لم يعد سراً أن الحوار الذي نشأ بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مع رئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري منذ لقاء روما الثنائي، وصولاً الى الاحتفال بعيد ميلاد <الجنرال> في <بيت الوسط> خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس الحريري لبيروت قبل أشهر <بات من الماضي>، والمفاعيل التي نشأت عن هذا الحوار باتت هي الأخرى <في خبر كان>، وقنوات الاتصال بين الزعيمين أدخلت نفسها في إجازة مديدة لعلم أصحابها بأن لا إمكانية لحصول أي تقدم على جبهة التيار الوطني الحر وتيار <المستقبل>، وهو ما تكرّس في المواجهة الأخيرة بين العماد عون من جهة، والرئيس تمام سلام و<المستقبل> من جهة ثانية... وما رافقها من تصعيد سياسي أعاد <نبش> الأوراق القديمة بدءاً من <الإبراء المستحيل> وصولاً الى الحملات الإعلامية المتبادلة التي أعادت أمجاد <الكليبات> التي تبادلها الطرفان في وسائل الإعلام التي يشرفان عليها ولاسيما تلفزيون <المستقبل> والـ<او تي في>، مروراً بموقع <التيار> الإلكتروني وجريدة <المستقبل>!
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر متابعة ان العماد عون يعتبر ان معركته الحقيقية ليست مع الرئيس سلام ووزرائه، بل مع الرئيس الحريري و<تياره الأزرق>، ووجود الرئيس سلام على رأس الحكومة جعله الهدف المباشر لـ<التيار البرتقالي>، فيما ان الخصومة الحقيقية هي مع الرئيس الحريري الذي يعتبر العماد عون انه <نكث> بالوعود التي أعطاه إياها في روما و<بيت الوسط> وصولاً الى الرابية من خلال الموفدين الخاصين بالحريري الذين كانوا يزورون الرابية تباعاً ناقلين <رسائل مطمئنة> من زعيم <المستقبل> جعلت العماد عون ينام <على حرير> في استحقاقين أساسيين: رئاسة الجمهورية وتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش من ضمن تسوية تحمل رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي... وتضيف المصادر نفسها ان ما يورده العماد عون من معلومات حول ما <اتفق> عليه مع الحريري يجد من ينفيه في <التيار الأزرق> الذي يؤكد أكثر من مسؤول فيه ان ما تم التداول به بين العماد عون والرئيس الحريري في روما وبيروت لا يتجاوز كونه <مجرد أفكار> وُضعت على طاولة النقاش من دون أي التزام مسبق، خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي حيث كان موقف الحريري هو ذاته الذي كرره في إفطار تيار <المستقبل> من ان لا <فيتو> على أي من المرشحين والذي يعني ضمناً ان لا <فيتو> على العماد عون رئيساً للجمهورية شرط توافر الاتفاق عليه من سائر المكونات السياسية في البلاد.
وتشير المصادر نفسها الى ان العماد عون، في المواجهة التي أعلنها مع حكومة الرئيس سلام في ما خص آلية عمل مجلس الوزراء وملف التعيينات الأمنية لا يهدف الى <كسر> الرئيس سلام الذي يكنّ له على الصعيد الشخصي كل تقدير واحترام، بل الى تعطيل <الحكومة الحريرية> وعدم تمكينها من تحقيق <إنجازات> يراها عون على حساب خياراته مع حلفائه، على انهم عملوا جميعاً على تسهيل تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب فيها وأظهروا <مرونة> في التعاطي مع الخيارات <المستقبلية> في التعيينات بدءاً من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورئيس مجلس إدارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وهيئة إدارة المنطقة الاقتصادية في طرابلس (رئيستها الوزيرة السابقة ريا الحسن) والأمين العام لمجلس الوزراء إلخ... وقد حملت كلها مسؤولين من تيار <المستقبل> أو مدعومين منه، وعندما وصلت التعيينات الى المسيحيين بدأت العراقيل في وجه مرشحي العماد عون، بالتزامن مع لعب على وتر <التوافق المسيحي> كشرط لموافقة <المستقبل> على أي تدبير أو اقتراح يطرحه عون، علماً ان <المستقبل> يعرف أن مثل هذا التوافق غير متوافر لاسيما قبل ورقة <إعلان النيات> بين عون وجعجع. وقد جعلت هذه المواقف العماد عون - حسب المصادر نفسها - يطرح مسألة المشاركة بعناوينها العريضة إذ تبين له ان الرئيس الحريري وتياره يتحركان في اتجاه معاكس له خلافاً لما كان قد وعده به الحريري في روما وبيروت، فضلاً عما كان يصل الى الرابية من معلومات من مصادر ديبلوماسية موثوق بها عن مواقف مسؤولين سعوديين مناهضة له تُترجم لبنانياً من خلال ردود فعل تيار <المستقبل> قيادة ووزراء ونواب ووسائل إعلام.
وفيما تشير مصادر <المستقبل> الى ان العماد عون <بالغ> في تفسير مواقف زعيم <التيار الأزرق> حسب ما يشتهي هو ويتمنى، تؤكد ان حملته على الحكومة غير مبررة لأنه يعلم ان الحكومة لن تسقط مهما اشتد الضغط عليها لأن لا إمكانية لتشكيل حكومة جديدة في غياب رئيس الجمهورية، فضلاً عن ان تعطيلها سيلحق ضرراً بمكوناتها كافة، خصوصاً إذا ما تحولت الى حكومة تصريف أعمال. وإذ تؤكد المصادر نفسها ان الرئيس الحريري ليس في مواجهة مع العماد عون لأن معركة <الجنرال> في مكان آخر، تُحيل السائلين عن مستقبل العلاقة بين الطرفين الى مضمون خطاب الرئيس الحريري في الإفطار الرمضاني المركزي لـ<المستقبل> والذي أبقى الأبواب مفتوحة رئاسياً مكرراً ان لا <فيتو> على أحد. إلا أن مصادر عون تنفي وقوف الحريري على الحياد رئاسياً بدليل ان الوزير أشرف ريفي وهو <مستقبلي> بامتياز يجزم في إطلالاته الإعلامية ان العماد عون <لن يكون يوماً رئيساً على اللبنانيين>، فيما الوزير نهاد المشنوق الذي يقود خط الاعتدال في <التيار الأزرق> يلمّح في تصريحاته الى ان فرص العماد عون تراجعت وان البلاد بحاجة الى رئيس توافقي...
وترى مصادر متابعة ان ما يؤكد ان <شهر العسل> بين عون والحريري قد انتهى من دون مفاعيل ترضي <الجنرال>، ما حاول نواب <المستقبل> وعدد من وزرائه الإيحاء به بأن مشكلة العماد عون هي مع المسيحيين وليس مع المسلمين، بدليل ان الرئيس الحريري أعاد تأكيد وقوفه على الحياد في الاستحقاق الرئاسي مشترطاً <التوافق الوطني>، وهو يعني ضمناً <الاتفاق المسيحي>، ما جعل العماد عون يسارع الى التأكيد على ان المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تحقيق المشاركة الكاملة التي نص عليها اتفاق الطائف، كذلك في وضع اليد على الحصة المسيحية التي يجب ان تكون في غالبيتها لما يمثله العماد عون الذي يدافع عن حقوق المسيحيين من دون تمييز بين فريق سياسي وآخر. ويضيف عون ان الحقوق التي ينادي بحصول المسيحيين عليها ليست شخصية أو طائفية بل هي حقوق وطنية لأن مردود <الرئيس القوي> وقائد الجيش <المناسب> وقانون الانتخاب العادل واللامركزية الإدارية والمالية والإنماء المتوازن تطال بمفاعيلها جميع اللبنانيين ولا تقتصر على المسيحيين فقط. وعليه - يستطرد عون أمام زواره - انه سيواصل التحرك من معيار وطني وليس من معيار مسيحي كما يحاول تيار <المستقبل> تصويره <لتشويه صورتي> ووضع التحرك الذي يقوم به التيار في إطار مذهبي ضيق، فيما هو تحرك لأهداف وطنية.
وتعتقد المصادر المتابعة ان عامل الثقة الذي وُجد في مرحلة ما من مراحل الحوار العوني - المستقبلي قد تراجع بشكل دراماتيكي لاسيما من جهة العماد عون ما يعني - في رأي هذه المصادر - أن إمكانية اللقاء والتحاور من جديد تبدو بعيدة المنال إذا لم تسبقها مبادرة من الرئيس الحريري تجاه <الجنرال> ترمّم العلاقة التي اهتزت بين الرجلين خصوصاً عندما وضع في مواجهة عون، النواب والوزراء <المستقبليين> المسيحيين بعدما تعذر عليه تحريك القوات اللبنانية كما كان يحصل في السابق بفعل <ورقة إعلان النيات> من جهة، وعدم قدرة <القوات> على رفض مطالب تعزز أوضاع المسيحيين في لبنان وتجعلهم <شركاء> حقيقيين مع المسلمين في إدارة شؤون البلاد من جهة ثانية. وفي هذا السياق، يقول قريبون من العماد عون ان أي خطوة <إيجابية> من الحريري في اتجاه <الجنرال> ستُقابل بخطوات مماثلة، لاسيما إذا ما التزم الرئيس الحريري <الإفراج> عن الحقوق <الأسيرة> للمسيحيين ولو تم ذلك عن طريق معراب وليس الرابية!