تفاصيل الخبر

عبــد الحميــد كرامــي وضــع الحــدود لـرئيس الجمهوريـــة  

03/08/2017
عبــد الحميــد كرامــي وضــع الحــدود لـرئيس الجمهوريـــة   

عبــد الحميــد كرامــي وضــع الحــدود لـرئيس الجمهوريـــة  

بقلم وليد عوض

2--B 

يقول المثل الفرنسي <السلطة تستنزف صاحبها>. وكلما ذهب الحاكم بعيداً في السلطة، كلما تعرضت أجنحته للاهتزاز. وإن انطبق هذا المثل على بعض الحكام، فهو لا ينطبق على الرئيس سعد الحريري، لأنه يعرف كيف يعالج مسألة الوقت، خصوصاً إذا كان على تفاهم واسع مع رئيس الجمهورية كما حال الرئيس الحريري الآن، وكان من كواكب عيد الجيش يوم الثلاثاء الماضي.

من قديم الزمان ورئيس الوزراء في لبنان تحت رحمة عاملين اثنين: سلطة رئيس الجمهورية وسلطة قائد الجيش. وقد كان الرئيس صائب سلام من أقوى رؤساء حكومات عصره. كانت كلمته التي كان يدلي بها من السراي الحكومي، أو من شرفة منزله في المصيطبة، تكفي لترتيب الأوضاع ولإصلاح المواقف ولإعادة  الأمور الى طبيعتها. ولكنه إذا اختلف مع رئيس الجمهورية بشارة الخوري واكتشف أن الحبال شبه مقطوعة كان واحد من مساعدي الرئيس بشارة الخوري يستطيع أن ينسق العلاقات بين صاحب السلطة الرئاسية وصاحب السلطة التشريعية.

وكان هذا الأمر ينطبق على الشيخ سليم الخوري شقيق رئيس الجمهورية، وسمي لذلك باسم: <دولة الشيخ سليم>.

كان الشيخ سليم الخوري صاحب شخصية مهابة وذكاء لافت، بحيث كان أحياناً أقوى من الحواجز ومن البروتوكول، وعندما كبر حجمه، وتوسع نفوذه، على حساب شخصية رئيس الجمهورية لم يكن أمامه سوى الانكفاء.

ومع الزعيم عبد الحميد كرامي تناطح الثوران: ثور رئاسة الجمهورية وثور السراي الحكومي، نتيجة لتدخل الشيخ خليل الخوري ابن رئيس الجمهورية في موضوع موظف سراي صيدا الذي رفض بحكم القانون أن يرد ملكية أحد العقارات الى السلطة التركية، فيما لم يكن القانون في صف هذه القضية، وعبثاً حاول الشيخ خليل إقناع رئيس الوزراء في مقابلة داخل السراي  بنقل الموظف المتمسك بضميره المهني. وكانت هذه القضية واحدة من الأسباب التي جعلت عبد الحميد كرامي يزهد في السلطة ويختار المعارضة.

وقد تجلّت هذه المعارضة بأسمى معانيها على أبواب صوفر، حيث كان للمعارضين ضد الشيخ بشارة اجتماع حاسم لمنعه من تجديد الولاية. فقد تصدى لزعيم طرابلس ورئيس الوزراء حاجز أمني برئاسة ضابط من آل الدويهي، الجناح الآخر في زغرتا مقابل جناح آل فرنجية، فقال لعبد الحميد كرامي بمنتهى الصراحة:

- يا أفندي .. وظيفتي هنا بين يديك، إذا كسرت القرار وتمكنت من الذهاب الى اجتماع المعارضة، ادفع أنا الثمن من وظيفتي. وإذا تفاهمنا على الموضوع وعدت أدراجك مع جلال قدرك، أضمن لي ولعائلتي مستقبلاً وظيفياً سعيداً: فأين سيكون قرارك يا أفندي؟!

والأفندي  في اللغة التركية يتقدم على باقي الألقاب، فكانت ردة فعل عبد الحميد كرامي بعد طول تفكير هي الوسيلة لمنع الصدام بين عائلة الدويهي ورئيس وزراء لبنان.. وما اعترى أوضاع الرئيس عبد الحميد كرامي لم ينسحب على رئيس الوزراء الجديد سعدي المنلا صاحب سوق الزيت والصابون في طرابلس. ولم تستقم السلطة بعدئذٍ إلا لرئيس الوزراء الجديد.

ومن دواعي المصارحة أن نذكر للرئيس إميل إده بعد مرحلة ما قبل الاستقلال أن تحدى المفوض الفرنسي <هنري بونسو> وطرح اسم رئيس مجلس النواب الشيخ محمد الجسر رئيساً للجمهورية سنة 1941، لكن <بونسو> أقام الدنيا وأقعدها لأن قراراً مثل هذا صادر عن سلطة غير سلطته، ولأن رئيس الجمهورية المسلم لم يكن حاضراً في الصورة يومئذ، وكانت التسوية باختيار الدكتور ايوب تابت رئيساً للدولة.

ومن دواعي المصارحة كذلك أن يرفض قائد الجيش آنذاك اللواء فؤاد شهاب أمر رئيس الجمهورية كميل شمعون بدخول الجيش الى البسطة صيف 1958، لأن الجيش هو لكل الوطن لا مع فئة من اللبنانيين.

لو انعكست الآية، تصوروا كيف سيكون وضع لبنان برئيس جمهورية مسلم، ورئيس وزراء مسيحي؟!

-وقد عانى الرئيس سامي الصلح من الفجوة السياسية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ما دفعه الى الخروج أمام الصحافيين ليقول: إن رئيس الوزراء ليس أكثر من <باشكاتب>!

وكلمة <باشكاتب> كانت كافية لإثارة النعرة الطائفية لدى المسلمين السنّة. وبعدما قال سامي الصلح هذه الكلمة صغر حجم أي شخصية سنية يعهد إليها مجلس النواب برئاسة الوزراء. وقد أدرك الرئيس كميل شمعون وهو خارج الحكم هذه الحقيقة فامتنع عن حضور جلسة الثقة البرلمانية المطلوبة للرئيس أمين الحافظ عام 1975، قبل أن تنتقل السلطة الى الرئيس رشيد الصلح، ثم الى الرئيس تقي الدين الصلح. وقد أراد كميل شمعون أن يتوب الى الله سياسياً، وهو نزيل مستشفى <أوتيل ديو> فأوعز الى صديقه الوزير جوزف الهاشم سنة 1987 أن ينسق مع رئيس بلدية طرابلس العميد سمير شعراني نيابة عن الرئيس رشيد كرامي في مشروع تصحيح مقام رئاسة الحكومة، وهو المشروع الذي جرى على أساسه بناء اتفاق الطائف!

كان الأمر يحتاج الى رجل وتضحية. كان الرجل هو كميل شمعون ومنه أيضاً جاءت التضحية وصولاً الى اتفاق الطائف عام 1989.

والطائفتان: المسيحية والإسلامية هما الآن في خندق واحد ضد الإرهاب. الدولة تحارب بالاتفاقات الدولية مثل القرار 1701 أمام اسرائيل، والهيئات الشعبية، ومنها حزب الله، تحارب بالسلاح الذي هو الحق في الدفاع عن النفس، وطرد المحتل الاسرائيلي من البقع التي يحتلها بقوة السلاح، مثل مزارع شبعا. وفي هذه الدوامة يعيش لبنان أزمته بعد انتخاب الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> لرئاسة البيت الأبيض، والاتفاق بين كل الاطراف على محاربة الشر الاسرائيلي، والشر الإرهابي الممثل الآن في جبهة <النصرة>، هو عطاء من الرب على طريق الوصول الى دولة عادلة مستكملة القوة والاعتبارات!

وعن هذه الدولة ذهب الرئيس سعد الحريري الى واشنطن مدافعاً بسلاحين: السلاح الأول وجود جسم لبناني واحد ضد الشر الإرهابي على الحدود الشرقية مع الالتفاف حول الجيش، والثاني وضع كل إمكانات الدول الصديقة في تصرف الجيش اللبناني وقائده الجديد العماد جوزف عون، بحيث يكون لدى هذا الجيش مطلق التصرف في الدفاع عن النفس وسد فجوات الشر الإرهابي الآتي من الحدود التركية، والحدود الأوروبية، فتكون هناك وحدة سلاح للبنان، وذخيرة لا تنضب.

1-Aسلاح حزب الله

 

والشاهد في حالة التهدئة التي يعيشها اللبنانيون الآن في منطقة مترعة بالمصادمات ورائحة البارود، هو قناعة اللبنانيين أن سلاح حزب الله يتحرك الآن في الأطراف الجغرافية الشمالية والوسطى، دون اعتراض من أحد، اللهم إلا ما رأته السلطات الكويتية من دعوة  مصالحة وتفاهم بين قطر وبلدان الخليج العربي وصولاً الى ترتيب تقنع قطر بموجبه بأن أسلوب النار والدخان يمكن اعتماده في حرب التحرير، وفي رد العاديات عن حدود مجلس التعاون الخليجي ومصر. وما عدا ذلك فإن السائد الآن في المنطقة هو حرب التهدئة والوحدة الداخلية وورش الاستثمار والدعم العسكري. وخلال أيام تكون لقائد الجيش العماد جوزف عون لقاءات في واشنطن مع رؤساء مؤسسات عسكرية من شأن التعاون معها أن تزود لبنان بأحدث الأسلحة التكنولوجية، طبعاً ما عدا الصواريخ الأميركية عابرة القارات، حتى لا يأتي الاحتجاج من اسرائيل، التي تحب أن تتحرك ظاهرياً من خلال القرارات الدولية، وهذا ما يطلبه الآن الرئيس سعد الحريري في جولته الأميركية.

 

عاصفة من سمير جعجع!

 

لم يسلم الحريري حتى من أقرب الحلفاء وهو رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي طلب أن يمضي رئيس وزراء لبنان في تثبيت دعائم الدولة القوية، معتبراً أن حزب الله موجود وبالشكل الذي هو فيه يؤخر قيام دولة فعلية، بل من سابع المستحيلات أن تقوم مثل هذه الدولة ما دام حزب الله متمدداً سارحاً على هذا النحو، وهو يقول صراحة أن أي سلاح يفتح النار خارج الدولة هو تهديد للدولة، هذا ما يتعين على مجلس الوزراء أن يتفهمه وهو يواجه الدعوة الكويتية للبنان الى تصحيح وضعه الأمني، خصوصاً وأن السلاح المشهور ضد جبهة <النصرة> محسوب وكأنه دفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد. ومن حق النظام الكويتي أن يدافع عن سياسة محاصرة حزب الله، ويعرف منذ الآن أين سيتجه مسلحو <النصرة> مع عائلاتهم بعد ثبوت الهدنة. هل يتجهون الى إدلب كما أشاعت آخر الأخبار، أم يتجهون الى تركيا كما يطالب أبو مالك التلي، وأن الوسيط المتفق عليه مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يقود المفاوضات بشكل مدروس وذكي لضمان  نجاح المفاوضات. ولا تزال الحكومة الكويتية تنتظر عودة الرئيس سعد الحريري الخارجية لينعقد مجلس الوزراء، والرئيس الحريري الذي يجب أن تسير أموره بالبساطة والهدوء، قد يعقد جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء أو يرجئها أياماً؟

وتتمنى الحكومة الكويتية أن تنطلق الحلول اللبنانية من التوفيق بين الأجواء اللبنانية وبين مقررات مجلس التعاون الخليجي، ووضع حد لمشكلة النازحين السوريين الذين يزيد عددهم في لبنان على مليون ونصف المليون نسمة، وإعلان وزير الخارجية جبران باسيل عدم ربط النازحين بأي واحد من الحلول الموصوفة لعودتهم الى قراهم وبلداتهم، ولا يريد إثارة أزمة بين لبنان وسوريا.

وليس في الوارد الآن أن يقوم صراع في لبنان بسبب النازحين السوريين وتوزيعهم في قراهم وبلداتهم، وسوف تتألف لجان لبنانية سورية لتأمين طرق عودة النازحين السوريين وعدم اعتبار نقلهم من لبنان مشكلة ما دام الجهد الذي تبذله <سيغريد كاغ> مندوبة الأمم المتحدة في لبنان وسفيرة الاتحاد الأوروبي <كريستينا لاسن> وهما على اتصال بدوائرهما، وتنسيق مع وزارة الخارجية اللبنانية في التدابير المطلوبة لهذا النقل.

وهذا يعني بالكامل أن النازحين السوريين مشكلة قابلة للحل وليس ... للانفجار!