تفاصيل الخبر

عميد كلية الطب في ”جامعة القديس يوسف“ في بيروت البروفيسور رولان طنب: لطالمـا تغنينـا بالأبجدية الفينيقـيــة ونفتخـر بطـلاب كليـة الطـب الذين تعلموا ترجمة نصوص باللغة الفينيقية خلال فترة قصيرة!

16/03/2018
عميد كلية الطب في ”جامعة القديس يوسف“ في بيروت البروفيسور رولان طنب: لطالمـا تغنينـا بالأبجدية الفينيقـيــة ونفتخـر بطـلاب كليـة الطـب الذين تعلموا ترجمة نصوص باللغة الفينيقية خلال فترة قصيرة!

عميد كلية الطب في ”جامعة القديس يوسف“ في بيروت البروفيسور رولان طنب: لطالمـا تغنينـا بالأبجدية الفينيقـيــة ونفتخـر بطـلاب كليـة الطـب الذين تعلموا ترجمة نصوص باللغة الفينيقية خلال فترة قصيرة!

 

بقلم وردية بطرس

عميد-كلية-الطب-في-جامعة-القديس-يوسف-البروفيسور-رولان-طنب

في الفصل الأول من الفصل الخريفي من العام الدراسي الحالي، قدمت كلية الطب في <جامعة القديس يوسف> في بيروت دورة في موضوع لا يرتبط بدراسة الطب ألا وهو: مقدمة عن اللغة الفينيقية المكتوبة، واللغة الفينيقية هي من اللغات السامية القديمة التي كان سكان الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط يتحدثون بها قديماً، والتي تشمل لغات الشعوب الكنعانية مثل الفينيقيين. واللغة الفينيقية قريبة جداً من اللغة العربية واللغة العبرية وتبعد نسبياً عن الآرامية واللغات السامية في بلاد الرافدين. ولقد قام الفينيقيون بنشر اللغة الفينيقية في غربي المتوسط، الا ان اللغة ماتت هناك أيضاً بالرغم من أنها بقيت حتى بعد سقوط فينيقيا. ويجمع معظم علماء اللغات والآثار على أن الفينيقيين هم من اخترعوا الأبجدية الصوتية الأم، بينما يعتبرها آخرون تطوراً لأبجدية اخترعها المصريون القدامى والتي وُلدت منها جميع أبجديات العالم مثل اليونانية واللاتينية والعربية والعبرية. وكانت الكتابات المتداولة آنذاك مثل الهيروغليفية تعتمد على الرمزية التصويرية وكانت كتابتها صعبة ومعقدة. ومن أجل تيسير تجارتهم بسّط الفينيقيون الأحرف بالتخلص من العلامات التصويرية واستبدالها بنظام أبجدية يعتمد على اثنين وعشرين رمزاً يمثل كل رمز منها صوتاً منفرداً واحداً، كما كانت اللغة الفينيقية تكتب من اليمين الى اليسار، وبسبب أسفارهم للتجارة حول البحر المتوسط نشر الفينيقيون أسلوبهم في الكتابة، وتبنته العديد من الشعوب وطوروه لخدمة لهجاتهم.

فكيف انطلقت فكرة تدريس اللغة الفينيقية في كلية الطب في <جامعة القديس يوسف>؟ ولماذا تستحوذ اللغة الفينيقية اهتمام طلاب كلية الطب؟

<الأفكار> زارت الجامعة وكان لها حديث مع عميد كلية الطب في <جامعة القديس يوسف> البروفيسور رولان طنب الذي كان قد درس اللغة الفينيقية والآرامية والسريانية خلال دراسته الطب في الخارج، وهو حائز الدكتوراه في الفلسفة ويحب التاريخ القديم والمعاصر.

وسألناه بداية:

ــ  لماذا اختارت كلية الطب تدريس طلابها اللغة الفينيقية؟

- ان كلية الطب في <جامعة القديس يوسف> من أقدم كليات الطب ليس في لبنان فقط بل في كل المنطقة. لقد بدأت كلية الطب في منطقة <أوفلان> ثم انتقلت الى طريق الشام، وهناك سعي لتكبير الجامعة أكثر إذ لدينا مشاريع بناء لتواكب العصر الحالي. لقد تغيرت الجامعة كثيراً لتسير نحو الأمام، اذ انها ليست مدرسة تقنية او معهداً فنياً بل هي جامعة، وطبعاً في الجامعة نعلّم الطلاب الاختصاصات والمهن التي يودون تعلمّها، ولكن قبل ذلك نود ان نجعل منهم أناساً مثقفين ومواطنين صالحين بحيث يعرفون كيف يستعملون حريتهم وولاءهم لمجتمعهم ووطنهم. من هنا انطلقت الفكرة ليس في كلية الطب فقط بل في الجامعة ككل اذ هناك مواد اختيارية عديدة تُقدم للطلاب، صحيح هناك مواد إلزامية يدرسها الطلاب في الجامعة ولكن هناك ايضاً مواد اختيارية في شتى الميادين اذ يتم تعليم اللغات الأجنبية مثل الصينية واليابانية وغيرها، وهناك مواد أخرى مثل الرياضة والتاريخ او الفلسفة، اي هناك مواد تقدمها الجامعة ككل ومواد تقدمها كلية الطب، وقد رأينا ان هناك شغفاً لدى الطلاب بالتاريخ والتراث اللبناني اذ لديهم حشرية ثقافية بأن يعرفوا أكثر عن ماضيهم حيث ان المدارس لا تفي باللازم، مثلاً العام الماضي قدمّنا <كورساً> عن تاريخ الطب في كلية الطب ونال نجاحاً كبيراً، كما نعلّمهم المسرح الى جانب الطب، وقد يتساءل البعض: هل ذلك يجعلهم اطباء أفضل؟ طبعاً إذا كان الطبيب يعرف اللغة الفينيقية او التاريخ فإنه لن يصبح أفضل، ولكن اذا اردنا ان يكون لدينا أطباء مثقفون فيجب ان يتقنوا أموراً أخرى، وهي مواد اختيارية اي ان يتعلموا أموراً يحبونها فبالنهاية تدريس اللغة الفينيقية ليست مادة اجبارية. مثلاً العام الماضي قدمّت كلية الطب مادة الطب في الفن، وكيف كان ينظر الفنانون من مئات السنين الى المرضى والطب، ولقد نالت هذه المادة نجاحاً كبيراً وعندئذٍ جعلناها مادة اجبارية، وهناك مشروع آخر وهو نظرة السينما الى المرضى والطب اي كل هذه المواد تكوّن الشخصية أكثر.

شغف بتعلم اللغة الفينيقية

 

ــ  لماذا أثار اهتمام الناس موضوع تدريس اللغة الفينيقية؟

-  لقد أثار تدريس اللغة الفينيقية في كلية الطب ضجة في البلد، علماً أننا لم نتصور أن يجذب هذا الموضوع اهتمام الناس، وعندما قررنا ان تُدرّس اللغة الفينيقية اشترط استاذ اللغة الفينيقية الدكتور مارون خريش وهو ليس طبيباً فحسب بل هو عالم آثار أيضاً الا يكون هناك عدد كبير من الطلاب في الصف لكي يتمكن من التواصل مع الطلاب بشكل جيد لأنه ليس أمراً مألوفاً تعليم اللغة الفينيقية، ولكن كان هناك اهتمام بالموضوع ووصل عدد الطلاب الذين يريدون تعلم اللغة الفينيقية الى الخمسين طالباً وطالبة، وهم طلاب كلية الطب. وكان السؤال المطروح: لماذا نعلّم اللغة الفينيقية؟ والجواب هو اننا لطالما تغنينا بأننا فينيقيون وبأننا اخترعنا الأبجدية، وفي المقابل هناك صراع سياسي خارج الموضوع اذ البعض يقول بأننا عرب والبعض الآخر يقول أننا من أصل آرامي وكل هذه الأمور لها علاقة بالتاريخ والهوية والسياسة، ولا اعتقد انني أزايد هنا على هوية اللبناني، ونحن لم نأخذ الموضوع من منظار سياسي واجتماعي بل من منظار ثقافي بحت.

وتابع قائلاً:

- فما هي اللغة الفينيقية التي نتغنى بها، مثلاً اذا نظرنا الى العملة اللبنانية تحديداً الألف ليرة نجد حروفاً باللغة الفينيقية مكتوبة على العملة، فلماذا كُتب بالأبجدية الفينيقية على عملة الألف ليرة لبنانية مثلاً؟ اعتقد ان 99 بالمئة من الناس لا يعرفون انه مكتوب على العملة بالأبجدية الفينيقية، مع العلم انه لم تصل الينا تسجيلات من أيام الفينيقيين بل وصلت الينا نقوش مثل بقية النقوش ولا نعرف كيف كانوا يلفظون العبري القديم مثلاً او الآرامي القديم لأنه كما تعلمين انه في اللغات السامية لم تكن تُستخدم الحركات (الضمة والفتحة والكسرة)، فحتى النصوص العربية القديمة لم تكن محرّكة، وحتى انه لم تكن هناك نقاط اذ لم يكن يُعرف حرف الناء من حرف الباء، ولكن بما يتعلق باللغة الفينيقية فليس هناك اشكال على الحروف لأنها مختلفة ولا تشبه بعضها البعض، ونحن لا نعرف تماماً كيف كانوا يلفظون اللغة الفينيقية، ولكن نعرف بطريقة ما كيف كانوا يلفظون اللغة الفينيقية لأن هناك الكثير من الأسماء الفينيقية نقلوها الرومان والأغريق وحركّوها، فأصبحنا نعرف تقريباً كيف كانوا يحرّكون الكلمات، وأصبحنا نعرف كيف نقلوا الأسماء، اذ حتى في بعض الألعاب المسرحية عند الرومان نجد انه كان هناك أناس من قرطاجة يتحدثون مع بعضهم البعض، وبالتالي نعرف انهم كانوا يستخدمون الحرف اللاتيني أي نعرف كيف كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض، وكما يعلم الجميع ان القرطاجي يعني الفينيقي وتحديداً الفينيقي في صور، وبالتالي تكونت لدينا فكرة كيف كانوا يتحدثون اللغة، ولكننا لسنا أكيدين من كل شيء، ولكن نعرف كيف كانوا يكتبون واليوم بتنا نعرف كيف نكتب اللغة الفينيقية وكيف نقرأها وكيف نفك الحروف.

 

إقبال طلاب كلية الطب على تعلم اللغة الفينيقية

طلاب-كلية-الطب-في-جامعة-القديس-يوسف-يتعلمون-اللغة-الفنيقية-كمادة-اختيارية

ــ  والى اي مدى لاقت فكرة تدريس اللغة الفينيقية في كلية الطب اهتماماً واقبالاً من قبل طلاب يدرسون الطب؟

- لقد لاقت الفكرة اهتماماً من قبل طلاب كلية الطب، كما رأينا في وسائل التواصل الاجتماعي ان الكثيرين من الناس سواء من اللبنانيين او الأجانب رحبّوا بالفـكرة، ولـقد أبدى أجانب من فرنسا وأميركا اعجابهم بالفكرة. أعتقد انه أصبح هناك نقص، والسؤال المطروح لماذا كلية الطب في <جامعة القديس يوسف> هي التي تغطي هذا النقص؟ لماذا لا يكون هناك ولو القليل من الوعي حول أهمية اللغة الفينيقية؟ فنحن لدينا تراث غني إذ ان التراث العربي غني، ولكن لسوء الحظ أصبح هناك اهمال بما يتعلق بالتراث العربي، ولم يعد طلابنا في لبنان يعرفون عن تراثنا، وحتى لا يعرفون الأدب العربي وانني استنكر هذا الأمر كثيراً، فأين أصبح تراثنا السرياني الآرامي؟ وأين تراثنا الفينيقي؟ لماذا الأجانب يقومون بدراسات عن اللغة الفينيقية الى ما هنالك، فيما نحن لا نقوم بدراسات عن تراثنا؟ لماذا مجموعة من الموارنة في قبرص يتحدثون لغة عربية كانت محكية في لبنان منذ ألف سنة؟ لماذا نحن اللبنانيين لم نتعلم اللغة الفينيقية وأفسحنا المجال لاسرائيلي منذ عشر سنوات ان يقيم في قبرص ويعّد كتاب قواعد اللغة العربية التي كانوا يتحدثون بها في قبرص؟ وبالتالي نحن هنا في كلية الطب لم نقل اننا نقوم باصلاح في البلد، بل أتينا نقدّم قدر الامكان مواداً تساعد في تثقيف الطلاب، فهناك مواد أخرى ستقدمها كلية الطب وهي اللغة الآرامية القديمة واللغة السريانية. واليوم هناك أساتذة في لبنان يعرفون اللغة الفينيقية ولكن عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد، أما اليوم فنقدر ان نقول ان هناك طلاباً في كلية الطب ثاني وثالث سنة عرفوا خلال الامتحان كيف يفكون نصاً نقشياً  فينيقياً بدون ان يكونوا قد حضروّا ذلك مسبقاً في الصف واعتبر ذلك انجازاً يدل على حشرية ثقافية وعلامة ذكاء لدى الطلاب.

ــ  وهل يتم تدريس اللغة الفينيقية طيلة العام الدراسي؟

- كما ذكرت انه ليس <كورساً>، بل تدريس اللغة الفينيقية هي مادة اختيارية، وقد أثار تدريس اللغة الفينيقية هذه الضجة مما يدل على مدى الاهتمام بهذه اللغة، ولكن تدريس اللغة الفينيقية هو جزء مما يُقدم للطلاب، اذ نقدم لهم فرصة تعلّم اللغات الأجنبية أيضاً حيث بامكانهم ان يتعلموا اللغة الصينية او اليابانية او الايطالية او الاسبانية اذ لدينا العديد من اللغات الحية، و<جامعة القديس يوسف> هي الجامعة الوحيدة في لبنان التي تجبر طلابها اتقان ثلاث لغات: العربية والانكليزية والفرنسية، بالرغم من ان الدروس تُقدم باللغة الفرنسية ولكن نطلب مستوى عالياً في اللغتين العربية والانكليزية، ونحاول ان ندرّس اللغة الفينيقية لمدة شهرين ونصف الشهر وليس أكثر لأن الطلاب لديهم الكثير من الدراسات التي عليهم تحضيرها خلال العام الدراسي.

ــ  وكيف استطاع الطلاب ان يترجموا النصوص خلال فترة قصيرة من تعلمهم اللغة الفينيقية؟

- أولاً اود أن اوضح ان هذه النصوص ليست مسرحية لـ<شكسبير> أو نصاً لـ<أرسطو> بل هي نقوش تتألف من سطرين او ثلاثة أسطر. وطبعاً لدى الطلاب حشرية لتعلم اللغة الفينيقية ونحن نحاول ان نساعدهم في أن تكون لديهم نظرة للتاريخ، وأين كان الفينيقيون وماذا قدموا، ولم نقل ان هذه اللغة منزلة من المساء بل نريهم كيف كان الفينيقيون يتواصلون بواسطة هذه اللغة وكيف قاموا بتطويرها ونشرها.

ــ  ما أهمية التمسك بالتاريخ والماضي في يومنا هذا عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي؟

- كما سبق وذكرت ان هناك أناساً قد يأخذون المسألة باستهتار او قد يقولون انها مجرد تسلية، ولكن اود ان اقول انه من جهتنا لم نقصّر يوماً، اذ تقوم الجامعة بانشاء سبعة طوابق وسيُخصص طابقان للمستشفى الفرضي الذي سيتدرب فيه طلاب الطب اذ تشيّد كلية الطب بطريقة معاصرة لتواكب العصر والنظرة المستقبلية للقرن الـ22. واذا لم يتمسك الانسان بماضيه فلن يقدر ان ينظر الى المستقبل، ونحن نريد أن نعلّم طلابنا ان لديهم جذوراً ويجب ان يتعرفوا على جذورهم، ونحن نقوم بتهيأة أطباء ليصبحوا في ما بعد في خدمة المجتمع.

وختم البروفيسور طنب حديثه قائلاً:

- صحيح ان هناك طلاباً في لبنان يتفوقون في مدارسهم ويتخرجون من الجامعات ولكن ليس لديهم فكرة مثلاً من هو رئيس الجمهورية بشارة الخوري او الرئيس رياض الصلح، ولا أعرف كيف يفهمون السياسة اذ حتى هناك منهم مَن لا يعرف عن القضية الفلسطينية اي هناك أمور عديدة يجهلونها، وهنا أقول للأسف ان العلوم الانسانية في بلدنا لا تستحوذ على اهتمام الطلاب والناس، بينما في دول العالم فلديهم اهتمام كبير بهذا الجانب، فمثلاً في فرنسا لقد تغيّر منهج البكالوريا واصبح لديهم أربع مواد فقط ولكن هناك مادتان اجباريتان وهما الفلسفة والفرنسية، بينما عندنا في لبنان فلو اتيحت لهم فرصة الغاء مادة الفلسفة لما ترددوا بذلك.

وبينما كان الطلاب يقدمون امتحاناً باللغة الفينيقية تحدثنا مع احدى الطالبات التي تتعلم اللغة الفينيقية، وهي الطالبة ليلى الهاشمي (سنة أولى طب) وسألناها:

ــ لماذا اخترت تعلّم اللغة الفينيقية؟

- اخترت ان اتعلم اللغة الفينيقية لأنه بالنسبة الي كان أمراً جديداً. لم اتخيل ان هذا الخيار سيكون متاحاً في كلية الطب في <جامعة القديس يوسف>. اعتقدت انه سيكون من المثير للاهتمام معرفة كيفية استخدام اللغة الفينيقية للتواصل، وكيفية اختراع الأبجدية وتطوير الحروف، وكنت أتطلع الى تعلّم لغة لا يعرفها سوى عدد قليل من الناس. في البداية وجدنا صعوبة في التكيف مع الحروف الجديدة ومعرفة الكلمة، ولكن مع مرور الوقت وبمساعدة أساتذتنا بدأنا نستخدم اللغة وقد لاحظنا بعض التشابه مع بعض الكلمات اللبنانية التي نستخدمها في يومنا هذا.