تفاصيل الخبر

عـــــــــن وســـــــــــــــــــام الأرز الوطنــــــــــــــي

11/07/2014
عـــــــــن وســـــــــــــــــــام  الأرز الوطنــــــــــــــي

عـــــــــن وســـــــــــــــــــام الأرز الوطنــــــــــــــي

بقلم البروفيسور ناجي الصغير

ان يشعر الانسان أن هناك من يقدر اعماله وانجازاته، فكيف اذا أتى التكريم من رئيس البلاد! إن لفتة رئيس الجمهورية اللبنانية واعطاءه أوسمة تقدير لنخبة من اللبنانيين الناشطين في مجالات السياسة والمجتمع المدني والعمل التطوعي، والعلوم والآداب، والطب والأبحاث، كانت محطة مشرفة في نهاية ولايته بينت ان هذا البلد بالرغم من كل الصعوبات التي يمر بها، ما زال يتحلى بالتميز ويحفل بالانجازات الحضارية الدولية.

ومثل زملائي الذين حصدوا تكريماً رئاسياً من العماد ميشال سليمان، شعرت ان وسام الارز الوطني هو مناسبة لاستذكار بعض مراحل حياة الانسان التي ترتبط بالتكريم، وحافز للاستمرار بالعمل والنشاطات والانجازات التي لفتت نظر الرئاسة.

البداية كانت في بنت جبيل، ثم برج حمود والنبعة، ثم الاشرفية، ثم ثانوية رمل الظريف الرسمية ومن بعدها الى فرنسا لتعلم الفرنسية ودراسة الهندسة، ولكن والدي رافقني الى باب الطائرة في مطار بيروت آنذاك وهمس لي جملة ما زالت ترن في أذني <طالما انت هلق مسافر، اعمل اختصاص حرزان... اعمل حكيم>، مع كامل الاحترام والتقدير للهندسة ولكل الاختصاصات. درست الطب في بلجيكا وتخصصت في الولايات المتحدة الاميركية. أحببت الطب ورسالته وقطعت عهداً على نفسي ان أعود الى لبنان، حتى انني ابقيت شهاداتي الأصلية في علبها حتى عام 1993 عندما التحقت بالجامعة الاميركية في بيروت.

فبالاضافة الى ممارسة الطب والتدريس والابحاث، كان اهتمامي مع زملائي بالتوعية الصحية والسلامة العامة وحوادث السير من خلال الاعلام المرئي والمسموع والمقروء، وبالأخص مجلة <الافكار> ومقابلاتها وصفحتها الاخيرة. منذ البدايات، كانت حملات ضد التدخين واكبنا بها زميلنا الدكتور عاطف مجدلاني واكملها بالتصديق في مجلس النواب على اتفاقية منظمة الصحة العالمية، مع اننا نأسف لبعض التراجع والتراخي حيالها مؤخراً من ناحية المراقبة والاحتيال عليها. لقد أصبحت علبة السجائر مثل <ورقة نعوة> مع الكتابة الواضحة عليها: <التدخين يقتل ويسبب امراض القلب والرئة والسرطان، ويسبب العجز الجنسي و يضر بالحوامل .. >. ولكن ما زال علينا زيادة الضريبة على سعر العلبة لجعلها 10.000 ليرة لبنانية على الاقل، حتى لا تبقى بسهولة في متناول القدرة الشرائية للمراهقين وللشباب.

واتجهت حالياً اكثر الى التوعية والكشف المبكر عن السرطان وخاصة سرطان الثدي. لقد استطعنا ان نقنع معظم المواطنين بأن السرطان لم يعد ذلك <الكش برا بعيد> الذي نحاول ان نخفيه فيخفينا نحن، بل أصبحنا نسميه باسمه لكي نكشفه مبكراً ونقضي عليه. مثلاً عندما نخفف التدخين نقلل من سرطان الفم والرئة، ونفحص الثدي ونصوره فنكشف السرطان صغيراً ونشفى منه بجراحة جزئية وبدون استئصال كامل و حتى بدون الحاجة الى العلاج الكيميائي. نخضع لناضور <القولون> بعد سن الخمسين فنكشف اللحمية و نزيلها قبل ان تتطور الى سرطان. وبما ان آخر الابحاث تبين ان زيادة الوزن وقلة الرياضة البدنية تتسبب أيضاً بزيادة نسبة السرطان، فنحن نتمنى على المسؤولين ان يزيدوا من الحدائق والارصفة لممارسة رياضة المشي، والا يسمحوا مثلاً باغلاق شاطئ ورصيف صخرة الروشة وابقائها لكل الشعب اللبناني واجياله اللاحقة، وليس فقط لبعض الناس الميسورين المبروكة عليهم قدراتهم، الذين قد يشترون شققاً وشاليهات فخمة عليها.

اننا في الجامعة الاميركية في بيروت وفي لبنان نشارك في ابحاث وعلاجات السرطان الدولية، وكذلك مع وزارة الصحة والجمعيات الطبية والجمعية اللبنانية لاطباء التورم الخبيث التي كان لي الشرف بتأسيسها ورئاستها، والجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي التي أيضاً أكون مؤسسها ورئيسها، نشارك بحملات التوعية السنوية وأخص بالذكر اضاءة صخرة الروشة باللون الزهري عام 2012 وتشكيل الشريط البشري ايضاً باللون الزهري في الجامعة الاميركية عام 2013، واضفاء الاجواء الاحتفالية على حملات التوعية ومكافحة السرطان.

أنا محظوظ لأنني في خضم كل الحروب والازمات التي عاشتها بلادنا مؤخراً أمارس مهنتي لدى الجامعة الأميركية في بيروت. فأنا وزملائي نمارس التعليم والتطبيب والابحاث و التأليف وكأننا نعيش في بلاد مسالمة نشارك في الابحاث العالمية ونساهم في كتابة ارشادات علاج السرطان الدولية وغيرها. وهنا لا بد لي أن أنوّه بالجمعية الاميركية لعلاج السرطان <أسكو> التي لي الشرف ان اترأس لجنتها العالمية، كما اعتز بالنجاح الذي يلقاه كتابي <الف باء امراض الثدي> في طبعته الثالثة 2013 وكم افرح عندما اسمع من يقول ان كتابي ساعده في تخطي الصعوبات والتوعية والعلاج.

إن العمل الجماعي المنظم هو السبيل الافضل للنجاح وانا مدين لزملائي واصدقائي وفريق عملي في الجامعة الاميركية والباحثين والممرضات والممرضين والموظفين والأطباء المتدربين والطلبة، والجمعية اللبنانية لمكافحة السرطان، والجمعية اللبنانية لأطباء التورم الخبيث والجمعية الاميركية لعلاج السرطان، وخاصة لمرضاي على ثقتهم ومحبتهم وآمل أن استمر في خدمتهم وتأمين راحتهم. وأخيراً لا آخراً، لا ننسى فضل أهلنا علينا وتشجيعهم لنا لتحصيل العلم، وعائلاتنا وطول بالهم علينا وتحمل تأخرنا في المستشفى والجامعة وانشغالنا في الليالي والـ<ويك اند> بكتابة المقالات والابحاث والمحاضرات!

ان جهودنا العلمية والاجتماعية في بلادنا قد تذهب سدى اذا ما استمرت الحروب فيها ولم تتحقق المصالحات التاريخية بين مختلف فئات شعوبنا. ان اجيالنا الصاعدة بحاجة الى ان يعم السلام ونعيش كأفراد وجماعات انسانية تحب ويكمل بعضها بعضاً!