تفاصيل الخبر

عقيدة «أوباما » السياسية والـعـسـكـريـــــة...  سنـيـــــة أم شـيعـيّـــــــة؟

18/06/2015
عقيدة «أوباما » السياسية والـعـسـكـريـــــة...   سنـيـــــة أم شـيعـيّـــــــة؟

عقيدة «أوباما » السياسية والـعـسـكـريـــــة...  سنـيـــــة أم شـيعـيّـــــــة؟

بقلم علي الحسيني

السفير-بوحبيب منذ أن أصبح الرئيس الأميركي <باراك أوباما> رئيساً للولايات المتحدة الأميركية والعالم منشغل في تشخيص عقيدته السياسية والعسكرية والدينية لدرجة أصبح تعاطيه مع أي ملف من ملفات المنطقة مرهوناً بآثار هذه العقيدة خصوصاً في ما يتعلق بـالتحولات السياسية أو الانعطافات التي أجراها منذ ترؤسه أقوى دولة في العالم.

في إحدى المؤتمرات الصحافية التي جمعت الرئيس الأميركي السابق <جورج دبليو بوش> ورئيس الوزراء البريطاني السابق <طوني بلير> في بريطانيا وذلك خلال حرب العراق، طلب <بوش> من <بلير> البدء بالتحدث الى الصحافيين أولاً، لكن الأخير تنازل عن هذا الشرف لمصلحة الضيف قائلاً له: <تفضل أنت الزعيم>، عندئذٍ ابتسم الرئيس الأميركي وقال: <نعم أنا الزعيم> كتعبير عن نشوة الانتصار الذي اعتبر انه حقّقه في العراق الغارق بدماء أبنائه منذ ذاك الحين.

لكن وعلى عكس سلفه وخلافاً للسياسة التي كانت قائمة في بلاده قبل أن يصبح رئيساً لأميركا، اعتمد <باراك أوباما> منذ تولى رئاسة بلاده سياسة الحوار والانفتاح على كل الدول وتحديداً تلك التي كان وصفها الرئيس <بوش> ذات يوم بـالدول المارقة، فمارس تجاهها سياسة جديدة بدأت بالانفتاح بالرأي مروراً بتذليل الحواجز وإيفاد رسائل إيجابية ومطمئنة لكل من كوبا وايران الدولتين اللتين ربطت بينهما وبين أميركا في احد جوانبها عداوة استمرت لأكثر من نصف قرن، وهو الذي حاز جائزة <نوبل> للسلام لعام 2009 نظير جهوده في تقوية الديبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، وذلك قبل إكماله سنة في السلطة.

هل أحدثت هجمات <سبتمبر> تغيراً في سياسة <أوباما>؟

يرى البعض أن هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة الأميركيّة شكّلت انعطافة مهمة في سياسة <أوباما> الذي كان يومئذٍ عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، وفي طريقة تعاطيه مع دول الخليج وتحديداً السعودية، وقد ذهب هذا البعض إلى أبعد من الانعطافة عندما اعتبر أن المنطقة مقبلة على تبدّلات في الأدوار أو إعادة تشكيل لمصلحة ايران الشيعية، وان ملامح هذا الدور بدأت ترسم من خلال المفاوضات النووية معها واضعين كلام <أوباما> حول الخطر الداخلي الذي يتهدّد دول قنبلة-نوويةالخليج في خانة الرسالة المبطنة لمستقبل العلاقة بين أميركا والسعوديّة.

منيمنة: <أوباما> والتورط الخارجي

في الشق الاقتصادي والاجتماعي يرى الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة ان ملفات السياسة الخارجية الأميركية لا تستحوذ على الاهتمام الأول لـ<أوباما> وهو الذي يسعى منذ انتخابه، وإن بمقدار متفاوت من النجاح، الى تحقيق جملة متشعبة من التغييرات في الشان الداخلي تصل بمجملها الى تبديل عميق باتجاه الرؤية التقدمية لدور الدولة القائم على الرعاية والعناية، فالأثر الذي يتمنى <أوباما> أن يخلفه في السجل التاريخي لرئاسته هو التأمين الصحي الشامل للجميع والإصلاح الضريبي الذي يلقي بالمزيد من المسؤولية والعبء على الأثرياء ويعفي الأقل ثراء منها، والنظام التربوي الذي ينصف أبناء المناطق المحرومة فيساويهم من حيث الفرص التعليمية بأبناء المناطق الميسورة وغيرها من الاصلاحات التي يعتبرها التقدميون شرطاً للعدالة الاجتماعية، فيما يرى فيها المحافظون شعارات شعبوية للتطفل على مجتمع قادر أن يحققها بذاته من دون الهدر والفساد المصاحبين حكماً لخوض الدولة في ما لا يعنيها.

ويضيف الدكتور منيمنة: لكن على رغم النية الصريحة لـ<أوباما> بالتركيز على المعترك الداخلي، وعلى رغم الازمة الاقتصادية التي استقبلته مطلع عهده وضاعفت الحاجة الى هذا التركيز، فإنه لاعتبار موضوعي كونه رأس الدولة العظمى الوحيدة وآخر ذاتي كونه أول رئيس أميركي من أصل غير اوروبي أثار انتخابه اهتمام العالم وشغفه، كان لا بد له من إيلاء الشأن الخارجي مقداراً متواصلاً من الاهتمام، وكان لا بد له على مدى أعوامه السبعة أو ما يقارب، من تطوير نهج أو عقيدة تكون المعيار لاهتمامه هذا بالمسائل المستجدة. وإذا كان لا بد لـ<أوباما> من مبادلة دفء التلقف العالمي لرئاسته بمقدار من الإقرار المتبادل أقله من حيث الشكل، فإن تفضيله البديهي مبدئياً وعملياً كان ولا يزال باتجاه التقليل من احتمالات التورط الخارجي. فـ<أوباما> ورث عن سلفه ملفي الحرب في العراق وأفغانستان وهمّه الاول في شأنهما كان ولا يزال إغلاقهما بأسرع وقت ممكن.

 

بو حبيب: لا قنبلة نووية ايرانية قبل عشرة أعوام

اوباما-و-روحاني 

أما في الشق السياسي والدبلوماسي فيشير السفير السابق  في واشنطن عبد الله بو حبيب خلال حديث مع <الافكار> الى ان عقيدة <أوباما> من الجهة السياسية تقوم على الحوار مع كل الدول، وان مقاطعة عدد من الدول مثل كوريا وكوبا وإيران لا تنفع، والدليل انه أعاد رسم علاقة جديدة مع كوبا بعد نحو ستين عاماً لم تجلب سوى الإفقار للشعب الكوبي، ومع هذا فقد ظلت بعيدة عنها سياسياً واقتصادياً. كذلك الأمر بالنسبة إلى ملف المفاوضات النووية مع ايران الذي فشل سلفه <جورج بوش> في إحراز أي تقدم فيه. والأكثر من ذلك ان ايران تمكّنت في عهده من تطوير طرودها المركزية من خمسة آلاف طرد الى خمسة عشر ألفاً.

وحول التبدل الذي طرأ على السياسة الأميركية في عهد <أوباما> وتحديداً في ما خص الانفتاح على ايران، يؤكد بوحبيب أن الأمر الإيجابي الوحيد الذي طرأ على هذه العلاقة هو ان الطرفين في حالة حوار مع بعضهما بعضاً لا أكثر ولا أقل، وذلك بعد قطيعة استمرت 35 عاماً تقريباً، علماً ان ايران التي أصبحت تمتلك خبرة في المجال النووي، لن تتمكن من صناعة قنبلة نووية قبل عشرة أعوام، ليس لعدم قدرتها إنما للوعود التي قطعتها خلال المفاوضات، كما أن هناك خلافات كبيرة ما زالت قائمة بينها وبين أميركا منها العراق وسوريا واليمن.

هل يتخلى <أوباما> عن الخليج من أجل ايران؟

<أوباما> يغازل ايران على حساب السعودية أو ربما يبني معها تحالفاً جديداً على حساب الدولة الخليجية الكبرى. كلام سمع في الآونة الاخيرة في أكثر من وسيلة إعلامية، لكن بحسب بو حبيب تبقى هذه التحليلات ضمن التكهنات، اذ يشير إلى انه من غير الوارد على الاطلاق ان تصحّح أميركا علاقاتها مع ايران على حساب دول الخليج وتحديداً السعودية. أميركا لا يمكن ان تتخلى عن حلفائها تحت أي من الظروف، ولذلك كانت دعوة <أوباما> الاخيرة لزعماء دول الخليج لقضاء عطلة في منتجع <كامب ديفيد> بغرض التطلع الى أفكار جديدة يمكن ان تحمي من خلالها أميركا هذه الدول الصديقة.

وعن دعوة <أوباما> اصدقاءه الخليجيين للتنبه الى الخطر الداخلي لا الى الخارجي، يعتبر بوحبيب ان فلسفة <أوباما> تجاه العرب تقوم على الشكل الآتي: لا عليكم من الخارج اتركوا الخارج لي، لكن عليكم ان تهتموا ببلادكم من الداخل لأن كل واحد فيكم لديه مشاكله الداخلية. وللتأكيد فإن مشاكل سوريا لم تبدأ من الخارج بل من الداخل، لكنها دعمت من الخارج. وهنا أريد أن أوضح أمراً في غاية الاهمية وهو أن أميركا لا يمكن ان تفكر يوماً بأن الايراني يمكن ان يهاجم أي دولة خليجية في ظل وجودها في الخليج بكثرة إن في المياه أو على الارض. و<أوباما> كأنه أراد ان يقول لدول الخليج إنكم قد تحصلون على بعض المكاسب الصغيرة مما يقوم به تنظيم <داعش> في المنطقة وتحديداً في العراق وسوريا، لكنه سيشكّل خطراً المحلل-العسكري-رياض-قهوجي عليكم لاحقاً بالحجم نفسه الذي يشكّله اليوم في أي منطقة يوجد فيها.

بين الأصولية السنية وايران

 الشيعية أين يقف <أوباما>؟

هل استبدل <أوباما> الاصولية السنية بإيران الشيعية؟ عدم توجيه <أوباما> ضربة لسوريا أو ايران، لا يعني انه مع الشيعة ولا مع السنّة وعلى دول الخليج ان تطمئن ان تقارب <أوباما> من ايران لن يكون على حسابها، وعندما يكون هناك اعتداء ايراني على أي دولة خليجية من المؤكد ان أميركا ستتحرك لأنها تعتبر أمن الخليج من مصلحتها. لكن هناك مسألة ذات أهمية قصوى وهي ان الأميركي يقول للسعودي خصوصاً لا يمكن ان تكمل بهذه الطريقة، أي فتح مدارس اسلامية في افغانستان وباكستان وبنغلادش وإرسال شيوخ دين يتفلسفون على هواهم في نشر دعوتهم وكل واحد فيهم ينشر تعاليمه الخاصة من خارج التعاليم التي يحددها الدين الإسلامي.

ويزيد بوحبيب أن الكلام حول أن خلفيّة <أوباما> الدينيّة وجذوره الإسلاميّة هي التي جعلته يتقرّب من المُسلمين سواء في الخليج أو إيران، أبعد ما تكون عن الحقيقة، فمن يعش في أميركا يعلم انها سوف تُصبغه وتصهره مهما كانت قناعاته. في أميركا الآخر مقبول، وليس مختلفاً كما هو الحال عندنا العرب. والدين بالنسبة إلى <أوباما> حركة اجتماعيّة، لذلك يُريد تحسين أحوال الشعوب لأنّه يملك ضميراً يسارياً أميركياً، وعندما كان عضواً في مجلس الشيوخ كان معارضاً لتدخل <بوش> في العراق وتبيّن في نهاية المطاف أنه مُحقّ.

قهوجي: <أوباما> والقيادة من الخلف

من هوس عقيدة <أوباما> السياسية إلى هوسها العسكري يشرح المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الادنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي عبّر <الافكار> أبعاد هذه العقيدة وارتكازاتها فيقول: الأميركيون مهووسون بموضوع العقيدة، إذ ان كل رئيس جديد يأتي يريدون معرفة الرؤية الخاصة به وأسلوب تعاطيه مع التحديات القائمة. ونحن باللغة العربية نعتبر ان العقيدة ترتبط دائماً بالعسكر، لكن في أميركا تعني الاستراتيجية أو الرؤية. ومن اليوم الاول لمجيء <أوباما> الى الرئاسة، كانت رؤيته إنهاء دور العسكر  في المنطقة وسحب قواته من العراق وافغانستان وتقليص الوجود خارجاً، والتركيز بشكل أكبر على المواضيع المحلية والتحوّل بشكل أكثر باتجاه آسيا وتحديداً في الشق المتعلق بالاقتصاد واستخدام نفوذه لتنفيذ سياساته الخارجية.

ولعقيدة <أوباما> العسكرية تكملة لا تنتهي بتجنيب جيشه الحروب والزج به في منطقة الشرق الاوسط، اذ يؤكد قهوجي ان <أوباما> حاول جاهداً تجنب التورط بالقضايا العسكرية بشكل مباشر، لكنه عندما وجد نفسه ملزماً مثل الموضوع الليبي، اعتمد استراتيجية القيادة من الخلف يعني أن تلعب أميركا دور الداعم والمخطط وجعل التنفيذ الميداني من مهام أطراف دولية أخرى. ولذلك رأينا ان الجزء الأكبر من الطائرات في ليبيا جاءت من دول حلف الناتو ودول عربية، بينما اقتصر الدور الأميركي على ربع حجم هذه المشاركات جميعها حيث ركز بشكل أوسع على تأمين الاقمار الصناعية والتزوّد بالوقود جواً، وذلك على عكس الحروب السابقة يوم كانت تشكّل أميركا أكثر من ثلثي عدد التحالف.

الابتعاد عن الحرب المباشرة مع سوريا

وللخطوط الحمراء مكان في عقيدة الرئيس الأميركي لا يمكن إلا ان يتوقف المرء عندها والتي تقع ضمن عدم إلزام نفسه في أي أمر هو غير مقتنع فيه، وهنا يشرح قهوجي الآتي: لقد رأينا كيف ان <أوباما> لم يلزم بشن حرب على سوريا بعدما ثبت استعمال السلاح الكيماوي من قبل النظام السوري بحسب بعض الدول الغربية من ضمنها فرنسا، وكيف تراجع في اللحظات الأخيرة من دون ان يقدم على أي خطوة تصعيدية بالرغم من ان هناك سياسة خارجية أميركية قائمة منذ زمن تقوم على ضرورة استخدام القوة ضد أي خصم يستخدم أسلحة دمار شامل. وكذلك الأمر بالنسبة الى الموضوع النووي الايراني والذي فضل <أوباما> الدخول في مفاوضات حوله كبديل عن استعمال العنف.

ويتابع رياض قهوجي:

الوزير-منيمنة- في الشقّ العسكري من عقيدة <أوباما> تميل الانعطافة الأميركية لمصلحة إيران الشيعية ولو بشكل اقّل مما يعتبره البعض. هناك مدرستان في  العالم: الاولى تتصدرها روسيا وتقول انه ما بين الاصولية السنيّة وايران الشيعيّة نختار ايران، وهذا يعود الى الحروب التي خاضتها روسيا في الشيشان ودعم العالم السني للشيشانين. أما المدرسة الثانية وهي الأميركية فمن المعروف بأنها خلال النصف الآخر من الثمانينات ركزت بشكل كبير على التهديد الشيعي في المنطقة وتحديداً في بداية الثورة الايرانية بقيادة الإمام الخميني والكلام هنا حول حقبة خطف الرهائن في بيروت وخطف الطائرات وتفجير المراكز الأميركية والقوى المتعددة الجنسيات عام 1983، وهذا شكّل مصدر إرهاب بالنسبة الى الفكر الأميركي.

الأصوليات المتشابهة

ويزيد قهوجي قائلاً: لكن اليوم ونتيجة ما نشاهده من حروب في ظل وجود تنظيم <داعش> وغيره من الحركات الاصولية السنية عادت هذه النظريات لتتجدد ضمن سؤال أيهما أسوأ؟ ومن هي الجهة التي يمكن المراهنة عليها لتحسين العلاقات؟ أظهرت الأمور بالنسبة الى الأميركي ان الشيعي لديه قدرة أكبر على تنظيم نفسه، في وقت لا توجد فيه أقلية سنية منظمة وهذا التنظيم الشيعي له علاقة بـولاية الفقيه التي تنظم الميليشيات الشيعية، بينما نرى كيف أن الميليشيات السنية مفرقة، كما ان هناك <براغماتية> أكبر في التعامل مع ايران، وكل هذه الادبيات نراها اليوم بشكل أكبر وأوضح من قبل المحللين السياسيين في اوروبا وأميركا وروسيا. واذا أردنا ان نسير مع ما شاهدناه في العراق وسوريا، نرى ان الأميركي كان يسير ضمن قناعة التحالف مع ايران، والشيعة لوقف تقدم <داعش>، لكن بعد ذلك وصل الى نتيجة تقول ان هذا التحالف سيزيد الأمور صعوبة لأن بنظره كل الاصوليات متشابهة وأنه لا يمكن محاربة التطرف بتطرف آخر.

وفي الختام لا يرى قهوجي ان التقارب الأميركي الإيراني في الملف النووي يمكن أن يشكل خطراً على الدول العربية وتحديداً السعودية، فبرأيه ان لأميركا نظرة تقول بتخفيض عدد الطرود المركزية وسحب كل المخزون الايراني من <اليورانيوم> المخصب وإغلاق مفاعل <الاراك> حيث من المتوقّع ان ينتج <البلوتونيوم> بطريقة ديبلوماسية من دون حروب، وهذه الطريقة الفضلى لإراحة اسرائيل في المرحلة المقبلة. وبرأيه أيضاً انه إذا ظلت الاوضاع في المنطقة على ما هي عليه في اليمن والعراق وسوريا وان ظلت في مسار تصاعدي وسوء حسابات من جميع الاطراف، فيمكن ان تؤدي جميعها الى نشوء حرب بين ايران والعرب.