تفاصيل الخبر

علي سلوم ينقل البيوت التراثية العريقة في مجسمات متقنة خوفا على اندثارها: أسعى الى نموذج فريد... ومجسم ”ضيعة ضايعة“ صورة مصغرة عن بيوت المسلسل الشهير!

06/03/2020
علي سلوم ينقل البيوت التراثية العريقة في مجسمات متقنة خوفا على اندثارها: أسعى الى نموذج فريد... ومجسم ”ضيعة ضايعة“ صورة مصغرة عن بيوت المسلسل الشهير!

علي سلوم ينقل البيوت التراثية العريقة في مجسمات متقنة خوفا على اندثارها: أسعى الى نموذج فريد... ومجسم ”ضيعة ضايعة“ صورة مصغرة عن بيوت المسلسل الشهير!

 

بقلم عبير انطون

 

جامعا الشغف الى الصبر والمثابرة، قدم ابن النبطية وساكن كفررمان الجنوبية (قضاء النبطية ــ جنوب لبنان)، نماذج عن البيوت التراثية اللبنانية، ومجمسا عن <بيت اسعد> في مسلسل <ضيعة ضايعة> السوري الشهير، فلفت الأنظار الى عمله المتكامل حيث استحضر فيه التفاصيل الدقيقة لاماكن المسلسل وشخصياته، ما يمكّن من إدراج أعماله الفريدة في خانة سياحة الفن التراثي. واذ لم يكتف علي سلوم بالبيوت التراثية القديمة في ضيعنا وجبالنا وبلداتنا، فإنه جسد أيضا بعض المعارك العالمية <كمعركة ستالينغراد> واعدا بغيرها الكثير.

فماذا يقول علي عن اعماله؟ ما الهدف الوطني والاجتماعي والبيئي من مجسماته، وكيف يدعو من خلالها الى الحفاظ على الطبيعة والتراث والعودة الى القيم؟

في لقاء <الافكار> معه كانت الاجوبة، من سؤال البداية حول هوايته واكتشافها..

- أنفذ الماكيت منذ الصغر وهذا المجال يستهويني جدا يقول علي، وسبق ان قمت بأكثر من مجسم احتفظ بها. منذ اربع سنوات خطر في بالي إعداد مجسم عن ضيعة نموذجية، فيها الجبال والبيوت والطبيعة المحافظة على اصالتها، فكان مجسم لقرية نموذجية تراثية فيها بيوت مضاءة مع قطار يمر عبرها. ومنذ فترة وجيزة وبعد ان انقطعت قسرا منذ اربعة أشهر عن العمل في مجالي وهو الديكور بسبب الظروف الراهنة التي تعصف بالبلد، أردت ان استثمر وقتي في عمل بناء، فحولت بيتي الى ورشة لصنع مجسمات لبيوت وقصور تراثية، وانجزت طوال شهر كامل مجسما لقرية المسلسل الكوميدي السوري الشهير <ضيعة ضايعة> وقد استوحيته خاصة من بيت <أسعد>، ومرد ذلك الى ان الناس احبت هذا المسلسل وطيبة شخصياته، فضلا عن ان شخصيات <ضيعة ضايعة> وتحديداً شخصيتي <اسعد> و<جودي> تُعتبر صورة مصغرة عن لبنان <حيث استغلال الطبقة السياسية للشعب اللبناني، فعادة ما يجري استغلال طيبي القلب لتحقيق مآرب السياسة، وهذه الصورة حقيقة مرة عن مجتمعنا البسيط الذي يغرق بالازمات>.

ويضيف:

- تعرفون ان المسلسل حظي بنسبة متابعة مرتفعة جدا مع قصته الحلوة (تأليف ممدوح حمادة، إخراج الليث حجو) واداء ابطاله الجميل من باسم ياخور ونضال سيجري، ومن أسباب تعلق الناس به أيضا هو ذلك الحنين الى التراث، ذاك الذي نشعر به جميعا لايام الضيعة وعاداتها وتقاليدها ونمط عيش ابنائها، فأردت الاضاءة من خلال هذا البيت على المحبة والالفة التي كانت تسود بعيدا عن شاشات الهواتف الصامتة والآكلة للنظر والاحاسيس. فالبيت القديم يعني <المحبة> التي نفتقدها جميعا اليوم، ويعني الالتصاق بالطبيعة وموادها والحفاظ عليها. من هنا <كرت> سبحة اعمالي حول البيت التراثي وضرورة الحفاظ عليه، فأنا ابن ضيعة، وعشقي لها دفعني لاحمي منازلها بمجسمات صغيرة.

ويشرح علي:

- لقد اشتغلت مجسم <ضايعة ضايعة> بتفاصيله الدقيقة بقياس واحد على خمسة وثلاثين، اي ان المجسم اصغر بخمس وثلاثين مرة عن البيت على أرض الواقع، الا انه جاء بلغة الكومبيوتر <كوبي بايست>، وتطلّب الأمر جهدا لانني أخذت الصورة عن التلفزيون ومن أكثر بعد وزاوية حتى لا يغيب اي تفصيل ولو كان صغيرا، فتجدون المكنسة والليفة ومشك الدخان وبرميل المياه والدجاجات وشجر الصبير، وهذه كلها تضفي جمالية وواقعية على المجسم .

 المواد التي استخدمها في المجسمات، يشرح علي، هي الكرتون والفلين المقوى والاسفنج والورق مع التلوين العادي والملقط للتثبيت، أما ما لا أجده فأصنعه بنفسي، او أجمعه من الطبيعة كالحطب الصغير، او انفذه بيدي كشجرة الصبير التي اشتغلتها ورقة ورقة وهذا ما تطلب وقتا طويلا لانجازه، وهناك ما ابتكره او افتش عنه عبر الانترنت و<يوتيوب> فيساعدني في عملي.

 

ارسلتها لياخور..!

لا يمكن لعلي ان يحصي عدد الصفحات الالكترونية التي تحدثت عن انجازه، ولا الاحاديث الصحافية التي ادلى بها حول مجسم <ضيعة ضايعة> وغيرها العديد. لكن هل وصل المجسم الى القيمين على المسلسل؟

لست أدري ان وصل لابطال المسلسل يقول علي، لكنني على يقين انهم عرفوا به، اذ ان قناة <العالم> السورية اعدت تقريرا عن الموضوع كما ان كم التعليقات التي حصلت عليها من متابعي المسلسل يدل ان صور المجسم انتشرت على نطاق واسع، وقد ارسلته شخصيا على الصفحة الالكترونية للفنان باسم ياخور وآمل معرفة رأيه. كنت أود زيارة قرية <السمرا> التي صور فيها المسلسل الا ان الاوضاع لم تسمح بذلك فعوضت عن ذلك بمتابعة المسلسل وتفاصيله.

ــ ونسأل علي: هل انت هادف للشهرة من وراء ذلك ام ان الامر لا يتعدى كونه موهبة تستثمرها؟

- لا اهدف للشهرة طبعا، والناس في منطقتي جميعهم يعرفونني. شاع اسمي لان الناس متعطشة لتحقيقات او اخبار فنية حلوة بعيدا عن الاوضاع المالية والاقتصادية و<الكورونا>، وكانت التعليقات على <الفايسبوك> ابلغ دليل اذ كتب لي أحدهم عبارة <وأخيرا.. خبر يفرفح القلب>.

وصلني ما فوق الالف <كومانت>(تعليق) قرأتها جميعها، كلها مشجعة تعبّر عن جدوى عملي الهادف الى التذكير بالبيت القروي، ببيوت الضيعة والأبنية التراثية، مع كل ما تحمله من قيم وأصالة وحنين الى الماضي.

يتمنى علي ان تجتمع المجسمات كلها تحت سقف واحد فلا يأكلها الغبار بسبب الاهمال وذلك من خلال متحف او صالة، او ان يهتم بها متمول ما فتشكل دليلا على حقبات تاريخية يجسدها، وفي بعض منها جانب توثيقي، كما ان بينها ما تعدى الحدود اللبنانية كمعركة <ستالينغراد> مثلا، او ايضا مواقع مختلفة في لبنان كـ<سهل الميدنة> في العام 1997، والشريط الحدودي عند منطقة العديسة الجنوبية.

ويعد علي بما هو اوسع وأشمل بعد، كمثل المجسم الذي يبدأه بعد حوالى الاسبوع والذي يتركه مفاجأة رفض الافصاح عنها واعدا بانه سيكون مجسما ضخما مستوحى من خارج الاراضي اللبنانية وسيجعل الجميع يتحدثون عنه: <لقد انطلقت في وضع التصور الاولي له وسيكون نقلة نوعية لاعمالي الفنية>. يقينه من النجاح الجديد الآتي يستمده من التفاعل الكبير الذي عرفه مجسم <ضيعة ضايعة> ولم يكن ينتظره.

الى صعوبة ايجاد المساحة التي ترتع فيها هذه المجسمات بشكل يبرز قيمتها الحقيقية، تبقى الصعوبات في عمل سلوم في بعض المواد التي <لا اجدها في المكتبات فاضطر الى صنعها بنفسي بينها مثلا اكسسوارات الشبابيك والدرابزين والأشخاص، وهذه كلها دقيقة وتتطلب جهدا وطول اناة>، وطبعا نظرا ثاقبا يسعفه علي احيانا بالنظارات المكبرة.

علي الذي يعمل في الديكور والتجميل الخارجي والداخلي وفي الحدائق وشلالات المياه فضلا عن الديكور التراثي طُلب في مرتين لتنفيذ ديكور لاعمال فنية الا ان الظروف حالت دون وضعهما على السكة.

يخاف على الابنية الحجرية ان تندثر بسبب التمدد العمراني العشوائي وتقلص المساحات الخضراء وسط لامبالاة البعض في الحفاظ عليها كقيمة تاريخية عمرانية حضارية، فيما هي مؤشر غنى للبنان، وسبيل الى السياحة التراثية فيه ما يجعلها بوابة سياحية مهمة له.

كما يخشى ابن الجنوب خسارة ارثنا التراثي، ويأمل في النهاية أن تكون هذه الاعمال اليدوية والحرفية التي تندرج تحت مسمى <الفن السياحي التراثي> تحت مجهر الدولة وأن تدعمها وزارة الثقافة، اذ يدخل في صلب دورها ان تفتش عن المبدعين وتدعمهم، خاصة ان مثل هذه المواهب تبقى نادرة ولا يعتنقها الكثيرون لانها صعبة وتتطلب نفسا طويلا وحرفية عالية، فعمل علي الدقيق يهدف اولا الى احياء الذاكرة عبر إحياء التراث وماضي الاجداد، وهو يقرنه بالدعوة للعودة الى القيم الاصيلة والنبيلة في عالم باتت المدنية اليوم تتآكله في أكثر من وجه.