن الفرق بين الكلفتين، وهذا الأمر ناجم عن سعيهم، كما من سبقهم، للاستفادة من آليات الدعم من المال العام قدر ما يُتاح لهم، ففيما يزعم المصدّرون أن الفرق يبلغ 3000 دولار عن كل شحنة، تشير الدراسات الاولية التي تعدّها المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات «<إيدال>» إلى أن الفرق يجب ألا يتخطى الألف دولار لكل شحنة وربما أقل إذا كانت دراسة الخط البحري دقيقة.

المشكلة الثانية، أن فتح خطّ بحري غير مستدام يزيد كلفة النقل البحري بسبب هواجس الوكلاء البحريين من استعمال هذا الخط لفترة زمنية محدودة ثم الاستغناء عنه بعد إعادة فتح الخطوط البريّة.

وبحسب دراسة «<إيدال>»، فإن حصّة الشحن البري من مجمل عمليات الشحن الزراعية كانت تبلغ 94 بالمئة في عام 2011 ثم انخفضت إلى 81 بالمئة في عام 2012 و68 بالمئة في عام 2013 و71 بالمئة في عام 2014، أما حصّة الشحن البحري، فكانت 5 بالمئة في 2011 وارتفعت إلى 17 بالمئة في 2012 و29 بالمئة في 2013 و27 بالمئة في عام 2014. أما عدد الشاحنات التي تذهب إلى دول الخليج برّاً فيصل إلى 10206 شاحنة سنوياً، وهي تتوزّع موسمياً على اشهر السنة، والعدد الأقل من الشاحنات يذهب بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل، والعدد الأكبر بين حزيران/ يونيو، وكانون الأول/ ديسمبر، اما المعدّل اليومي لعبور شاحنات التصدير البرية فيصل إلى ذروته في شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الاول/ أكتوبر، اذ يرتفع عدد الشاحنات ما بين 42 شاحنة و50 شاحنة يومياً، وهذا ناتج عن نضج مواسم الحمضيات والفاكهة الصيفية وبعض أنواع الخضر، يليها الموز في اواخر تشرين الأول/ أكتوبر وبداية تشرين الثاني/ نوفمبر، أما الحدّ الأدنى للشاحنات فيتراوح بين 15 و24 شاحنة يومياً خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو، هذا يعني أن المشكلة التي يعانيها المصدرون المحليون لم تصل إلى ذروتها بعد، وأن هناك إمكانية للمعالجة.

امام هذا الواقع اقر مجلس الوزراء مرسوماً يحمل رقم 2156 ويقضي بمنح <إيدال> سلفة خزينة بقيمة 21 مليار ليرة لدعم فرق كلفة تصدير الصادرات الزراعية والصناعية إلى الدول العربية لمدة سبعة أشهر على أن يُدفع الدعم شهرياً وفقاً لآلية تضعها المؤسسة، وذلك بعدما اكد رئيس المؤسسة نبيل عيتاني واستناداً الى عروض من شركات الشحن البحري والبرّي، أن الفرق بين الكلفتين من المفترض أن يتراوح بين الـ 700 دولار والألف دولار لكل شاحنة.

للإطلاع على اهمية هذا القرار وعلى آلية العمل المُتبعة وعلى أسباب اختيار مرفأ طرابلس لتطبيق خطة جسر العبور البحري، قابلت <الأفكار> رئيس مجلس إدارة <إيدال> المهندس نبيل عيتاني، ورئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي الأستاذ توفيق دبوسي.

 

آلية التصدير البري

 عيتاني أشار الى ان الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة السائدة في المنطقة، وإقفال الحدود البرية أمام صادراتنا من المنتجات الصناعية والزراعية، أدى إلى تراجع الصادرات الزراعية اللبنانية خلال الأشهر الثلاثة التي تلت عملية إقفال الحدود، كما تراجع حجم النقل البري، مما أدى الى ضرورة البحث عن حل بديل للنقل البري،  فأوجدنا آلية جديدة،  والهدف من هذه الآلية هو ضمان انسياب الإنتاج اللبناني إلى الأسواق التقليدية وخاصة دول الخليج والأردن التي تستقطب جزءاً كبيراً من الصادرات اللبنانية، كما الحفاظ على موقع المنتج اللبناني في هذه الأسواق وتثبيت ثقة المستهلك به وتأكيد صدقية المنتجين اللبنانيين تجاه شركائهم التجاريين في هذه البلدان، كما والحفاظ على التوازن ما بين العرض والطلب داخل الأسواق اللبنانية.

سألناه:

ــ وفقاً لأي قرار تم منح <إيدال> سلفة الخزينة وكم بلغت قيمتها؟

ان المرسوم رقم 2156 الذي أُقر في مجلس الوزراء يقضي بمنح <إيدال> سلفة خزينة بقيمة 21 مليار ليرة، لدعم فرق كلفة تصدير الصادرات الزراعية والصناعية إلى الدول العربية لمدة سبعة أشهر على أن يدفع الدعم شهرياً وفقاً لآلية تضعها المؤسسة.

وفي ما يتعلق بآلية العمل أفادنا عيتاني:

- ان الآلية ترتكز على ثلاثة أسس، تتمثل بفتح خط منتظم للنقل البحري بين الموانىء اللبنانية ومرفئي ضبا والعقبة لنقل الشاحنات اللبنانية، وتسهيل نقل الشاحنات المحملة بالمنتجات اللبنانية إلى دول الخليج والأردن، وذلك عبر منح دعم لكل شاحنة تحمل منتجات لبنانية مصدّرة عبر البحر إلى الدول المذكورة باستخدام العبارات على أنواعها (RORO) و(ROROPAX)، وعبر خطوط النقل المختلفة التي يمكن أن تسلكها مباشرة أو غير مباشرة>.

ــ وماذا عن مواصفات الشركات المؤهلة للتصدير؟

- ان الشركات المصدرة المنتسبة إلى برنامج تنمية الصادرات الزراعية (AGRI PLUS) تُعتبر مسجلة حكماً في برنامج دعم النقل البحري. أما الشركات المصدّرة للإنتاج الصناعي أو الزراعي غير المسجلة في برنامج (AGRI PLUS)، والراغبة بالاستفادة من دعم كلفة النقل البحري، فمدعوة إلى تقديم انتسابها إلى المؤسسة وفق طلبات تم إعدادها لهذه الغاية.

ــ وهل من مواصفات معينة لشركات النقل البحري؟

- ان المؤسسة تعتمد شركات النقل البحري المؤهلة لنقل المنتجات اللبنانية بعد إجراء عملية تقييم لهذه الشركات وفق معايير محددة خاصة بالشركة الناقلة والسفن المستخدمة، وهنا لا بد من الإشارة الى ان <<إيدال> تفتح مجال التنافس بين شركات القطاع الخاص ضماناً لجودة الخدمة والسعر الأكثر انخفاضاً، كما لا بد من التشديد والتنويه بدور شركات المراقبة التي لا تقوم بمراقبة جودة البضائع المصدّرة فحسب، بل إنها تراقب أيضاً عدد الشاحنات التي تم تحميلها على العبّارات المعتمدة من قبل <إيدال>، وتعدّ تقارير حول الصادرات التي تم نقلها على العبّارات وعدد الشاحنات والمنتجات وأسماء المصدّرين والكميات وفق كل عبّارة ووفق كل رحلة.

ــ هل من تاريخ محدد لبدء تنفيذ هذه الآلية؟

- ان تاريخ بدء تنفيذ هذه الآلية سيُحدد بعد اكتمال الجهوزية وأدوات التنفيذ، و<إيدال> حتى تاريخه قد أتمت جميع الاستعدادات اللوجستية، وبالفعل قد انطلقت العبّارة الأولى من مرفأ طرابلس إلى مرفأ ضبا الأسبوع الفائت، وهي أولى العبّارات المسجلة في المؤسسة، واتوقع أن تنعكس هذه الآلية زخماً وتسريعاً لعملية التصدير ليصل الحجم المتوقع للصادرات في نهاية الأشهر السبعة إلى 150 ألف طن.

 

لماذا مرفأ طرابلس؟

وللإطلاع على أهمية هذا القرار وعلى سبب اختيار مرفأ طرابلس دون سواه لإطلاق العبّارة الأولى، وعلى آلية عمل العبّارة انتقلت <الافكار> الى طرابلس وقابلت الأستاذ توفيق دبوسي رئيس غرفة طرابلس الذي أعلمنا ان فكرة النقل البحري كانت وليدة البحث في الوسائل الآيلة الى مساعدة الصادرات اللبنانية من زراعية وصناعات غذائية الى ولوج الأسواق العالمية والدولية بعدما سُدّت في وجهها أبواب العبور البري بفعل الاحداث الاستثنائية التي تمر بها سوريا في المرحلة الراهنة، فكان لنا التوجه لتوسل وسائل النقل البحري واستخدام عدد من السفن المدحرجة (الرورو)، ومن ثم الانتقال الى استخدام العبّارات التي تتسع لأكبر عدد من الشاحنات المبرّدة التي تنقل الصادرات اللبنانية باتجاه كل من الأردن والمملكة العربية السعودية.

ــ المتتبع لتطور الاحداث يعلم ان غرفة طرابلس دعت لحضور ورشة عمل حول آلية الجسر البحري للصادرات اللبنانية في مقر الغرفة، فما كان مضمون ورشة العمل؟

- لقد دعت غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر المصدرين اللبنانيين كافة الى حضور ورشة عمل حول الجسر البحري للصادرات اللبنانية وذلك بالتعاون مع المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان <إيدال> وإدارة مصلحة استثمار مرفأ طرابلس، وذلك بغية التزود بالمعلومات المتعلقة بآلية دعم الصادرات، علماً ان الغرفة كانت السباقة في التعاون مع <إيدال> لإطلاق المشاريع وتقديم التسهيلات لتشجيع حركة الصادرات باللجوء الى وسائل النقل البحري، وهنا لا بد من الإشارة الى ان برنامج الدعم يضمن انسياب الإنتاج اللبناني الى الأسواق التقليدية وخاصة دول الخليج والأردن التي تستقطب جزءاً كبيراً من الصادرات اللبنانية، كما يحافظ على موقع المنتج اللبناني في هذه الأسواق، ويثبت ثقة المستهلك به، ويؤكد صدقية المنتجين اللبنانيين تجاه شركائهم التجاريين في هذه البلدان، ويحافظ على توازن العرض والطلب داخل الأسواق اللبنانية في ظل الظروف السياسية والأمنية الصعبة التي تسود المنطقة.

نبيل-عيتاني1ــ لماذا اختيرت <إيدال> دون سواها لاعطائها سلفة لدعم فرق كلفة التصدير؟

- ان اختيار <إيدال> لم يأتِ بطريقة عبثية، لان <إيدال> في الأساس هي مؤسسة عامة لتشجيع الاستثمار في القطاعات الاقتصادية كافة وبشكل خاص دعم الصادرات، وهي مرتبطة مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ومن جهتنا كغرفة رفعنا كتاباً الى الرئيس تمام سلام نطالب فيه بدعم فارق النقل وتم التجاوب معنا واتخذ المجلس قراراً وفقاً للمرسوم 2156 يقضي بمنح <إيدال> سلفة بقيمة 21 مليار لدعم فرق كلفة النقل وذلك لمدة سبعة اشهر.

ويتابع دبوسي قائلاً:

- وكغرفة صناعة وتجارة وزراعة نرى ان خيار الدعم في المرحلة الاقتصادية الحرجة هو خيار استراتيجي، وذلك بغية المساهمة في تحقيق النهوض الاقتصادي وتجاوز الركود الذي تعاني منه مختلف القطاعات الاقتصادية لا سيما قطاع الصادرات.

ــ وماذا عن اختيار مرفأ طرابلس لتطبيق آلية جسر العبور البحري؟

- لا يخفى على احد ان مرفأ طرابلس يتمتع بموقع استراتيجي فريد وهو الأقرب الى كل المحطات البحرية سواء في الأردن او المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية، ناهيك عن كونه يتمتع بجهوزية تامة نظراً للتقنية المتوافرة نتيجة لورشة التحديث والتطوير التي أحدثها وما يزال مستمراً بها، وهو بالفعل شريان اقتصادي تجاري للبنان.

ــ كم تستغرق عملية نقل البضائع؟ وكم هي القدرة الاستيعابية للعبّارة؟

- بحسب اصحاب العبّارات وغيرها من وسائل النقل البحري، فإن الرحلة تستغرق ثلاثة أيام لكي تصل الى السويس، والعبّارة تستطيع ان تنقل 64 شاحنة وهي تتميز بأنها تنقل السائقين معها.

وختاماً ألمح دبوسي الى ان الظروف التي نمرّ بها في الوقت الحاضر تشوبها الكثير من الصعوبات، ولكن بالرغم من ذلك فإننا نتفاءل دوماً بأنها مرحلة عرضية وتمر، وذات يوم سنصل الى مرحلة الاستقرار المنشود لمؤسساتنا العامة والخاصة، فالظروف التي نمر بها صعبة وعلينا التضامن حتى نصل الى بر الأمان.