بقلم حسين حمية
[caption id="attachment_81143" align="alignleft" width="224"] بيار أبو عاصي: التأزم الحاصل اليوم هو نتيجة تحكم مجموعة بالسلطة[/caption]لم يخرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري إيذاناً بالنجاح في تشكيل الحكومة الجديدة وإعلانها وفقاً للمبادرة الفرنسية التي وافق عليها معظم الأطراف السياسية ، في وقت نشط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في التحضير لولادة الحكومة عبر إجراء المزيد من الاستشارات مع الكتل النيابية بغية التسهيل وتذليل العقبات، رغم أن بعض الكتل قاطعت هذه الاستشارات كحال كتلة "الجمهورية القوية" التي شاركت في المشاورات النيابية الملزمة ووضعت نفسها باكراً في صف المعارضة عندما أعلنت عدم مشاركتها في أي حكومة مقبلة كونها تطالب بحكومة غير حزبية تضم أهل الاختصاص. فماذا يقول أحد نواب هذه الكتلة؟ "الأفكار" حاورت في هذا الاطار عضو كتلة "الجمهورية القوية" الوزير السابق بيار أبو عاصي ، وتطرقت معه الى مجمل القضايا لاسيما الملف الحكومي والأحداث الأمنية الأخيرة في الشمال ونظرة حزب القوات الى مجمل الوضع العام بدءاً من السؤال: *كتلة "الجمهورية القوية" لم تشارك في المشاورات التي أجراها الرئيس ميشال عون لتسهيل الولادة الحكومية. فهل هذه خطوة اضافية في إنتهاج خط المعارضة ام عدم اعتراف بدستورية هذه المشاورات؟ _ لسنا مجبرين على تلبية هذه الدعوة بعدما سبق أن لبينا الدعوة الرسمية لاستشارات التكليف الملزمة، وكذلك استشارات التأليف التي قام بها الرئيس المكلف مصطفى اديب ، لكن هذه الاستشارات لا تقع ضمن اي عرف او نص دستوري، ورأينا كتكتل "جمهورية قوية" أعطيناه في التكليف عندما عمدنا الى تسمية السفير نواف سلام كرئيس مكلف ، ورأينا في التأليف أعطيناه للرئيس اديب بالتالي كل ما يأتي بعد ذلك هو لتضييع الوقت ولتوزيع الحصص ، وهذا معناه أن المعنيين لا يتحملون مسؤولية تشكيل الحكومة بعد نتائج الاستشارات النيابية الملزمة وعلى الرئيس اديب أن يقدم تشكيلة حكومية من أهل الاختصاص ولا يكون اعضاؤها حزبيين كما تنص عليها الورقة الفرنسية التي وافق عليها الجميع في قصر الصنوبر عند لقاء رؤساء الكتل والأحزاب مع الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" الذي قام بمبادرته وبالتالي الحل يكمن في تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين تنقذ البلد من المستنقع اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وتأمين وصول المساعدات الدولية الى لبنان. *انتم لم توافقوا على تسمية مصطفى اديب خلافاً للمبادرة الفرنسية ام أنها لا تلحظ تسمية الرئيس المكلف ؟ _المبادرة لم تتضمن تسمية اديب ولا يجوز لأي دولة أن تسمي الرئيس المكلف، فتسميته جاءت بعد فترة من التشاور بين الأطراف الداخلية وجرت الموافقة عليه من قبل الأكثرية النيابية ، ونحن لم ندخل في هذا البازار بل عمدنا وفقاً لقناعتنا الى تسمية السفير سلام وبالتالي لم يكن اديب مرشح الرئيس الفرنسي رسمياً. *البعض اعتبر المبادرة الفرنسية نوعاً من الوصاية على لبنان تذكر بعهد الانتداب ، فيما البعض الآخر وجد أنها فرصة لمساعدة لبنان على إنقاذ نفسه ورفع الحصار الدولي عنه. فماذا تقول هنا؟ _اذا تحدثنا بالوقائع نقول إن لبنان ليس بخير أبداً وليست لديه القدرة على النهوض بنفسه خاصة لجهة طريقة إدارة البلد في السنوات الأربع الأخيرة وما قبلها ، حيث لم تقدرالطبقة الحاكمة على وقف استنزاف مقدرات البلد المالية والاقتصادية والاجتماعية ولم تحافظ على علاقاته الدولية كما يجب الخ ، وإلا لما كنا وصلنا الى هذا التأزم اليوم نتيجة تحكم مجموعة بالسلطة ، والرئيس "ماكرون" كصديق للبنان جاء وقال إن هناك خطراً يتهدد البلد على شاكلة الصومال في ظلّ ظروف عدّة بدءاً من ثورة 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي وتداعياتها ، ثمّ إنهيار العملة اللبنانية في مقابل الدولار مع خطر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في ظل الفساد والمحاصصة ، لتأتي بعد ذلك جائحة "كورونا" وتزيد الطين بلة ، وأخيراً الانفجار المشؤوم في مرفأ بيروت في 4 آب (اغسطس) وما خلّفه من قتلى وجرحى ودمار وبالتالي كانت المبادرة الفرنسية لوقف النزف الحاصل وتحسين وضع الكهرباء ووقف الفساد وإعادة بناء ما تهدم بعد انفجار المرفأ وما الى ذلك لمنع ما سمّته بعض الدوائر الفرنسيّة "صوملة" لبنان، أي أن يصبح شعباً بلا دولة ومؤسّسات، والدولة ليست ترفاً بل حاجة لاستقرار المجتمعات وبالتالي "ماكرون" لم يحضر إلى بيروت لنزع سلاح حزب الله أو لإطاحة المنظومة السياسيّة الحاكمة كي يتمكّن الحراك أو المعارضة من الدخول إلى الحكم، بل كانت مهمّته منع إنهيار الدولة اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً، خاصة بعدما وصل ارتفاع الدولار في فترة ما الى حوالي 10 آلاف ليرة وتم ونهب أموال الناس، وأدّى انفجار المرفأ إلى تدمير بيروت وقتل نحو 200 شخص وإصابة نحو 6000 آخرين. كما أن الورقة الفرنسية حددت نقاط إعادة النهوض والاصلاحات ، وقال "ماكرون" إنه والمجتمع الدولي جاهزان لمساعدة لبنان اذا ساعد اللبنانيون أنفسهم، وهذا ما وافقت عليه الأطراف السياسية في قصر الصنوبر. واليوم اذا نجح لبنان في تشكيل حكومة توحي بالثقة الداخلية اولاً وبثقة المجتمع الدولي ثانياً يمكن لنا أن نبدأ بالخروج من نفق الموت الى الحياة عبر الجدية في مقاربة معالجة الاقتصاد وعبر الوعي وإدراك أهمية عدم هدر المال العام لإعادة ربط الثقة بالمجتمع الدولي وتحديداً محيطنا العربي، وكل من يماطل في المعالجة ويعرقل الحلول للأزمات او يعتمد منطق المحاصصة يكون مجرماً بحق لبنان.
عقدة التأليف وسكة الحل والوضع الأمني
*هل كنتم صادقين مع أنفسكم عندما أعلنتم سلفاً أنكم لن تشاركوا في أي حكومة طالما طالبتم بحكومة مستقلة من أهل الاختصاص؟ _هذا صحيح ولا نزال نطالب بوقف العرقلة وعملية المحاصصة خاصة وأننا رأينا الى أين وصل البلد نتيجة هذه الممارسات لجهة مستوى معيشة الناس وقلقهم على مدارس أولادهم وعلمهم ومستقبلهم، ولا بد من إفساح المجال لحكومة اختصاصيين تعيد تصويب الأمور لاسيما الجانب المالي والاقتصادي بالاتجاه الصحيح ، والمطلوب من السياسيين تسهيل الأمور وعدم العرقلة والابتعاد عن منطق المحاصصة . *لكن ما يحصل على صعيد التأليف لا يوحي بذلك لأنهم يطالبون بحصص وزارية وحقائب محددة. فهل نحن أمام أزمة تأليف؟ _ هذا صحيح ، ولا بد لكل طرف أن يتحمل مسؤوليته ، وللأسف هناك كثر يتعاطون السياسة بدون اعتبار للمعطى الأخلاقي وكأن السياسة هي فقط لعبة للوصول الى السلطة ومواقع معينة والاحتفاظ بها. فالبلد اليوم يحتاج الى عملية إنقاذ بعدما انهار اقتصاده وصار على مشارف الإفلاس ووصل الدولار الى 10 آلاف ليرة، وبالتالي اذا هذا الوضع لم يجعل الطبقة الحاكمة تملك ذرة وعي وذرة ضمير فلن يبقى هناك بلد ولا مناصب ولا كراسي . وأنا أقول بكل بساطة أن كل ناسنا ومجتمعنا يعيشون المعاناة نفسها والقلق ذاته والخوف على المصير ومستقبل أولادهم ما يتطلب لحظة وعي جماعي ونقول آنذاك إن هذه اللحظة وطنية لبنانية ونعمل على إنقاذ البلد ونعود بعدها الى اللعبة السياسية . فالأمر اليوم يتطلب خطوات إنقاذية .
*وألست خائفاً على البلد من عودة الارهاب إليه بعد حادثتي كفتون وجبل البداوي؟ _صراحة لست خائفاً على عودة الارهاب بل على استمراره لأن الارهاب لم يزل في اي لحظة. فهذه الظاهرة ضربت العالم كله بدءاً من "القاعدة" و"النصرة" و"داعش" الخ ، وهذا فكر دموي إلغائي للآخر والدليل لجوء الارهابيين الى قتل ثلاثة عناصر من شرطة البلدية في كفتون لمجرد السؤال عن هوياتهم والى قتل أربعة عسكريين في جبل البداوي بدون أي وازع. فهذه المجموعات موجودة ولا بد من مواجهتها بمستوى عال من المعلومات الأمنية وعمليات الرصد والمتابعة للقضاء على هذا الفكر الاستبدادي حماية لمجتمعنا ووطننا.