تفاصيل الخبر

على معظم الحكام العرب تعلم مفردات المستقبل  

24/03/2017
على معظم الحكام العرب تعلم مفردات المستقبل  

على معظم الحكام العرب تعلم مفردات المستقبل  

 

بقلم خالد عوض

سعد-الحريري-----11 هناك مشكلة حقيقية مع الطاقم السياسي الحالي لا علاقة لها لا بالضرائب ولا بالموازنة ولا حتى بقانون الانتخاب. انها مشكلة لها علاقة باللغة.

رئيس الحكومة سعد الحريري، المفروض أنه شاب ويعرف عدة لغات، عندما نزل بكل نية صافية وصادقة للتحدث مع المتظاهرين في ساحة رياض الصلح يوم الأحد الماضي تكلم بلغة الماضي. رئيس تكتل التغيير والإصلاح الوزير جبران باسيل، الشاب الآخر في الحكومة، تحدث باللغة ذاتها التي ما برح الشعب اللبناني يسمعها منذ بداية التسعينات، خاصة عندما قال أنه أعطى فرصة سنة لمن عيّنهم في الجمارك حتى يوقفوا الفساد، وكأن هذا الهدر لا غطاء سياسياً له! ذكرنا بشعار الكهرباء <٢٤ على ٢٤ ساعة في ٢٠١٥> الذي اطلقه عام ٢٠١١ وصدقناه. وحدث بلا حرج عن الكلام <الأثري> لزعيم المختارة وليد جنبلاط في معرض توريثه نجله تيمور. ادفنوا المليارات وانهضوا. الرئيس نبيه بري، عندما يتحدث بلغة المؤامرات المافيوية المالية والبحرية، ربما معذور أكثر منهم لأنه في الثمانينات من عمره. الحكيم سمير جعجع لم يتكلم بشكل أفضل، مع أنه كان قد اقترب عدة مرات في السابق من ملامسة اللغة الصحيحة، ولكنه انزلق في اللغة الخشبية عندما تحدث عن سنوات كثيرة وطويلة ضرورية لوقف الهدر والفساد... <ولو يا حكيم>؟! تذكر كيف غيّر بشير الجميل كل ادارات الدولة اللبنانية في غضون أيام حتى قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مهموم بإخراج الإنسحاب من سوريا، ولذلك من الصعب إلقاء اللوم على جهله باللغة.

عندما يتحدث كل هؤلاء بلغة لم يعد يفهمها الناس، أو بالأحرى لا يريدها الناس، هنا يكون مكمن المشكلة.

معظم السياسيين ينفقون في هذه الأيام عشرات آلاف الدولارات لدى شركات الإحصاء واستطلاعات الرأي ليعرفوا حظوظهم الانتخابية ورأي الناس بهم. حتى أن هذه الشركات تحولت إلى <بزنس> الإستشارات والنقد السياسي بل في مرات وصلت إلى تصحيح الخطاب السياسي لبعض الزعماء. لو تعلن هذه الشركات اليوم عن المداخيل التي حصلت عليها من السياسيين خلال العامين الماضيين لتبين لنا حجم الأزمة التي يعيشها زعماء لبنان في هذه المرحلة. الحل يا سادة ليس عند شركات الإحصاء. أنتم جاهلون للغة الحاضر والمستقبل ولا تعون أن العالم كله تغير منذ ١٩٩٠ عندما أقر <نظام الطائف> بتشوهاته، بل حتى منذ ٢٠٠٥ حين استلمتم وحدكم الحكم من دون أي وصاية أو احتلال.

للتذكير، <هيلاري كلينتون> خسرت الانتخابات في الولايات المتحدة أكثر مما ربحها <دونالد ترامب> لأنها لم تتحدث باللغة التي يريد أن يسمعها الشعب الأميركي.

بريطانيا خرجت من أوروبا لأن رئيس الوزراء السابق <دايفيد كاميرون> وغيره من المدافعين عن البقاء في الإتحاد الأوروبي تحدثوا بمفردات الماضي.

رئيس فرنسا <فرانسوا هولاند> اختصرها منذ البداية وأقر بجهله للغة التي يريدها الناس فلم يترشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية... كل المرشحين الآخرين يبحثون عن المفردات التي يريدها الشعب الفرنسي ومعظمهم لا يزال بعيدا عنها، ولذلك أكثر من نصف الفرنسيين لم يقرروا بعد من سينتخبون.

المشكلة في لبنان وفي معظم الدول العربية هي هذه النية الدفينة للإستمرار في الحكم، بأي وسيلة ممكنة، بالترغيب أو الترهيب، برشوة الناس كلاماً وبتصاريح وتقديمات من جيب الدولة، أو بإخافتهم بخراطيم المياه أو محاضر التجني والافتراء في المخافر. لم يعد ينفع ذلك.

لم يتعد عدد الناس الذين نزلوا إلى ساحة رياض الصلح في بيروت يوم الأحد ١٩ آذار (مارس) الخمسة آلاف. كانوا كافين لتوقيف كل شيء عملت عليه الحكومة منذ أكثر من شهرين. كل النواب والوزراء مرتبكون. لا يعرفون ماذا يقولون، هل يؤيدون السلسلة أو يتراجعون؟ هل يلغون الضرائب أم يبقون بعضها الذي لا يطال الناس؟ حتى لو ألغوها كلها، هل تتوقف الحملة على الطاقم السياسي؟ كيف يستعيدون بعض شعبيتهم؟ ماذا تقول شركات الإحصاء عن نبض الناس بعد كل ذلك؟ يا جماعة أنتم تبحثون في المكان الخاطئ. تعلموا أولاً مفردات لغة العصر ومن ثم ستفهمون أن كل ما تقولونه اليوم لا يصل إلى عقول الناس ولا حتى إلى قلوبهم. ولولا بعض العصبية المذهبية والطائفية التي تحميكم والتي ستلجؤون إليها كلكم قبيل الانتخابات النيابية، لكنتم بلا استثناء في سجن <رومية> تحاسبون على أكثر من خمسين مليار دولار من الهدر والفساد.

ما هي إذا مفردات لغة المستقبل التي يتطلع إليها الناس في زمن اليوم؟ لم يكن اختراع وزارة السعادة في الإمارات ضربا من <البروباغندا>، فالمهمة الأولى التي اوكلت إلى الوزيرة عهود الرومي هي معرفة ماذا يريد الناس حتى عهود-الرومي--A2يصبحوا سعداء.

الناس تريد وعوداً محددة بالأرقام والحجج غير المبهمة لحلول سريعة وواضحة وقابلة للتنفيذ. الناس تطلع إلى قيادات قادرة أن ترسم لها بثقة صورة بلدها عام ٢٠٣٠. الناس تريد التغيير في الأداء السياسي والإداري في الدولة مع ما يصلح في زمن التكنولوجيا والتطور الرقمي. تريدون إبقاء النظام السياسي كما هو، حسناً ولكن لا تتذرعوا أنه السبب في انقطاع التيار الكهربائي أو عدم إقرار الموازنة لعشر سنوات. الناس تريد معرفة متى يتوقف التوريث السياسي. لا مانع من أن يكون سعد الحريري وتيمور جنبلاط وسامي الجميل وطوني فرنجية نواباً إذا اختارهم الناس، بالعكس، ولكن المشكلة في أن يتحولوا إلى جزء أبدي من السلطة التنفيذية و«حماة> المال العام على مد العصور. الناس تريد رؤية استقالات لوزراء ونواب تحوم حولهم شبهات. تريد نزع الحصانة عن نائب متورط في صفقة أو محاكمة وزير استفاد من المال العام بغير حق. تريد نزع السرية المصرفية عن أي شخص في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

الفساد نزعة إنسانية وموجودة في كل دول العالم بنسب مختلفة. المشكلة في إجبار اللبنانيين على التأقلم معه وكأنه أمر واقع وجزء من دستور التوافقية الطائفية. ما يحصل في العالم هو سباق بين تقدم وتطور أشكال الفساد وتطوير أساليب محاربته. أما عندنا فالفساد بلا حواجز بل محمي من كل السلطات. التهريب <على عينك يا تاجر> ثم يأتي من يقول لنا: هذا يتطلب سنوات لوقفه. الدولة مدينة بحوالى ٨٠ مليار دولار، ولو كانت هناك نية حقيقية لوقف الهدر خلال سنة كما يقولون لنا فلا مانع من استدانة مليار دولار أخرى هذه السنة لتمويل السلسلة طالما أن الوفر الذي سيتحقق بعد ذلك هو بالمليارات! بربكم كفى استخفافا بعقول الناس.

اللغة التي عليكم الابتعاد عنها هي لغة راعي الغنم مع <الخواريف> وعليكم تعلم مفردات الرؤية الاقتصادية وخطة إطفاء الدين العام من واردات وقف الفساد والاستقالة والمحاسبة. <الغنم> لا يطلبون نزع السرية المصرفية عن <الرعاة> ولكن اللبنانيين سيطلبون ذلك عاجلاً أو آجلاً في لبنان وحتى في سويسرا.