بقلم المهندس خالد عوض
هناك مشكلة تمويل حقيقية للخزينة اللبنانية، ورغم المعادلة السحرية والناجحة التي يعتمدها مصرف لبنان في تحديد المخاطر المترتبة من تمويل الدولة اللبنانية، فإن مؤسسات التصنيف الدولية وبالتالي الأسواق المالية والجهات المانحة لم تعد تتعاطى بالإيجابية نفسها مع معادلة البنك المركزي اللبناني. تقول المعادلة انه طالما ان الزيادة في الودائع المصرفية تتجاوز ثلاثة أضعاف مجموع العجز السنوي في الموازنة، فإن نسبة الملاءة المصرفية تبرر للبنوك اللبنانية شراء سندات الخزينة التي تصدرها وزارة المالية. المشكلة ليست في المعادلة نفسها بل هي متعلقة بعدة أمور لا يمكن التغاضي عنها إبتداء من 2015، وهي الآتية:
1- لا موازنة في البلد منذ عام 2005. مع 2015، يكون البلد قد تعايش لمدة عشر سنوات مع ما يسمى بالإنفاق الإثني عشري وسلفات الخزينة. مهما تمكنت المصارف من جذب ودائع جديدة إلا ان إقراضها الدولة من دون وجود موازنة أمر لم يعد يستحبه المجتمع المالي الدولي. وغياب الموازنة هو أحد الأسباب المهمة التي لا يحصل لبنان بسببها على ما وُعد به من مساعدات لإيوائه حوالى مليوني نازح سوري.
2 - ليس بإستطاعة مصرف لبنان شراء سندات الخزينة إلى ما لا نهاية. لقد فعل ذلك في السنتين الماضيتين ليلجم الفوائد ولكنه لن يقدر على الإستمرار في هذا النهج في ظل تنامي الكتلة النقدية في الأسواق وتزايد خطر التضخم الذي يمكن ان يؤدي إلى تراجع سعر صرف الليرة. الأهم من ذلك ان النظرة المالية الدولية وخاصة من صندوق النقد إلى مصرف لبنان ستتحول إلى سلبية إذا تمادى في تمويل الحكومة وأصبحت حصته من سندات الخزينة تزيد عن نسبة معينة من واردات الدولة.
3 - المعروف ان التصنيف الإئتماني للمصارف المحلية يتبع تصنيف الدولة التي هي فيها ولا يمكن ان يكون أفضل منه. وبما ان تصنيف الدولة اللبنانية تراجع مؤخراً (<مودي> خفضت تصنيف سندات الخزينة من ب١ الى ب٢) فقد تراجع معه بعد يومين مباشرة تصنيف البنوك الثلاثة الأولى إلى ب٢ ويمكن ان ينخفض أكثر إذا اقدمت على شراء مزيد من سندات الخزينة أي أمعنت في تمويل الدولة. هذا الأمر يضر جدياً بالمصارف اللبنانية خاصة انها تسعى إلى التوسع في أسواق جديدة كما انها تريد جذب المزيد من الودائع.
4 - نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي عادت إلى الارتفاع في الثلاث سنوات الأخيرة. ورغم وجود بعض الغموض في تحديد الناتج المحلي الحقيقي للبلد (الرقم يتراوح بين 45 و 48 مليار دولار)، فإن النسبة ستقترب من 150 بالمئة في 2015 خاصة في ظل غياب نمو إقتصادي فعلي. وبالنظر إلى ما يحصل في اليونان حيث تجاوزت النسبة مؤخراً 160 بالمئة وحيث هناك صعوبة في الحصول على المزيد من الديون من دون رزمات تقشفية جديدة مما خلق أزمة سياسية داخلية، لم يعد بإمكان لبنان الاستدانة بفوائد أقل من 7 بالمئة قبل إتمام إصلاحات مالية جذرية منها الرزمة الضريبية الجديدة التي أعدها وزير المال علي حسن خليل.
5 - عدم الإتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لا يساعد في الحصول على التمويل. ليس ذلك بسبب صلاحيات الرئيس بل لأن الفشل في انتخابه يعكس دخول الانقسام السياسي الحاد في البلد إلى صلب مؤسسات الدولة من باب المجلس النيابي. وكان غياب الرئيس عاملاً مهماً في تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان من قبل مؤسسة <مودي>.
هناك بعض الإيجابية رغم النظرة السوداوية العامة إلى المالية اللبنانية:
1 - لا بد من المبادرة إلى استعادة مئات ملايين الدولارات التي يقضمها الفساد من الخزينة بشتى الطرق لتوفير بعض المداخيل وتخفيف العجز. هذا ما بدأنا نشهده في وزارة المال ودوائرها المختلفة. المهم ان لا يكون ذلك فولكلورياً.
2 - تراجع الفاتورة النفطية سيساعد كثيراً في لجم العجز إذ يمكن توفير ما يزيد عن 800 مليون دولار سنوياً إذا استقرت أسعار النفط على مستوى 60 دولار للبرميل.
3 - هناك مساعٍ جدية لتحرير مراسيم النفط وهذا الأمر يمكن ان يحسن النظرة المستقبلية إلى لبنان رغم الخسارة المحتملة في المداخيل التي كانت متوقعة بسبب انخفاض أسعار الغاز والنفط.
لم يعد انتخاب رئيس للجمهورية مهماً فقط للحفاظ على الشكل المؤسساتي والميثاقية الطائفية في البلد، بل أصبح يشكل إشارة رئيسة إلى الاستقرار السياسي وقدرة المجلس النيابي على الاتفاق حول مصير لبنان. باختصار، إذا اجتازت الحكومة قطوع التمويل في عام 2015، فإنها بالتأكيد لن تتمكن من الحصول على أي تمويل بعد ذلك في ظل غياب رئيس ماروني للجمهورية اللبنانية. الكلمة الفعلية ستكون للبنوك اللبنانية وليست لهذا الفريق السياسي أو ذاك أو حتى لهذه الجهة الإقليمية أو تلك.