تفاصيل الخبر

اجتماع باريس ركز على ضرورة تشكيل حكومة جديدة قبل اطلاق أي مبادرة عملية لمساعدة لبنان!

20/12/2019
اجتماع باريس ركز على ضرورة تشكيل حكومة جديدة  قبل اطلاق أي مبادرة عملية لمساعدة لبنان!

اجتماع باريس ركز على ضرورة تشكيل حكومة جديدة قبل اطلاق أي مبادرة عملية لمساعدة لبنان!

لم يشكل خلو مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي انعقد في باريس الأسبوع الماضي، من أي قرارات عملية تترجم عنوان المجموعة، أي دعم لبنان، أي مفاجأة للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لأن كل المؤشرات كانت توحي بأن الاجتماع في العاصمة الفرنسية لن تصدر عنه قرارات عملية تساعد لبنان في تجاوز الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها، بل سيقتصر الأمر على <توجيهات> تعطيها الدول المشاركة للبنان. حتى ان دعوة عدد من دول الخليج العربي التي يمكن أن تساهم في انقاذ لبنان من الوضع الذي يمر به، ظلت من دون ترجمة عملية، لاسيما وان الدولة الخليجية الأكبر، أي السعودية، غابت عن جلسات المؤتمر بعدما كان وفدها قد حضر صباحاً الى وزارة الخارجية الفرنسية والتقى عدداً من المسؤولين الفرنسيين ثم غادر قبيل بدء الجلسات!

وإذا كان البعض قد اعتبر ان اجتماع باريس وضع <خريطة طريق> للدولة اللبنانية ينبغي اعتمادها في المرحلة المقبلة، فإن عناوين هذه الخريطة ليست غائبة عن عيون اللبنانيين وعقولهم، لكن العبرة تبقى في التنفيذ الذي يستحيل وسط التجاذبات السياسية التي يعيشها لبنان حالياً والتي تفاقمت مع اتساع <الحراك الشعبي> في ما اصطلح على تسميته <ثورة 17 تشرين> المستمرة منذ شهرين وبضعة أيام. إلا ان مؤتمر باريس يبقى في النهاية فرصة تذكرت فيها الدول المشاركة خطورة ما يعيشه لبنان من أحداث وأتى البيان الذي صدر ليؤكد على ما هو مؤكد لجهة ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه وهذا يتطلب التشكيل الفوري لحكومة لها القدرة والصدقية. وقبل ذلك رأت المجموعة انه من الضروري تبني سلة اصلاحات مستدامة وموثوق بها لمواجهة التحديات الطويلة الأمد في الاقتصاد اللبناني. واللافت أن البيان تبنى بشكل مباشر أهداف <ثورة 17 تشرين> عندما أورد في متنه ان الاجراءات المشار إليها (الاصلاحات وغيرها) <تعكس تطلعات الشعب اللبناني منذ 17 تشرين الأول>.

 

تكرار لقرارات سابقة!

 

وكرر المجتمعون ما كان اللبنانيون على معرفة به لجهة ضرورة إقرار موازنة 2020 في الأسابيع الأولى بعد تشكيل الحكومة الجديدة من أجل تحسين الميزانية العامة، مع الحفاظ على الأمن الاجتماعي للشعب اللبناني، علماً ان لجنة المال والموازنة النيابية أنهت درس مشروع موازنة 2020 وستحيله خلال الأيام القليلة المقبلة الى الهيئة العامة لدرسه واقراره. أما في ما يتعلق بدعوة المجتمعين السلطات اللبنانية <للعمل على إعادة الاستقرار الى القطاع النقدي ومحاربة الفساد وإقرار القوانين التي تساعد على ذلك وإقرار خطة اصلاح الكهرباء ومن ضمنها آلية فاعلة حكومية وجهة ناظمة مستقلة>، فلا بد من الإشارة الى ان المجتمعين في باريس كرروا ما كان سبق أن أعلنته الحكومة اللبنانية عن اجراءات مالية اتفق عليها لضبط التدهور المالي في البلاد إضافة الى الخطوات القانونية لمكافحة الفساد مع وجود مشاريع واقتراحات قوانين في مجلس النواب تنتظر اقرارها في الهيئة العامة. لكن ما يجدر التوقف عنده في هذه الفقرة بالذات هو الإشارة الى <جهة ناظمة مستقلة> لإدارة شؤون الكهرباء، أي تشكيل هيئة ناظمة لا تزال عالقة منذ سنوات لضرورة تعديل قوانين تتناقض مع وجود الهيئة وعملها. وهذا المطلب الفرنسي القديم ــ الجديد يؤكد ان البصمات الفرنسية على البيان كانت واضحة.

كذلك كان واضحاً الحضور الفرنسي في نص البيان لاسيما من خلال الإشارة الى مؤتمر <سيدر> حيث تم التأكيد على ان قراراته لا تزال سارية وان على السلطات الالتزام بوضع المشاريع الاستثمارية على قائمة الأولويات من خلال لجنة وزارية. وهذه الإشارة تكاد تكون الإشارة الايجابية الوحيدة في بيان المجموعة لجهة التأكيد على التزام قرارات <سيدر> بعدما كانت معلومات قد شاعت عن امكانية تراجع الدول المشاركة في <سيدر> عن التزاماتها، وبالتالي، فإن التأكيد عليها يريح اللبنانيين ويطمئنهم الى ان المشاريع الاستثمارية لا تزال قائمة وان المطلوب عودة الاستقرار الى البلاد لاطلاقها... كذلك كانت ايجابية، لكنها غير جديدة، الإشارة الى ان الدعم من المؤسسات المالية الدولية ضروري لمساعدة السلطات في جهودها لتطبيق الاصلاحات، لكن هذا التأكيد لم يرفق بشيء عملي وظل في سياق العناوين العامة. تبقى الإشارة الى ما ورد في البيان من <ثناء> على دور الجيش والقوى الأمنية في حماية المتظاهرين والدعوة الى <الاستمرار في حماية الحق السلمي في الدفاع عن الرأي>. وقد رأت مصادر معنية في هذه الإشارة <رسالة قوية> الى المسؤولين اللبنانيين بعدم الضغط على القيادات الأمنية لـ<قمع> المتظاهرين، بل ضرورة توفير الحماية لهم. وفي تلك الرسالة أيضاً ما يوحي بـ<احتضان> المجموعة الدولية للمؤسسات الأمنية اللبنانية ولاسيما الجيش الذي واجه قائده العماد جوزف عون <مراجعات> كثيرة من أكثر من مرجع كبير للتدخل ومواجهة المتظاهرين للوصول في النهاية الى <اتفاق حبي> بأن تكون مهمة الجيش فقط فتح الطرق الرئيسية وتأمين حرية التنقل للمواطنين وحماية الممتلكات العامة والخاصة من أي تخريب.

 

<Du déjà vu>!

 

في أي حال، انتهى اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان وتفرق المشاركون حاملين معهم قرارات يمكن أن توصف بالمثل الفرنسي <Du dejà vu>، أي ان ما نشر ليس جديداً وسبق أن تم التأكيد عليه في أكثر من مناسبة. إلا ان ما هو أبعد من البيان، ما توافر من معلومات حول النقاش الذي دار في الجلسة المغلقة التي سبقت الاجتماع الموسع، والتي قالت فيها الوفود <كلاماً كبيراً> عما يجري في لبنان، مع تركيز دائم على ضرورة تشكيل حكومة جديدة. فقد أورد عدد من المندوبين الحاضرين ملاحظات وصفت بأنها <قاسية> حول أداء المسؤولين اللبنانيين ومقاربتهم للتطورات السياسية والأمنية في لبنان <وعدم مبالاة> البعض منهم حيال استمرار الأزمة الحكومية وعدم <مبادرة> آخرين الى اعتماد خطوات عملية وفاعلة للخروج من الأزمة الراهنة، ومنهم من استعمل عبارة <يتعاطون بخفة> مع ما يجري في لبنان من أحداث. لكن التركيز على ضرورة تشكيل حكومة جديدة لم يقترن باسم أو أكثر من أسماء شخصيات لبنانية يمكن أن تتولى هذه المسؤولية خلافاً لما روجت له جهات سياسية لبنانية قالت إن المجتمعين في باريس طالبوا بأن يتولى شخص محدد رئاسة الحكومة اللبنانية.

وفي المعلومات أيضاً ان المجتمعين طالبوا بوجود <شريك> يتحدثون إليه ويبحثون معه سبل مساعدة لبنان، ومنهم من قال إن <الشريك> هو حكومة تشكل وتكون قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي، من دون أن يتحدث أحد عن شكل الحكومة هل هي تكنوسياسية أو تكنوقراط صرف وغيرها من التوصيفات التي يستعملها اللبنانيون في معرض حديثهم عن حكومتهم الجديدة. ويقول أحد الأعضاء الذين شاركوا في الاجتماع، ان <الشعور الوحيد> الذي طغى على السطح هو <شعور> بضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة شرط أن تحظى <بدعم الشعب> اللبناني لأنها ستكون مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة لمعالجة الأزمة، كما عليها أن تحظى بدعم الدول التي <تتفهم هموم الشعب اللبناني>. وتوقف المجتمعون ــ حسب المصادر المطلعة ــ عند ما سموه <القلق والخيبة> من السياسيين اللبنانيين حيال الوضع المزري الذي يمر به بلدهم والناتج عن <سوء ادارة> البلاد بدليل طريقة تعامل هؤلاء السياسيين مع مقتضيات مؤتمر <سيدر> وتجاهل ضرورة تنفيذ الالتزامات التي وردت في المؤتمر ما أدى الى فقدان الثقة بهؤلاء المسؤولين الذين أضاعوا سنة ونصف السنة من عمر لبنان من دون الاقدام على أي خطوة. وسجل المجتمعون للحكومة الفرنسية <تعاطيها المحبّ تجاه لبنان> على رغم <الخيبات> التي سببها السياسيون اللبنانيون، بدليل ان الجانب الفرنسي قدم خلال الاجتماع سلسلة اقتراحات تبقى ناقصة إذا لم تبادر الحكومة اللبنانية الجديدة الى التحرك العملي لاقرارها. وقد تجاوب عدد من الحاضرين ــ تضيف المصادر نفسها ــ مع اقتراحات فرنسية أهمها التواصل مع المؤسسات الأوروبية مثل البنك الأوروبي للتنمية الذي اقترح سلسلة نقاط في آلية لتسهيل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها لبنان. إلا ان النقاش حول هذه المسألة لم يصل الى حد طلب تدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقديم <النصح> واقتراحات للأخذ بها، على أساس ان مثل هذا التدخل يؤشر الى وضع لبنان على لائحة الدول الممتنعة عن تسديد التزاماتها تجاه الخارج، وهو أمر لم يحصل بعد.

 

<لا شيك على بياض>!

وتضيف المعلومات انه طغت على النقاش في الجلسة المغلقة فكرة اعطاء لبنان فرصة ستة أشهر للاصلاح كي لا يواجه لبنان الانهيار الشامل، إلا انه تم صرف النظر عن تحديد هذه المهلة الزمنية رسمياً، والاكتفاء بالإشارة إليها خلال المداولات التي حصلت، كما وردت عبارة <فترة سماح> في إحدى المداخلات، لكن هذه الفترة غير قابلة للتمديد وتبقى مشروطة بتشكيل حكومة <تلبي تطلعات الشعب اللبناني> بعد انطلاق <الثورة> في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لأنها وضعت لبنان ــ حسب بعض المداخلات ــ أمام مرحلة سياسية جديدة وغير مسبوقة. وقال أحد أعضاء الوفود المشاركة ان <الفرصة> التي أعطتها المجموعة ضمناً هي لاخضاع لبنان لاختبار للتأكد من مدى استعداده للاستفادة منها خصوصاً ان المساعدة هذه المرة <مشروطة> بمراقبة أممية ولن تكون كما في السابق <شيكاً على بياض>، وبالتالي يعود لمن هم في السلطة حرية التقدير في الانفاق من دون الرجوع الى صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية والعربية المشاركة في توفير الدعم المادي.

وبدا حرص المجتمعين في باريس لايصال رسالة واضحة الى المسؤولين اللبنانيين بأنهم ينتظرون خطوة من لبنان ليست فقط تشكيل حكومة جديدة، بل <حكومة شريكة> تلتزم إجراء خطوات اصلاحية صعبة، ما يعني ضرورة تمتعها بالدعم السياسي في مجلس النواب، سواء كان في الحكومة وزراء مسيسون أو كانوا خارجها، لأن المهم أن تحظى بثقة و<تفهم> الشعب اللبناني. أما عن قيام الدول المشاركة بمبادرة تجاه لبنان، فقد بقي الأمر الى ما بعد تشكيل حكومة جديدة، وهو ما شدد عليه الجانب الفرنسي.