تفاصيل الخبر

أبرز النتائج حتى إشعار آخر: كسر الجليد بين طهران والرياض، واستبعاد التقسيم ومشاريعه والتأكيد على الدولة المدنية!

06/11/2015
أبرز النتائج حتى إشعار آخر: كسر الجليد بين طهران والرياض، واستبعاد التقسيم ومشاريعه والتأكيد على الدولة المدنية!

أبرز النتائج حتى إشعار آخر: كسر الجليد بين طهران والرياض، واستبعاد التقسيم ومشاريعه والتأكيد على الدولة المدنية!

بقلم جورج بشير

putin-al-assad مشاريع الحلول السياسية للحرب السورية وُضعت بعد اجتماع <فيينا> على نارٍ هادئة، وفي الوقت ذاته فإن مشاريع مواصلة الحرب في سوريا والعراق بدورها ما تزال موضوعة على نارٍ حامية.

ما من شكّ أن اجتماع <فيينا> الذي انعقد في الأسبوع الماضي وضمّ وزراء الخارجية للدول المعنية بالحرب <العالمية> الناشبة في سوريا وبعدها في العراق، وشاركت فيه الدول المُتضررة من هذه الحرب، كونها دولاً مجاورة لسوريا والعراق استضافت مئات الآلاف من النازحين واللاجئين المُصابين بنتيجة الأعمال الحربية، وفي طليعة هذه الدول لبنان الذي مثّله وزير الخارجية جبران باسيل، لكن لقاء <فيينا> هذا الذي دُعيت للمشاركة فيه إيران للمرّة الأولى بعد صراعٍ سياسي - ديبلوماسي عنيف، ترجم تداعيات الخلاف المستعرّ الناشب بين السُنّة والشيعة في المنطقة والعالم من جهة، والحرب الباردة الناشبة بين السعودية وإيران من جهة ثانية.

 هذه المشاركة الإيرانية كانت خطوة مهمة ومحطة مفصلية بارزة واللُبنة الأولى في مشروع الحل السياسي المنشود للحرب في سوريا وللأزمة السياسية الناشبة فيها، وفي المنطقة والعالم بسببها، كون إيران استُبعدت من اللقاءات السابقة التي انعقدت بين هذه الدول سواء في نيويورك وواشنطن أم في باريس ولندن أم في جنيف، وقد لعبت اسرائيل وفرنسا وتركيا ودول عربية بارزة أدواراً معروفة أدت الى عرقلة أي حلّ، خصوصاً تلك التي طُرحت في لقاءات سويسرا برعاية دولية وشارك فيها فرقاء سوريون مُتخاصمون كان مطروحاً عليهم أن يتوافقوا على مشاريع حلول سورية - سورية كون المشكلة من ناحية المبدأ سورية والخلاف المُعلن بين السوريين..

 

... وماذا كانت النتيجة؟

الذين واكبوا المشاورات الديبلوماسية الصعبة التي رافقت انعقاد <مؤتمر فيينا>، وتلك التي سبقت هذا الانعقاد، يعتبرون أن لقاء <فيينا> كان مميّزاً عمّا سبقه من لقاءات ومؤتمرات، لأنه كان بمنزلة كسر للجليد بين الخصمين اللدودين إذا صحّ التعبير، أي المملكة العربية السعودية من جهة وإيران من جهة ثانية، رغم ما تخلّل المناقشات التي جرت بين المتحاورين في جلسات المؤتمر من تبادل اتهامات وعبارات حامية بين رئيسي الوفدين السعودي والإيراني، لكن المهم بالنسبة للمراقبين أن <لقاء فيينا> انعقد، ودُعيت إيران الى المشاركة فيه، وأن الجليد انكسر بين الرياض وطهران وإن لم تكن الأزمة الناشبة بين البلدين وبين المسؤولين فيهما قد شهدت بوادر الحلّ المنشود، كون مثل هذا الحل إن حصل لا بدّ وأن ينعكس على العلاقات والأجواء المكفهرة بين إيران والدول الخليجية، والخلاف السعودي - الإيراني فيها هو <بيضة القبّان>.

لم يكن مُنتظراً حسب ديبلوماسيين شاركوا في <لقاء فيينا> أن يُعلن بنتيجة هذا اللقاء الأول وقف لإطلاق النار على الأراضي السورية بين الجيش السوري الموالي للنظام وجيوش الإرهابيين الذين يقاتلون هذا الجيش لإسقاط النظام السوري، وتنظيماتهم الأصولية أو المعتدلة كما يحرص البعض على تسميتها وخاصة فرنسا واسرائيل وحتى الولايات المتحدة الأميركية، لأن حرباً شابهت الحرب العالمية على نطاق ضيّق هزّت منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وأدّت الى عادل-الجبير-2زلزال في العلاقات الدولية والى تدفق جيوش المرتزقة للمُشاركة فيها من كل حدبٍ وصوب، حتى من أوروبا وأميركيا وأوستراليا وكندا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والى تهجير ملايين السوريين والعراقيين بعد تدمير منازلهم واحتلال ممتلكاتهم ومدنهم وقراهم، لا يمكن لأحد بعدها أن يتصوّر بأن <مؤتمر فيينا> هذا برغم دعوة إيران للمُشاركة فيه للمرة الأولى، يمتلك <العصا السحرية> التي تقود الدول المشاركة فيه الى حلٍ سحري خلال يومين، والواقع أنه لا بُدّ من عقد جولة ثانية من المحادثات بين الدول المشاركة وثالثة وربّما أكثر لإعداد آلية الحل السياسي الذي جرى التوافق على إعلانه كعنوان، وبعد ذلك يُصار الى بناء الحل على مقتضاه.

فالمرحلة الأولى كانت خطوة في محلّها جمعت دولاً أساسية معنية بالحرب، كونها ضمّت الممثلين الأساسيين عن المتحاربين، والدول المتضررة من الحرب والجارة لسوريا والعراق كونها الشاهد على ويلاتها والمعاني الأول لتداعياتها ولنتائجها المدمّرة.

.. وشبح التقسيم

شبح التقسيم ومشاريع تقسيم دول المنطقة وخاصة سوريا والعراق الى دويلات سنية وشيعية وعلوية وكردية جرى إعلانها وتبادل الرأي والتحليلات في شأنها على مدى سنوات داخل عواصم المنطقة وعواصم العالم، وكادت تتحوّل الى وقائع أو حقائق لدرجة بات يصعب على المراقبين نكرانها أو حتى استبعادها، وكاد البعض يعتبرها أموراً لا بُدّ واقعة. لذا، فقد كان أهم ما أعلنه وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في فيننا الأسبوع الماضي التأكيد على الحفاظ على وحدة كل من سوريا والعراق، وضرورة ارتكاز أي حلّ سياسي منشود للأزمة السورية على وحدة سوريا والعراق، وعلى مبدأ قيام الدولة المدنية، وهذا بحدّ ذاته إنجاز مميّز في نظر المراقبين في وجه مشاريع التقسيم التي جرى الحديث عنها في <المطابخ وغرف العمليات الإقليمية والدولية>، على الرغم بأن ما أُعلن على صعيد مفهوم الدولة المدنية ووحدة الأراضي السورية كان خطوة في بداية الطريق نحو هدف وقف الحرب والصراع.

الأوساط اللبنانية والعربية وحتى الدولية كانت تتمنى لو أن إعلان <فيينا> الأول هذا الذي صدر في الأسبوع الماضي أُرفق بدعوة صارمة الى الجهات الإقليمية والدولية التي تغذّي الحرب والإرهاب في سوريا والعراق وتمُدّ المتحاربين بالمال والسلاح وبالمسلحين للتوقف الفوري عن ذلك، لأن الاستمرار في تغذية الحرب وفي مدّ المتحاربين بالمال والسلاح من دول شرق أوسطية وأجنبية، خصوصاً بقوافل المسلحين، تجعل الدعوة الى الحل السياسي والى الحوار دعوة غير فاعلة في ظل استمرار جهات إقليمية ودولية بدعم المتحاربين ومدّهم بالمساعدات اللوجستية لاستمرار هذه الحرب، كأن هؤلاء المعنيين يريدون الشيء وعكسه في آن.

و<ورشة فيينا> في أي حال، إعداداً وتنفيذاً لا بدّ وأن تعطي ثمارها إذا ما وفّر لها المشاركون فيها أسباب النجاح، وأخلصت نواياهم ولم يكتفوا بتبادل المجاملات والابتسامات واكتشاف مواقع جديدة للنفوذ الإقليمي والدولي على هامش الحرب السورية والعراقية. فالإرهاب بات خطراً كبيراً وآفة دولية وإقليمية تتحمّل الدول المشاركة في <فيينا> مسؤولية نموّه وانتشاره ليُصيب العالم المتحضّر والمتمدّن بموجات جديدة من الدمار والخراب والموت، أين منها الدول التي شهدت فصولاً على ذاك الدمار مثل سوريا والعراق وقبلهما لبنان ومصر، والدول المشاركة هذه تتحمّل المسؤولية التاريخية في هذا المجال.

البعض من المراقبين المواكبين لـ<حراك فيينا> ومؤتمرها يعتبر أن النتائج التي كانت مرجوّة من مؤتمر الأسبوع الماضي لم تتحقق بدليل أن بعض المؤتمرين اختلفوا على مصير الرئيس السوري بشار الأسد، كون بعضهم يُطالب بتنحيته عن أي محمد-جواد-ظريفدور مستقبلي في الحل السياسي المنشود وباستبعاده عن الترشح للرئاسة في الانتخابات المنشودة. فيما رأى معارضو هؤلاء أن الحلّ الديموقراطي لا يجب أن يستبعد أحداً، خصوصاً الرئيس الحالي من المشاركة في الحلّ أو حتى من حق الترشّح في الانتخابات الرئاسية لأنه صمد خمس سنوات وما زال يمثّل على الأقل نصف السوريين. فيما يعتبر الآخرون أن الرئيس السوري المسؤول الأول عن الحرب التي دمّرت سوريا وشلّت قواها وبعثرت الشعب السوري في العالم العربي والعالم الخارجي بين نازحين ولاجئين تمكّنوا من النجاة.

يبقى المهم في نتائج <لقاء فيينا> أنه انعقد، وأن إيران شاركت فيه ووزيرا الخارجية السعودي والإيراني تحادثا وجلسا في غرفة واحدة وحول طاولة واحدة وإن لم يجد الودّ سبيلاً الى المناقشة التي جرت بينهما، والنتيجة الثالثة لـ<لقاء فيينا> هو استمراريته كونه سيستأنف أعماله بعد أسبوعين في العاصمة النمساوية، والنتيجة الرابعة دعوة المؤتمر السوريين الى الحوار المباشر المسؤول والاتفاق حول مستقبل سوريا، واعتبار الإرهاب وضرورة مكافحته وتصفيته واجباً على الدول المشاركة وعلى العالم، والأهم من كل هذا تأكيد المؤتمر على وحدة سوريا أرضاً وشعباً وعلى قيام نظام حكم مدني فيها، والبقية تأتي.

هنالك من يتشاءم ويقول بأن نوايا بعض الدول المشاركة في <لقاء فيينا> لم تكن صافية على الأقل بالنسبة لتلك الضالعة بالحرب السورية، وهذا يعني إيران وروسيا وأميركا وبعض دول الخليج.

ربما كان المتشائمون هؤلاء على حق في ما يعتقدون لأن <لقاء فيينا> الأول هذا كان بإمكانه مثلاً أن يعلن دعوة فورية للمتحاربين لوقف إطلاق النار ويباشر في الإعداد للحوار السوري - السوري المباشر هو من أجل أن يوضع الحل السياسي المنشود على محمل الجدّ، وأقله كان على كل من روسيا وأميركا أن توقفا غاراتهما الجوية رغم أنهما تقولان بأن هدف الغارات هذه هو القضاء على الإرهاب والإرهابيين...

لننتظر ريثما نرى، فبعد أسبوع ونيّف يحين موعد الانعقاد الثاني لـ<مؤتمر فيينا>، وفي هذا الانعقاد سيبرهن المشاركون فيه ما إذا كانوا جديّين بما يدعون إليه، وما دعوا إليه في بيانهم الأسبوع الماضي أم العكس، لأن هؤلاء في <فيينا 2> سيتجاوزون مرحلة الاختبار وسيكونون أمام الامتحان، أقله امتحان النوايا.