[caption id="attachment_85708" align="alignleft" width="439"] المغدور لقمان سليم.[/caption]
لا يمكن فصل جريمة اغتيال الناشط لقمان محسن سليم الأسبوع الماضي في منطقة العدوسية في الجنوب، عن المناخ الذي عاد ليطل برأسه من جديد بعد غياب، وهو مناخ الاغتيالات التي تبقى عادة من دون ان تكشف أسبابها الحقيقية وان يعرف من ارتكبها بأعصاب باردة.... صحيح ان الضحية لقمان سليم كان ناشطاً سياسياً اطلق مواقف تنتقد "الثنائي الشيعي"، وهو شيعي يقيم في الضاحية الجنوبية من بيروت ويتنقل بينها وبين الجنوب، وبالتالي له "ماض" مع الثنائي، لكن الصحيح أيضاً ان اغتياله في منطقة تعتبر "محمية" لــ "الثنائي الشيعي" ولاسيما لحزب الله، يترك الكثير من علامات الاستفهام التي ستبقى حتماً من دون أجوبة لأن الجرائم المماثلة التي حصلت في لبنان خلال الأشهر والاعوام الماضية ظلت غامضة ولم يكشف عنها شيء يمكن ان يخدم التحقيق او يلقي الضوء على الجبهة المنفذة والمستفيدة.
ولعل الدخول في تفاصيل الجريمة يظهر انها من تنفيذ "محترفين" راقبوا الضحية منذ مدة وعرفوا الاماكن التي يتردد اليها، وخططوا لجريمتهم في الليل وفي منطقة نائية في شارع متفرع من الطريق الرئيسي لا يقصده احد الا المتوجهون الى الحقول المجاورة. كذلك لم يترك الجناة أي اثر يمكن ان يقود الى معلومات ولو ضئيلة عن منفذي الجريمة التي لاقت استياء محلياً وخارجياً، لاسيما من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، لأن الضحية كان معروفاً بنشاطه الاجتماعي وبعلاقاته الفكرية والثقافية الى جانب التوجهات السياسية، وسبق ان وجهت اليه اتهامـــات بــ"العمـــالة" للسفارة الأميركية ووصف بأنـــه من "شيعة السفارة"، مروراً بدوره الفاعل في حركة "17 تشرين" لأنه كان احد المحركين الأساسيين للحراك الشيعي على صعيد المجتمع المدني وداخل بيئته.
وقوع جريمة اغتيال لقمان سليم بعد أسابيع من اغتيال المصور جو بجاني في الكحالة، جعل بعض المحللين يذهب الى القول إن المخطط الاجرامي الذي حذر منه احد قادة الأجهزة الأمنية في احد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، بدأ تنفيذه من جهات محترفة استغلت الوضع السياسي الهش والوضع الاقتصادي المتدهور ومع انتشار وباء "كورونا" لتنفيذ ضربات متتالية الهدف منها إعادة البلاد الى أجواء جرائم الاغتيال بهدف التأكيد على ان الفلتان اخذ مداه، ولم يعد في الإمكان ضبط الوضع الأمني مع ما يمكن ان يجر البلاد، في مثل هكذا اغتيالات، الى وقائع دامية تشعل الفتن من جهة، وتثير حروباً داخلية من جهة أخرى وتربك الأجهزة الأمنية ولاسيما الجيش الذي لن يعود قادراً على مواجهة ما يجري وهو المنتشر في الجنوب لحماية الحدود مع العدو الإسرائيلي، وفي البقاع والجرود لمنع تسلل الإرهابيين المتحدرين في سوريا، ومن الداخل لمواجهة اعمال الشغب في التظاهرات التي تنطلق تحت عنوان الجوع والفساد فتتحول بفعل مندسين الى اعمال شغب واعتداءات على رجال الجيش وقوى الامن والاملاك العامة والخاصة تماماً كما حصل في طرابلس قبل أسبوعين لدى احراق مبنى بلدية المدينة.
معطيات ووقائع
[caption id="attachment_85709" align="alignleft" width="413"] هنا داخل سيارته حصلت جريمة الاغتيال.[/caption]لقد بدا واضحاً ان ثمة من وجه أصابع الاتهام باغتيال لقمان سليم الى حزب الله نظراً للخلافات المعلنة بين الضحية والحزب قيادة وافراداً، ومعارضته أيضاً الخط الإيراني في لبنان وتفرعاته خصوصاً وان الجريمة وقعت في منطقة يسيطر عليها امنياً حزب الله، الا ان أي اتهام لا يمكن الحسم فيه قبل توافر المعطيات الناتجة عن التحقيق الذي سيكون، وفق مصادر امنية لبنانية، صعباً وقاسياً لعدم وجود كاميرات مراقبة وامتناع اهل الضحية عن تسليم هاتفه للتحقيق اللبناني ومطالبتهم بتحقيق دولي لعدم ثقتهم بالقضاء اللبناني، علماً ان الهاتف عثر عليه على بعد 500 متر من المنزل الذي وجد فيه لقمان في مزرعة نيحا الجنوبية، أي في المكان الذي يرجح انه خطف فيه والذي يبعد حوالي 36 كيلومتراً عن مكان اكتشاف الجثة. وتوقفت المصادر عن معطيات عدة حول ظروف الجريمة ابرزها الآتي:
- عدد الرصاصات التي اطلقت على رأسه، وعددها خمس، وذلك ان دل على شيء فإما عن حقد، او خوف، او توجيه رسالة لزرع الرعب عند الآخرين.
- كان سليم موضع مراقبة ومتابعة عن قرب، استطاع الجناة ان ينفذوا من الثغرات رغم الإجراءات الأمنية الشخصية التي اتخذها سليم، ومنها استخدام سيارات مستأجرة. وهو ما كشف عنه شهود عن وجود سيارتين غريبتين تواجدتا تباعاً في نيحا، بعيد وصول سليم الى احد منازلها، إحداها رباعية الدفع.
- الراحة التي ميزت تحرك الجناة لجهة خطفه، ورمي هاتفه بعيداً عن مكان وجود جثته، وفي ذلك اكثر من دلالة، خلافاً لكل الجرائم المرتكبة سابقاً.
- عدم وجود علامات صدم على السيارة التي كان يستقلها، ما يعني ان أي مطاردة لم تحصل، أي عملياً صعود الجناة على متن السيارة بطريقة عادية. وهنا، رجحت المعلومات، ان يكون عدد القتلة 4 اشخاص، موزعين على سيارتين.
- عملية الخطف تمت بعد دقائق من مغادرته منزل أصدقائه، أي بين الساعة الثامنة والربع والثامنة والصنف ليلاً ليتعرف احد الشهود على السيارة عند الحادية عشرة مساء. واللافت ان القتلة يعرفون المنطقة جيداً ومسالكها وطرقها الفرعية كافة، متحاشين المرور عبر مناطق فيها كاميرات مراقبة.
ووفق المصادر الأمنية نفسها فإن عملية المتابعة التقنية لداتا الاتصالات واجهت صعوبة ما يؤشر الى ان احتراف القتلة دفعهم الى عدم استعمال هواتف خليوية يمكن تتبعها كما يحصل في جرائم مختلفة ما يساعد على اكتشاف المرتكبين. الا ان ذلك لا يعني ان العمل يجب ان ينصب ليل نهار لمعرفة ملابسات الجريمة ولا بد ان يكون حزب الله اول المتعاونين مع القوى الأمنية لتوفير المعطيات الضرورية التي تكشف هوية القتلة لئلا تبقى أصابع الاتهام موجهة الى الحزب الذي يقول مصدر فيه إن الجريمة اضرت بالحزب كثيراً لأنها وقعت في منطقة نفوذه السياسي والأمني على حد سواء...
الا ان ثمة من رأى ان الجريمة تهدف ليس فقط الى "التخلص" من لقمان سليم وما يمثله من دور وحضور وخط سياسي رفضي، بل أيضاً الى خلق أجواء مضطربة في البلاد نظراً لتوقيت وقوعها في مساحة من الفراغ السياسي والأمني، وفي وسط ديموغرافي ربما اريد لاختياره ان يغذي شبهة "كاد المريب ان يقول خذوني"، ومقتل لقمان حصل في مرحلة فراغ محلي وانتقال إقليمي يكثر فيها الالتباس والعبث استخباراتياً وأمنياً ومليئة بالتقاطعات الأمنية والسياسية بعد أيام من اعلان الرئيس الفرنسي"ايمانويل ماكرون" ان النظام اللبناني في مأزق بسبب الملف بين الفساد والترهيب، وكأن ثمة من أراد ان يستثمر في دم لقمان سليم لإقران كلام "ماكرون" بالفعل فيكون الترهيب الجديد منصة لاطلاق حدث ما ساخن يمهد للحلول الثقيلة. واذا ما تم تقييم ردود الفعل الدولية على اغتيال لقمان سليم يمكن اذ ذاك ادراك ماهية ارتباط ما يجري بالمخططات الخارجية خصوصا ان الجريمة تقاطعت مع الكلام الكثير عن مرحلة انتقالية ستعبث فيها أجهزة استخباراتية إقليمية ودولية متعددة الرؤوس والغايات وستوظف لبنان من ضمن ساحات أخرى لتحقيق اختراقات ما تواكب الحلول الاتية، واستغلال الأجهزة لهكذا ظروف انتقالية بات تقليداً استخباراتياً متعارفاً عليه.
لقد زامن مقتل لقمان سليم احداثاً ومحطات وتقاطعات، من غير ان يكون بالضرورة مرتبطاً بها ارتباطاً عضوياً. لكن المصادفة لا تحجب الشكوك التي تلت الجريمة عن المستفيد وعن العبث الاستخباري الدولي والإقليمي، وعن الاتهام السياسي الاولي لحزب الله، ربطاً بالعلاقة الملتبسة مع الراحل، كمعارض شيعي شهر منذ زمن خصومته للحزب ولجمهوره في قلب معقله.
كما زامن مقتل الراحل الدينامية الفرنسية - الأميركية المتوقع ان ترسي حلولاً في الإقليم، فهل يوظف اغتياله تزخيماً لتلك الدينامية ام كبحاً للحلول المنتظرة؟