تفاصيل الخبر

عينكم في هذه العاصفة على.. لبنان

10/03/2016
عينكم في هذه العاصفة على.. لبنان

عينكم في هذه العاصفة على.. لبنان

بقلم وليد عوض

ban-ki-moon-salam

الأميركــــي والـــــــروسي والفــــــرنسي والبريطـــــاني جاهــــــزون الآن للعبـــة الكبرى التي هي تقسيم سوريا، أو تحويلها الى ولايات فيدرالية، وكأنهم بذلك يجددون عهد اتفاقية <سايكس ــ بيكو> التي أنبتت الشرق الأوسط الحالي.

ولكن ما شأن روسيا باتفاقية <سايكس ــ بيكو> وهما اسما المندوب البريطاني والمندوب الفرنسي اللذان أمسكا بالسكين عام 1917، وقاما بتقسيم الكعكة الجغرافية في المنطقة.

يقول الباحث الاسلامي والسياسي الزميل محمد السماك ان اتفاقية <سايكس ــ بيكو> التي قطعت أوصال الشرق الأوسط عام 1917، بعد انهيار الدولة العثمانية، لم تكن مقتصرة على اثنين هما <سايكس> و<بيكو>، بل كان هناك ثالث اسمه <سيرغي زانوف>، وكان سيضع توقيعه الى جانب توقيع المندوب البريطاني والمندوب الفرنسي، ولكن اندلاع الثورة البلشفية بقيادة <فلاديمير لينين> أبعده عن هذا التوقيع وحجب اسمه عن الاتفاقية التي اشترك في صياغتها مع <سايكس> و<بيكو>. ولو أتاحت الظروف للمندوب الروسي <زانوف> أن يحضر ويشارك في التوقيع لنال حصته بضم مدينة <اسطمبول> وكل المنطقة الممتدة من جزيرة <القرم> حتى بحر <مرمرة> وصولاً الى موسكو.

وهذه الواقعة تعطي الروس وبالتحديد <فلاديمير الثاني>، أي <بوتين> حق وراثة <فلاديمير لينين> في اتفاقية <سايكس ــ بيكو>. ولعل <بوتين> يستحضر هذا التاريخ ليكون حاضراً في أي عملية تغيير تتناول الشرق الأوسط، والفيدراليات الموعودة. والعقل الذكي هو الذي يفسر الآن سبب هذا الوجود الروسي الكثيف في سوريا، جواً وبحراً، وربما براً عما قريب إذا تفاقمت الأحداث وفرضت النزول العسكري البري.

ويذكرنا هذا المشهد بالرئيس الفرنسي الراحل <جورج كليمنصو> وهو يستقبل بطريرك لبنان الياس الحويك على رأس وفد كبير من الأحبار، للمشاركة في توليد لبنان ما بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919، إذ قال مبتسماً للبطريرك الحويك: <لم تكن هناك حاجــــة الى كـــل هــــذا الوفد لتقنعـــــوني بمـــا يجب أن أفعل>!

وفي السيرة التاريخية لتوقيع <كليمنصو> على مرسوم لبنان الجديد، ان البطريرك الحويك نكز يد <كليمنصو> وهو يرسم خريطة لبنان، فأدخل في الورشة الجغرافية ما يسمى الأقضية الأربعة، وهي: بعلبك وحوش الأمراء وراشيا وحاصبيا، وكانت جميعاً من ركائز الخريطة السورية.

روسيا على الخط!

وفرقاء الأمس الذين تنازعوا خريطة المنطقة عام 1919، موجودون الآن بزخم أكبر، زخم الطائرات والغواصات، والصواريخ. فالمستر <مارك سايكس> ممثل في رئيس وزراء بريطانيا <دايفيد كاميرون>، والمسيو <جورج بيكو> الذي يحمل اسمه أحد شوارع منطقة الجميزة حاضر بشخص الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند>، والمندوب الروسي <سيرغي زانوف> متمثل في شخص <فلاديمير بوتين> أو بحد أدنى في شخص <سيرغي لافروف> وزير الخارجية، وأهلاً بكم إذا كنتم تريدون تقسيم المنطقة وإنشاء بلد جديد، مثل شرق الأردن برئاسة الملك عبد الله بن الحسين. كذلك أهلاً بكم إذا قررتم اعتماد النموذج الفيدرالي، وإعطاء الأكراد دولتهم التي يناضلون من أجلها منذ عشرات السنين، بحيث تضم جزءاً من إيران، وجزءاً من تركيا، وجزءاً من العراق، وجزءاً من سوريا، بالرضاء والتسليم، لا بنيران المدافع!

 

sergei-sazanov<بــان كـي مـون> ورايــة... المـــرأة!

ويأتي الى لبنان هذا الأسبوع، وسط كل هذه الأجواء، أمين عام الأمم المتحدة <بان كي مون> تحت راية حقوق المرأة لمناسبة <عيد المرأة العالمي>. ولكن دوافع الزيارة وحدها ليست المرأة وحقها في ارتقاء المناصب الاستراتيجية، انما تخفي أغراضاً أخرى، تماماً كالمرأة التي خاطبت الشاعر عمر بن أبي ربيعة قائلة: <إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا/ لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر>!

والهوى في زيارة <بان كي مون> للمنطقة ليس قضايا المرأة، وإن كانت هذه القضايا هي العنوان، بل محاولة استكشاف الرياح السياسية التي تضرب المنطقة، وعدم الاعتماد فقط على تقارير مندوبته في لبنان <سيغريد كاغ>، مع الاعتراف بكفاءة هذه المرأة الرقيقة والرفيعة الثقافة الديبلوماسية. فإن <بان كي مون> يريد أن يطرح سؤالاً ويأخذ الجواب عنه، وهو: إن منطقة الشرق الأوسط هي الحالة الأخرى لمجلس الأمن. ففيها المندوب الأميركي، والمندوب الروسي، والمندوب البريطاني، والمندوب الفرنسي، وحتى المندوب الصيني، أي كل خماسي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. فأي خريطة طريق سيسلكون؟!

وعين <بان كي مون> تلاحق الآن ما يجري في سوريا، ويردد: <سبحان مغير الأحوال>. فالإدارة الأميركية ظلت مصرة على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أي انتقال سياسي، وهي الآن لا ترى مانعاً في بقائه ليقود جناح المفاوضة مع المعارضة السورية باسم النظام. والمعارضة السورية التي أعلنت موقفها غير مرة بأن لا مفاوضات إلا إذا رحل بشار الأسد عن السلطة، تسأل الآن: من ذا الذي سيمثل الرئيس الأسد في جناح المفاوضة باسم النظام؟! ولولا الاصرار السعودي على رحيل الرئيس الأسد قبل انطلاق مفاوضات الانتقال السياسي، لأمكن القول ان هناك تجديداً مقنّعاً للرئيس الأسد.

وحين يمر قلم التقسيم على خريطة سوريا، وتكون دول <سايكس> و<بيكو> حاضرة في مخاض الولادة، فلا بد أن تعصف رياح التقسيم بخريطة العراق، لأن الخريطة على ما هي عليه، ستبقى دائماً بؤرة توتر وتصفيات دموية، ولا سبيل الى تغيير هذا الواقع إلا بإعطاء كل ذي حق حقه. فلا مناص من دولة كردية، ولا مهرب من دولة شيعية في الجنوب، ولا مفر من دولة سنية في الوسط، ولا غنى عن دولة سنية في الشمال تكون قاعدتها الموصل.

 

صعود الدور التركي!

ولتركيا كلمتها في هذا الباب، وتملك لفرض ارادتها قوة عسكرية، وقوة سياسية منبثقة من عقيدتها الاسلامية، وهمها الآن إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا تحتضن ملايين النازحين السوريين، وترفع الضغط عن الداخل التركي، وعن الحدود مع الدول الأوروبية التي لم تعد تحتمل هذا المد البشري من النازحين، وهي جاهزة لتقديم المساعدات المالية لتركيا مقابل أن تحد من هذا السيل البشري العارم أو <التسونامي> السوري. وفي اللعبة التركية مناورة ذكية، فهي من جهة كرّست دوراً أوروبياً لتركيا في المصير الأوروبي، بعدما ظهر الخوف من تفتت المجتمع الأوروبي نتيجة لضغوط النازحين، ولاسيما النازحين من ميناء <كاليه> الفرنسي الذي يربط فرنسا بانكلترا عبر بحر <المانش>، ويتلازم هذا الموضوع مع ظهور تيار بريطاني يطالب بالتفكك من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء حزيران (يونيو) المقبل، برغم تظاهر رئيس الوزراء <دايفيد كاميرون> بمعارضة هذا الانفصال.

إذن... فتركيا لم تعد على هامش الأحداث، بل هي ركن أساسي في مطبخ هذه الأحداث، ولا عبث بالخريطة إلا بموافقتها، وتأكدها من سلامة مصالحها. وهي في الزيارات المتبادلة مع إيران لا تمارس التصويب على المصالح الاقتصادية وكفى، ولا على تزويد  تركيا بالنفط الإيراني، بل تريد أن تقول لإيران، كما روسيا مالكة المفاتيح في سوريا الآن: لن أتنازل عن حصتي في أي تغيير، وكما كانت الامبراطورية العثمانية زمن السلطان محمد الفاتح تملك ناصية الموقف الآن. وإيران تريد حصتها الجغرافية أيضاً ضمن erdogan-putinحلم الامبراطورية الفارسية.

والركن الضعيف في هذه المجموعة من الجبابرة، والسعودية واحد منهم، هو البيت الأبيض حتى إشعار آخر. فلم يبق لولاية الرئيس <باراك أوباما> سوى شهور، وقبضة البيت الأبيض في آخر الولاية أشبه بقبضة <كومبارس>، والاتكال في هذا الخصوص هو على الزعيم الآتي بعد <أوباما>. فهل يكون المرشح الجمهوري المهووس <دونالد ترامب> الذي تشير الوقائع الى فتوحاته الانتخابية في عدة ولايات، هو مالك القرار الأميركي المقبل؟ أم تكون <هيلاري كلينتون> التي لن يؤثر عمر الثمانية والستين في اختيار القرار المناسب للولايات المتحدة وللعالم؟

 

عينكم على لبنان

 

ونسأل بعد كل ذلك: أين نحن في لبنان؟! وما هو دورنا في لعبة الخرائط، إذا كنا أمام <سايكس ــ بيكو> جديد؟! وهل صار الخلاص من النفايات هو قضية المصير؟!

للنفايات حسابها بلا شك، وقد تركت تأثيرها المخيف في المستشفيات التي تغص بمرضى الالتهاب الرئوي، ولكن لا يحسبن أحد ان دور لبنان ينتهي بإزالة النفايات، والحصول على صحة جيدة. بل دور لبنان هو الاعتصام بحبل العروبة التي هي وجه وكيان شعوب هذه المنطقة، والتخفيف من أضرار الاشتباك السعودي ــ اللبناني حول حزب الله، ومنع هذا الحزب من الامتداد الى التركيبة اللبنانية والعبث بها.

عيون مفكرينا ينبغي أن تبقى مفتوحة، وعقول أهل السياسة، إذا بقي لهم عقول، مسؤولة عن كل ضيم يصيب هذا البلد، وعن أي ضياع يعتري لبنان، وأن تتأهب هذه العقول للوصول الى انتخاب رئيس جمهورية جديد يزيل النفايات السياسية من واقعنا المخيف، ويفتح الطريق لمنحى جديد في السياسة اللبنانية...

والشعار الآتي وسط كل هذا الخضم هو: عينكم على لبنان، فعند تغيير الأمم... احفظ رأسك!