لا جديد في الحوار المتواصل بين «الجنرال » ورئيس «المستقبل »...
مَنْ ينتظرُ مَنْ؟
رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ينتظر جواباً من رئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري لحسم الاستحقاق الرئاسي، أم ان رئيس <التيار الأزرق> يريد أجوبة من العماد عون على أسئلة طرحها عليه ليحدد في ضوئها موقفه من ترشحه لرئاسة الجمهورية؟
هذه التساؤلات لم ترد على شفاه سياسيين ومحللين وإعلاميين فحسب، بل باتت على كل شفة ولسان داخل <الحلقة الضيقة> للعماد عون التي استأخر أفرادها جواب الرئيس الحريري المنتظر منذ أسابيع لتحديد معالم المرحلة المقبلة من الاستحقاق الرئاسي بعدما تبيّن أن المشهد الانتخابي باقٍ على حاله بين مرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع، ومرشح النائب وليد جنبلاط النائب هنري حلو اللذين أعلنا ترشيحهما علناً، والمرشح غير المعلن بعد العماد عون. ويتحدث هؤلاء <العونيون> عن أن الرئيس الحريري لم يحدد موقفه بعد، ويخشون أن يكون التأخير متعمداً، لاسيما بعد قول عضو كتلة نواب <المستقبل> النائب أحمد فتفت: <لو كان الجواب جايه مشي... كان وصل>!
قلق لدى العونيين
ولعلّ التأخير الحاصل في إعلان الرئيس الحريري قراره النهائي بتأييد العماد عون أو بحجب أصوات نواب كتلته عنه، ساهم بشكلٍ أو بآخر، في خلق حالة من القلق لدى العونيين الذين <تفاءلوا> بالإشارات الإيجابية التي أرسلها الرئيس الحريري في اتجاه <الجنرال> والتي لم تكتمل بعد، وراح بعضهم يضرب أخماساً بأسداس مستنداً الى سلسلة معطيات توردها مصادر <العونيين القلقين> بالآتي:
أولاً: لم يعلن بعد الرئيس الحريري موقفه من ترشيح العماد عون مع علمه أن الدوائر الرسمية والسياسية اللبنانية والعربية والدولية تنتظر هذا الموقف لمعرفة اتجاه الرياح الرئاسية، علماً أن الحريري تلقى معظم الأجوبة عن المواضيع التي أثارها، سواء مع العماد عون شخصياً في لقائهما في باريس، أو مع موفده الوزير جبران باسيل، ولا سيما منها الموقف من اتفاق الطائف والمحكمة الدولية وسلاح المقاومة والعلاقة مع سوريا إلخ... وهي مواضيع شكلت وتشكل <المفتاح> للكثير من <الأقفال> في الاستحقاق الرئاسي.
ثانياً: تزامن عدم ورود الجواب <الحريري> مع سلسلة مواقف سياسية وإعلامية توحي بأن الرئيس الحريري لن يتخلى عن دعم رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وإن كان نواب <تيار المستقبل> خصوصاً ونواب قوى 14 آذار عموماً يعلنون التزامهم ترشح الدكتور جعجع.. حتى إشعار آخر. وفي هذا السـياق، تسـجل المصادر نفسها أن الرئيس الحريري لم يعلن رفضه ترشح العماد عون، كما لم يعلن تأييده له، أو على الأقل فتح باب التشاور وصولاً الى اتفاق. وعلى الرغم من سعي جهات قريبة من العماد عون الى تقريب وجهات النظر بين الحريري والفريق الشيعي لتوظيف مثل هذا التقارب في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فإن ردود الفعل الحريرية على رغبة العماد عون لا تزال متواضعة، وهي مرتبطة عملياً بمسار المفاوضات السعودية - الايرانية.
ثالثاً: لم يطرأ أي تبدّل على موقف النائب جنبلاط الرافض لترشيح جعجع أو وجود رغبة لدى العماد عون للترشح، علماً أن الرئيس الحريري كان قد وعد بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط في كل الخطوات التي سيخطوها إلا أن ذلك لم يحصل بعد، نظراً للانشغالات المتضاربة.
من هنا، يقارب بعض <العونيين> من أفراد <الحلقة الضيقة> موقف الحريري من زاوية <التأخير المتعمد> و<كسب الوقت>، وذلك بهدف الحصول على المزيد من <التعاون> من العماد عون، سواء داخل حكومة الرئيس تمام سلام، حيث اتخذ وزراء <التيار> مواقف وصفت بـ<الإيجابية> من طروحات <مستقبلية> ومصالح تهمّ وزراء <التيار الأزرق>، أو من خلال المشهد السياسي ككلّ الذي بات يفتقد الى الخلافات العونية - المستقبلية، داخل مجلس الوزراء وعلى شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد اليومية. وفي رأي هؤلاء <العونيين> أن لدى الحريري رغبة في عدم استعداء عون من دون أن يحصل <الجنرال> في المقابل على ما يسعى إليه، أي التوافق حول شخصه رئيساً للجمهورية.
عون متمسك بالإيجابية
وفي مواجهة هذه التساؤلات، يبقى العماد عون على موقفه في التعاطي بإيجابية مع الرئيس الحريري مع المحافظة على <الغموض البنّاء> في العلاقة بين الرجلين، وهو لم <يقطع الأمل> بعد في الوصول الى <تفاهم حقيقي> معه، لاسيما وأن أي تفاهم في العمق يحتاج الى وقت كي لا يكون تفاهماً سطحياً من جهة، وكي يتم <إقناع> القاعدة الشعبية به. صحيح أن ليس للعماد عون أي مشكلة مع قواعده لأنها تتكيف وفق خياراته، إلا أن الرئيس الحريري أوحى لأصدقاء مشتركين بينه وبين العماد عون بضرورة عدم <حشره> في الإسراع في تحديد موقفه في انتظار تهيئة الأجواء المناسبة لـ<تقبّل> الشارع السني دعم العماد عون ليصبح رئيساً، لاسيما وأن المواقف السابقة لعون والتي طاولت الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاق دربه منذ ما قبل استشهاده،لا تزال تتفاعل سلباً لدى أفراد القاعدة <المستقبلية> التي لم <تبلع> التقارب العوني - الحريري بكل تفاصيله وتداعياته...
وفي هذا الإطار، لا تزال مصادر العماد عون تؤكد أن الاتصالات المستمرة مع الرئيس الحريري ستفضي في النهاية الى موقف إيجابي قد يفاجئ البعض، ويغضب البعض الآخر، وبالتالي فإن القنوات المفتوحة بين <التيار البرتقالي> و<التيار الأزرق>، ما كانت لتفتح لولا وجود إرادة مشتركة في الوصول الى تفاهم يبدأ بالحد الأدنى ويتطور الى الحد الأقصى، لأن قدر الطرفين هو التفاهم إذا وجدت الرغبة لديهما بإنقاذ لبنان، حيال ما يهدده نتيجة ما يجري حوله! وعليه - تؤكد مصادر عون - فإن النتائج الإيجابية بدأت بالظهور من خلال <الهدنة الإعلامية> غير المعلنة بين الطرفين، وستستكمل إيجاباً على طاولة مجلس الوزراء ومن خلال قراراته، وصولاً الى التحضير العملي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. ولا يزال العماد عون يرفض - حتى الساعة على الأقل - ما يتردد في كواليس بعض العونيين - ومنهم قريب منه - من أنه وقع <ضحية طيبة قلبه> وصار هدفاً للتضليل الذي يمارسه الرئيس الحريري وفريق عمله الى أن يحين الوقت الذي تُكشف فيه كل الأوراق. ويبرر عون رفضه هذه <الاجتهادات> بأن ما دار بينه وبين الحريري من أحاديث هو أعمق بكثير من المسائل السطحية والحصص الوزارية أو النيابية أو الوظيفية..
الحريري يريد المزيد من الايضاحات
وفيما عون وأركانه ينتظرون جواب الحريري، فإن مصادر <المستقبل> تتحدث عن ان الحريري ينتظر بدوره <المزيد من الايضاحات> من العماد عون حول مسائل لا تزال معلقة بين الجانبين أبرزها يتعلق بالعلاقة بين عون والفريق المسيحي في <14 آذار> الذي لا يستطيع الرئيس الحريري أن <يطلع منه> وهو يوازي بأهميته ما يعلقه من آمال على <الحوار التأسيسي> الذي تمّ مع عون لتنظيم العلاقة الثنائية على المدى الطويل، لاسيما وأن عون والحريري باتا على قناعة بوجوب جعل العلاقة بينهما طبيعية بالحد الأدنى وإن لم تصل الى حد التحالف. وتضيف مصادر <المستقبل> أن الرئيس الحريري الذي لم يقدم للعماد عون أي وعود والتزامات رئاسية يريد في المقابل أن <يطمئن> بأن <الجنرال> سيبقى بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، منسجماً مع الدور الوفاقي الذي يبدي رغبة حقيقية في لعبه، علماً أن الماضي القريب في العلاقات الثنائية يجعل الحريري <حذراً>.
وتورد المصادر نفسها مسألة مماثلة في غاية الأهمية تقف وراء <تأخر> جواب الحريري للعماد عون، وهي مرتبطة بالعلاقة بين عون وحزب الله ومدى قدرة <الرئيس العتيد> أن ي
رسّم حدود السلاح عموماً وفي الداخل خصوصاً، على الرغم من أن العماد عون وعد بالتعاطي مع هذا الملف من زاويتين: الأولى داخلية حيث لا سلاح فوق سلاح القوى الأمنية الشرعية، والثانية تتعلق بالمواجهة مع اسرائيل حيث ان للسلاح المقاوم دوراً مميزاً لن يكون في وارد الحد من فعاليته أو قدرته، خصوصاً إذا ما تواصلت الاعتداءات الاسرائيلية والممارسات الإرهابية في الجنوب.
... في انتظــار الحـوار السعودي - الايراني
وفي انتظار أن يحصل كل من العماد عون والرئيس الحريري على أجوبة عن الأسئلة المطروحة و<الضمانات> المطلوبة، تقول مصادر متابعة ان هذه الأجوبة - على أهميتها - تبقى <مقبّلات> قياساً الى القرار المطلوب سعودياً وإيرانياً، لاسيما وان التشاور بين الرياض وطهران لم ينقطع وهو شهد زخماً قد يتطور بعد إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن دعوة وجهها الى نظيره الإيراني محمد ظريف لزيارة المملكة والتشاور في عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمها الوضع في لبنان. وفي رأي هذه المصادر ان نتائج الحوار السعودي - الايراني هي التي ستعجّل جواب الحريري سلباً أم إيجاباً، لأن ما يمكن أن يتفق عليه الجانبان السعودي والايراني ستكون له مفاعيل فورية وينسحب على جميع المعنيين بالملف الرئاسي اللبناني، لأن أي تسوية خارجية تحتاج الى غطاءات داخلية تعطي للبعض دوراً إنقاذياً وللبعض الآخر دوراً فاعلاً، وللبعض الثالث.. جوائز ترضية!