تداعيات التدافع في موسم الحج عند مشعر منى ما زالت تذر قرنها، وتستغلها إيران لتصفية حسابات سياسية مع المملكة العربية السعودية التي هي أدرى بشعاب مكة. صحيح أن عدد الحجاج الإيرانيين القتلى في عملية التدافع فاق الثلاثمئة والخمسين قتيلاً، وكلهم يستحقون الرحمة، إلا ان السلطات الإيرانية لم تسأل لماذا اصطدم هؤلاء الحجاج في خط معاكس بباقي الحجيج في مشعر منى، وهل كانوا في حالة انضباط مع ارشادات الحج؟

   ودفعاً لكل تسييس إيراني لمأساة التدافع في مشعر منى، توالت ردود الفعل على هذا التسييس بدءاً من الأزهر الشريف حيث قال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء في مصر في حديث صحفي <ان الادعاء بالتقصير كلام غير مقبول ويتنافى مع الواقع الذي يراه الملايين في موسم الحج كل عام. وغير جائز بالمرة توجيه الاتهام للسعودية>.

   وشن أعضاء من هيئة كبار العلماء في مصر هجوماً شديداً على الاتهامات التي وجهتها إيران للسعودية وقالوا: <إن ادعاءات طهران عن أسباب الحادث الذي وقع في اليوم الأول لعيد الأضحى وقبل اكتمال التحقيقات التي تتم بمعرفة السلطات السعودية ما هو إلا رجم بالغيب وانحراف بالأمر الى الخط السياسي>.

   وكانت إيران قد ادعت ان السعودية لم توفر اجراءات السلامة المناسبة للحجاج وان على السلطات السعودية أن تتحمل المسؤولية عن حادث رمي الجمرات في مشعر منى..

   وقد رفض الدكتور عباس شومان بلسان الأزهر الشريف الاتهامات الإيرانية المتسرعة لافتاً الى ان المملكة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تبذل سنوياً قصارى جهدها لإنجاح موسم الحج، وأي اتهام لها بالتقصير كلام غير مقبول ويتنافى مع الحقيقة والواقع الذي يراه ملايين الحجاج كل عام.

تعزية شيخ الأزهر

   ومضى الدكتور شومان يقول ان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب نعى باسم الأزهر الضحايا من حجاج بيت الله الحرام وقدم خالص العزاء وصادق المؤاساة الى السعودية حكومة وشعباً، والأمة الاسلامية جمعاء، والى أسر الشهداء من ضيوف الرحمن، داعياً الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وان يسكنهم فسيح جناته وأن يمن على المصابين بالشفاء الكامل.

   وبدوره أكد الدكتور الأحمدي أبو النور عضو هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في مصر) ووزير الأوقاف السابق ان سياق الأمور في هذا الحادث على هذا الشكل من جانب إيران هو انحراف بالموضوع الى الخط السياسي، خصوصاً وان التحقيقات في الحادث لم تظهر بعد، وبالتالي فإن تلخيص إيران لسبب الحادث قبل اكتمال التحقيقات هو رجم بالغيب، وان المسلمين أحوج ما يكونون الآن الى ما يجمع الكلمة والصف لمواجهة الجماعات والتنظيمات التي تريد أن تفتك بالأمة لا الى من يفرقهم بدعاوى كاذبة مثل هذه الادعاءات (إشارة الى كلام المسؤولين في طهران)، وقال <إن ادعاءات إيران إن دلت على شيء فإنما تدل على سعيها لتوجيه اللوم للسعودية، واننا ندرك تمام الادراك ان السعودية لا تقر أي خطأ ولا تقبل بوجود الخطأ من الأصل، في ما يتعلق بمشاعر الحج، ولا تتهاون في حقوق الحجيج اطلاقاً، وهي الدولة التي تعتبر نفسها في رباط دائم طوال العام لخدمة ضيوف الرحمن.

    وزاد قائلاً: إن ما حدث في منى أتى نتيجة أخطاء من بعض الحجاج، خصوصاً عند اندفاعهم لرمي الجمرات..

   وفي السياق نفسه قال الدكتور محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء ان إيران تكيل التهم لأهل السنة والجماعة لأنهم لا يدينون بمذهبها ولا يعتقدون اعتقادها خصوصاً في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووصف ما حدث في مشعر منى بأنه لم يأت بسبب سوء التنظيم أو التقصير من جانب المملكة السعودية كما يدعي الكارهون، ولكن بسبب فوضى المسلمين وعدم توعية الحجاج برمي الجمرات التي شرع الله أن ترمى في أي وقت.

   ومضى الدكتور مهنى يقول: لقد رأيت ذلك بعين رأسي في أكثر من موسم حج. كان هناك تأمين للطرق والشوارع الى جبل عرفات والحرم المكي فضلاً عن الضيافة الأكثر من رائعة، والتطور الذي يحدث في السعودية كل عام للتخفيف على الحجيج.

استنكار من القيادات

الدينية في بلجيكا وبريطانيا

   وجاء الاحتجاج على الاتهامات الإيرانية هذه المرة من قيادات الجالية الاسلامية في بلجيكا، وقال الشيخ نور الدين الطويل عضو المجلس العلمي التابع للهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا، ان محاولة إيران تسييس أمور دينية واستغلال حادث وقع أثناء أداء مناسك الحج، هو أمر مرفوض تماماً، والجميع يعلم أن إيران وحجاج إيران يتسببون في مشكلات ولهم تاريخ يشهد على ذلك، ولهذا نحن نقول إننا نرفض تسييس الأمر، وان ما تريده إيران هو الفتنة، وهذا ما نرفضه تماماً..

   ومن جانبه قال الشيخ عبد الهادي عقل إمام وخطيب مسجد المركز الاسلامي في العاصمة البلجيكية <بروكسيل> ورئيس معهد الدراسات الاسلامية في المركز: <لم يكن هناك أي تقصير من المملكة في أي جانب، وهي تسعى دائماً لتوفير الخدمات اللازمة للحجاج والتيسير عليهم، ولكن عدم التزام الناس بالاجراءات وسوء تصرف البعض من المسؤولين عن التفويج، كلها أمور قد تؤدي الى وقوع حوادث، وهذا الأمر لا تتحمله السعودية>.

   ومن لندن جاء رد علماء بريطانيا المسلمين على ادعاءات طهران، وقال الشيخ حافظ رباني رئيس جمعية علماء بريطانيا لجريدة <الشرق الأوسط> ان موسم الحج غالباً ما يشهد تجاوزات إيرانية عبر حملات ترويج لما يسمونها <الثورة الإيرانية> بين الحجاج ومراسم البراءة من المشركين، فضلاً عن محاولات إيرانية دائمة لتحويل مناسبة الحج الى ساحة سياسية تتحدى فيها خصومها مستغلة بعض حجاجها للصدام مع الحجاج الآخرين وقوات الأمن.

   أضاف رباني الذي أدى فريضة الحج ومناسك العمرة عدة مرات، ان ملف إيران بمواسم الحج يعد بلا مبالغة ملفاً أسود!