تفاصيل الخبر

عفــــــــــــــــــوك يــــــــا.. فرانســــــــــــــــــــــــوا!

08/08/2014
عفــــــــــــــــــوك يــــــــا.. فرانســــــــــــــــــــــــوا!

عفــــــــــــــــــوك يــــــــا.. فرانســــــــــــــــــــــــوا!

بقلم  الدكتور هشام جابر

 

أمر هذا البلد <العظيم> الذي سرقت مقدراته على مدى عقود، من قبل الميليشيات المسلحة، ومافيات المال. وكلاهما يرتدي زياً رسمياً، ويسرق من موقع السلطة، ومنطقة القانون المفصل على القياس. غريب أمر هذا الشعب <العظيم> الذي يلحس المبرد، والذي اعتمد امراؤه تجاهه سياسة التجويع والتخويف، فيبقى صاغراً تحت عباءة الزعيم يتلقف الفتات ويشكر، ولا يخشى <الدبح> على أيدي أبناء الطائفة الأخرى ما دام في حمى <الأمير>.

بلد سيصبح نفطه الموعود نقمة، بدلاً من أن يكون نعمة. فإذا اتفق الأمراء على تقاسم المغانم، ولا يزال الخلاف قائماً وشدّ حبال <البلوكات> حاصلاً، ذهب النفط إلى جيوبهم، دون أن ينال الشعب منه سوى رائحته الخانقة. وإذا لم يتفقوا، سينتقل الخلاف حتماً إلى الشارع، والأحياء، والأزقة بعد إلباسه الرداء المذهبي المقيت.

بلد يعجز نوابه الكرام عن تحقيق سلسلة محقة للرواتب. ويتذرعون بالعجز، وهم يدركون كما آخر مواطن ان إستعادة المسروقات من أملاك بحرية طوبت مرافق سياحية، وجبلية نهشتها الكسارات، ومليارات يطلبون شرعنة نهبها، تكفي وحدها لتمويل <سلاسل> لا سلسلة. واللائحة تطول.

«يرضى القتيل ولا يرضى القاتل>، وكم الأفواه تقليد جديد، يجلدون الشعب ويمنعونه من الأنين، فكيف من الصراخ؟!

الدكتور فرنسوا باسيل يُستدعى إلى التحقيق لا لجريمة سرقة، أو إختلاس، بل لأنه أشار إلى مسؤولية أصحاب الحصانة.

فرنسوا باسيل الذي أسس إمبراطورية مصرفية، يعتز بها لبنان <يُجّر> إلى التحقيق لأنه أشار، وبتهذيب رفيع، إلى مكامن الخطأ. والتهمة هي المسّ <بكرامات> النواب. نواب الأمة الذين ينتقدهم الشعب كل يوم، ويعود لإنتخابهم صاغراً، مجبراً، محتاجاً، لأنه كما ذكرنا تحت وطأة التجويع، والجوع كافر، والتخويف، والخوف قاتل.

لو شاء فرنسوا باسيل أن يشتري حصانة، لاستطاع بلا شك ولا ريب. فقد عملها الكثيرون واستثمروا في صناديق الاقتراع، وأجازوا لأنفسهم ما لا يجوز.

هذا هو لبنان العظيم.

سبعون ملياراً من الدولارات ديون على بنى تحتية لم تكلف فعلياً خمس تكاليفها.

عشرة مليارات صُرفت على الكهرباء، ولا كهرباء. عشرة آلاف كيلومتر مربع كناية عن امارات متصالحة حيناً ومتنازعة أحياناً. وحاكم الإمارة وعائلته شركاء مضاربون، لكل مستثمر في صناعة أو زراعة أو سياحة أو تجارة...

يعجز المجلس النيابي الكريم عن إنتخاب رئيس، ويعجز عن إقرار قانون انتخاب جديد يتوافق مع تطلعات اللبنانيين ويعيد تكوين السلطة. لماذا ؟ يتساءل البسطاء. والجواب واضح. الأمر لم يصل بعد من الخارج. ومن موّل المعركة <الديمقراطية> لم يقرر بعد، ومن يدفع يأمر <Qui donne ordonne>.

في نهاية محاضرة تشرفت بإلقائها، أمام سفراء الدول الآسيوية عن <الربيع العربي> الذي أمسى إعصاراً، وعواصف، ورياح عاتية، سئلت عن لبنان وهل هنالك من حلّ لمشاكله السياسية والاقتصادية والمالية؟ الجواب كان واضحاً، بإنتخاب مجلس تمثيلي صحيح على اساس النسبية ثم إرساء الدولة المدنية وتكوين السلطة القضائية المستقلة، التي تطبّق القوانين الجاهزة الموضوعة على الرفوف دون وجل أو خجل أو محاباة.

قديماً قيل أنه ليس في لبنان <أزمة نصوص بل أزمة نفوس>. هي أزمة أخلاق بكل بساطة، والسلطة في القاموس اللبناني هي تسلط ومصدر ثروة. ولا من حسيب ولا من رقيب. كان الناس يتساءلون جهراً، وغداً وبعد كم الأفواه، سيتساءلون همساً: أين أصبح المجلس الدستوري ؟ وكم من قانون أعاد منذ تأسيسه؟ أين أصبح قانون محاكمة الرؤساء والوزراء والمسؤولين ؟ وهل نفذ مرة واحدة؟

أين قانون من أين لك هذا؟ مهزلة كبيرة و<ضحك على الذقون>.

صحيح أن الرأي العام كما قال الراحل الكبير <سعيد تقي الدين> هو <بغل>، إلاّ أنه ليس على هذه الدرجة من الغباء. في جولة صغيرة في بيروت <المحروسة>، يرى الناس البنايات الشاهقة بأسماء مقاولين ما هم إلاّ <برفان> للمالكين الحقيقيين. هذا في لبنان بلد <الشفافية> و<النزاهة> الذي غادرته نخبة إلى دول القانون وعلى سبيل المثال لا الحصر، أخبرتنا <هيلاري كلينتون> في كتابها الأخير أن زوجها غادر البيت الأبيض عام 2000 يحمل ديوناً باهظة لمصلحة الضرائب تتجاوز قيمتها قيمة ممتلكاتها. وفي فرنسا أخبرني أخي الدكتور البرفيسور محمد جابر، اللبناني الوحيد في مجلس الدولة الفـرنسي <Conseil d’etat> أن ممتلكات الرئيس وأعضاء الحكومة والمسؤولين كافة من منقولة وغير منقولة، حتى الشقة ومحتوياتها ونوع وقيمة السيارة والدراجة، أصبحت على الانترنت وفي متناول أي مواطن. وأي غش في اعطاء المعلومات يعرّض السياسي للسجن والغرامة، <جاك شيراك> متهم بإستغلال النفوذ و<ساركوزي> يتم توقيفه ويطلق بكفالة وكلاهما في دائرة التحقيق.

إن ما ذكر ما هو إلاّ غيض من فيض، فهل نحلم يوماً أن نصبح كالآخرين؟

وهل الصورة قاتمة إلى هذا الحدّ ؟ الجواب لا. لأن الدنيا لا تزال بألف خير، ولا يزال في لبنان رجال شرفاء، سواء في المجلس النيابي، أو في الحكومة، أو في سائر مرافق السلطة. ويذكر التاريخ الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي رفض إعفاء سيارة زوجته من الرسـوم الجـمركية، وهو في سـدة الرئاسة، والرئيسين الراحلين الياس سركيس وكامل الأسعد، رحمهما الله.ويتذكر الشرفاء من اللبنانيين كيف أن الرئيس حسين الحسيني رفض المساومة على أملاك الدولة في السوليدير لقاء عشرات الملايين. والرئيس سليم الحص الذي سجّل طائرة خاصة أهديت له باسم مجلس الوزراء، وهو يقطن حالياً في شقة متواضعة. وربما لا يعلم الكثيرون أن وزيراً سابقاً للمال، إسمه جورج قرم ليس لديه سائق. وليعذرنا السياسيون الشرفاء الذين فاتنا ذكرهم لضيق المجال.

ومن الآن إلى تاريخه، هل يسمح لنا بالنقد والانتقاد أو الصراخ، عند تلقي ضربات السوط؟ أم أن كم الأفواه قد بدأ، والنيابة العامة بالمرصاد؟

رحم الله الجنرال <سراي> المفوض السامي الفرنسي في عشرينات القرن الماضي، الذي قال لخلفه قبل رحيله: <تستطيع أن تفعل ما تريد باللبنانيين شرط أن تسمح لهم بقول ما يريدون>.

ويظهر أن كلمة <تسمح> ألغيت من هذه المعادلة.

وعفواً فرنسوا باسيل، أنتم السابقون ونحن اللاحقون لأننا لن نسكت.