تفاصيل الخبر

عودة التواصل الرسمي مع دمشق لتسهيل الصادرات أو استمرار القطيعة وبقاء المعبر مقفلاً في وجهها؟!

10/08/2018
عودة التواصل الرسمي مع دمشق لتسهيل الصادرات  أو استمرار القطيعة وبقاء المعبر مقفلاً في وجهها؟!

عودة التواصل الرسمي مع دمشق لتسهيل الصادرات أو استمرار القطيعة وبقاء المعبر مقفلاً في وجهها؟!

ثمة من يرى أن أحد أسباب التأخير الذي تشهده عملية تشكيل الحكومة العتيدة، هو الطريقة التي سيتعامل معها لبنان مع النظام السوري في ظل التجاذبات السياسية المحلية حول العلاقة التي من المفترض أن تقوم بين بيروت ودمشق بعد الإنجازات العسكرية التي أعادت سلطة الدولة السورية الى أكثر من 85 بالمئة من الأراضي التي كانت تحتلها المجموعات الارهابية ولم تبق سوى بقعة محدودة يمكن أن تسقط هي الأخرى تحت ضربات الجيش السوري والقوى الحليفة. وإذا كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قد أعلن أنه ليس في وارد اجراء اي اتصال بالنظام السوري مهما كانت الأسباب <وإلا فليفتشوا عن غيري>، فإن الظروف الجديدة التي افرزتها التطورات العسكرية في سوريا ستفرض نفسها على لبنان وغيره من الدول، لاسيما تلك التي قطعت علاقاتها مع دمشق، علماً أن بعضها عاد الى مد جسور التواصل ولو على مستويات منخفضة سواء كانت ديبلوماسية أم أمنية.

وترى مراجع مسؤولة أن ملف النازحين السوريين الذي فتح بقوة مع بدء المبادرة الروسية لإعادتهم الى بلادهم بعد توفير الضمانات اللازمة لهم من النظام السوري، وجد فيه لبنان مخرجاً لنفسه إذ <تغطى> بالتحرك الروسي حيناً، وبدور الأمن العام أحياناً، من دون أن تحقق الحكومة مجتمعة أي اتصال مباشر باستثناء زيارة وزير الصناعة حسين الحاج حسن لدمشق، وقريباً زيارة وزير الزراعة غازي زعيتر. إلا ان المسألة الأكثر دقة التي سوف تواجه لبنان هي بعد إعادة فتح معبر <نصيب> الذي أدى إغلاقه في العام 2015 مع سيطرة المسلحين على المناطق المجاورة، الى تراجع كبير للصادرات البرية عبر هذا المعبر وفي مقدمها الصادرات اللبنانية، ذلك أن لبنان دفع ما يزيد عن 42 مليار ليرة لبنانية منذ العام 2015 وحتى السنة الجارية لدعم انتقال الإنتاج الزراعي اللبناني عبر الشاحنات المبرّدة بواسطة عبّارات مائية الى دول الخليج، في وقت تؤدي إعادة فتح معبر <نصيب> وتأمينه الى انسياب البضائع اللبنانية والصادرات الزراعية من فاكهة وخضار بكلفة أقل على المزارعين والصناعيين اللبنانيين الذين عانوا الأمرّين من اقفال المعبر وكادوا أن يواجهوا كارثة اقتصادية كبرى لولا الدعم الذي قدمته مؤسسة <ايدال> بقرار وتمويل من مجلس الوزراء خلال فترة الفراغ الرئاسي.

فتح المعبر يربك لبنان الرسمي!

 

المراجع المسؤولة تتحدث في هذا السياق عن أن إعادة سيطرة الجيش السوري على معبر <نصيب> وتوفير الأمن فيه يعني عملياً إمكان عودة حركة التصدير البرية بعد تأمين الطرق المؤدية الى المعبر، ما سيوجب على لبنان تحركاً للاستفادة من الواقع الجديد، وهو ما يشكّل ارباكاً داخل مواقع القرار اللبنانية في ظل موقف الاطراف المناوئين لسوريا والذين يرفضون أي حوار معها، يقابلهم موقف مراجع رسمية أخرى تريد اعادة تسهيل حركة التصدير للتخفيف من تداعيات الحرب السورية على الاقتصاد اللبناني، ولقد كانت دمشق مباشرة وواضحة حين أبلغت لبنان رسمياً عدم موافقتها على فتح معبر <نصيب> أمام اللبنانيين إلا إذا طلبت الحكومة اللبنانية ذلك رسمياً ومباشرة من الحكومة السورية، وان لا دور للوسطاء هذه المرة إذ يكفي - حسب ما تقول مصادر مطلعة - تجاهل دمشق على مدى سنوات ومقاطعة الحكومة اللبنانية لها، وهذا الامر سوف ينسحب حتماً ولاحقاً على مشاركة المؤسسات والملتزمين اللبنانيين في إعادة الإعمار الذي سوف تشهده المدن والقرى السورية التي تضررت في الحرب. وقد حرّك القرار السوري رجال أعمال وتجاراً وصناعيين معنيين سارعوا الى مراجعة المسؤولين للتدخل كي لا تقفل الحدود مجدداً أمام الإنتاج اللبناني، كما طلب بعض هؤلاء من حزب الله التدخل لدى القيادة السورية التي ردت بضرورة تفعيل العلاقات اللبنانية - السورية بشكل رسمي، وحمّلت الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري نصري خوري رسالة الى السلطات اللبنانية خلاصتها أن العلاقات الاخوية التي تجمع بين البلدين بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق لا تلغي ضرورة <اعتراف> الدولة اللبنانية بأهمية التواصل المباشر مع الدولة السورية التي بدأت تخرج من الحرب وقد حققت إنجازات امنية وعسكرية مهمة، ولا <عذر> تالياً من أن ظروف الحرب وسياسة <النأي بالنفس> تمنع عودة هذا التواصل، علماً أن سوريا التي ارتضت التنسيق مع لبنان عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في ما خص ملف النازحين وقبله في كل ما يتصل بالنواحي الأمنية، لا يمكنها أن تستمر في هذه العلاقة غير السوية خصوصاً بعد انتهاء الحرب في أجزاء كبيرة من المحافظات السورية من جهة، وعودة الاتصالات بين الحكومة السورية ودول كثيرة كانت آثرت الانقطاع عن دمشق لاسيما الدول الأوروبية الأكثر تشدداً من جهة ثانية.

 

عون: السياسة لا تلغي الجغرافيا!

 

ولقد كان لافتاً إعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن الخلافات السياسية لا تلغي حقيقة الجغرافيا بين الدول، كما أن مصلحة لبنان العليا سوف تفرض إعادة النظر بموقف الحكومة اللبنانية من نظيرتها السورية، إلا أن هذا الموقف لم ينسحب على الفريق المعارض لاسيما على الرئيس الحريري الذي يظهر تصلباً حيال عودة التواصل مع النظام السوري. صحيح أن الرئيس الحريري سلّم بالدور <الأمني> الذي يلعبه اللواء ابراهيم في ما خص تسهيل عودة النازحين السوريين وغيرها من الملفات <الأمنية>، إلا أنه ليس في وارد التساهل في ما خص إعادة تفعيل العلاقات السياسية على رغم وجود سفير سوري في لبنان وزميل له لبناني في سوريا، والسفارتان تعملان وفقاً للأصول والقواعد الديبلوماسية، من هنا فإن هذا الملف سوف يطرح نفسه وبقوة على مسألة تشكيل الحكومة مع تصاعد الدعوات الى إعادة الاتصال بين بيروت ودمشق للحد من استمرار الأضرار التي اصابت الإنتاج اللبناني، والكلفة الباهظة لتأمين نقل عبر العبّارات البحرية الى دول الخليج والأسواق العربية الاخرى. العائدون من دمشق يقولون بأن الجانب السوري ينتظر من الجانب اللبناني الرسمي طلباً رسمياً للشروع بفتح المعبر أمام الشاحنات اللبنانية، فيما القرار اللبناني لا يزال ضائعاً في ظل حكومة تصريف الأعمال، ولن يكون واضحاً وحاسماً حتى لو تشكلت الحكومة إذا لم يكن ذلك نتيجة اتفاق شامل لأن التجاذبات السياسيـــــة تفعل فعلها في تأخير صدور مثل هكذا قــــرار. في وقت تشدد مراجع رسمية وأخرى اقتصادية على اهمية الاستفادة من معبر <نصيب> الذي كانت 70 بالمئة من الصادرات الزراعية اللبنانية تمر عبره الى دول الخليج عبر سوريا والأردن، إضافة الى 32 بالمئة من الصناعات الغذائية اللبنانية وأكثر من 20 بالمئة من الصادرات الصناعية، ما يعني أن معبر <نصيب> هو معبر حيوي جداً بالنسبة الى الصادرات الزراعية اللبنانية التي كانت تبلغ - قبل العام 2015 - ما يزيد عن 550 ألف طن من المزروعات، والتي تراجعت الى 350 ألف طن أي بخسارة وصلت الى 200 ألف طن من المنتجات الزراعية.

 

هل تعود حركة الشاحنات؟!

وإذا كان القطاع الزراعي ينتعش بعد اعادة فتح معبر <نصيب> في وجه الإنتاج اللبناني، فإن الصناعات اللبنانية الثقيلة سوف تنتعش هي ايضاً، ومنها المولدات الخاصة التي يتم شحنها الى العراق اضافة الى الحمولات الكبيرة. وبحسب أرقام نقابة اصحاب الشاحنات في لبنان، كان يمر قبل اغلاق المعبر ما يقارب الـ500 شاحنة نقل كبيرة يومياً متجهة الى الاردن والخليج، ومن الخليج نحو الداخل اللبناني خلال مدة أقصاها 5 أيام، ومن هذه الشاحنات ما يقارب الـ300 شاحنة كانت تعبر يومياً محملة بالمنتجات اللبنانية الى الاردن والاسواق العربية عبر سوريا قبل العام 2015. ومع إقفال المعبر، توقف النقل الخارجي اللبناني نحو الخليج وتقلص عدد الشاحنات الى النصف بسبب ارتفاع كلفة النقل عبر البحر ما أدى الى كساد المنتجات الزراعية في لبنان، وترى مراجع نقابية ان اعادة فتح المعبر أمام الشاحنات اللبنانية يوقف النقل البحري عبر عبّارات الى ميناء العقبة والى مصر قبل نقل البضائع الى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، ويعيد الحركة الى الانتاج اللبناني مجنباً إياه التأخير الذي كان يحصل سابقاً، ما يحيي الصادرات البرية اللبنانية الى دول الخليج، وبالتالي حركة <التجارة> البينيّة والدور الذي تلعبه المصارف اللبنانية في هذا الإطار.

ويبقى السؤال: كيف سيتعامل لبنان الرسمي مع هذا التطور؟ فهل يتجاهل مرة أخرى الطلب السوري ويبقي على اقتصاده أسير حرب انتهت ولم يستفد من نتائجها الايجابية على الواقع اللبناني، أم يبادر الى تقديم المصلحة العليا على ما عداها من خلال إعادة التواصل مع الحكومة السورية؟

المصادر المتابعة تؤكد أن لا قرار رسمياً بعد، وقد يتأخر أكثر، إلا أن الأكيد أن الرئيس عون وعد المعنيين بالمبادرة بتسهيل انسياب الانتاج اللبناني عبر معبر <نصيب>، ويبقى أن تزول العقبات الحكومية من درب هذا القرار!