تفاصيل الخبر

عام ٢٠٢٠ يغلق على ستة انقلابات كبيرة ستطبع مستقبل العالم والمنطقة

24/12/2020
عام ٢٠٢٠ يغلق على ستة انقلابات كبيرة ستطبع مستقبل العالم والمنطقة

عام ٢٠٢٠ يغلق على ستة انقلابات كبيرة ستطبع مستقبل العالم والمنطقة

  [caption id="attachment_84325" align="alignleft" width="356"] صورة عن نموذج محتمل لسيارة شركة آبل عام ٢٠٢٤.[/caption]

إذا كانت ٢٠٢٠ سنة سيئة بالنسبة للكثيرين فهي كانت أيضاً سنة ممتازة لآخرين، على الأقل مادياً. فقد زاد عدد أصحاب المليارات أكثر من عشرة بالمئة هذا العام بالمقارنة مع ٢٠١٩ وزادت ثروة هؤلاء حوالي ألفي مليار دولار خلال سنة ٢٠٢٠ "المشؤومة". ألفا مليار دولار تساوي تقريباً ثلثي ميزانية الأمم المتحدة السنوية. ولو انفقت على برامج صحية واجتماعية وتربوية وبيئية، كانت ستكفي لحل مشاكل كثيرة في كل أنحاء الأرض ولكنها بالطبع لن تذهب في هذا الإتجاه.

اقتصاد الشركات والأشخاص بدل اقتصاد الدول

وإذا كانت سنة ٢٠٢٠ قد أضاءت على حقيقة واحدة فهي التفاوت الاجتماعي الضخم بين أغنياء العالم و...الآخرين. الأشخاص اصبحوا أغنى (وأقوى) بكثير من الدول، منهم مثل "جيف بيزوس" مؤسس ورئيس شركة "امازون" الذي ستبلغ ثروته ألف مليار دولار عام ٢٠٢٥ وهو أكثر مما يملكه عشرات ملايين الناس اليوم. ومنهم من يدير شركة مثل "تيم كوك" رئيس شركة "أبل" التي ستجاوز قيمتها السوقية قبل سنة ٢٠٢٥ ثلاثة آلاف مليار دولار أي أكثر من الناتج المحلي لكل دول الشرق الأوسط.  تصح تسمية ٢٠٢٠ بسنة الانقلابات، ليس بالمفهوم العسكري أو الشعبي، بل بالمعنى القيمي. والمسألة ليست فقط متعلقة بالخلل المتنامي في توزيع الثروات وفي المظاهر الفاقعة للتفاوت الطبقي المتعاظم بل هي مرتبطة  بما حصل من تغيرات في الأشهر الأخيرة لأنها تحضر لعالم مختلف تماماً عما عرفناه.  

الانقلاب الأول: البورصات تستقل عن الاقتصاد.. الحقيقي 

[caption id="attachment_84326" align="alignleft" width="384"] رئيس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي "جيروم باول": تخطت ميزانيته  ٧٣٠٠ مليار دولار عام ٢٠٢٠[/caption]

كان من الملفت هذه السنة صعود البورصات المالية حول العالم وتحقيقها لأرقام قياسية رغم التراجع الاقتصادي الملحوظ من جراء جائحة "كورونا". التفسيرات لذلك كثيرة: منها من يعزو ذلك إلى حجم التدخل المالي للبنوك المركزية حول العالم الذي أتاح سيولة كبيرة حط معظمها في البورصات ومنها من يعلل ارتفاع أسعار الأسهم بالمساعدات الحكومية المباشرة للناس مما سمح لهم بزيادة إنفاقهم فانعكس ذلك على مبيعات الشركات وعلى أرباحها. كما هناك من يربط ما حصل بظهور اقتصاد جديد عماده التكنولوجيا تغذى بالعمل عن بعد والتسوق من المنزل وغيرها من السلوكات التي لم تكن شائعة قبل الوباء. لم يعد المستثمرون في البورصات ينظرون إلى موازنات الدول التي أصبحت رهينة ديون ضخمة من شبه المستحيل سدادها. ما يحفظهم هو كم التدخل المالي للمصارف المركزية ومعدلات السيولة، أي خلق العملة وأداء الشركات. النمو الاقتصادي السلبي لم يعد يهم، نسبة العجز في الموازنات لا تخيف، وحجم الديون ونسبتها المتزايدة من الناتج المحلي، ومن دون أي سقوف وضوابط، أمر طبيعي. يكفي التفكر كيف صوت حوالي ٧٤ مليون أميركي لـ"دونالد ترامب" مع أنه زاد الدين العام الأميركي ٨ آلاف مليار دولار خلال ولايته أي أكثر من ٣٠ بالمئة من حجمه قبل أربع سنوات! 

الانقلاب الثاني: بداية انهيار الدولار...الورقي 

الحرب على التعاملات النقدية "الكاش" بدأت عام ٢٠٢٠ ولن تنتهي إلا بإزالة كل آثار العملات الورقية من السوق. كل البنوك المركزية تسعى لإطلاق نسختها من العملة الإلكترونية عام ٢٠٢١ ورقمنة كامل التعاملات التجارية. لن تكون هناك عملة خضراء في المستقبل القريب بل محافظ رقمية لن تكون محصورة بالمصارف. هذا لا يعني اختفاء الدولار كالعملة الأولى في العالم ولكنه سيختفي ورقياً ويعود الكترونياً بنسخة لن تقل قوة وهيمنة.

الانقلاب الثالث: الهرولة إلى.. الفضاء  مئات الشركات الناشئة المتخصصة في اقتصاد الفضاء تأسست عام ٢٠٢٠. فنجاح شركة "سبايس اكس" في إطلاق مركبة مأهولة إلى المحطة الفضائية الدولية وعودتها بسلام بعد شهرين ثم إعادة ارسالها هي نفسها من جديد، فتح الباب أمام اكتشافات فضائية حقيقية في عدة مجالات. حتى الصين أصبحت تعتبر الفضاء جزءاً من رؤيتها الاقتصادية المستقبلية، وهي أعلنت منذ أيام عن خطة لإطلاق كوكب فضائي مهمته توفير الكهرباء على الأرض. بعد ٢٠٢٠ لن ينحصر اقتصاد المستقبل بما يحصل على الأرض.

الانقلاب الرابع: اللقاحات... المبرمجة

[caption id="attachment_84324" align="alignleft" width="438"] رئيس مجلس إدارة شركة "مودرنا" اللبناني الأصل الدكتور "نوبار آفيان".[/caption]

ليس أمراً طبيعياً أن تتمكن شركات الأدوية مثل "بفايزر" و"مودرنا"، التي بالمناسبة لم يسبق لها أن صنعت أي لقاح قبل اليوم، من إنتاج لقاحات بفاعلية كبيرة تصل إلى ٩٥ بالمئة خلال أقل من سنة ضد فيروس متحور بينما ما زالت فعالية اللقاحات ضد الأنفلونزا لا تتجاوز ٥٠ بالمئة وهذا بعد عقود من التجارب. كل الدول تتهافت للحصول على اللقاح رغم أن الدراسات عن آثارها الجانبية وأنواع أعراضها لم تكتمل ولم ينشر أي جزء منها. أرباح "مودرنا" و"بفايزر" ستحلق وأسهمها ارتفعت أساساً منذ أشهر. ولكن مسار إنتاج اللقاح وتبعات أخذه لن تعرف في المستقبل القريب خاصة أن تقنيته تقوم على أسلوب جديد (mRNA) في تشفير رسالة إلى جهاز المناعة عند الإنسان لخلق خلية بروتينية شبيهة بالكورونا تحفزه لطردها. المفروض أن تموت الرسالة بعد أن تتكون الخلية وهنا بيت القصيد. ما هو الدليل على تفتت الرسالة الخليوية بالكامل وأي إشارة تبقى في جسم الإنسان أو أي برمجة يمكن ادخالها معها؟.

الانقلاب الخامس:  شركات التكنولوجيا في... القيادة

عام ٢٠٢٠ أصبحت قيمة شركة السيارات الكهربائية "تسلا" أعلى من قيمة كل شركات السيارات مجتمعة. لم تنفع كل ابتكارات "تويوتا" وجودة "مرسيدس" وفخامة "جنرال موتورز" في إقناع المستثمرين أنها تملك حصة وافرة من مستقبل صناعة السيارات. ومنذ أيام أعلنت شركة "أبل" أنها ستنزل سياراتها الكهربائية الأولى من دون سائق عام ٢٠٢٤ وببطارية حديثة صديقة للبيئة، هذا عنوان صناعي إستراتيجي للمستقبل وليس فقط مسألة تكنولوجية شبيهة بطرح نسخة "أيفون" جديدة. فعندما تدخل شركات التكنولوجيا عالم الصناعة ستغير أموراً كثيرة من الإنتاجية إلى سلسلة التوريد وستقلب الصفحة على حقبة صناعية عمرها أكثر من مئة سنة.

 الانقلاب السادس: التطبيع لن يعيد إلى إسرائيل هويتها السياسية... الضائعة 

منذ أيام قامت الحكومة الإسرائيلية بحل الكنيست متجهة إلى انتخابات نيابية مبكرة للمرة الرابعة خلال أقل من سنتين وهذا لم يحصل في تاريخ الدولة العبرية. الانقسام السياسي في إسرائيل أصبح عميقاً وله علاقة بهويتها السياسية وليس بمسألة الموازنة السنوية التي فشل الكنيست في التصديق عليها. اليمين يريد من نتنياهو ظلماً أكبر للفلسطينيين، واليسار والوسط خائفان من تجاوز الفلسطينيين وكأنهم غير موجودين وأكل المزيد من حقوقهم لأن ذلك بمنزلة القنبلة الموقوتة التي ستدمر إسرائيل ومستقبلها. لن تحل الانتخابات في آذار (مارس) الآتي مشكلة الهوية الإسرائيلية وإذا فشلت في إنتاج أكثرية واضحة كما في المرات الثلاث السابقة تكون إسرائيل دخلت في أزمة هوية يمكن أن تكون حجر الأساس لنهايتها. 

أقل ما يقال عن سنة ٢٠٢٠ إنها انقلابية. ورغم كل مآسيها فهي أسست لمستقبل إنساني واعد تكنولوجياً، ولكنها أمعنت في تعميق الجرح الاجتماعي الطبقي غير آبهة في خطر ذلك على أي تطور بشري.