الفرصة التي تحققت في السنوات الماضية بانجاز موازنات الدولة منذ العام 2017 بعد غياب امتد منذ العام 2005، لن تكتمل فصولها في ما خص موازنة 2021، التي كان من المفترض ان تكون قد احيلت، وفق الدستور، الى مجلس النواب لدرسها واقرارها قبل بدء السنة الجديدة، وفي احسن الحالات التصديق عليها قبل نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الذي يجاز فيه الاعتماد على القاعدة الاثني عشرية. وهكذا سيدخل لبنان العام الجديد 2021 من موازنة الدولة مع غياب الحكومة الكاملة الاوصاف التي تستطيع ان تلتئم لاقرار الموازنة واحالتها الى مجلس النواب. وهذا الامر سيضع لبنان في موقف حرج تجاه المجتمع الدولي الذي يرى في اقرار الموازنة احد المداخل الاساسية للاصلاحات المطلوبة... لقد كان المسار الطبيعي للموازنة يقضي بارسالها من وزارة المـــــال الى مجلس الوزراء في شهر آب (اغسطس) من كل عام، على ان يقرها المجلس خلال شهري ايلول (سبتمبر) او تشرين الاول (اكتوبر) ويحيلها الى مجلس النواب لدرسها في لجنة المال والموازنة النيابية ثم اقرارها في الهيئة العامة للمجلس قبل 31 كانون الثاني (يناير) وهي المهلة الاخيرة للانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية. وهذا يعني عمليا ان لبنان باق من دون موازنة للعام 2021 فترة طويلة خصوصا اذا تأخر تشكيل الحكومة الجديدة التي تحتاج الى مهلة شهر لنيل الثقة لتباشر درس مشروع الموازنة مع الاخذ في الاعتبار الاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تواجه البلاد والتي تحدث خللاً كبيراً في الواردات التي تغذي خزينة الدولة!.
لا موازنة في تصريف الاعمال...
ويؤكد خبراء في القانون انه لا يحق للحكومة المستقيلة ارسال الموازنة الى المجلس النيابي، وذلك لان الموازنة "عمل سياسي لا يدخل في اطار تصريف الاعمال" ولو كانت حكومة حسان دياب التي استقالت في شهر آب (اغسطس) الماضي قد ارسلت الموازنة للمجلس النيابي قبل استقالتها لكان درسها المجلس خلال العقد الثاني الذي بدأ في 5 (اكتوبر) تشرين الاول ويتم تخصيص جلساته حسب الدستور لبحث "الموازنة والتصويت عليها قبل اي عمل آخر" ويستمر حتى نهاية العام، اما ان لم تفعل فلا موازنة من دون حكومة جديدة.
وفي حال عدم وصول اي موازنة للمجلس النيابي خلال العقد الثاني سيتم اللجوء الى الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية حتى شهر كانون الثاني (يناير) فقط، اذ تنص المادة 83 من الدستور على انه "اذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية (ديسمبر) كانون الاول لمتابعة درس الموازنة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية". وبعدها وفي حال عدم الانتهاء من الموازنة يتم اقرار قانون تمديد القاعدة الاثني عشرية لمهل محددة.
ومعلوم ان القاعدة الاثني عشرية تقوم على اخذ الاعتمادات المفتوحة في موازنة السنة السابقة وتضاف اليها الاعتمادات الاضافية التي فتحت خلال السنة ذاتها وتطرح منها الاعتمادات الملغاة، ثم يقسم الرصيد الى جزء من 12 فتحصل على نفقات شهر كانون الثاني ( يناير).
.... ولا مساعدات دولية من دون موازنة!
ويعتقد متابعون للعلاقات مع المراجع الديبلوماسية ان تأخر اقرار الموازنة يعني عملياً تأخراً في الحصول على مساعدات من المجتمع الدولي لأن الموازنة تأتي على رأس سلم الاصلاحات المطلوبة من لبنان للحصول على مساعدات من الدول الداعمة للبنان، فضلا عن ان صندوق النقد الدولي لن يتجاوب مع لبنان من دون وجود موازنة واضحة. ويضيف المتابعون ان لبنان لم يعد يحتمل اي تأخر فالتدهور الاقتصادي بات يحسب بالساعة وليس بالايام وذلك لأن لبنان بات يعاني ازمة سيولة بالليرة والدولار بعدما عمل مصرف لبنان على احتواء تدهور وضع الليرة عبر تقنين ضخها في السوق، فضلاً عن تلاشي احتياط مصرف لبنان، ما يعني اقتراب رفع الدعم عن السلع الاساسية ( قمح دواء ومحروقات) والتي يؤمن الدولار استيرادها على اساس السعر الرسمي 1515 وكل هذا سيؤدي الى ارتفاع غير مسبوق بنسب التضخم وتراجع القدرة الشرائية، ما ينذر بانهيار اجتماعي ليس فقط اقتصادياً، اذ لم يعد في لبنان مقومات بقاء الدولة.
وازاء هذا الواقع، يؤكد المتابعون على ضرورة وضع خطة اقتصادية والموازنة العامة هي اساس هذه الخطة في اي بلد في العالم ما يفرض الاسراع في تشكيل حكومة تضع هذه الخطة وتكون قادرة على ان تأتي باموال من الخارج وتفرج عن المساعدات وتوقع مع صندوق النقد الدولي فلبنان فقد رفاهية الوقت منذ اشهر.
ويرى المتابعون انه ليس من الصعب اعداد الموازنة في حال كانت هناك حكومة لديها النية بانقاذ لبنان، فالامر يتطلب الرغبة في العمل وفي انقاذ لبنان وليس وقتاً، علماً بأن الموازنة يجب ان تتضمن بنوداً اساسية تتعلق باصلاح قطاع الكهرباء ووقف التوظيف في القطاع العام، واصلاح انظمة الضمان والتقاعد واعادة جدولة الدين العام لخفض العجز.