لم تتفاجأ الاوساط السياسية والادارية بقرار المجلس الدستوري الذي اتخذه بالاجماع بإبطال القانون النافذ حكماً رقم 7 المتعلق بتحديد آلية التعيين في الفئة الاولى في الادارات العامة في المراكز العليا في المؤسسات العامة ابطالاً كلياً لمخالفته المواد 54 و 65 و 66 من الدستور التي ترعى صلاحيات الوزير في الحكومة، وذلك لأن مصير هذا القانون رُسم بعد دقائق من إقراره في الجلسة العامة لمجلس النواب عندما اعلن رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل ان نواب التكتل يتجهون الى الطعن بالقانون امام المجلس الدستوري فور صدوره في الجريدة الرسمية. الا ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "وفّرّ" على نواب التكتل مشقة الذهاب الى المجلس الدستوري والطعن بالقانون، ذلك انه رفض توقيعه ليستكمل طريقه الى النشر ويصبح نافذاً، وبعد انقضاء المهلة الدستورية، اي شهر، اصبح القانون نافذاً حكماً فعاجله الرئيس عون بــ " ضربة " الطعن معدداً الاسباب التي جعلته يقدم على هذا الخيار وأهمها مخالفته لمواد دستورية. درس المجلس الدستوري مراجعة الرئيس عون واتخذ قراراً بالاجماع بقبول الطعن وابطال القانون ابطالاً تاماً. ولأن قرارات المجلس الدستوري لا تعرف اي طريق من طرق المراجعة القانونية وبالتالي فهي ملزمة لجميع السلطات، اصبح القانون وكأنه لم يكن!.
حزب "القوات اللبنانية" الذي كان أشد المطالبين بإقرار آلية التعيين لم "يستسلم" لقرار المجلس الدستوري، بل شن حملة سياسية واعلامية تنتقد قرار المجلس الدستوري وتصفه بـــ "القرار المسيس" وتلفت الى ان هذا القــــانون لم يخالف الدستور، الأمـــــر الذي دفع رئيس "القوات" الدكتور سمير جعجع الى اللجوء الى سلسلة "تغريدات" عبر موقعــــــه على " تويتر" ولما لم تجد هذه "التغريدات" الصدى المطلوب، حرك نوابه مستعينين بعدد من الوزراء السابقين، للقيام بسلسلة زيارات لرسميين وكتل نيابية للتعبير عن اعتراض القوات وللتمهيد لاجراءات اخرى تعيد طرح قانون الآلية بنص جديد يأخذ في الاعتبار الملاحظات التي اوردها المجلس الدستوري في معرض شرحه لاسباب قبول الطعن والمخالفات الدستورية الواردة في القانون!.
ودفعت "حركة القوات" والمواقف التي اعلنها النواب، برئاسة الجمهورية الى الرد عبر مكتبها الاعلامي لتجديد التأكيد على لا دستورية القانون ومخالفته لثلاث مواد دستورية ولاتهام الذين "يعترضون" على قرار المجلس الدستوري بأنهم قلة وهم يظهرون قصوراً في فهم الدستور اللبناني او يتجاهلون عمداً ما ينص عليه الدستور من مواد لاسيما تلك التي تتصل بمسؤوليات المجلس الدستوري. وفي وصف متقدم اعتبرت رئاسة الجمهورية ان وراء الحملة محاولة تسييس قرار المجلس الدستوري ما استوجب "تنبيه" المعترضين انهم من خلال مواقفهم "انما يطعنون بدور المؤسسة الدستورية التي وجدت لحماية المشترع من اي شطط خلال ادائه مهمته التشريعية من جهة، ولاحترام القوانين من جهة ثانية، وبالتالي فإن الحملات السياسية والاعلامية "هي حملات تثار حولها علامات استفهام كثيرة حول اسبابها والغاية من استمرارها لاسيما وان قرارات المجلس الدستوري نهائية وغير قابلة لأي نوع من انواع المراجعة القانونية، وملزمة لجميع السلطات".
الخطوة المقبلة
ماذا ستكون الخطوة المقبلة للمعترضين؟
يقول أحد نواب "القوات اللبنانية" إن كتلتهم النيابية سوف تنسق مع الكتل الاخرى في ما يتصل بالمرحلة المقبلة وذلك من خلال وضع صيغة جديدة تراعي الجوانب الدستورية، وهم مقتنعون بعدم المساس بالدستور. ويضيف انه من الطبيعي الا تقف "القوات" مكتوفة الايدي ولن تسمح بالتالي بابقاء التعيينات الادارية عرضة للمحاصصة والتبعية السياسية، والقانون لم يعد ملكاً لــ "القوات" بل صار قضية اصلاحية سيتم الدفاع عنها بكل ايجابية وبلا كيدية، وسيتم "كشف" كل من لا يريد السعي مع "القوات" من اجل تغيير التعاطي مع منطق الدولة. وفي هذا السياق يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك إن "الوسيلة المتاحة قانونياً لمعالجة تداعيات هذا القرار من اجل الهدف الاساسي، وهو اخراج التعيينات من منطق المحاصصة والمحسوبية تكمن في ان يصار الى اجراء تعديل دستوري وهو امر متعذر حالياً، او يصار الى اعادة صوغ اقتراح جديد يراعي ما ذهب اليه المجلس الدستوري من حجج لابطال قانون آلية التعيينات، لجهة تقليص دور الوزير ومجلس الوزراء. ويطرح اقتراح القانون مجدداً بواسطة نائب او اكثر ومنه الى اللجان ثم الى الهيئة العامة لاقراره، ويبلغ الى رئيس الجمهورية، الذي اما ان يرده من اجل قراءة ثانية او يطعن به كما فعل سابقاً.
ويرى مالك أن "قرار المجلس الدستوري ليس مسيساً، بمقدار ما هو قرار دستوري لقانون يخالف بالفعل المادتين 65 و 66 وبالتالي المخالفة ثابتة وفي المنطق لا يجوز تقييد صلاحيات الوزير"!.
وينسب الى مرجع قضائي سابق قوله ان "رأي المجلس الدستوري هو وجهة نظر جديرة بالاحترام، انما جديرة ايضاً باعطاء الرأي المخالف، اذ لم يعد جائزاً سوء الممارسات في لبنان ان يكـــون الوزير في وزارته هو "يوليوس قيصر" او "نابليون" بمعنى ان يكـــــون "الآمر الناهي" مشيراً الى ان " التفسير الذي اعطي للمواد التي على اساسها بني الطعن، لا يتوافق مع نية المشرع الدستوريـــة، وبالتالي يجب ان تكون هناك ضوابط للوزير"، ويضيف : "بعد اتفاق الطائف" لم تشهد صلاحيات الوزير اي تعديلات، وآلية التعيين تضعها السلطة التشريعية وليس اي سلطة اخرى".
ويسأل المرجع، اين ضرب قانون آلية التعيينات الدستور واحكام الدستور؟ هل إبطال هذا القانون هو لمصلحة دولة القانون ام للتعنت في عدم السير على طريق دولة القانون؟ ويشدد على ان " المواد 62 و 63 و 64 وغيرها تبقي للوزير صلاحيات محددة بالنسبة الى التعيين انما لا يعني ان يكون هو السلطة الوحيدة، ولا يجوز ان تكون القرارات احادية، فهذه ليست نية المشرع، فيما الطعن يستند الى مبدأ صلاحيات الوزير واعتباره الآمر الناهي".
في المقابل، تقول مصادر "تكتل لبنان القوي" ان القانون الذي ابطله المجلس الدستوري بات في حكم الماضي لأنه ليس من المقبول ان تتحول الآلية التي اعتبرت معبراً الزامياً يجعلها عرضة للكثير من العوائق والاشكالات التي تظهر عند التطبيق، واستطراداً فإن الرئيس عون استعمل حقه الدستوري وكان محقاً برأيه بدليل ان المجلس الدستوري الذي احتكم اليه، قبل طعنه مثبتاً وجود مخالفة دستورية في القانون... وفي الانتظار ستبقى التعيينات من دون آلية.... لكن مع محاصصة!.