تفاصيل الخبر

عودة المفاوضات لترسيم الحدود البحرية مرهون على بت مصير "النقطة 29"

03/02/2021
عودة المفاوضات لترسيم الحدود البحرية  مرهون على بت مصير "النقطة 29"

عودة المفاوضات لترسيم الحدود البحرية مرهون على بت مصير "النقطة 29"

 

[caption id="attachment_85445" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون والسفيرة الأميركية دوروثي شيا[/caption]

 المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية وتستضيفها القوات الدولية في الناقورة، مجمدة حتى اشعار آخر، والجولة الخامسة من المفاوضات لم يحدد موعدها بعد، وقد لا يحدد في وقت قريب بحيث إن الجولة الرابعة من المفاوضات قد تكون الأخيرة. يرفض الاميركيون والإسرائيليون الجلوس الى طاولة المفاوضات اذا أصر الوفد اللبناني على اعتماد النقطة 29 منطلقاً للتفاوض، والرسالة الأميركية التي حملتها السفيرة في بيروت "دوروثي شيا" كانت واضحة في هذا المجال وقد أبلغت الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والى رئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون، قبل ان يعرف ماذا سيكون موقف الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة "جو بايدن" حول هذه المسألة.

المتابعون لهذا الملف يؤكدون ان الخلاف حاد بين الوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد الركن الطيار بسام ياسين من جهة، والوفد الأميركي الوسيط والوفد الإسرائيلي المفاوض من جهة ثانية، وذلك بعدما طرح الوفد اللبناني على طاولة المفاوضات خطاً رابعاً لترسيم الحدود البحرية حمل في ما بعد اسم "النقطة 29" وقد وضعه عضوا الوفد اللبناني منذ زمن العقيد مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي، وهو خارج جدول الاعمال المفترض على طاولة التفاوض والمتمحور حول خطوط ثلاثة: الأول رسمته إسرائيل ومعروف بــ " النقطة 1" والثاني رسمه لبنان سابقاً ومعروف بــ "النقطة 23"، والخط الثالث رسمه المفاوض الأميركي السابق "فريدريك هوف" وحمل اسمه ويرمي الى تقسيم المنطقة المتنازع عليها بمساحة 860 كيلومتراً. منذ بدء التفاوض بدا انه من غير الممكن الاتفاق على خط ترسيم واحد ينطلق منه التفاوض، الا ان الجديد في هذه المسألة الحساسة كان انتقال الخلاف على " النقطة 29" الى الداخل اللبناني نتيجة تصلب المواقف المحلية في مواجهة موقف أميركي يتمسك بــ "الخط هوف" وموقف إسرائيلي يتمسك بــ "النقطة 1". وتقول مصادر متابعة إن الوفد العسكري اللبناني طلب الى السلطات السياسية التخلي عن "النقطة 23" التي كان صدر بها المرسوم الرقم 6433 في الأول من تشرين الأول (اكتوبر) من العام 2011 وتبلغته الأمم المتحدة على ان يقترن هذا التخلي بتأكيد حق لبنان في "النقطة 29"، وصدور مرسوم بها يصير من ثم، الى ابلاغ الأمم المتحدة بها، وذلك خلافاً للمرسوم السابق المبلّغ الى المنظمة الدولية. وتقول المصادر المتابعة إن الموقف اللبناني انقسم حيال " النقطة 29" بين اركان الحكم. فالرئيس عون وافق على تعديل المرسوم والاستغنــــاء عن "النقطة 23"  بـ"النقطة 29". كان قرر ادراجه من خارج جدول الاعمال في جلسة مجلس الوزراء في 21 تموز (يوليو) المنصرم، الا ان تدخلات عدة لديه حضته على تجميد الخوض فيه بعض الوقت، بسبب ما حكي عن خلافات من حوله تحتاج الى تذليل. ومن ثم اتى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس)  الماضي ثم استقالة الحكومة في 10 من الشهر نفسه ما أدى الى صرف النظر عنه، الى ان بوشرت جولات التفاوض غير المباشر. قبل ذلك، كتب وزيرا الدفاع المتعاقبان الياس بو صعب وزينة عكر الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، كي تدرج في جدول الاعمال مناقشة خيارات جديدة في ترسيم الحدود البحرية اعدها الجيش، تمنح لبنان مساحات إضافية جنوب الخط المعلن في المرسوم 6433. وجه بوصعب كتابه في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2019، وعكر في 9 آذار (مارس) 2020، بيد ان الأمانة العامة لمجلس الوزراء أبقتهما في الجوارير.

بري معارض ودياب متردد!

في المقابل، عارض الرئيس بري المرسوم الجديد وتعديل المرسوم 6433 النافذ متمسكاً بالتفاوض الذي رعاه الاتفاق. الاطار حول 860 كيلومتراً باتت قيادة الجيش تعتبر انه يحرم لبنان مساحة إضافية كبيرة في مياهه تصل الى خمس مساحة لبنان، وهي 1430 كيلومتراً، في وجهة نظر القيادة ان التفاوض- كأي تفاوض- لن يمنح الحق المطالب به كله. على الأقل من شأن أي تنازل محتمـــل يقوده التفاوض إعطاء لبنان بــ "النقطة 29" تنازلاً أقـــل مما تعطيه "النقطة 23". لا يصح اذ ذاك، والاستنتاج للجيش. ان يعد التنازل الأقل انتصاراً اقل، والتنازل الأكبر  انتصاراً اكبر.

اما رئيس الحكومة حسان دياب فقد ابدى ظاهراً اقتناعه بالمرسوم الجديد، الا انه اقرن موافقته بشرط تعجيزي هو حصول "اجماع " لبناني عليه. عنى بذلك، بلا أي التباس، معارضته وعرقلته توقيع المرسوم. في التواصل مع اركان السلطات، طرح التئام مجلس الوزراء وموافقته على المرسوم الجديد كغطاء سياسي للوفد العسكري اللبناني، ومؤشر وحدة موقف داخلي، من غير ان يحتاج المرسوم الى مجلس وزراء كونه عادياً يقتصر على رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية. ثم طرح مع الاخذ بذريعة تصريف الاعمال الذي يحول دون التئام مجلس الوزراء، اعداد مرسوم جوال يوقعه الرئيسان والوزير المختص. تعثرت الخيارات كلها، واصطدمت بإصرار دياب على ربط توقيعه بالاجماع الذي يتطلبه. في المقابل يلتزم حزب الله الصمت حيال هذا السجال، ويقول إنه لا يتدخل لأن الشأن حكومي، وعندما يسأل رأيه يعلق. واقع الامر، يطوي صمته مجاراة ضمنية لوجهة نظر رئيس مجلس النواب.

وهكذا بات التفاوض أسير اشتباكين، لبناني- لبناني في الخلاف حول النقطة الواجب اعتمادها في التفاوض، ولبناني- إسرائيلي. وتقول مصادر عسكرية في معرض شرحها لموقف قيادة الجيش إن "النقطة 29" ليست بنت ساعتها ويعود رسمها الى اكثر من عقد من الزمن، ثم اعيدت اثارتها في نيسان (ابريل) 2020 أي قبل ستة اشهر على الأقل قبل بدء جولات التفاوض. واصطدم الوفد العسكري اللبناني، بموقف إسرائيل التي كانت على علم بالخط الجديد، لكنها اهملته متسلحــــة بوجود الخط الوحيد الموثق بمرسوم والمسجل في الأمم المتحــــدة وهو "النقطة 23" ووضع الإسرائيليون قبالته "النقطة 1" كي يصير التفاوض تالياً على مساحة التنازع المحددة بـــ 860 كيلومتراً. وتضيف المصادر انه قبل ذهاب الوفد العسكري اللبناني الى اول جلسة تسلح بموقف من قائد الجيش العماد جوزف عون بالتمسك بــ "النقطة 29" انطلاقاً من رأس الناقورة براً، وبموقف مماثل لرئيس الجمهورية لأن "النقطة 29" تجعل الوفد يفاوض على مساحة 2290 كيلومتراً أي 860 كيلومتراً ما بين النقطتين 1و23 زائد 1490 كيلومتراً ما بين النقطتين 23و29، رافضاً أي احتمال للتفاوض في النقطتين 1و23. وظهر الانقسام اللبناني حول ضرورة اصدار المرسوم الجديد الذي يطالب به الجيش ما افقد الوفد المفاوض مقومات قوته في التفاوض.

 وتضيف المصادر انه منذ الجولة الأولى، راهن الاميركيون والإسرائيليون على سقوط خيار "النقطة 29" فيما انتهت الجولة الرابعة في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الى الحائط المسدود بتأكيد الوفد اللبناني ان النقطتين 1 الإسرائيلية و23 اللبنانية ساقطتان، وهو مستعد لمباشرة التفاوض في "النقطة 29" فقط. تلقف الاميركيون هذا الموقف على انه عودة الى النقطة صفر، فجمدوا الجولة الخامسة. تبعاً للتقاطع الأميركي - الإسرائيلي، مآل التفاوض على مساحة 860 كيلومتراً "المتنازع عليها" سيؤول الى القبول بخط "هوف" بتقسيمه إياها ما بين البلدين أي 468 كيلومتراً للبنان في مقابل 392 كيلومتراً لإسرائيل.

عندما سألت السفيرة الأميركية الرئيس عون اذا كان يريد لبنان ان يستأنف المفاوضات من جديد بعد اسقاط "النقطة 29" لم تحصل على جواب نهائي من رئيس الجمهورية الذي اقترح الجلوس على الطاولة من جديد والبحث في النقاط العالقة على امل ان يتم التوصل الى تفاهم جديد بحيث "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم"، لكن السفيرة "شيا"أصرت على ان يكون هناك عرض جديد للتفاوض. عند هذا الحد توقف  النقاش.... ومعه المفاوضات!.