[caption id="attachment_85021" align="alignleft" width="414"] اجتماع لرؤساء حكومة سابقين.[/caption]
انشغلت الأوساط السياسية الأسبوع الماضي بنبأ نشرته إحدى الصحف المحلية عن اجتماع عقد على عشاء في دارة الرئيس تمام سلام في المصيطبة جمع الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والوزير السابق غازي العريضي لاسيما وان المعلومات التي سربت عن هذا اللقاء انه تم بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وبعد الكلام الذي قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امام رئيس الحكومة حسان دياب وفيه ان الرئيس سعد الحريري "بيكذب" والذي نشر نتيجة خطأ تقني ارتكبه مصور تلفزيون لبنان لدى قصر بعبدا الذي نسي مكيروفون كاميرته مفتوحاً خلال تصوير اللقاء بين الرئيسين عون ودياب... ولعل ما زاد الاهتمام بهذا "الاجتماع" ما قيل ان الحاضرين بحثوا في قيام جبهة وطنية معارضة للعهد سوف تعمل على اسقاطه والتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.... لم يعمر الخبر طويلاً اذ سارع الرئيس سلام، وهو صاحب الدعوة، الى التوضيح بأن هذا العشاء حصل قبل اكثر من أسبوعين، أي قبل مؤتمر باسيل الصحافي، وكلام الرئيس عون عن "الكذب" ولم تبحث فيه مسألة إقامة جبهة وطنية معارضة وإن كان بحث الأوضـــاع العامة في البلاد ومنها تعثر تشكيل الحكومة العتيدة بعد وقف اللقـــاءات بين الرئيسين عون والحريري منذ 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
من جهته، عمل جنبلاط على نفي طرح مثل هذا الموضوع في العشاء الذي غلب عليه الطابع الاجتماعي، فضلاً عن مناقشة المواضيع المتعلقة بالحكومة من دون ان يتم خلاله الاتفاق على أي خطوات مستقبلية. وفي هذا السياق قالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي ان الاجتماع اعطي اكثر من حجمه الطبيعي رغم أهمية العناوين التي نوقشت، لكن ليس بالطريقة التي تداولت إعلامياً وهو بحث في مظاهر القفز فوق الصلاحيات الدستورية وضرب أسس اتفاق الطائف وخلق اعراف وبدع جديدة في الحياة السياسية وخرق الدستور والنمط السائد من الاستقواء الذي يؤدي الى اخذ البلاد نحو تفكك خطير يصيب الكيان.
كذلك بحث المجتمعون في توصيف الواقع والتركيز على اعلاء الصوت على اكثر من مستوى، في وقت اشارت التنبيهات المتواصلة التي عبر عنها جنبلاط بوضوح الى توصيف خطورة المرحلة، بما في ذلك المواقف العالية السقف في وجه ايران، واتفق الحاضرون على استمرار التواصل وبحث كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، لكن ظروف الجبهة السياسية غير متوافرة حتى الساعة وهناك تساؤلات مرسومة حول ما اذا كانت البلاد تحتمل معركة سياسية قاسية الى هذا الحد وسط الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يشهدها البلد. ولا يعني ذلك عدم اعلاء الصوت والنبرة الا ان عوامل التلاقي المشتركة لتكوين جبهة لم تتبلور، فيما التأكيد على ضرورة التواصل والبحث عن سبل وطرق- كل بأسلوبه - لمنع التمادي الحاصل في المسار القائم.
اجتهادات وتحليلات...
غير ان التوضيحات التي صدرت من اكثر من مرجع من الحاضرين لم تلغ الأكثار من التحليل والاجتهاد حول هذا اللقاء فضلاً عن ترويج البعض لانشاء قريب لــ "جبهة وطنية معارضة" في وجه الممارسات السياسية التي تحصل لاسيما على صعيدي الرئيس عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي نال حصة اكبر من حصة رئيس الجمهورية في توجيه الانتقادات والملاحظات القاسية حول أدائه ومحاولاته "اقحام البلد في صراعات مذهبية وطائفية" بعدما قرر "الانقلاب" على القطاع السياسي الناظم للعلاقات بين الطوائف اللبنانية الذي يستمد روحيته من اتفاق الطائف. كذلك اتهمت الحملات المركزة والموسعة والمبرمجة باسيل بأنه أراد من خلال مواقفه وطروحاته قطع الطريق على مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يريد من خلالها إعادة التواصل بين الرئيسين عون والحريري لتسهيل تشكيل الحكومة، وانه في هذه الحالة يستحضر ما تعرض له البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير من انصار الرئيس عون عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية واعتراضاً منه على تأييد البطريرك للتسوية السياسية التي اوجدها اتفاق الطائف آنذاك. واستكملت الحملات على باسيل الذي اتهم بأن طروحاته "انقلابية" وانه يوحي في كل مرة ان مواقفه هي مماثلة لمواقف الرئيس عون، وانه -أي باسيل - يطمح من خلال مواقفه التهويل على الحريري تحقيقاً لما يريده وهو تسليم الحريري بشروطه كمدخل لأن "ينظف" نفسه من العقوبات الأميركية وصولاً الى التصرف على انه الرقم الصعب في تقرير مصير الحكومة.....
.. لا أفق لها ولا مكان
وحيال هذا الواقع والحديث عن "تحالف سني- درزي" عنوانه الحفاظ على اتفاق الطائف رداً على طرح باسيل لحوار وطني فسر على انه دعوة الى مؤتمر تأسيسي جديد كان أشار اليه في احدى المرات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أبدت مصادر متابعة ان الحديث عن امكان قيام "جبهة وطنية معارضة" سابق لأإوانه بكثير لأن الأجواء السياسية الراهنة لا تأتلف مع مثل هذه الدعوات لأن الاتفاق غير متوافر على الحد الأدنى من الأسس السياسية بين الافرقاء المعنيين، ومثالاً على ذلك الخلاف حول الدعوة للذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة، وحول القانون الذي من المفترض ان يعتمد. وترى مصادر معنية ان الدعوة الى قيام "جبهة معارضة" تشكل دخولاً في تجربة غير محسوبة النتائج خصوصاً اذا ما نادت هذه الجبهة -كما هو مفترض- باستعادة الدولة لقرار الحرب والسلم وتسليم سلاح حزب الله وغيرها من المواضيع الدقيقة التي لا توافق حولها من الأساس. وتضيف المصادر نفسها ان قيام مثل هذه "الجبهة" تحتاج الى شريك شيعي غير متوافر فلا الرئيس بري في وارد الدخول في مثل هذه الجبهات ولا علاقته مع حزب الله تمكنه من تجاوز حليفه الشيعي للوقوف في وجه عهد الرئيس عون الذي يلقى دعماً قوياً من حزب الله. كذلك ثمة معضلة أخرى وهي ان "مجموعة الأربعة" التي التقت في المصيطبة لا تجد شريكاً مسيحياً حقيقياً لها، فهي في مواجهة مع "التيار الوطني الحر" ولديها صعوبات جمة للوصول الى تفاهم مع حزب "القوات اللبنانية" باعتبار ان للأخير في موضوع "اتفاق الطائف" وجهة نظر مبلورة وواضحة لجهة ان أي تثبيت لهذا الاتفاق يجب ان يعود الى التكفير عن الخطيئة الاصلية التي ارتكبت في هذا الاطار، وهي إبقاء سلاح خارج الدولة، فضلاً عن ان "القوات" تعتبر ان أي محاولة لاسقاط الرئيس او الاتيان بآخر في ظل وجود الأكثرية النيابية الحالية لن يوصل رئيس جديد يختلف بتوجهاته السياسية عن الرئيس الحالي علماً ان "القوات" تدعو لاجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تقصير ولاية مجلس النواب الحالي باعتبار انها من خلال هذا الامر تفتح الباب امام إعادة انتاج السلطة، كل السلطة من دون استثناء، واطلاق دينامية وطنية وسياسية تستطيع ان تعيد تمكين وتثبيت مقومات الدولة اللبنانية وتصحح الخلل الذي اعترى الممارسة السياسية ما قبل وبعد العام 2005. و"القوات" ستقوم بالانفتاح على اكثر من جهة في المعارضة وتحديداً في المجتمع المدني وبعض الشخصيات المستقلة من اجل تشكيل قوة ضغط سياسية في هذا الاتجاه.
في أي حال، صعوبات كثيرة تقف في مواجهة فكرة انشاء "جبهة وطنية معارضة" لأن كل طرف محتمل في هذه الجبهة له خياراته وتوجهاته ويفضل لعبة العزف المنفرد على وتر شعاراته المرفوعة والمعروفة، سواء "القوات اللبنانية" او الحزب التقدمي الاشتراكي الذي بدا زعيمه مؤخراً من دعاة الانكفاء من ميدان هذا الصراع، او الرئيس الحريري نفسه الذي كان اتخذ منذ زمن قرار بعدم العودة الى مربع المواجهة والتصادم مع حزب الله، او الرئيس بري الذي لا يمكن ان يخرج في الحسابات والمحطات الاستراتيجية من توجهات حزب الله. في ضوء كل ذلك يبقى رؤساء الحكومة السابقين الذين لن ينخرطوا في جبهة لن يكون لها أي دور حاسم من دون مشاركة الأحزاب الكبيرة، فضلاً عن ان كل من الرؤساء يخطط بأن يعود يوماً الى السرايا!.
من هنا، تتصرف الرئاسة الأولى باطمئنان عالي المنسوب لأن قصر بعبدا لا يزال قطب الرحى في المعادلة السياسية الحالية بما يفرض على الذين ناصبوه العداء اعادة النظر في اوراقهم وحساباتهم!.