تفاصيل الخبر

اضطراب ما بعد صدمة إنفجار مرفأ بيروت

19/08/2020
اضطراب ما بعد صدمة إنفجار مرفأ بيروت

اضطراب ما بعد صدمة إنفجار مرفأ بيروت

بقلم وردية بطرس

 

الطبيب النفسي الدكتور توبيا فرح: من أعراض إضطراب ما بعد الصدمة التوتر وقلة النوم والكوابيس

[caption id="attachment_80391" align="alignleft" width="375"] اضطراب ما بعد الصدمة.[/caption]

 كل انسان معرّض بأن يعاني من مرحلة ما بعد الصدمة، ولكن اضطراب ما بعد صدمة إنفجار مرفأ بيروت أصاب الناس بأمر مرعب ومخيف جداً، اذ كان لهذا الانفجار تأثير نفسي سلبي على المواطنين خصوصاً في المناطق المنكوبة في مدينة بيروت حيث خسروا بلحظات أحباءهم ومنازلهم وأرزاقهم، ولكن حتى الأشخاص غير المتضررين من الانفجار هم بحالة نفسية صعبة لأنهم شعروا أن الموت كان قريباً منهم وأن الألم أصابهم جميعاً.

الدكتور فرح: إضطراب ما بعد الصدمة

فهل يعيش اللبنانيون اليوم حالة ما بعد الصدمة؟ فكيف تظهر أعراض ما بعد الصدمة؟ وبماذا يختلف عن اضطراب ما بعد الصدمة وغيرها من الأسئلة أجاب عنها الطبيب النفسي الدكتور طوبيا فرح، وقد استهل حديثه بالقول:

- المرحلة ما بعد الصدمة تحدث بعد أسبوع او حتى بعد أسابيع عدة. وهناك فرق بين مرحلة ما بعد الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة. بالنسبة للمرحلة ما بعد الصدمة فتحدث بعد اسبوع الى أربعة أسابيع، اذ يعاني الشخص من صداع شديد، وتوتر، وشعور بالنقمة الشديدة، وحالة من الغضب، وقلة نوم، والبكاء، حتى إنه أحياناً يشعر الشخص بالذنب كيف نجا وغيره لم ينجَ من الموت، كما يصبح حساساً أكثر للتغيرات التي تحدث من حوله، وأحياناً تراود الشخص الفكرة نفسها طوال الوقت، ومثال على ذلك ان البعض يعيش لحظة الانفجار طوال الوقت.

وتابع:

 - بالنسبة للاضطراب ما بعد الصدمة أو الأعراض ما بعد الصدمة فهي طبعاً تكون شديدة أكثر، ولكن الفرق أنها تستمر لأشهر وحتى لغاية سنة، اذ يرى الشخص الكوابيس، كما يعيش الأشخاص لحظة الانتحار مرة ومرتين وثلاث وأربع مرات، ويعانون من قلة النوم كما ذكرت ولكن يكون بحالة أشد وطأة. وبهذه الحالة يحتاج للعلاج.

الأكثر عرضة للاضطراب ما بعد الصدمة

[caption id="attachment_80392" align="alignleft" width="167"] التوتر وقلة النوم..بعد الصدمة.[/caption]

* من هم الأكثر عرضة للاصابة بمرحلة ما بعد الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة؟

- الجميع معرض للاصابة بمرحلة ما بعد الصدمة سواءً الكبار ام الصغار، ولكن نسبة مئوية قليلة تُصاب باضطراب ما بعد الصدمة. اذاً كل الناس معرضين للاصابة بأول حالة اذا قد يُصاب بها الشخص اذا تعرض أحد أفراد أسرته لحادث سير وتوفي على أثرها. هناك فرق من ان يتوقع الشخص مثلاً وفاة قريب له كان يعاني من المرض او الوفاة أثناء القيادة بسرعة فائقة من أن يجد بلحظة أناساً ماتوا وأصيب آلاف الجرحى، اذ ليس هناك أصعب من ان يكون الانسان نائماً في فراشه ليجد نفسه مضرجاً بالدماء بعد سقوط جدران المنزل عليه.

الصدمة تصيب الناس ولو لم يكونوا متضررين من الكارثة

* الى اي مدى يكون الضرر كبيراً على الناس الذين استيقظوا على دمار كبير من حولهم أكثر من الناس الذين يقيمون بعيداً عن مكان الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت والذي هزّ كل المناطق اللبنانية؟

- ليس بالضرورة ان يكون الشخص بعيداً عن موقع الانفجار ولم يتأذَ منه على الصعيد النفسي، ربما هناك أماكن لم تتدمر كما حصل بالقرب من مرفأ بيروت مثلاً في الجميزة ووسط بيروت ولكن هذا لا يعني اذا كان الأشخاص بعيدين عن موقع الانفجار لا يُصابون بالصدمة او اضطراب ما بعد الصدمة. معقول ان يُصاب الشخص بمرحلة ما بعد الصدمة اذا شاهد الأخبار وغيرها على شاشات التلفزة. أحياناً يحدث مع الشخص اضطراب ما بعد الصدمة بسبب ما شاهده على شاشة التلفزيون، وأذكر هنا على سبيل المثال عند أحداث 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة اذ أصيب الناس باضطراب ما بعد الصدمة بعد مشاهدتهم ما حصل على شاشة التلفزة. طبعاً ليس بالضرورة ان الجميع اصيبوا بذلك ولكن كان هناك أشخاص عانوا من هذه المشكلة. وبالتالي ليس الضرورة ان يوجد الشخص في موقع الانفجار لكي يُصاب باضطراب ما بعد الصدمة.

وتابع:

- لا شك بالنسبة للأشخاص الذين كانوا قريبين من موقع الانفجار فهناك خطورة أكثر بأن يُصابوا باضطراب ما بعد الصدمة ولكن ذلك ليس بالضرورة. لكن علينا ان نفكر أنه ليس فقط الأشخاص الذين عاشوا هذا الأمر بل هناك الأشخاص الذين يعملون في مثل هذه الظروف مثلاً الدفاع المدني والأطباء اذ إنهم معرضون للاصابة بهذه الحالة، كما ان طبيب الطوارىء قد يصاب به نظراً للحالات التي يراها في يوم واحد.

* هل يختلف الأمر من حيث العمر او الفئة وأيضاً بالنسبة للعاملين في مجال الطب او الاعلام الذين يقومون بتغطية الأحداث وغيرها؟

- هناك فرق بسيط بين فئة واخرى ولكن ليس هناك دراسات تبين ان هناك شخصاً معرضاً للاصابة بهذه الحالة أكثر من غيره. وأيضاً الأشخاص الذين يتعرضون للمخاطر مثل الدفاع المدني وأيضاً الذين يرون حالات مأساوية كثيرة مثل شباب الصليب الأحمر اللبناني طبعاً يكون الخطر عليهم أكثر ولكن ليس بشكل كبير.

[caption id="attachment_80393" align="alignleft" width="273"] الدكتور طوبيا فرح_ الصدمة أصابت حتى الناس الذين لم يتضرروا من إنفجار المرفأ.[/caption]

* عاش اللبنانيون حروباً وانفجارات ولكن انفجار مرفأ بيروت أثار الذعر في نفوس الناس نظراً لحجم الدمار الذي ألحق بالمدينة وبالناس داخل بيوتهم حيث زهقت أرواحهم وخسروا بيوتهم وأرزاقهم فهل كلنا نحتاج لمساعدة نفسية لتخطي هذه الصدمة التي هزتنا في الصميم؟

- من الجيد ان يتحدث الناس عن الموضوع ولكن ليس بالضرورة اذا مر كل شخص بهذا الوضع أنه بحاجة لمعالجة نفسية. ولكن اذا لم يعد الشخص يذهب الى عمله او بدأ يتشاجر مع زوجته او بالعكس او مع الأصدقاء، اي عندما تحدث مشاكل ويقوم الشخص بعزل نفسه عندها يستدعي الأمر ان يستشير طبيباً نفسياً لكي يعالجه.

* اليوم يعبر الناس عن وجعهم وألمهم اذ يعتبرون انه ولو لم تتدمر بيوتهم الى ما هنالك كما حصل للعديد من الناس في المناطق القريبة من موقع الانفجار فهم يشعرون بأنهم أصيبوا كذلك بالألم...

- هذا صحيح الجميع يشعر بألم لأن الناس يقيمون في هذه المدينة، اذ اعتبر اللبنانيون انهم كشعب قد غُدر بهم، وكأنهم طُعنوا بقلوبهم. يشعر الناس بالألم لأنهم كانوا يعتبرون أنهم يقومون بواجباتهم تجاه الدولة فيدفعون لها الضرائب لكي تقوم بحماية المواطنين، ولكنهم وجدوا أنفسهم في خطر كبير وكأن لا وجود للدولة. وبالتالي يشعر الناس بأنهم متروكون لأن المسؤولين لم يفعلوا شيئاً لحماية الناس حتى عندما علموا بأن هناك خطراً في مرفأ بيروت.

الشعور بالذنب

* يشعر البعض بالذنب لأنهم لا يزالون أحياء ولكن غيرهم مات وتضرر من هذا الانفجار، فما سبب الشعور بالذنب في هذه الحالة مع العلم انه من واجب الدولة تقديم الحماية للمواطنين؟

- أول شيء يجب ان يقوم به الشخص ان يسأل من هو المسؤول عما حصل في مرفأ بيروت؟ فهل هو من وضع نيترات الأمونيوم في المرفأ؟ طبعاً الجواب لا فهذه ليست مسؤوليته بما حصل، ويجب ان يذكر الشخص نفسه انه يقدر ان يتخطى الأمر، مع العلم اننا بصراحة هذا ليس أول انفجار وطبعاً لن يكون آخر انفجار، للأسف الشديد في هذا البلد نحن نائمون على متفجرات، ولكن نقول لأنفسنا إننا نقدر ان نتخطاه لأنه سبق ان تخطينا الحرب الأهلية والتفجيرات حتى لو لم يكن بقوة وحجم انفجار مرفأ بيروت. ثانياً: علينا ان نفكر بأننا أحياء وبأنه قد نجا أقاربنا او اصدقاؤنا من هذا الانفجار، وهذا يساعد كثيراً اذ إننا سعداء لأنه غالبية الناس لم تتضرر من هذا الانفجار، وهنا أتحدث من الناحية الجسدية وليس المادية. هذا أمر مهم جداً. وما يمكن القيام به وهو يساعد كثيراً أن نقوم بأمر له معنى بالنسبة لشخص آخر، مثلاً التطوع وتقديم المساعدة للآخرين او حتى الدعم المعنوي، فاذا اتصل الشخص بأحدهم للاطمئنان عليه فهذا يساعدنا لكي نتخطى هذا الذنب الذي نشعر به. وبالتالي اذا كان كل واحد منا لديه القدرة والوقت ليساعد الناس فهذا أمر جيد ويساعدنا.

التطوع لمساعدة الناس يساعدهم على تخطي المآسي

* ما أهمية مشاركة الشباب اللبناني في العمل التطوعي في المناطق المنكوبة مثل الجميزة ومار مخايل وغيرهما اذ يكنسون الشوارع وينظفون منازل الناس ويقدمون المساعدة لهم؟

- بالفعل هذا أمر مهم ومفيد جداً، اذ رؤية هؤلاء الشباب المتطوعين والمتطوعات (بيكبّر القلب) فقد شعرنا بأن هناك حساً وطنياً. صحيح ان ما يقومون به جميل جداً ونأمل ان يساعدهم ذلك لأنه للأسف هناك احباط في البلد بسبب تفشي فيروس كورونا من جهة والأزمة الاقتصادية الخانقة من جهة أخرى، ولكن طبعاً قيامهم بالعمل التطوعي سيساعدهم بتحسين مزاجهم قليلاً اذ سيشعرون أنهم يقومون بعمل جيد من أجل مجتمعهم لأن الشباب والكبار في السن كلهم يعيشون حالة احباط من الوضع السياسي والاقتصادي كبيرة جداً، اليوم ليس هناك شخص أعرفه الا ويفكر بالهجرة، اذ جميعنا يفكر بالهجرة لأننا لم نعد نريد ان نعيش بهذه الطريقة. اليوم هناك الكثير من الأهالي لا يريدون ان يعيش أولادهم كما عاشوا هم من حروب وخلافات سياسية وغيرها، هل هناك يأس أكثر من ان يفكر الانسان بمغادرة البلد الذي وُلد وترعرع فيه؟.

* يُنصح الأهالي بضرورة التحدث مع أولادهم وشرح لهم ما يحصل من حولهم فالى اي مدى يساعد ذلك؟

- من المهم ان يشرح الأهالي لأولادهم ما يحصل في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها البلد، ولكن لا يجب ان يقولوا لهم أموراً غير صحيحة من ثم يتبين انها صحيحة، لذا يجب شرح الأمور بطريقة صحيحة اذ يجب ان يقولوا لهم الحقيقة وليس أموراً خيالية او غير منطقية، لأنه اذا علموا من خارج منزلهم ان ما قاله أهاليهم غير صحيح سيتأذون أكثر، يجب قول الحقيقة لهم مهما كانت، فلقد تأذينا جميعاً بسبب الأكاذيب. انظري ماذا فعل السياسيون بنا لأنهم كذبوا علينا بأمور عديدة، اذ ظل المسؤولون يكذبون علينا بأن لا مشكلة نقدية فانظري ماذا حصل للناس فهم لا يقدرون ان يحصلوا على أموالهم من المصارف، وقال السياسيون ليس هناك شيء في المرفأ فأنفجر المرفأ ودمر المدينة وشرّد الناس وقتلهم... الكذب لا يفيدنا بشيء ويجب قول الحقيقة.

* لقد مرّت سنوات طويلة على انفجار هيروشيما ولا يزال الناس هناك يتألمون لما حصل، فهل نحن نحتاج لوقت طويل لكي نتعافى من هذا الألم والحزن خصوصاً ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من صور وقصص محزنة جداً؟

- بصراحة "السوشيل ميديا" لا يساعد بهذا المجال، ولكن "السوشيل ميديا" يجعلنا ألا نكذب على بعضنا البعض، مثلاً عندما قيل إنه حصل انفجار مرفأ بيروت بسبب المفرقعات لم يصدق الناس ذلك نظراً للفيديوهات التي نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أو عندما قيل إنها لعبة دولية او صور مفبركة الى ما هنالك فكل هذه الأمور لا تنطلي على الناس إذ إنهم يعرفون أنها أخبار مضللة او كاذبة، لقد شاهدنا جميعنا كلبنانيين فيديوهات من أكثر من 15 زاوية مختلفة، ولهذا من خلال ما يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي يُمنع الكذب، ولكن لا يعني ان نظل نتابعها ليلاً ونهاراً فنظل نشعر بالحزن والألم نفسه. ولكن طبعاً الحقيقة دائماً صعبة، فمثلاً اليوم مهما أنكر البعض ان كورونا كذبة فهذا الأمر غير صحيح اذ هناك ملايين الناس أصيبوا بهذا الفيروس وهو يودي بحياة آلاف الناس حول العالم.

* كيف يُعالج الأشخاص الذين يعانون من الصدمة؟

- ما أود قوله هو كيفية التعامل بالموضوع. أولاً التنفس، اذ هناك تقنيات عدة للتنفس بشكل صحيح، وكلما يقوم الشخص بشيء عليه ان يسأل نفسه هل يفيده ذلك. وأن يعد للعشرة قبل ان يقوم بشيء. وأيضاً على الشخص أن يعرف بما يشعر به. وأيضاً التواصل بين الناس مفيد عند وقوع الكوارث والمآسي وان يشاركوا بعضهم البعض بما حصل ذلك اليوم وما يعتريهم من مخاوف او هموم منذ وقوع الانفجار. بعد حدوث هذه الكارثة المأسوية نحتاج لأمور ايجابية، مثلاً الاستماع الى الموسيقى او القيام بتمارين رياضية وغيرها، كما يجب ان يفكر كل انسان ما هي نقاط قوته، وأن يثق بنفسه ليحل هذه المشكلة لأنه سبق ان حل مشاكله وسيظل يحلها. اذا كان لدى الشخص نظرة تفاؤلية عليه ان يجد أمراً ايجابياً مما حصل مثلاً انه لم يمت في هذا الانفجار او لم يخسر أفراد عائلته او اقاربه او اصدقاءه، ونقدر ان نفكر أيضاً ان ما حصل قد جمع اللبنانيين ووحدهم، كما نشاهد تعاوناً كبيراً من المجتمع المدني لتخفيف المعاناة عن الناس المتضررين.