تفاصيل الخبر

عــــــــودة الــنــازحــيــــــــــن الــســوريــيـــــــــن مــــا بــيـــــــن الــســلــبــيــــــــــات والايــجــابــيــــــــــــات!

17/08/2018
عــــــــودة الــنــازحــيــــــــــن الــســوريــيـــــــــن  مــــا بــيـــــــن الــســلــبــيــــــــــات والايــجــابــيــــــــــــات!

عــــــــودة الــنــازحــيــــــــــن الــســوريــيـــــــــن مــــا بــيـــــــن الــســلــبــيــــــــــات والايــجــابــيــــــــــــات!

بقلم طوني بشارة

المتتبع لقضية النزوح السوري يدرك بأن العالم لم يشهد ومنذ الحرب العالمية الثانية أزمة بحجم أزمة اللجوء السوري التي تم وصفها من قبل المفوض السامي لشؤون اللاجئين <أنطونيو غوتيريس> عام 2015 بأنّها <أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية>، وبالفعل، تخطت هذه الأزمة من حيث عدد اللاجئين الناتج عن صراع واحد، أزمة اللجوء الفلسطيني وأزمات اللجوء التي شهدها العالم في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحاضر والناتجة عن حرب العراق الأولى والثانية وحروب أفغانستان والبلقان ورواندا.

الحكومات السابقة وأزمة النزوح!

وللأسف وأمام أزمة بهذا الحجم، عمدت الحكومات اللبنانية المتعاقبة ومنذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، الى اتباع سياسة إنكار المشكلة، متلطية بما تم تسميته انذاك بـ<النأي بالنفس>، فبدل أن تضع خطة متعددة الجوانب والأطراف لمواجهتها، وفّرت عن دراية أو عن جهل غطاءً لإعطاء صفة لاجئ لكل سوري موجود في لبنان دون التدقيق في وضعه، متجاهلة بذلك كل النداءات لإنشاء مراكز مؤقتة على الحدود تسمح لأجهزة الدولة بالاشتراك في منح صفة لاجئ فقط لمن يستحق من السوريين.

تلطت بعباءة <النأي بالنفس> لتستفيق بعد ثلاث او اربع سنوات على وجود أكثر من مليوني لاجئ بشكل شرعي وغير شرعي على الأراضي اللبنانية موزعين عشوائياً على أكثر من 1400 مخيم غير رسمي ويشكّلون ما يزيد عن نصف عدد السكّان في لبنان.

تدارك متأخر!

 استفاقت متأخرة لتعتمد أوّل خطة في نهاية عام 2014 أو ما عرف حينذاك بورقة <سياسة النزوح السوري إلى لبنان> التي تهدف أوّلاً إلى <تقليص أعداد النازحين> من خلال وقف <النزوح> على الحدود ما عدا الحالات الاستثنائية، وثانياً إلى تكليف قوى الأمن الداخلي والبلديات ضبط أمن <النزوح>، وثالثاً إلى <تخفيف الأعباء من خلال التشدّد في تطبيق القوانين على النازحين لحماية اللبنانيين في مجالات العمل والعمالة كافة>، علما ان اعباء النزوح كانت قد بدأت تظهر على كافة الأصعدة.

ففي الديموغرافيا، بلغ عدد النازحين والوافدين المختلفين ما يزيد عن نصف سكّان لبنان وانتشر 63 بالمئة من النازحين في شمال لبنان والبقاع، وهي مناطق الفقر التقليدية.

وفي الأثر الاقتصادي، وبحسب تقارير عديدة تخطت البطالة في لبنان عتبة الـ35 بالمئة مع ازدياد عدد العاطلين عن العمل بـ524000 شخص معظمهم من الفئات الشبابية غير المتعلمة.

... وفي الأثر الاجتماعي، تفشّت ظاهرة الدعارة بشكل كبير في مختلف المناطق اللبنانية وتزايدت بين القاصرات، وتفشت ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، كما تزايدت حوادث السرقة، وظاهرة التسوّل وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع بحيث يقدّر عدد الأطفال المتسوّلين في بيروت بنحو 3000 طفل، كما وتُبيّن معلومات المفوضية أنّ عدد الأطفال القاصرين والمنفصلين عن ذويهم بلغ 2300 طفل وفق المعلومات الأخيرة، أمّا عدد الأطفال المصابين بإعاقات فبلغَ 7840 طفلاً سورياً، وبلغ عدد الاطفال المهدّدين والمعرّضين للخطر أكثر من 155 ألفاً، كما نتجَ وللأسف عن حركة النزوح ظهور حالات صحّية كانت اعتُبرَت منقرضةً في لبنان، مثل الحصبة حيث سجلت 9 حالات عام 2012 ليزيد هذا العدد إلى 2456 حالة في تمّوز 2017، وأما مرض اليشمانيا غير الموجود في لبنان فقد بدأ بالظهور وسُجّلت 720 حالة حتى تاريخه.

 إزاء هذه الوقائع المتردية وفي محاولة لمعالجة الازمة طرحت مبادرة دولية لتأمين عودة النازحين الى بلادهم ومع تقدم المبادرة الروسية - الاميركية لتأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم، نتساءل الى اي مدى ستنعكس هذه الخطوة ايجابا على الاقتصاد اللبناني؟ وكيف يستفيد لبنان اقتصاديا من عودتهم؟ وهل ستشكل العودة المنتظرة للنازحين السوريين المنتشرين حاليا في لبنان، متنفسا للاقتصاد اللبناني الذي تكبد وفق ارقام البنك الدولي 18 مليار دولار خسائر منذ 2011 حتّى 2017، ام ان المشكلة الاساسية في الاقتصاد تكمن في مكان آخر؟ ام ان عودتهم ستؤدي الى خسارة في الاقتصاد؟

بعيدا عن لغة الاقتصاد نرى ان هذه المبادرة لاقت تأييدا من قبل غالبية الجهات السياسية في لبنان، فالدكتور جعجع صرح وبأكثر من مناسبة بأن حزب القوات يدعم موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ما يتعلق بضرورة عودة النازحين السوريين في اقرب وقت ممكن وعدم انتظار الحل السياسي للأزمة في سوريا والذي من الممكن ان يتأخر، وبدوره رئيس حزب الكتائب سامي الجميل وبمؤتمره الصحفي الأخير أكد على ضرورة العمل لعودة النازحين السوريين بالتعاون مع الروس الذين لهم دور مهم جدا وهم الوحيدون القادرون على التحدث مع كل الأطراف في سوريا ولبنان وطالب بضرورة وجود مقاربة عملية إنسانية يتم من خلالها فصل المسألة السياسية عن المسألة الإنسانية بالنسبة للنازحين وفصل عودتهم عن ترقب التسوية السياسية النهائية بالنسبة الى سوريا، كما ان بو صعب أشار الى ان اهم ما في الامر هو الاستجابة لمطالب الرئيس عون والوزير باسيل بتأمين العودة الامنة للنازحين السوريين الى بلادهم، اما موقف جنبلاط فكان مغايرا وظهر من خلال المواجهة الكلامية بين جنبلاط وباسيل عندما صرح جنبلاط قائلا: لماذا لا يأتي فريق السلطة على ذكر القانون السوري رقم 10 الذي يضع شروطا تعجيزية لعودة اللاجئين السوريين؟

تباينات وتجاذبات سياسية في ما يتعلق بقضية عودة النازحين المرتقبة الى ديارهم، فماذا عن رأي الجهات الاقتصادية بالعودة المرتقبة ونتائجها المرجوة؟

الدكتور كمال حمدان المدير التنفيذي لـ<مؤسسة البحوث والاستشارات> في بيروت أوضح بأن النزوح السوري أدخل للبنان ملياري دولار سنوياً من المساعدات الدولية للنازحين هذا عدا ما ينفقه النازحون السوريون من أموالهم الخاصة ومدخراتهم والتحويلات التي تصل إليهم من الخارج، وهو ما أدى إلى زيادة دخل الفرد في لبنان.

حمدان وايجابيات النزوح!

وبيّن حمدان أن الأرقام التي تحدث عنها الرئيس اللبناني ميشال عون قبل أيام عن الخسائر التي تكبدها لبنان جراء النزوح السوري بحاجة إلى تدقيق، وأضاف  أن هذه الأرقام التي ذكرها عون (قدرها بعشرة مليارات دولار) ناتجة عن انخفاض معدلات نمو الاقتصاد اللبناني من متوسط سنوي قدره 8 إلى 8.5 بالمئة خلال الفترة من 2007 ـ 2010، إلى 1 أو 1.5 بالمئة بعد تفجر ثورات الربيع العربي منذ عام 2011.

وشدد حمدان على أن خسائر الاقتصاد اللبناني لا تتعلق فقط بالنزوح السوري بل بأحداث المنطقة ككل حيث انخفضت عائدات السياحة، وكذلك الاستثمارات، وهذا لا يمكن تحميله فقط للنزوح السوري.

ونوه حمدان بأن إنفاق السوريين على التعليم والصحة والاستثمار في لبنان أسهم في الناتج المحلي اللبناني حيث بيّن مختصون أن نصف هذا الناتج على الأقل جاء من استهلاك السوريين في لبنان.

وأكد حمدان أن النزوح السوري له جوانب إيجابية على الاقتصاد اللبناني، وأن رئيس الجمهورية اللبنانية يريد استغلال الوجود السوري لمآرب سياسية.

وقال حمدان إن المسؤولين اللبنانيين يطرحون الموضوع لأسباب جيوسياسية، مبيناً أن وجود أكثر من مليون نازح سوري يهدد التوزع الطائفي في لبنان فمعظم السوريين النازحين هم من المسلمين السنة، وهو ما يهدد الطرف الماروني المسيحي والطرف الشيعي في لبنان، ويدفع السياسيين للتحريض على هذا الوجود السوري والتركيز على مساوئه والتغافل عن حسناته.

مقابل رأي حمدان كان الرئيس اللبناني ميشال عون قد أعلن بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل الأعباء الناجمة عن وجود اللاجئين السوريين في لبنان وأن لبنان يرى أن عودة هؤلاء إلى المناطق الآمنة باتت ممكنة، وقد تفجرت أزمة بين لبنان والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة بعد اتهام لبنان موظفي المفوضية بترهيب اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم، لذا ما موقف رجال الاقتصاد من ازمة النازحين؟

 

نقولا نحاس والعودة الحل!

 

في هذا السياق، أكد وزير الاقتصاد السابق النائب نقولا نحاس ان عودة النازحين تريح لبنان، قائلاً: نحن نأمل بعودتهم جميعا وليس فقط الــ890 الفا، وذكّر بدراسة قام بها البنك الدولي عام 2013 أظهرت ان كلفة النزوح السوري على الدخل القومي وعلى استهلاك البنى التحتية تراوحت بين 12 الى 13 مليار دولار، ولا شك انها ارتفعت حتى العام 2018، من دون احتساب حجم العمالة السورية التي حلّت مكان العمالة اللبنانية في سوق العمل اللبناني مما أدى الى ارتفاع نسب البطالة في صفوف اللبنانيين، وهذا برأيي الوقع الاشد ألماً في ملف النزوح.

وأكد نحاس ان لا شيء يحول دون عودة النازحين السوريين الى بلادهم حتى ممن وجد له عملا في لبنان ويعتبر انه استقر فيه، والا سنكون امام أزمة جديدة، ألا تكفينا الأزمة الفلسطينية؟ ملاحظاً ان الفارق بين الأزمة الفلسطينية والأزمة السورية ان الفلسطيني ليس لديه ارض ليعود اليها على عكس السوري الذي لديه ارض ودولة وكل العالم يسعى الى قيام هذه الدولة مجدداً، فلا عذر ولا منطق يحول دون عودتهم.

وأشار نحاس الى ان التوصل الى حل في أزمة النزوح السوري يريح لبنان ويعطي مؤشراً الى ان المنطقة بأكملها بدأت تحلّ امورها المستعصية والتي كانت لها انعكاسات مدمرة عليها.

وردا عن سؤال، اوضح نحاس ان عودة النازحين الى سوريا توقف الضرر الناتج عن هذه الأزمة، وتعني ان هناك املا بإعادة اعمار سوريا وهذا باب يمكن الاستفادة منه.