تفاصيل الخبر

عون يتريث في طرح الحوار المباشر مع دمشق على رغم أن الأكثرية مؤمنة في مجلس الوزراء لتأييده!

10/10/2019
عون يتريث في طرح الحوار المباشر مع دمشق  على رغم أن الأكثرية مؤمنة في مجلس الوزراء لتأييده!

عون يتريث في طرح الحوار المباشر مع دمشق على رغم أن الأكثرية مؤمنة في مجلس الوزراء لتأييده!

إعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عن امكانية الاتفاق مع الحكومة السورية لحل معضلة النازحين السوريين <التي تهدد الكيان والوجود>، لا يزال يتفاعل على الساحتين اللبنانية والدولية، لاسيما وان المجتمع الدولي ماضٍ في عدم التجاوب مع المطلب اللبناني بإعادة هؤلاء النازحين الى بلادهم بعدما استتب الوضع الأمني في 90 بالمئة من الأراضي السورية التي عادت تحت سيطرة الدولة وحلفائها، فضلاً عن صدور مواقف في الداخل والخارج تعكس عدم استعداد الدول الكبرى (من دون روسيا والصين) لتسهيل هذه العودة أو طرح هذا الملف الحساس للنقاش في مجلس الأمن الدولي تحسباً لأي قرار يناقض حق كل مواطن بالعودة الى أرضه وممتلكاته، وهي حقوق كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

في الداخل اللبناني تتحرك القوى المناهضة لسوريا من أجل الحؤول دون طرح هذا الموضوع على مجلس الوزراء لاتخاذ قرار في شأنه، لاسيما وانها تنطلق من موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي جاهر بمعارضته إثارة هذه القضية داخل مجلس الوزراء من خلال امتناعه عن ادراجها على جدول الأعمال. وفي هذا السياق يقول معنيون بهذا الملف ان طرح الرئيس عون لمسألة الحوار مع سوريا في ملف عودة النازحين السوريين حصراً من دون غيره من الملفات، يلقى تأييد 18 وزيراً من أصل 30 موزعين كالآتي: 11 وزيراً من حصة رئيس الجمهورية و<تكتل لبنان القوي>، و6 وزراء يمثلون <الثنائي الشيعي> (حركة <أمل> وحزب الله)، إضافة الى وزير تيار <المردة> ما يجعل العدد الاجمالي يتجاوز الأكثرية المطلقة بثلاثة أصوات. في حين يعارض الحوار مع سوريا لإعادة النازحين حصراً، وزراء الرئيس الحريري وتيار <المستقبل> و<القوات اللبنانية> والحزب التقدمي الاشتراكي الذين يبلغ عددهم 12 وزيراً. صحيح ان الرئيس عون لم يقرر بعد متى يطرح هذا الملف على مجلس الوزراء لأنه ما زال ينتظر تغييراً في مواقف المجتمع الدولي من مسألة عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لكن الصحيح أيضاً ان رغبته لقيت تأييداً سريعاً من الرئيس نبيه بري الذي نادى هو الآخر بضرورة التواصل مع المسؤولين السوريين لايجاد حل لهذه المسألة وتوسيع إطار التنسيق مع دمشق بعدما ظل محصوراً بالتواصل القائم بين المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمسؤولين الأمنيين السوريين فحسب.

الحريري يتريث و<القوات> والاشتراكي يرفضون!

 

وفي وقت لم يصدر أي موقف رسمي من الرئيس الحريري حول الرئيس عون وإن كان رئيس الحكومة يلجأ في جلسات مجلس الوزراء الى اطلاق <قفشات> حول هذه المسألة تتضمن <غمزاً ولمزاً>، فإن تيار <المستقبل> يتريث هو الآخر باعلان موقف واضح في انتظار طرح هذا الموضوع بشكل رسمي على طاولة مجلس الوزراء، علماً ان نواباً من <التيار الأزرق> عبروا منفردين عن معارضتهم لهذا التوجه، لكنهم كانوا يربطون دائماً القرار النهائي برغبة الرئيس الحريري وتوجيهاته. أما حزب <القوات اللبنانية> فلم يخفِ وزراؤه ونوابه معارضتهم الشديدة لمثل هذا الحوار مع <النظام السوري> وإن كانوا أقروا ان التواصل مع السوريين قائم من خلال الأمن العام والسفارة اللبنانية في دمشق، والسفارة السورية في بيروت. ويعرب وزراء <القوات> وتوابعها عن ثقتهم بأن الرئيس الحريري لن يضع هذا الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء، وإذا طرحه الرئيس عون فإن الجلسة سوف تتعطل مع انسحاب وزراء <المستقبل> و<القوات> والاشتراكي وعددهم يشكل الثلث المعطل فتفقد الجلسة النصاب القانوني لعقدها. أما الحزب التقدمي الاشتراكي فهو يضم صوته الرافض الى أصوات وزراء <القوات> و<المستقبل> ويتمنون ألا يضع رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة أمام هذا الاستحقاق الذي يحمل في طياته تحديات كبيرة يمكن أن تطيح بجلسة مجلس الوزراء وبجلسات أخرى لا يدعو إليها الرئيس الحريري، فتدخل الحكومة في مرحلة تعطيلية جديدة تؤدي الى شلل السلطة التنفيذية!

وفيما تستغرب مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية، ما تصدره <القوات اللبنانية> في هذا الملف من مواقف رافضة، تتساءل كيف السبيل الى إعادة النازحين السوريين الى ديارهم تحقيقاً لعودتهم الضرورية وتخفيفاً من الأعباء التي يتحملها لبنان من جراء استضافة نحو مليون ونصف مليون نازح سوري على أراضيه في ظل الضائقة الاقتصادية التي يمر بها حالياً، والتي تفرض الاسراع في إيجاد حل لقضية النزوح السوري، وقطع الطريق امام محاولات بعض الأطراف لإطالة أمد النزوح السوري على رغم استعادة الحكومة السورية السيطرة على معظم الأراضي وبالتالي فإن مبرر استمرار النزوح قد سقط ومن غير المنطقي القبول بالمماطلة لاسيما من بعض الدول التي تضع <فيتو> على عودة النازحين الى ديارهم. وترفض المصادر تعبير <التطبيع> الذي يستعمله من يرفض الحوار مع السوريين لتأمين عودة النازحين، لأن <التطبيع> يكون عادة بين دولتين عدوتين، وليس بين دولتين ليستا في حالة حرب أو نزاع أو خلاف بدليل ان التمثيل الديبلوماسي لا يزال قائماً بين البلدين، ومجلس النواب اللبناني لم يلغِ اتفاقية الأخوة والتعاون والتنسيق وأمانتها العامة التي يرأسها الدكتور نصري خوري والذي ينشط بدوره في مجال التنسيق بين البلدين خصوصاً في مجال الخدمات التي يمكن أن يوفرها لسوريا في المرحلة المقبلة، مقابل <تصدير> محدود للأدمغة اللبنانية للمساهمة في نهضة سوريا من جديد بعد انتهاء حالة الحرب.

وتضيف المصادر نفسها ان التذرع بأن المجتمع الدولي قد يستاء من التواصل الرسمي مع دمشق هو قول مردود، لأن دولاً عدة أعادت اتصالها مع الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد، ومن هذه الدول من أعاد فتح سفارته أو قنصليته في العاصمة السورية، ومنها من فتحت <خطوطاً أمنية> مع الجهات السورية المعنية. إضافة الى ان لبنان يرى ان المجتمع الدولي الذي يناور من خلال الإعلام والتصريحات والبيانات، عليه أن يترجم دعمه بالأفعال لجهة المساعدة على عودة النازحين من جهة، وتقديم المساعدات لهم في بلدهم من جهة أخرى...

 

موسكو مع حوار مباشر!

أما من الخارج فتبدو الصورة مختلفة ذلك ان لبنان تبلغ ــ بعيداً عن الأضواء ــ موافقة دول عدة على طرح الرئيس عون، من بينها موسكو التي تؤيد من دون تأخير، حصول تفاوض مباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية ومن الباب الواسع، على حد تعبير نائب وزير الخارجية الروسي <ميخائيل بوغدانوف> للوفود اللبنانية الحزبية التي زارته في موسكو في الأيام الماضية. علماً ان <بوغدانوف> لم يؤكد امكانية نجاح خطوة العودة بسبب الضغوط الدولية والاقليمية لمنع حصولها والتي كانت ــ أي الضغوط ــ قد <فرملت> المبادرة الروسية لتأمين عودة النازحين بأمان واستقرار. أما على الصعيد الأميركي فإن الاشارات التي وردت من واشنطن أكدت كلها على عدم <تشجيع> ادارة الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> للتفاوض اللبناني ــ السوري المباشر خصوصاً ان واشنطن ترى ان ثمة تعقيدات عدة تعترض سير الطرح الرئاسي اللبناني، إضافة الى قناعة أميركية بأن الدولة اللبنانية لن تتمكن من إعادة النازحين السوريين الى بلادهم بهذه السهولة ولو بسط النظام السوري سيطرته على مساحات كبيرة من الأراضي السورية. وفي هذا السياق نقل عن ديبلوماسي اميركي قوله ان عدد النازحين السوريين الذين عادوا الى بلادهم في قوافل نظمها الأمن العام بالتنسيق مع السلطات السورية، لم يتجاوزوا الـ250 ألفاً، في حين ان نسبة الولادات السورية على الأراضي اللبنانية بلغت نحو 300 ألف طفل سوري منذ بداية الحرب في سوريا العام 2011 وحتى شهر تموز (يوليو) الماضي، ما يعني ان عدد الولادات يفوق عدد العائدين، وهو الى ازدياد يوماً بعد يوم.

ويضيف الديبلوماسي الأميركي بأن هناك مئات الآلاف من النازحين يقيمون على مقربة من الحدود اللبنانية مع سوريا خصوصاً من جهة البقاع عند حدود السلسلة الشرقية، فلماذا لا يعود هؤلاء الى بلداتهم وقراهم المجاورة، ويمكن أن تتم هذه العودة في وقت قصير. لكن الديبلوماسي نفسه يقول ان لديه معطيات بأن الدولة السورية غير راغبة في عودة ابنائها حالياً لأنها لو كانت جادة لفتحت الحدود أمامهم ولكانت أعطت المبادرة الروسية فرصة للنجاح على رغم ما يربط بين سوريا وروسيا من دعم وتعاون ودفاع مشترك. ويقول الديبلوماسي الأميركي للتأكيد على كلامه، ان حزب الله الحليف مع سوريا والذي ساعدها على تحرير أرضها، كان أعلن عن تنظيم رحلات عودة للنازحين الى بلادهم، لكن عملياً لم يحصل شيء على رغم تسجيل لوائح بأسماء الراغبين في العودة الطوعية وتسليمها الى السلطات السورية، ما يعني عملياً عدم وجود رغبة حقيقية لدى السلطة السورية بإعادة النازحين الى ديارهم خلافاً لما أعلنه الرئيس الأسد قبل مدة وأعاد التأكيد عليه وزير الخارجية السورية وليد المعلم من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك. ويؤكد الديبلوماسي الأميركي ان النظام السوري غير متحمس لعودة مواطنيه لاعتبارات عدة، في وقت تغض واشنطن النظر عما تقوم به تركيا من اجراءات لتجميع النازحين في منطقة واحدة تمتد على مساحة كبيرة تسيطر عليها أنقرة ما يؤشر الى واقع ديموغرافي جديد قد يحصل في وسط الأراضي السورية، ولولا <تطنيش> موسكو عن الخطوة التركية لما كان في الامكان تطبيقها على رغم العلاقات الجيدة التي تربط موسكو بأنقرة، وهذا يدل ان الروس غير مبالين بما تقوم به تركيا على حدودها مع سوريا لأنها لو شاءت فهي قادرة على منع إقامة المنطقة التي ستأوي نازحين سوريين بالآلاف وسط مخطط يشتد ظهوراً بهدف إقامة <قبرص سورية> على غرار <قبرص التركية> من دون أن يتحرك أحد لمنع تقسيم سوريا ولو على نحو غير رسمي، بل بإرادة الأمر الواقع.

في أي حال، تبقى الارادة اللبنانية بإعادة النازحين السوريين حية ومبادرة الرئيس عون في هذا المجال لم تحصل بعد، لكن الأيام الآتية قد تحمل جديداً في ملف النازحين السوريين لأن بقاءهم على الأرض اللبنانية الى ما شاء الله لن يكون أمراً سهلاً...