تفاصيل الخبر

أهالي الضحايا والمفقودين يروون لـ"الأفكار" أصعب اللحظات عند وقوع إنفجار المرفأ :كنا ننتظر سماع خبر نجاتهم ولكن الآن ننتظر العثور أقله على أشلائهم لندفنهم ونبكيهم

14/08/2020
أهالي الضحايا والمفقودين يروون لـ"الأفكار" أصعب اللحظات عند وقوع إنفجار المرفأ :كنا ننتظر سماع خبر نجاتهم ولكن الآن ننتظر العثور أقله على أشلائهم لندفنهم ونبكيهم

أهالي الضحايا والمفقودين يروون لـ"الأفكار" أصعب اللحظات عند وقوع إنفجار المرفأ :كنا ننتظر سماع خبر نجاتهم ولكن الآن ننتظر العثور أقله على أشلائهم لندفنهم ونبكيهم

بقلم وردية بطرس

[caption id="attachment_80349" align="alignleft" width="445"] الطفلة الضحية الكسندرا تحمل العلم اللبناني خلال التظاهرات[/caption]

مآسي اللبنانيين لا تنتهي وذاكرة بيروت مليئة بالمآسي والحروب، ولكن الرابع من آب (أغسطس) 2020 تاريخ لن ينساه اللبنانيون، إذ خلال ثوان تدمرت مدينتهم بيروت، فالانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت أدى الى مقتل 171 شخصاً ونحو 6 آلاف جريح، فالوهلة التي تلت الانفجار دفعت اللبنانيين الى الغوص من جديد في جروح لم تندمل لماض قريب بعيد... ما حصل في مرفأ بيروت كارثة فهو أقوى إنفجار تشهده بيروت وهي مدينة لا تزال تحمل ندوب الحرب الأهلية التي دارت رحاها قبل ثلاثة عقود وتعاني أزمة مالية شديدة تمتد جذورها الى عقود من الفساد وسوء الادارة الاقتصادية. الوجع كبير وكبير جداً، ففي ذلك اليوم المشؤوم زُهقت أرواح الناس بأبشع ما يكون، فصور الجثث والجرحى التي نُشرت في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أعادت لنا ذكريات أليمة ما زالت شاهدة على بشاعة الحروب والانفجارات، واليوم جاء هذا الانفجار ليفتح جروح اللبنانيين الذين فقدوا أبناءهم وأقاربهم وأصدقاءهم بغفلة لم يتسنَ لهم حتى أن يودعوهم... هناك أهالي لا يزالون ينتظرون سماع خبر نجاة أولادهم او حتى استلام جثثهم بعدما فقدوا الأمل بنجاتهم حيث مضى أكثر من اسبوع ولا من جواب... تتوالى القصص الحزينة جراء تداعيات فاجعة انفجار مرفأ بيروت التي هزّت العالم كله.

بول نجار والد الطفلة الكسندرا يحكي عن "فراشة بيروت " وأصغر ضحية

 

[caption id="attachment_80354" align="alignleft" width="258"] بول نجار يحمل ابنته الكسندرا خلال تظاهرات بيروت[/caption]

 كل ضحية سقطت في هذا الانفجار تركت وراءها ألماً كبيراً في قلوب أهلها وأحبائها وأكثر القصص حزناً وألماً هي وفاة الطفلة الكسندرا نجار ابنة الثلاث سنوات متأثرة بجروح أصيبت بها جراء الانفجار المروّع، إذ يتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للطفلة الكسندرا التي وصفوها بـ (فراشة بيروت) مرفقة بعبارات تدمع لها العيون، فالطفلة (الكسو) كما يناديها والدها السيد بول نجار التي أبكت قلوب اللبنانيين هي أصغر ضحية إذ لم يتمكن جسدها الصغير من تحمّل الجروح التي أصيبت بها جراء سقوطها في منزلها من ضغط الانفجار، ففارقت الحياة متأثرة بجراحها.

ليس هناك أصعب من أن يتحدث الأب عن فقدان طفلته بهذه الطريقة المؤلمة ويقول السيد بول نجار بحرقة:

 لحظة وقوع الانفجار كنا في منزلنا في الجميزة الذي يطل على مرفأ بيروت. اذ قمت وزوجتي بتأسيس شركة لنا وكنا نعمل في المنزل لأننا لا نريد مغادرة وطننا بل أن نبقى ونعمل هنا بالرغم من كل شيء لأنه كان لدينا أمل بأن نساهم في نمو البلد، لكي تكبر ابنتي (الكسو) في هذا البلد، ولكن ذلك الحلم لم يتحقق فرحلت وتركت ألماً كبيراً في نفوسنا وقلوبنا. كانت ابنتي (الكسو) تلعب مع صديقاتها ونشكر الرب أن صديقاتها غادرن قبل وقوع الانفجار. وكما كل الناس في المناطق القريبة من مرفأ بيروت عاشوا صدمة كبيرة عند لحظة وقوع الانفجار، وكانت الصدمة الكبيرة أن ابنتي طارت وارتطم رأسها ربما بالحائط او البيانو وأيضاً زوجتي تريسي طارت من قوة الانفجار ولكنها لم تفقد الوعي فاستطاعت أن تهرع الى الكسو لتحميها بجسدها ولكن سقط مكيف الهواء و(الفلوبلافون) على زوجتي فتكسرت ستة أضلع لها ولكنها بخير الآن، الا أن الضربة كانت شديدة، أما ابنتي فلم تتحمل وفارقت الحياة متأثرة بجروحها ولم تقدر أن تحارب لأنها تلقت ضربة شديدة على رأسها. وهكذا رحلت ملاكنا (ألكسو).

ويتوجه لكل المسؤولين بكلمة:

أقول لكل المسؤولين: جميعكم مسؤولون عما حصل في مرفأ بيروت، منذ ثلاثين سنة وأنتم ترتكبون الجرائم بحقنا كشعب، وأتمنى الا يقدر أحد منكم أن ينام منذ هذه اللحظة، فما ارتكبتموه بحقنا هو جريمة، جريمة بحق عائلتنا جريمة بحق (الكسو)، وهي جريمة بحق الحب لأنه اذا كان هناك ما نؤمن به فهو الحب وهذا هو أساس الذي بنيت عليه عائلتنا: الحب. ولكن أنتم يا أيها المسؤولون مجرمون، وانا لا أسمي ابنتي (الكسو) شهيدة لأنه بالنسبة الي هي ضحية، ضحية جريمة كبيرة جداً بحق اللبنانيين.

فاجعة أهالي أبطال فوج إطفاء بيروت

 

[caption id="attachment_80352" align="alignleft" width="351"] أبطال فوج الاطفاء الشهداء[/caption]

كل لبنان حزين على الضحايا الذين سقطوا في هذا الانفجار الذي هزّ البلد بأكمله، والألم والحزن يخيّم على كل منطقة فقدت اولادها وأهلها، ولكن الحزن الكبير يخيّم على بلدة قرطبا التي رفعت صورة عملاقة لثلاثة شبان بزي رسمي هم نجيب حتى (26 عاماً) وابن عمه شربل حتي (22 عاماً) وزوج شقيقته شربل كرم (37 عاماً) في خلفية الصورة انفجار المرفأ وثلاثة اطفائيين يحاولون اخماد النيران... قبل وقت قصير من دوي الانفجار الضخم الذي دمّر مرفأ بيروت والمناطق المحيطة تلقى فوج اطفاء بيروت اتصالاً عن اندلاع نيران في المرفأ الذي يبعد دقائق عن مركزهم. استقل عشرة عناصر من الفوج سيارتي اطفاء وهرعوا الى الموقع من دون أن يعلموا ما ينتظرهم داخل العنبر رقم 12... هؤلاء الأبطال لم يتأخروا يوماً عن نداء استغاثة، لكن نداء ذلك الثلاثاء كان الأخير في حياة الأبطال العشرة الذين ذهبوا الى مرفأ بيروت ولم يعودوا. في بادىء الأمر أدرجوا بعداد المفقودين لساعات لكن محافظ بيروت مروان عبود أعلن أنهم خسروا 10 عناصر من فوج اطفاء بيروت هم 9 شبان وشابة. فالأبطال الذين هرعوا الى مكان الانفجار هم شربل كرم، الياس خزامي، ورامي الكعكي، ونجيب حتي، وشربل حتي، وجو بو صعب، ورالف ملاحي، وجو نون، ومثال حوا. والشابة هي سحر فارس.

 

السيدة ريتا حتي والدة المسعف نجيب حتي: قدمنا أبطالاً وأقله نريد أن يجدوا أشلاءهم لندفنهم

وحكاية ثلاثة أبطال من قرطبا مؤلمة لا يمكن وصفها لأن أهاليهم قدموا اولادهم كأبطال وكانت النتيجة وخيمة.. الألم يعتصر قلب السيدة ريتا حتّي التي لا تعلم حتى الساعة عما اذا كان ابنها نجيب حياً يُرزق وتختنق الكلمات في حنجرتها وتقول:

 هل هناك شعور أقسى وأصعب من أن تقول الأم أنها أُبلغت أنهم وجدوا ساقاً في مكان الانفجار والآن يُجري فحص (دي أن اي) للتأكد من هوية الضحية. ماذا أقول فالمصيبة كبيرة، ونحن كأهالي نطلق

[caption id="attachment_80346" align="alignleft" width="158"] الشهيد نجيب في فوج الاطفاء[/caption]

صرخاتنا ولكن اذا لم يسمع المسؤولون هذه الصرخات فما النفع، اذ مرّ أكثر من اسبوع ولا من يستجيب لصرخاتنا وندائنا لمعرفة مصير المفقودين. ما حصل معنا فظيع نحن قدمّنا ثلاثة شبان لفوج اطفاء بيروت... ماذا أقول لك لقد راح ابناؤنا غدراً، لقد خسرنا ثلاثة شبان من العائلة نفسها. ابني نجيب يعمل في فوج اطفاء بيروت منذ سنتين وأيضاً ابن عمه شربل حتي بدأ العمل في  فوج اطفاء بيروت منذ سنتين، وشربل كرم هو صهري اذ يعمل منذ 13 سنة في فوج اطفاء بيروت. لقد علمت بالانفجار وشاهدت ذلك على التلفزيون وقبل وقوع الانفجار كان صهري شربل يتحدث مع ابنتي واخبرها أنه سيأتي الى المنزل، لهذا اعتقدنا أنهم ليسوا في موقع الانفجار عند وقوعه. لقد وصل دوي انفجار مرفأ بيروت الى قرطبا وفي تلك اللحظة التي علمت أنه وقع الانفجار في مرفأ بيروت أدركت أننا خسرنا شبابنا.

ومنذ الصباح شعرت السيدة ريتا بشعور مخيف وتقول:

كأم لا أقدر أن أصف لك ما شعرت به عندما علمت بأن الانفجار وقع في مرفأ بيروت، ولكنني منذ الصباح انتباني شعور مخيف لا أعلم كيف أشرح ذلك، وأكثر ما يؤلمنا أننا لا نحصل على اي جواب وماذا حلّ بشبابنا في ذلك اليوم، ولا تسأليني عن أي مسؤول فنحن في لبنان ليس لدينا مسؤولون ولا دولة... نصلي للرب بأن يرجع الشباب بالسلامة لنا.

السيدة وفاء كرم شقيقة شربل: كان قلبه ينذره بأمر سيىء

 

[caption id="attachment_80351" align="alignleft" width="200"] المسعفة الشهيدة سحر فارس[/caption]

ووجع السيدة وفاء كرم كبير جداً لأنها حتى الساعة لا تعلم ماذا حلّ بشقيقها وابن اختها وشقيق زوجة اخيها وتروي لنا ماذا حصل مع الشبان الثلاثة أبناء قرطبا:

يعملون سوياً في فوج اطفاء بيروت وصادف أنه كان يوم عمل لأخي شربل (37 سنة) اذ كان كان ضمن الفوج الأول، وكما تعلمين يكون هناك فوج اول وثاني اي اذا اندلع الحريق ينطلق فوج، وصادف أنهم كانوا ضمن الفوج الأول لاطفاء الحريق الذي اندلع في مرفأ بيروت. وكان قد ابصر شربل حلماً بشعاً قبل يوم من وقوع الانفجار وكان قلبه ينذره بأمر سيىء ولكن لم يكن بالامكان أخذ عطلة في ذلك اليوم لأن زملاءه كانوا في عطلة عيد الأضحى ولا يقدر أن يأخذ فرصة، وقصد عمله ولكنه كان يشعر بالقلق اذ لاحظنا أنه كان مهموماً، كان يشعر بأن أمراً مخيفاً قد يحدث ولكن لم يكن يدرك أن هذا الأمر المخيف قريب منه. أخي شربل متزوج وله ابنتان: واحدة بعمر السنتين ونصف السنة والثانية عمرها 11 شهراً. لا أقدر أن اصف لك شعوري أنها مصيبة كبيرة ليس لأنه شقيقي ولكنه انسان طيب وفريد من نوعه.

ولأن شقيقها شربل كان قد اتصل بابنته عند الساعة 5:55  ولهذا لم تدرك في البداية أنه في مكان الانفجار وتقول بحسرة:

لم نفكر بأنه موجود في مكان الانفجار لأنه كان يتحدث بالهاتف مع ابنته وأظهر لها بالفيديو أنه ذاهب لاطفاء حريق كما يفعل دائماً اذ يعلمها أنه متوجه لمكان الحريق. ولهذا كنا مطمئنين في البداية لأنه بذلك الاتصال اعتقدنا أنه بعدما وقع الانفجار توجه الى الموقع ولكننا لم ندرك أنه كان بموقع الانفجار عندما حصل. من ثم انتظرنا ماذا حصل في مرفأ بيروت الا أن كانت الصدمة الكبيرة عند اعلان محافظ بيروت أنهم فقدوا عشرة مسعفين من فوج اطفاء بيروت، وعلمنا بأنهم كانوا ضمن الفوج الأول الذي توجه الى مرفأ بيروت وقالوا لنا أنهم في المستشفيات بدأنا نتنقل بين المستشفيات ولغاية الآن لا نعرف شيئاً. لقد فقدنا الأمل بعد مرور أكثر من عشرة أيام اذ في اليومين الأولين كنا ننتظر سماع خبر نجاتهم ولكن الآن اصبحنا ننتظر أن يجدوا أشلاءهم أقله لندفنهم ونبكيهم.

وابن اختي شربل حتي ايضاً لا نعرف ماذا حلّ به وهو ايضاً يعمل مع اخي اذ بدأوا العمل مع شقيقي نجيب منذ سنتين وصادف أنهم كانوا بفرق أخرى ولكنهم عملوا جاهدين ليكونوا ثلاثتهم سوياً في فوج اطفاء بيروت لأني اخي كان يهتم به اذ كان المسؤول عن فرقهم وكان يردد أنه يعتني بهم اذ أرادهم بجانبه وبالفعل عملوا سوياً ووقعت المصيبة. وجعنا كبير وندفع الثمن غالياً، نأمل أن تتم محاسبة المسؤولين عن وقوع هذا الانفجار وليس محاسبة الصغار كما يحصل في كل مرة، لقد خسرنا اغلى ما لدينا ولكننا نخاف على حياة الشباب ولا نريد أن تحترق قلوب الناس على فلذات أكبادهم مثلنا، نريد فقط المحاسبة لئلا تحترق قلوب الأمهات والآباء... واذا لم يُحاسبوا نقول (الله كبير وهناك آخرة..) لا نعلم ماذا نقول ونأمل أن تتحقق العدالة.

 

جيلبير قرعان خطيب المسعفة البطلة سحر فارس يروي عن آخر لحظات حياتها

البطلة سحر فارس ابنة القاع (27 عاماً) دفعت حياتها ثمناً لتلبية نداء الواجب حين همّت وزملاؤها لاخماد النيران التي اندلعت في العنبر رقم 12 قبل الانفجار الكبير في مرفأ بيروت. انها بطلة كانت على وشك الزواج وبدل أن ترتدي الفستان الأبيض دُفنت في نعش ابيض وسط مأتم مهيب بكاها أهلها في القاع. لقد نشرت فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوم وداع البطلة سحر، اذ عانق خطيبها نعشها بجنازتها حاملاً قطعة من ثيابها. خطيبها جيلبير قرعان لم يتمالك نفسه وودعها في حالة انهيار وكتب فيها نعياً مؤثراً أبكى ملايين الناس. وكان قد كتب في منشور على تويتر: "عروستي الحلوة كان عرسنا بـ 6- 6- 2021 عم تزبطي بيتك على ذوقك ونجيب غراض ونحضر، أنت ترقيتي بسرعة بالفوج وصرتي شهيدة برتبة وطن. عرسك بطل بـ 6-6-2021 صار بكرا يا عيوني. كلشي كان بدك ياه حايكون موجود الا شوفتي فيكي بالفستان الأبيض. كسرتيلي ضهري يا روحي حرقتيلي قلب قلبي راحت طعمة الحياة مع غيابك عني. الله يحرق قلبو يلي حرمني منك ومن ضحكتك ومن حنيتك يا روحي أنتي. بحبك وحا ضل حبك حتى صير معك ونكفي مشوارنا".

وعن آخر اتصال اجراه مع خطيبته سحر يقول جيلبير بألم:

اتصلت بي عند خروجها للمهمة، كانت في سيارة الاسعاف رأيتها عبر المكالمة المرئية، لم تنطق بكلمة بل أشارت اليّ بيدها (باي)، وعندما وصلت الى مكان الحريق أرسلت اليّ فيديو... اتصلت بها كانت خائفة، تنظر يميناً ويساراً، طلبت منها أن تركض اذا كان ثمة خطب ما... بدأت بالركض فحصل الانفجار الأول وبعد 15 ثانية وقع الانفجار الثاني. لقد أحبت سحر عملها بشكل كبير، كل من في فوج الاطفاء يحبونها، وقبل نصف ساعة من الحادث أطلعوها أنه يمكنها المغادرة والعودة الى البيت الا أنها أصرت على البقاء فحصلت الكارثة. في البداية عندما رأيت المشاهد المرعبة في مكان الانفجار خفت كثيراً وقلت في نفسي يا رب لا أريد أن اذوق مرارة هذا الكأس فلن أقوى على مرارته، وطلبت منه أن يأخذ روحي بدلاً عنها. عندما وصلت الى موقع الانفجار ركعت امام أحد الضباط وقلت له اذا رأيتها أعلمني ولا تتركني أبحث سدى لأنني لن أذهب الا وهي معي، وقال لا تذعر يا بني الأمر غير واضح الآن ولا نعرف شيئاً حتى الساعة.

تختنق الكلمات وجعاً ويقول جيلبير بحرقة وألم:

 كنت أود أن أراها بالفستان الأبيض، لكنني دفنتها بتابوت أبيض... لقد رحلت خطيبتي سحر من سيعوض، أنا اليوم فقدت الأحاسيس، كيف أتحمل أن أرى هذه الوردة هذه البطلة الشجاعة التي كانت تسعف الناس وتنقذهم من النيران ترحل بهذا الشكل. كان زواجنا مقرراً بعد ستة أشهر ولكن سحر لم تلبس الفستان الأبيض لكنها زُفّت بالنعش الأبيض. لقد رحلت سحر فهل هناك أحد يفسر لي ماذا حصل في ذلك اليوم.

لقد عملت سحر في مستشفيات عدة ولكنها تركت العمل وقالت لي إنها تريد أن تعمل في الدولة ويوماً ما ستُوضع نجمة على كتفها وتلقى علي التحية فأجبتها سألقي عليك ألف تحية لأنني افتخر بك كثيراً، وبالفعل حصلت على ترقية بسرعة وكل الناس يلقون عليها التحية بافتخار... ويوم وداعها الأخير وضعت خاتمها في رقبتي ولن أنزعه طوال حياتي لأنه يوم جنازتها كان يوم عرسها ايضاً ومعها دفنت أحلامي اذ خسرت كل شيء أحلامي ومستقبلي. سحر غادرتنا "طلعت عالسما وعينها علي وانا كمان ما رح اتركها عيني عليها وعلى اهلها... سحر بحبك لآخر نفس".