قطاع الإعلام أصبح واسعاً ومتشعباً من المرئي الى المسموع والمكتوب الى الإلكتروني الجديد، وصار يضم الآلاف من الإعلاميين المخضرمين والجدد رغم الضائقة المالية التي تعيشها السلطة الرابعة وتدفع بعض أهلها للهجرة طلباً لمصدر الرزق في الخارج، إلا أن بعض الإعلاميين يتركون بصمة ويتميزون في حضورهم ويحجزون لأنفسهم مكانة لا تهتز مع السنوات ومنهم الزميلة في الإعلام المسموع روز الزامل الشهيرة بـ<وردة> وهي اسم على مسمى لأنها وردة الصحافة والإعلام مع برامجها في إذاعة <الشرق>، لاسيما برنامج <صالون السبت> وبرنامج <المجالس بالأمانات> بعدما نقلت تجربتها مع إذاعة <صوت لبنان> الى إذاعة <الشرق> التي كسبتها مع خبرتها وتميزها.
<الأفكار> استضافت في مكاتبها وردة وحاورتها في شؤون وشجون رحلتها الإعلامية الطويلة منذ أكثر من 30 سنة، وتطرقت معها الى برامجها وما الذي صادفته من محطات في هذه المسيرة المضيئة بدءاً من السؤال:
ــ نراك تخجلين أثناء تصويرك، وكأن الكاميرا <بعبع< رغم أنك <بعبع> أهل السياسة عندما يخافونك ويحسبون لك ألف حساب. فما القصة؟
- صحيح، فقد جاءتني عدة عروض تلفزيونية لكنني هربت من الكاميرا لأنني أتكلم بكل حواسي وأحرّك كل أعضائي، والتلفزيون يستلزم حضوراً خاصاً.
ــ هل تحتفظين بتسجيلات الشخصيات التي استضفتها؟
- طبعاً..
ــ كم بلغ عدد هذه الشخصيات؟
- إذا حسبت منذ بدايتي أي منذ 33 سنة قد يصل العدد الى ألف شخصية بدءاً من إذاعة <صوت لبنان> حتى إذاعة <الشرق>.
ــ هؤلاء حديقة مملوءة بالزهور، لكن من هم الورود الأساسية فيها ومن لفت نظرك منهم؟
- الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الرئيس الراحل الياس الهراوي، وأنا سبق وذكرت ذلك في كتابين أصدرتهما والثالث على الطريق. ففي كتابي تحت عنوان <بكل أمانة>، سجلت كل مقابلاتي تقريباً وتحدثت عن كل شخص حتى انني وضعت التسجيل بالصوت، والرئيس الحريري أجريت معه بين 3 و 4 مقابلات في بيروت وخارج لبنان.
ــ متى كانت آخر مقابلة معه؟
- قبل اغتياله بحوالى سنة ونصف السنة. والرئيس الهراوي خفيف الظل، ولا شك أيضاً ان الزعيم وليد جنبلاط استوقفني وترك عندي أثراً، وكذلك الرئيس نبيه بري بحيث انه عندما انتخب رئيساً للمجلس عام 1992 وهو عائد من سوريا، كنت أنتظره في منزله عند منطقة بربور وكان يوم جمعة وكنت أريد التحضير لبرنامجي في اليوم التالي، وانتظرت كثيراً مع الزميل فؤاد دعبول الى أن وصل ليلاً وحصلت على حديث <طازة> معه، بعدما باركنا له.
اللبنانيون والوحي من الخارج
ــ هل كنت راضية عن انتخابه بموافقة سورية؟
- هكذا كانت الأحوال في لبنان، فنحن بلد تعوّد على الوحي وقد نكون اتخذنا مبادرات لمرات قليلة سواء في انتخاب رئيس أو في اختيار وزير أو نائب، وكأننا تنازلنا عن كل ما يسمى القرار الوطني واتكلنا على الوحي حتى إن هناك سياسيين اليوم لا يزالون ينتظرون الخارج ويتصورون أن أحداً سيتصل بهم ويطلب منهم أن يقوموا بأي عمل وينسوا أن هناك صعوبة اليوم في حصول ذلك.
ــ على ذكر الاستحقاق الرئاسي، ماذا استنتجتِ من الذين استضفتهم في برامجك حول هذا الموضوع؟
- الجميع يقولون ان الاستحقاق متعذر حالياً وبعيد المنال، وأنا أزعل بسبب ذلك وأسأل: لماذا يكون الانتخاب بعيداً خاصة وان البعض يربطه بالاتفاق النووي الايراني أو بالانتخابات الإسرائيلية أو بالأزمة السورية أو بالتقارب السعودي - الإيراني؟ وأتساءل: ما بقي لنا في لبنان أو بقي لهذا الرئيس، وبالتالي فأي رئيس يستطيع لململة كل ما يجري اليوم حتى ان وزيراً في الحكومة هو رشيد درباس قال لي إن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال ولا تملك قرار الحرب والسلم، وأوضح أن مجلس الوزراء حكومة تصريف أعمال ما يعني أنه علينا الانتظار طويلاً حتى يكتمل نصاب المؤسسات الدستورية.
حزب الله وحسن تصرفه
ــ على ذكر قرار الحرب والسلم، هل خفت من عملية مزارع شبعا التي جاءت رداً على عدوان القنيطرة؟
- للحظات عاد أمامي مشهد 2006 خاصة عندما قيل في البداية ان أحد الجنود أُسِرَ وخفت، لكنني قلت بعد ذلك: ضربة مقابل ضربة وأملت أن تتوقف الأمور عند هذا الحد، لا بل قلت إن حزب الله نفذ هذه العملية بذكاء واختار مزارع شبعا لأنها أرض لبنانية محتلة وخارج القرار 1701 ونجح فيها، والكل يشهد لحزب الله بنجاح تخطيطه لهذه العملية رغم السجال الدائر حول هويتها، وما إذا كانت سورية أو لبنانية.
ــ هل حاولت الاتصال بالسيد حسن نصر الله لإجراء مقابلة إذاعية معه؟
- الآن لا.. لكن منذ 9 سنوات أجريت معه مقابلة وكان ذلك الرجل الذي يعلو وجهه الخجل والحياء حيث لا ينظر العين بالعين، ويتكلم بهدوء، وذلك قبل أن يكتسب هذه <الكاريزما> التي يملكها اليوم.
وتابعت تقول:
- نحن نعيش في لبنان حالة اضطراب ووضعاً غير مستقر وهذا أمر مخيف أو بمعنى ان هذا الاستقرار مقنع ومصطنع.
ــ صحيح، لكن المؤسسات شغالة على قدم وساق لاسيما المؤسسات المالية والمصرفية، ما يشعر المواطن اللبناني بأنه أقوى من أن يضعف رغم الفقر الذي يعاني منه، أليس كذلك؟
- صحيح، لكننا نجعل المواطن يعيش حالة الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي والمعيشي، حتى ان موظفاً لا يؤمّن راتبه في آخر الشهر، وهناك مؤسسات إعلامية لم تدفع رواتب موظفيها منذ ثلاثة أشهر، إضافة الى وجود هجرة إعلامية نحو الخارج، نتيجة التعثر الحاصل.
ــ هل مؤسسات <المستقبل> لاسيما إذاعة <الشرق> تدفع شهرياً للموظفين؟
- أكيد... حصل تأخير منذ فترة طويلة، لكن اليوم وضعت الأمور على السكة الصحيحة مئة بالمئة.
ــ عند مقابلتك الشخصيات السياسية، هل تكونين على قناعة بأن هناك أهلاً للسياسة أكفاء؟
- الحمد لله هناك سياسيون أكفاء وإن كانوا يُعدّون على الأصابع. المهم أن هناك خميرة.
ــ ورجال اقتصاد؟
- هناك الكثير من أهل الاقتصاد وهم أكثر من السياسيين، إضافة الى مصرفيين، لاسيما انه يوجد لدينا حاكم مصرف مركزي ممتاز هو الدكتور (رياض سلامة).
حرب الإلغاء المسيحية
وهنا سألت: هل ترشحونه لرئاسة الجمهورية؟
كان جوابنا ان النواب هم الذين يرشحون ويختارون وليس أهل الإعلام، وكل مرشح محكوم بالمرحلة التي يعيشها لبنان، فإذا كانت المرحلة تتعلق بالليرة والمال والاقتصاد، فهو أفضل من غيره وإن كانت المرحلة أمنية، فقائد الجيش العماد جان قهوجي هو الأكفأ، وإذا كانت سياسية فالمرشح التوافقي هو صاحب الحظ لاسيما جان عبيد.
وبعد مداخلتنا، قالت وردة: أسأل ضيوفي أي رئيس يستطيع لملمة كل هذا الشذوذ الدستوري الحاصل.. فنحن وضعنا الكتاب كما كان الرئيس الراحل فؤاد شهاب يسميه جانباً ونعمل عشائرياً، وحتى اننا نخترع أعرافاً جديدة، لا بل كانت هناك أعراف تخطيناها ونخترع أعرافاً جديدة ونسبح عكس التيار الدستوري، فمن هو الرئيس الذي سيأتي ويلملم كل هذا الشذوذ الدستوري أولاً، وأي مرحلة مقبلة على لبنان؟!
ــ تتحدثين عن الاستقرار بشكل عام، لكن اللبناني يلزمه أولاً الاستقرار النفسي وتهون بعدها كل الأمور. ألا ترين ذلك؟
- أجزم بأن الاستقرار النفسي مفقود عند اللبنانيين.
ــ كيف يسيرون أعمالهم إذن؟
- يعيشون كل يوم بيومه.
ــ ألا ترين مثلاً أبناء الجنوب كيف يقولون انهم متشبثون بأرضهم ولن يرحلوا عنها مهما حصل؟
- هذا في الجنوب، وقالوا ذلك بعد عملية مزارع شبعا لأنهم سبقوا وجربوا النزوح وذاقوا مرّه.. فاللبنانيون يتبهدلون داخل بلدهم للأسف، واليوم لا أحد يستطيع استقبال أبناء الجنوب، ففي سوريا الدم يملأ الأرض.
لست سفيرة نوايا حسنة
ــ هل زرتِ مخيمات النازحين السوريين كما فعلت <أنجلينا جولي>؟
- لست سفيرة نوايا حسنة.
- أنتِ سفيرة الإعلام الحر.. ويجب أن تشاهدي آلام النازحين وتحثي المقتدرين على دعمهم!
- صحيح، لكن أليس الأولى أن يساعد هؤلاء اللبنانيين؟ فأهل باب التبانة فقراء ونجد التطرف ينمو هناك...
ــ هل تخافين من هذه الظواهر لاسيما <داعش>؟
- لا بيئة حاضنة للإرهاب في لبنان ونحن شعب متعلم حتى ان الأب يستدين لتعليم أبنائه ويعلق شهاداتهم على الحائط... فلبنان لا يتحمل <داعش>. وأنا شخصياً لست خائفة من الإرهاب لأنني أملك معايير مقاييس أستطيع معها القول لـ<داعش> أن تختار غيري.
ــ هل أنتِ خائفة على المسيحيين في لبنان؟
- لا... فالمسيحيون لم يقرروا الهروب من بلدهم، لكن هناك هجرة سياسية للمسيحيين أي انهم استقالوا من مسؤولياتهم. فمثلاً يقول البعض للمسيحيين أن يتفقوا على رئيس ليعرض على الطرف الآخر، ولكن لم أجد أي مسيحي اعتصم أمام البرلمان وقال إنه يريد تسريع انتخاب الرئيس أم حث المسيحيين على الاتفاق على رئيس.. ونحن رأينا اعتصامات للمجتمع المدني، لكن اعتصام المسيحيين غاب عن الساحة وكأنهم استقالوا من هذه المهمة.
ــ البعض ينتظر توافق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع.. فهل يمكن المراهنة على ذلك؟
- هناك حروب إلغاء حصلت بين الرجلين وهي مطبوعة في ذاكرة اللبنانيين، وبالتالي فلا بد أن يقوما بمجهود كبير حتى يتم نزع صورة تلك السنوات منذ العام 1988 وصولاً الى العام 1990، لاسيما وان الصور عن الحروب التي جرت بينهما كانت قاتمة، والحمد لله خفّ الاحتقان بينهما من خلال الحوار الجاري وأسقط الطرفان الدعاوى بينهما، ومن الممكن أن يصلا الى مكان مشترك لإنقاذ الدور المسيحي، ونحن نأمل ذلك علماً أن هناك قيادات مسيحية أخرى من الرئيس أمين الجميل الى الوزير سليمان فرنجية الى المستقلين. وهنا أسأل: الى أي قيادة ينتمي المستقلون وما هو حزبهم، لاسيما وأنهم كثيرون؟! يقال حسب تصنيف البطريرك بشارة الراعي القيادات المسيحية الأربع فماذا عن القيادات المستقلة الأخرى ومن يتحدث باسمها؟!
ــ هل الرئيس ميشال سليمان مستقل؟
- صحيح، ويقال إنه يريد إنشاء تجمع مستقل، وهو موجود على الساحة وكأنه لم يترك الرئاسة يوم 25 أيار/ مايو الماضي. وننتظر أن ينشئ تجمعاً مستقلاً ووسطياً لنرى من سينضم الى هذا التيار أو الحزب..
ــ نعود إليكِ ونسألك عن أول مرة قلت <صباح الخير> في الإذاعة؟
- منذ 33 سنة عبر <صوت لبنان>، وكانت الحرب آنذاك وانتابني الخوف والقيمون على الإذاعة لم <يقبضوني عن جد>، لأنني لا أملك الاختصاص الإعلامي، بل كنت متخصصة في إدارة الأعمال، لكن الحمد لله أثبت وجودي وأكملت المسيرة حتى اليوم.
صباح ووديع وفيروز
ــ ماذا تعني لك المطربة الراحلة صباح؟
- رمز لبناني.. وسبق أن أجريت معها مقابلة، وأحترم الإنسان فيها والكرم الذي كانت تتميز به حتى انها وزعت النقود على أطفال كانوا أمام باب الإذاعة وهي خارجة من المقابلة. فأنا أحترم الإنسان فيها وأجلّها، وأجلّ حبّها للطفولة وكرمها حتى انها عاشت وهي معوزة، لأنها أعطت للآخرين كل ما تملك حتى ان البعض أراد بيع ثيابها عبر مزاد علني للأسف.
ــ وديع الصافي؟
- قابلته في البحرين يوم كنت في رحلة مع الرئيس الياس الهراوي وجعلته يتأخر عن الطائرة العائدة الى بيروت، لأنني ذهبت لمقابلة وديع الصافي وزعل مني، لكن عندما عرف من قابلت ارتاح وتبدد زعله.
ــ من أطلق عليكِ لقب <وردة> لاسيما وأن اسمك روز؟
- الأستاذ ايلي صليبي في <صوت لبنان> قال ان كلمة <روز> ليست جميلة ولكن كلمة <وردة> أحلى وهكذا كان.
ــ وماذا عن فيروز؟
- أنا الوحيدة التي أجريت معها مقابلة لا بل بقيت سنة كاملة حتى أنجزت هذه المقابلة، ذلك تحت القذائف والحرب يوم كانت تسكن في منطقة الروشة، وكدت أُخطَف وأنا آتية إليها من بيروت الشرقية وتدخلت آنذاك وغضبت، لكن في آخر يوم جهزت المقابلة لتُذاع في برنامج <كل أحد وأنتم بخير>، اتصلت بي لكي لا أذيع المقابلة، فذهبت إليها وعرفت أنها نسيت جملة عن فيلمون وهبة فعدنا وسجلنا من جديد وأذعناها.
ــ من لفت انتباهك أيضاً في عالم الفن؟
- كاظم الساهر الذي أحترمه جداً، وسبق أن أجريت معه مقابلة في <صالون السبت> يوم كان نزيلاً على فندق <الكورال بيتش> في بيروت وهو يستحي ولا ينظر الى المرأة وهو في منتهى الخجل، لكن دمعت عيناه عندما تحدث عن العراق وبغداد وعذابات الشعب العراقي، وعن حالة الفقر في بداياته وكم شاهد من إهانات للشعب العراقي زمن أولاد الرئيس الراحل صدام حسين.