لا تُشبه مجالس ذكرى عاشوراء هذه السنة عند الطائفة الشيعيّة في لبنان أي من السنوات الماضية، إذ ان هاجس التفجيرات والانتحاريين هو المسيطر الاكبر على تلك المجالس وسط انتشار أمني كثيف لكافة الأجهزة الأمنية الرسمية كما يواكبها بهذا الانتشار كل من حزب الله وحركة <أمل> وهذا ما يبدو جلياً على ارض الواقع وتحديداً في كل من الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع وعدد من المناطق ذات الاغلبية الشيعية.
ماذا تعني عاشوراء؟
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء ويصادف اليوم الذي قتل فيه الإمام الحسين بن علي حفيد النبي محمد في معركة كربلاء ويعتبره الشيعة يوم عزاء وحزن. ومن الشعائر التي يقوم بها الشيعة الاثني عشرية في جميع أنحاء العالم وخاصة في كربلاء، زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة سيرته والبكاء واللطم على الوجه تعبيراً عن حزنهم على الواقعة.
قلق في الضاحية الجنوبية
هو هاجس الموت والقتل الذي يفرض نفسه على أبناء الطائفة الشيعية في لبنان وتحديداً خلال هذه الفترة حيث المجالس العاشورائية معرّضة هذه السنة لاعتداءات على أيد <تكفيريين>، وذلك بحسب المعلومات التي يمتلكها حزب الله والتي اضطرته إلى اتخاذ أقصى درجــــــات الحيطة والحــــذر، وهذا ما يــــُلاحظ من خلال الاستنفار الكثيف والمتواصل الذي تقوم به عناصره داخل جميع المناطق التي تخضع لسيطرته التامة وعند أطرافها الأمر الذي أدّى إلى إثارة الذعر والرعب في نفوس الأهالي والوافدين لحضور المجالس اليومية.
يكفي أن تتجول خلال هذه الفترة داخل أحياء وشوارع الضاحية الجنوبية حتّى يتبيّن لك مدى الخوف الذي يُسيطر على السُكّان. رحلة البحث عن الخوف في وجوه الناس تبدأ من منطقة بئر العبد مروراً بصفير وأطراف حارة حريك والرويس باتجاه حي الأميركان مروراً بمحاذاة مجمع القائم وصولاً إلى حي السُلّم، الكفاءات وصحراء الشويفات. عناصر حزب الله بسلاحهم الكامل ينتشرون بكثافة بين الأزقة والاحياء. البعض يتحدث عن معلومات موثقة تفيد بأن سيارات مفخخة يمكن ان يتم تفجيرها في الضاحية. ويتحدث هؤلاء عن سيارات رباعية الدفع مفخخة منها <غراند شيروكي> سوداء اللون وعن انتحاريين مزنرين بأحزمة ناسفة يمكن ان يفجروا أنفسهم بين الجموع او داخل مراكز إحياء ذكرى عاشوراء.
ترقب وحذر
هي من المرّات القليلة التي يعيش فيها لبنان هذا الهاجس الأمني. فقبل اسبوعين تقريباً من بدء اليوم الاول من عاشوراء بدأت الأجهزة الأمنية الرسمية بالانتشار الأمني في معظم المناطق اللبنانية وتحديداً تلك المعنية بإقامة مراسم عاشوراء مثل الضاحية والجنوب والبقاع، اضافة الى عدد من المناطق في العاصمة بيروت مثل البسطا، النويري، خندق الغميق وغيرها من المناطق التي يوجد فيها محسوبون على حزب الله و<أمل>. وفي المعلومات ان الحزب وحده قام بنشر ما يقارب الخمسة آلاف عنصر في مناطقه كافة وذلك عقب تبلّغه معلومات عن نية جهات قال إنها <تكفيرية> يمكن ان تقوم بعمليات انتحارية داخل التجمعات العاشورائية، وتحديداً خلال اليوم الاخير للذكرى، الذي يُعرف بـ <الفلّة>، الأمر الذي ترك إرباكاً داخل الحزب، فاضطر إلى وضع آلاف خطوط الاتصالات في خدمة عناصره الأمنية المنتشرة للتواصل في ما بينها للتبليغ عند الحاجة.
وفي معلومات خاصة ان الأجهزة الأمنية والحزب تبلغوا من جهات أمنية اقليمية تقارير تفيد بأن افراداً ينتمون الى جهات <تكفيرية> يفوق عددهم العشرة أشخاص ينوون القيام بأعمال ارهابية داخل تجمعات عاشورائية وتحديداً في النبطية والضاحية الجنوبية وان مخابرات الجيش قد ألقت القبض على بعض هذه العناصر وهؤلاء يخضعون لتحقيقات مكثفة، خصوصاً وان بعضهم قد اعترف بانتمائه الى شبكات ارهابيـــة هدفها زعزعــــة أمن البلد وإذكاء الفتنــــة المذهبيــــــة.
الأمن بين الذعر والاحتياطات اللازمة
استفسارات عديدة وأسئلة متنوعة يمكن قراءتها في عيون الناس عن المستفيد من إذكاء الفتنة المذهبية من خلال امكانية استهداف مجالس عاشوراء. يقول أحد المسؤولين الأمنيين في حركة <أمل> في منطقة الشياح <بالتأكيد هناك خوف دائم من دخول أي طرف على خط الفتنة المذهبية لكن هذا الأمر لم يُشكل لنا أو لبيئتنا ذعراً أو خوفاً إذ يكفي ان نتخذ بعض الإحتياطات اللازمة والباقي على الله>. ويكرر المسؤول عينه اكثر من مرة ان من يرد ان يقوم بأعمال كهذه هو بالطبع ليس مسلماً ولا حتى انساناً والحمد لله على ان رجال الدين المسلمين في غالبيتهم هم مع نبذ الفتنة ويد واحدة من أجل نبذ التطرف الذي يصدر إلينا تحت رايات وحجج متعددة.
في المقابل فإن كلام المسؤول في <أمل> حول الاحتياطات الأمنية لا مكان له على الأطلاق في معجم عناصر حزب الله الذين يتوزعون بين المباني والأحياء في مناطق أخرى في الضاحية، فهؤلاء يرون ان الاحتياطات الأمنية التي يقومون بها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الرسمية جميعها تقع في خانة حصر الأضرار في حال وقوع المحظور لا سمح الله. ويكشف هؤلاء ايضاً عن معلومات مؤكدة تقول بوجود شخصين على الأقل ينويان تفجير نفسيهما داخل إحدى المجالس العاشورائية، وأسماهما والجهة التي تقف خلفهما باتت معروفة والحزب وضعها في عهدة الدولة اللبنانية.
خديجة حميد
خلال اليوم الاول من عاشوراء برزت مجموعة أسماء بقيت سرية لدى بعض الأجهزة الأمنية وجهاز أمن حزب الله ينوون القيام بأعمال ارهابية وقد برز منها اسم خديجة عبد الكريم حميد والدتها نفيسة وهي من مواليد عام 1990 رقم سجلها 70 عرسال. قيل انها سوف تدخل الضاحية الجنوبية من أحد أبوابها ترتدي <التشادور> وتزنر نفسها بحزام ناسف، وهي بصدد القيام بعملية انتحارية داخل احدى الحسينيات او التجمعات العاشورائية او حتى بين الناس في حال تعذر عليها الوصول الى مكانها المحدد. وقد علمت <الأفكار> ان جهاز الامن العام هو من رصد تحرك هذه السيدة وقام بإبلاغ الجهات الأمنية كافة بضرورة التنبه واتخاذ أقصى تدابير الحيطة وضرورة القيام بإجراءات وقائية لمنعها من تنفيذ مخططها.
وفي وقت لاحق، عممت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لسيدة قيل انها تعود لخديجة حميد، كما سرت معلومات تقول ان جهاز أمن حزب الله تمكن من إلقاء القبض عليها في منطقة قريبة من الضاحية لكن الحزب لم يصدر توضيحاً حول الموضوع. وما بات معلوماً ان لخديجة شقيقاً وعماً كانا قد قتلا منذ فترة قريبة أثناء اعتدائهما على دورية للجيش اللبناني في عرسال.
النبطية.. فرضيتان لإحياء المناسبة
هذا في ما خص الضاحية الجنوبية، اما في ما يتعلق بأمن بلدة النبطية فقد علمت <الافكار> ان مجموعة من الاحتياطات قد جرى اتخاذها لحماية أمن البلدة خصوصاً وان لهذه البلدة خصوصية لجهة التقاليد التي تتبعها في ذكرى إحياء مناسبة عاشوراء وتحديداً خلال اليوم العاشر. وفي إطار تشديد الإجراءات الأمنية في المدينة تم اتخاذ قرار بعد اجتماع أمني موسع برئاسة محافظ النبطية القاضي محمود المولى يقضي باتباع فرضيتين تتمحور الاولى حول بقاء المسيرات الحسينية طوال الليالي العاشورائية العشر على حالها كما في كل عام، حيث تجوب الشوارع المحيطة بساحة المدينة الرئيسية وصولاً إلى النادي الحسيني، من دون أي تعديل يذكر على مسارها. بينما تقتضي الثانية ان تختصر المسيرات انطلاقاً من النادي الحسيني مروراً في ساحة مسجد الإمام الحسين بن علي قبل عودتها إلى النادي الحسيني، حيث يحتفل بمجلس العزاء المركزي حصراً لبقائها في رقعة جغرافية ضيقة تسهل مراقبتها حفاظاً على أمن المشاركين فيها وسلامتهم. وقد رجحت المصادر حصول الفرضية الثانية على موافقة المعنيين كافة وفي طليعتهم حزب الله وحركة <أمل> و إمام مدينة النبطية الشيخ عبد الحسين صادق ولجنة عاشوراء وفعاليات المدينة.
<أمل> وحزب الله:
لعدم إثارة النعرات المذهبية
وفي خطوة منهما لعدم الانزلاق نحو الفتنة المذهبية خصوصاً في ظل الوضع القائم قامت قيادتا حزب الله وحركة <أمل> بسلسلة خطوات وإجراءات ميدانية في الضاحية والجنوب والبقاع ومدينة صيدا وذلك لمواكبة الاحتفالات العاشورائية تحسباً لأي عمل أمني قد يستهدف تلك الاحتفالات. وقد وضعت ترتيبات استثنائية بدأ تنفيذها بالتعاون مع القوى العسكرية والأمنية وشرطة البلديات لضبط حركة الدخول والخروج، نظراً الى الوضع الأمني الدقيق والخطير. وقد عممت القيادتان على المناصرين بمنع وضع رايات وشعارات عاشورائية وبث تسجيلات لخطابات دينية خارج المنازل أو التجوال بها خارج نطاق جغرافيا الاحتفالات، بالإضافة الى التشديد على ان تكون خطابات المناسبة تتمحور حول توحيد الصف والابتعاد عن المواقف المتشنجة والتصعيدية.
<التطبير> بين الرفض والقبول
هذا في الشق الأمني والسياسي، اما في الشق العقائدي والشعائري فهناك من يرى بضرورة عدم اللجوء الى ممارسة شعائر <التطبير> (شج الرأس) وضرب الجسد بالسلاسل المعدنية هذا العام، لكن يبقى هذا الأمر موضع أخذٍ ورد بين علماء الشيعة انفسهم اذ ان منهم من يرى بحرمة هذه الافعال بينما يراها البعض الآخر حلالاً طالما لا توجد نصوص تُحرمها.
بحسون: <التطبير>
مباح ولا شبهة فيه
الشيخ علي بحسون المدير الإداري لهيئة التبليغ الديني في المجلس الشيعي الأعلى يؤكد خلال حديثه على جواز <التطبير> لأن القواعد العامة برأيه في الفقه الإسلامي وخصوصاً في الفقه الشيعي <كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، و<التطبير> يجري في السياق الطبيعي لهذه القواعد العامة في الفقه>. فعندما نريد أن نقول أن <التطبير> حرام، لا بد ان يكون عندنا دليل واضح ومقنع لجواز الخروج عن هذه القواعد العامة للفقه، فنحن عندما نريد أن ندخل في حالة <التطبير>، فالعنوان الأولي انه مباح ولا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه. وحين نأتي بعناوين طارئة على حالة <التطبير> لا بد أن تكون مستندة الى دليل شرعي يرضاه رسوله وأهل البيت. أما اذا لم يستند هذا العنوان الى دليل شرعي فهو محل أخذ وجدل>.
أما بالنسبة الى موضوع إيذاء النفس، يقول الشيخ بحسون: ليس كل ايذاء للنفس حراماً في الشرع الإسلامي لأن الأذية من الأفعال الاختيارية التي لها وجه يجعلها مباحة ومستحبة ووجه يجعلها مكروهة بل محرمة. وحتى لو وصل الوضع الى القتل، فهو ممدوح اذا كانت غايته الدفاع عن النفس أو قتال العدو أو الغايات التي جعلها الشرع الأقدس. أما اذا كان قتل النفس من دون سبب، تكون هذه الأذية مذمومة ومحرّمة، ويُعتبر فاعلها منتحراً اذا قتل نفسه أو قتل الآخرين، معتبراً ان العالم كله لو اضطلع على خلفية فعل <التطبير> عند الشيعة لشجعهم على فعل هذا، لأنه يعبر عن أرقى حالات العاطفة الجياشة نحو حبّ سيد الشهداء الإمام الحسين. الدكتاتورية والاستبداد هي من الأمور الإجرامية البغيضة فكيف اذا كان الاستبداد على الرأي.
طالب: <التطبير> أمر طارئ على التشيع
من جهته اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد طالب ان موضوع <التطبير> هو أمر طارىء على التشيع وهو من بداية العهد الصفوي، وهذا الأمر لم يكن معهوداً في زمن أهل البيت. ففي العهد الصفوي في ايران كان هناك وزير لشؤون إحياء المناسبات الدينية وأتى بهذه الظاهرة حين ذهب الى أوروبا الشرقية حيث كان هناك مسيحيون أورثوذكس من الذين يمارسون هذا النوع في الطقوس في ذكرى صلب السيد المسيح حيث كانوا يضربون رؤوسهم ويجلدون أنفسهم، فجاء بهذه العادات معه الى ايران الصفوية وطلب من الناس أن يحيوا ذكرى عاشوراء بهذه الطريقة.
وتابع: فعلاً لم يأتِ نص في حرمة أو وجوب <التطبير> بل تُرك أمراً مباحاً والأخير يشترط فيه عادة أن لا يتسبب بضرر وأن لا يكون هناك أمر ينقض هذه الإباحة، والذين يقومون بهذه الممارسات انما يقومون بها حباً بالإمام الحسين ومن حرم هذه الظاهرة وجد أن فيها ما يسيء الى سمعة المذهب والى صورته. فالمشكلة في التشخيص وليس في أصل العمل، وكلا الطرفين معذور أمام الله لأن خلفية <التطبير> هي شيء بين الإنسان وبين الله وأي أمر يجب أن نقوم به يجب أن يكون نابعاً من جزع وليس من استعراض.
واعتبر ان طريقة <التطبير> التي تحصل اليوم تحتاج الى توجيه من قبل المشايخ لأن الأمر أصبح أشبه بشيء استعراضي، والكثيرون ممن يقومون بـ<التطبير> لا يصلون ويشربون الخمر. وهذا بالتالي لا يمكن أن يمثل <تطبيراً> بالشكل الذي يمثّل حالة الجزع على الحسين. اما بالنسبة الى <تطبير> الاطفال، فرأى طالب أنه لا ولاية للأب يستطيع من خلالها أن يجرح رضيعاً أو طفلاً غير واعٍ بل يجب تربيته لحظة بلحظة على حب الحسين وعلى تعاليمه ومبادئه وقيمه وأخلاقه بالكلمة الطيبة والإرشاد الطيب.
من رسالة شمس الدين للشيعة
من المعروف ان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين كان قد توجه خلال حياته الى شيعة لبنان برسالة حضهم فيها، على اعتبار لبنان وطناً نهائياً لهم واحترام الآخرين وضرورة اعتبارهم خطاب التشيع وخطاب الحسين وخطاب عاشوراء، هو خطاب العيش المشترك في لبنان لا بلقلقة اللسان والشعارات الجوفاء، بل بالعيش الواحد الذي يقوم على ثوابت الكيان اللبناني وثوابت الدولة والمجتمع في لبنان وثوابت العيش الواحد الذي يعترف للآخرين بكرامتهم وبحريتهم وبثقافتهم وبكياناتهم الداخلية. وقد قال لهم: <لا تجعلوا الحسين ولا تجعلوا المقاومة حجراً تلقمون به أفواه الآخرين أو ترجمون به الآخرين أو تخضعون به الآخرين أو تحاربون به الآخرين>.
وشدد الراحل انه على الشيعة أن لا يكونوا مصدر خوف، بل ينبغي أن يكونوا مركزاً للأمان، وكونهم أكثر عدداً في لبنان، فهذا لا يعطيهم امتيازاً على السنة أو على الموارنة أو على الروم أو على الطوائف قليلة العدد، وعلى ان يكون الشيعة مندمجين ومقبولين من مجتمعهم بشكل كامل.
هل يطل نصر الله شخصياً هذا العام؟
في كل عام يتداعى الشيعة في لبنان وتحديداً خلال اليوم الاخير من شهر محرم الى إحياء مسيرات راجلة في معظم المناطق وهناك من يراهن هذا العام على ان تملأ الحشود كل الشوارع والساحات كتعبير عن حبهما للحسين ورفضهما للتهديدات التي تطاولهم في كل عام. أما الخوف من القيام بعمل ارهابي غير محسوب يقول احد شبان الضاحية <سوف ننزل هذا العام مع أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وسوف نملأ الساحات كلها خصوصاً اذ ما تحدثت المعلومات حول نية الامين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله المشاركة شخصياً هذا العام على غرار العام الفائت>.