[caption id="attachment_81527" align="alignleft" width="470"] عائلات بالجملة أعيدت من البحر عبر مركب[/caption]
الهجرة غير الشرعية عبر البحر التي نشطت في الاسابيع الماضية، افرزت مآس عدة نتيجة ضياع زوارق تحمل عائلات او اعادتها من قبل السلطات القبرصية قبل وصولها الى الجهة التي تقصدها في جزيرة قبرص. ولقد طرحت هذه الظاهرة التي قويت نتيجة الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، المشكلة من وجهيها الانساني والامني الامر الذي دفع برئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى طلب معالجة هذه المسألة من زاويتين امنية وانسانية لاسيما لجهة معرفة اسباب لجوء عائلات او اشخاص الى الانتقال بطريقة غير شرعية عبر البحر، لاسيما وان عائلات عدة باعت كل ما تملك من مال لتأمين ثمن ركوبها في الزورق المنطلق شمالاً في اتجاه قبرص.
لقد طرحت مأساة رمي ام لطفلها في البحر بعد وفاته نتيجة ضياع المركب الذي كان يقلها مع اشخاص آخرين في البحر وعدم وصولهم الى شاطىء الامان بعد فقدان المواد الغذائية التي كانوا يحملونها ورميها في البحر بعد ازدياد وزن الركاب على قدرة احتمال المركب، طرحت مسألة الهجرة غير الشرعية التي اظهرت التحقيقات ان اسبابها انسانية ومعيشية وليست لها خلفيات ارهابية. ولعل ما زاد الامور تعقيداً بروز شبكات تعمل على "تنظيم" رحلات غير شرعية تنطلق من شاطىء طرابلس في تجارة البشر لا تراعي ابسط الاعتبارات الانسانية. ويقول مصدر امني ان هذه الشبكات يديرها اشخاص يحصرون عملهم في الشمال ولا وجود لهم في مناطق لبنانية اخرى. وقد ضبطت القوات البحرية القبرصية مؤخراً نحو 107 لبنانيين ابعدوا الى لبنان و152 سورياً و 4 فلسطينيين وهندي واحد وبنغلادشي واحد. واتضح ان غالبية السوريين المبعدين دخلوا لبنان خلسة وتواصلوا مع "منظمي رحلات الموت" لنقلهم الى قبرص بعدما اتضح وجود شبكات تهريب تنسق عملها بين لبنان وسوريا... وتعمد السلطات القبرصية في كل مرة تلقي القبض على مهاجرين غير شرعيين الى اعادتهم الى لبنان على رغم وجود غير لبنانيين في صفوف المبعدين ما يخالف القوانين الدولية الخاصة بالابعاد وظروفه وآليته.
ويبدو من خلال معلومات المراجع الامنية ان لبنان غير مضطر لاستقبال المبعدين غير اللبنانيين سواء كانوا دخلوا الى اراضيه خلسة او بانتظام، الامر الذي استوجب تكليف الامن العام اللبناني التواصل مع السلطات القبرصية المعنية لوضع آلية تراعي مسألة الابعاد وفق الانظمة الدولية، خصوصاً ان الجهات الامنية تخشى من تكرار عمليات الهجرة غير الشرعية خلال شهر تشرين الاول حيث لا تزال حالة الطقس تسمح بالانتقال عبر البحر في زوارق صغيرة لا تصلح لنقل الركاب باعداد كبيرة كما حصل مع مجموعات من المهاجرين غير الشرعيين خلال الاسابيع الماضية، ويبدو ان عمليات العبور الى اوروبا عبر مطار رفيق الحريري الدولي ازداد في الفترة الاخيرة من خلال استعمال اشخاص جوازات سفر واقامات اوروبية مزورة حيث تمكن الامن العام من توقيف عدد كبير من هؤلاء الاشخاص الذين ادلوا باعترافات كشفت وجود شبكات تنظم مثل هذه الرحلات وتزور مستندات . واتضح ايضاً ان مجموعات من السوريين حملت وثائق مزورة في تركيا وارسلت الى المستفيدين منها الموجودين في لبنان!.
والملفت في هذا السياق رصد زوارق من سوريا ابحرت في اتجاه قبرص، لكن السلطات القبرصية ابعدت من كان فيها الى لبنان الامر الذي بات يفرض معالجة سريعة مع السلطات القبرصية التي – وفق مصدر امني- لم تتجاوب بعد مع المراجعات اللبنانية في هذا الصدد. ويميز القانون في هذا السياق بين الاجنبي المقيم على الاراضي اللبنانية بصورة شرعية والذي يجب على لبنان استقباله في حال ابعاده، وبين الاجنبي الموجود بصورة غير شرعية او الذي دخل خلسة، وفي هذه الحالة لا يمكن للبنان استقباله، بل يجب على الدولة التي القت القبض عليه ان تعيده الى دولته الاصلية وليس الدولة التي اتى منها. وتبين من التحقيقات ان زوارق عدة امكن للدوريات البحرية اللبنانية اعتراضها وهي في عرض البحر، فيما لم تتمكن هذه الدوريات من اعتراض زوارق اخرى كانت تبحر بسرعة تجاوزت قدرة المراكب العسكرية اللبنانية على ملاحقتها. وتمكنت رادارات الجيش من رصد عدد من الزوارق امكن اعتراضها وهي في بداية رحلتها، فيما تعذر
[caption id="attachment_81526" align="alignleft" width="444"] الرئيس ميشال عون مترئساً الاجتماع الأمني في القصر الجمهوري[/caption]اعتراض اخرى إما لأن الرادار لم يلتقطها وإما لانطلاق هذه المراكب بسرعة عالية.
ويقول مصدر امني شارك في اجتماع امني عقد في قصر بعبدا لمناقشة مسألة الهجرة غير الشرعية عبر البحر، ان الاستعانة بدوريات القوة البحرية لــ "اليونيفيل" لم يعط في كثير من الاحيان نتائج عملية او ان القوة البحرية الدولية لا تعترض مثل هذه الزوارق الصغيرة لأن مهمتها تقتصر على مراقبة حركة البواخر الكبيرة والتأكد من خلوها من السلاح او المعدات الحربية وفقاً لقرار الامم المتحدة في هذا الصدد. وقد حصل مراراً ان رصدت سفن القوة البحرية الدولية مراكب صغيرة فالتقطت لها صوراً وارسلتها الى القيادة اللبنانية من دون ان تعترض طريقها. وفي الاطار نفسه اظهرت التحقيقات ان عائلات عدة ابحرت بوسيلة غير شرعية وكانت وجهتها اليونان مروراً بقبرص وان ثمن كل "راكب" في الزورق بلغ الفي دولار اميركي!.
من أين أبحرت الزوارق؟
ويروي المصدر الامني ان التحقيقات اظهرت ان الزوارق التي تنقل افراداً في رحلة غير شرعية الى قبرص او اليونان، غالباً ما تنطلق من الشاطىء الشمالي بحجة نقل ركابها الى جزيرة الارانب او جزيرة رامكين بقصد النزهة والراحة وعندما تصل هذه الزوارق الى الجزيرتين تختلط مع زوارق النزهة فتضيع عن المراقبة وتبحر ليلاً خلسة في اتجاه المياه القبرصية، الامر الذي دفع الى تقديم اقتراح بوضع نقاط امنية في الجزيرتين لضبط مثل هذه الممارسات التي ازدادت في الاونة الاخيرة، وتعذر على القوى البحرية مطاردة هذه الزوارق وتوقيفها واعادتها الى الشاطىء، كذلك يستغل هؤلاء توقيت خروج الصيادين الى عرض البحر للصيد، بحيث "تندس" زوارق المهاجرين بين زوارق الصيادين، وتختار الوقت المناسب للابحار في اتجاه قبرص. ويروي احد الامنيين ان زورقاً محملاً بالاشخاص تعطل في عرض البحر فصارت المياه تقذفه جنوباً حتى وصل الى الحدود البحرية مع المياه المحتلة، ثم تغير مجرى الرياح فتاه الزورق من جديد الى ان غرق بمن فيه، وهذا ما فسر ظهور جثث على شاطىء الصرفند ومناطق جنوبية اخرى من الذين هاجروا بصورة غير شرعية. ولا تملك القوات البحرية اللبنانية العدد الكافي من الزوارق السريعة لمطاردة "زوارق الموت" واعادتها الى الشاطىء اللبناني، خصوصاً بعدما تم تجهيز الزوارق التي تحمل مهاجرين بمحركات سريعة لقطع المسافة بين لبنان وقبرص في اسرع وقت ممكن. وتجهيز الجيش بزوارق سريعة يحتاج الى توافر الاموال اللازمة، وهو امر غير متيسر الآن مع الضائقة المالية التي يعيشها لبنان والتي جعلت من خزينة الدولة شبه فارغة!
وخلال الاجتماع الامني الذي عقد في قصر بعبدا تقرر الطلب الى الوحدة البحرية في "اليونيفيل" مساعدة القوات البحرية اللبنانية في منع انتقال الزوارق غير الشرعية الى قبرص واليونان واعداد بروتوكول لهذه الغاية توضع فيه دقائق المساعدة وظروفها ونتائجها بهدف تنظيم عملية مراقبة الشاطىء اللبناني ومنع خروج مراكب تحمل عائلات خارج المياه الاقليمية اللبنانية. كذلك تقرر انشاء مركز للاغاثة والانقاذ يتابع مثل هذه الحالات بالتنسيق مع الاجهزة الامنية المختصة ولاسيما القوات البحرية في الجيش.