تفاصيل الخبر

عظة البطريرك الراعي في إطارها الصحيح: ليست في "أجندة" بكركي "قرنة شهوان" ثانية!

15/07/2020
عظة البطريرك الراعي في إطارها الصحيح: ليست في "أجندة" بكركي "قرنة شهوان" ثانية!

عظة البطريرك الراعي في إطارها الصحيح: ليست في "أجندة" بكركي "قرنة شهوان" ثانية!

[caption id="attachment_79508" align="aligncenter" width="611"] الرئيس ميشال عون والبطريرك بشارة الراعي في لقاء سابق[/caption]

 لم تكن دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كي يفك "الحصار عن الشرعية" التي اطلقها قبل اسبوعين وأعاد تكرارها الاحد الماضي، مجرد صرخة من المقر البطريركي الصيفي في الديمان، للاستهلاك الشعبي، أو هي دعوة من البطريرك الى الاسراع في ايجاد الحلول المناسبة للأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة، بل هي دعوة صريحة الى اعلان "حياد لبنان"، وهو خيار قديم جديد يطرح في الساحة السياسية، كلما مرت البلاد بأزمة او واجهت تداعيات لأزمات اقليمية مقلقة. وصرخة البطريرك لا يمكن حصرها برئيس الجمهورية اذ شملت السياسيين الذين لا يريدون المساهمة في الحلول المقترحة والمتداولة لهذه الازمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم لاسيما في ظل عدم وصول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الى نتائج عملية بعد. وعلى رغم ان البطريرك لم "يرحم" السياسيين في عظاته المتتالية، الا ان جهات سياسية كثيرة أرادت "استثمار" موقف رأس الكنيسة المارونية في الموقف السياسي الراهن في البلاد، وفي "شد الحبال" القائم بين العهد والحكومة من جهة، والمعارضة من جهة اخرى، فكثرت التفسيرات والتعليقات والتحليلات وصارت مواقف البطريرك مادة اساسية في وسائل الاعلام على كثرة ما تناولها السياسيون والمعلقون والعارفون والمقربون الخ...

 وبنى كثيرون على كلام البطريرك "احلاماً" راوحت بين تزعم البطريرك لـ "جبهة معارضة" و"استعادة لتجربة قرنة شهوان"، في وقت عبر آخرون عن انزعاجهم مما اشار اليه البطريرك، الامر الذي اضطره الى توضيح مـــا قصد بـ"حياد لبنان" في عظة الاحد الماضي حين قال إن دعوته كانت "من اجل حماية لبنان ورسالته من اخطار التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في المنطقة، ومن اجل تجنب الانخراط في سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، والحؤول دون تدخل الخارج في شؤون لبنان، وحرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الاهلي، وفتح آفاق واعدة لشبانه وشاباته، والتزاماً منه بقرارات الشرعية الدولية والاجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، والمطالبة بانسحاب الجيش الاسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وبتنفيذ قرارت الشرعية الدولية ذات الصلة، اطلقت النداء، في عظة الاحد الماضي، الى الأسرة الدولية لاعلان حياد لبنان، من اجل خيره وخير جميع مكوناته والاهداف التي ذكرت".

 

"الحياد" و"التدويل"

 حرص البطريرك على توضيح ما قصده في العظة  حول "الحياد" كان تفادياً لاي تفسير او تأويل لاسيما من الجهات التي رأت في الدعوة البطريركية الى الحياد، محاولة للابتعاد عن الصراع اللبناني- الاسرائيلي مع ما يعني ذلك من حساسية مؤذية لدى فريق كبير من اللبنانيين الذي يرى في "الحياد" مقدمة لـ"تدويل" الازمة اللبنانية وما يسببه من مضاعفات على الاوضاع الداخلية، خصوصا ان عبارة "الحياد" تحمل اكثر من معنى. لكن عظة الاحد الماضي للبطريرك ارادت ان تضع "الحياد" في مفهومه البطريركي وتوجيهه صوب الامور الداخلية اللبنانية لاسيما عندما قال ان ردود الفعل التي صدرت بعد عظته دلت على "ان اللبنانيين يريدون الخروج من معاناة التفرد والجمود والاهمال، يريدون شركة ومحبة للعمل معاً من اجل انقاذ لبنان واجياله الطالعة. يريدون مواقف جريئة تخلص البلاد، لا تصفية حسابات صغيرة. يريدون دولة حرة تنطق باسم الشعب، وتعود اليه في القرارات المصيرية، لا دولة تتنازل عن قرارها وسيادتها أكان تجاه الداخل او تجاه الخارج. اللبنانيون لا يريدون ان يتفرد اي طرف بتقرير مصير لبنان، بشعبه وارضه وحدوده وهويته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، بعد ان تجذرت في المئة سنة الاولى من عمره، ويرفضون ان تعبث اية اكثرية شعبية او نيابية بالدستور والميثاق والقانون، وبنموذج لبنان الحضاري، وان تعزله عن اشقائه واصدقائه من الدول والشعوب، وان تنقله من وفرة الى عوز، ومن ازدهار الى تراجع، من رقي الى تخلف".

 واذا كانت ايضاحات البطريرك وشروحاته عما عاناه في عظتيه اضاءت نسبياً على مواقفه لدى الاطراف اللبنانيين، الا ان مسألة علاقته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ظلت ملتبسة لاسيما دعوته الى "فك الحصار" عن الشرعية التي لم تلق صدى ايجابياً في بعبدا وما زاد الريبة الزيارات التي حصلت بعيد العظة من الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة وما صدر عنهما من تصريحات حملت اكثر من معنى، ناهيك عن زيارة السفير السعودي وليد البخاري والمواقف التي صدرت عن سياسيين ورؤساء احزاب ورموز من " 14 آذار" وصلت الى حد الحديث عن "جبهة معارضة" سوف تباركها بكركي، و...... عظتي البطريرك بأنها تشبه نداء البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير الذي اسس لاطلاق معارضة سلمية للوجود السوري في لبنان آنذاك. وتنوعت الاجتهادات حول ما قصده البطريرك، الامر الذي دفعه الى زيارة قصر بعبدا يوم الاربعاء الماضي والحديث الى الرئيس عون بصراحة عما أراد قوله في عظته لاسيما ما يتعلق بعبارة "فك الحصار" عن الشرعية.

شروحات سبقت الزيارة الى بعبدا

 وسبقت زيارة البطريرك الى بعبدا سلسلة "شروحات" صدرت من بكــــركي والديمان (حيث يمضي البطريرك فصل الصيف) ركزت على حسن العلاقة بين الرئيس والبطريرك وعلى عدم اعطاء كلامه اي بعد تصادمي بين الرجلين اللذين يتقاسمان الزعامة المارونية، فالاول هو رئيس الجمهورية الماروني والزعيم الشعبي الواسع الحضور، والثاني هو رأس الكنيسة المارونية بتأثيرها الروحي والمعنوي على ابناء الطائفة خصوصاً واللبنانيين عموماً، لاسيما وان للبطريرك لقب آخر وهو "بطريرك الشرق" .

 وركزت "الدفوع" على شرح الموقف البطريركي من الدعوة الى "حياد" لبنان التي لا تعتبر دعوة جديدة بل هي قائمة منذ سنوات طويلة حتى خلال الحرب الاهلية وعند كل مفصل مهم من الحياة السياسية اللبنانية، الا ان توقيت موقف البطريرك الماروني في هذه اللحظة الحساسة على المستويين المحلي والاقليمي هو الذي دفع الى رسم اكثر من علامة استفهام حولها نظراً الى انها تأتي في ظل ازمة متعددة الاوجه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومصيرياً يمكن ان تؤدي بالبلاد الى تغييرات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية مع ما تحمله من تعقيدات امنية يمكن ان تترافق مع هذا الجو الذي يغلي في المنطقة بكاملها ولبنان ليس بمنأى عنها بل هو في صلب تداعياتها.

 ولاحظت مصادر مطلعة ان هناك محاولات من قبل قوى آذار السابقة الى استغلال كلام البطريرك الذي يشكل امتداداً طبيعياً لخط بكركي الوطني منذ مئات السنين وهو ليس بجديد بمقدار ما يمكن ان تعتمده او تفسره كل جهة سياسية على هواها وان عملية البناء على هذه المواقف والذهاب بعيداً في التحليل ليس في مكانه الصحيح على الاطلاق وان السعي الى تعميم معلومات عن ان البطريرك الماروني في طور اطلاق مروحة واسعة من الاتصالات المحلية والاقليمية وبالتالي دعوات الى ما قد ينتج عنها في المرحلة المقبلة امر مبالغ فيه بفعل اختلاف الازمنة السياسية والمراحل التي تمر بها البلاد.

 ويستدل من مصادر بكركي ان كل الكلام الذي قيل في تفسير عظة البطريرك ليس له ما يبرره لاسباب عدة اهمها بان ليس في مفكرة بكركي اي كلام او توجه نحو تأسيس لقاءات مسيحية كما يذهب ظن البعض اليها على غرار " لقاء قرنة شهوان" او تكليف اسقف من قبل الصرح لمتابعة القضايا المطروحة على الساحة المحلية. واذا كان البعض اراد ان يضع عظة البطريرك في قالب "نداء" جديد للمطارنة وهذا البعض لديه كامل الحرية فيما يعتقد، لكن حقيقة الامر ان سيد بكركي لو اراد هذا الامر بالتحديد بمعزل عن المضمون لكان جمع مجلس المطارنة بكامله واطلق نداء الى اهالي البلاد والعباد دون تردد خصوصاً ان البطريرك الراعي لديه "ميزان الجوهرجي" في مقاربة المسائل الوطنية وينتقي كلماته بكل عناية وتضيف مصادر الصرح البطريركي ان العلاقة القائمة بين بكركي وبعبدا وعلى وجه الخصوص مع رئيس الجمهورية جيدة للغاية وهو يزوره باستمرار وكلما دعت الحاجة وزيارة يوم الاربعاء الماضي تندرج في هذا الاطار.

 اما مخاطبة رئيس الجمهورية من خلال العظة كونه يشكل ضمانة وطنية واخلاقية لا شائبة فيها، انما على البطريرك ان يرى الامور كما تصله من الابرشيات والمطارنة والكهنة في كل لبنان ويخاطب رئيس البلاد بعيون الناس خصوصا ان الرئيس عون يعي تماماً ما يحصل على الساحة الداخلية وهو ضنين ايضا بمسألة السيادة ولا احد يزايد عليه في هذا المجال، وبكركي تعي ايضاً ان هناك مسائل صعبة على الصعيد الوطني وفي الداخل تحديدا تحتاج لجهود داخلية وخارجية وليس على رئيس البلاد تقع المسؤولية الكاملة عن القرار الوطني خصوصا ان الرئاسة الاولى بعد الطائف باتت دون اداة تنفيذية تملكها كما كان يحصل قبل اقرار الدستور الجديد.

 في اي حال، صدى العظة البطريركية لن يذهب سدى والشروحات التي قدمها يوم الاحد الماضي، ثم يوم الاربعاء لدى زيارته بعبدا كفيلة بتبديل التساؤلات ووضع الامور في نصابها ومنع استغلال الكلام البطريركي في غير موقعه.