لن تكون العطلة المديدة لعيدي الفصح لدى الطوائف المسيحية الغربية ثم الشرقية مع فارق زمني لا يتجاوز الأسبوع الواحد مناسبة لعقد اللقاء المنتظر بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، رغم الجهود التي بُذلت ليكون عيد القيامة مدخلاً للمصالحة المارونية - المارونية الحقيقية، والتي أسفرت حتى الآن عن اجتماع عقد في دارة <الجنرال> في الرابية وبحضوره مع رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات ملحم رياشي، وأمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان الممسك بملف الحوار مع القوات. وخلال هذا الاجتماع، سلّم العماد عون رياشي تعديلات التيار الوطني الحر على ورقة <إعلان النيات> في ضوء الملاحظات التي كان الدكتور جعجع قد وضعها والتي استوجبت <إيضاحات> من فريق التيار الوطني الحر الذي حرصت مصادره على القول ان هذه التعديلات <طفيفة>...
إلا ان تسليم عون الملاحظات <الطفيفة> للمسؤول <القواتي> لا يعني ان اللقاء بين عون وجعجع بات قريباً، بدليل ان المرحلة المقبلة من التواصل العوني - القواتي ستكون مخصصة لإعداد ورقة العمل بين <الجنرال> و<الحكيم> وتحديد مكان اللقاء وتوقيته والمضمون، وهي المرحلة الأصعب كما تجمع مصادر الطرفين عندما تتحدث عن هذا <الاستحقاق> الذي لا يقل أهمية عن بقية المواضيع التي دُرست في السابق، لأن أي لقاء بين الزعيمين لا بد أن يتطرق الى الاستحقاق الرئاسي الذي سيبقى من دون حسم في المرحلة الراهنة على الأقل لأن المعطيات تدل حالياً على إمكانية الوصول الى تفاهم حوله يحظى بالدعم الإقليمي والدولي لملء الشغور الرئاسي منذ 25 أيار/ مايو 2014.
والذين يزورون معراب هذه الأيام يخرجون بانطباع واحد لا ثانٍ له وخلاصته ان الدكتور جعجع لا يزال في مرحلة تقييم الموقف السياسي والملف الرئاسي، ولم يصل بعد الى نتيجة حاسمة حيال ترشح العماد عون، لاسيما وان جعجع - كما ينقل عنه زوار معراب - لم يقتنع بعد بضرورة <التنازل> للعماد عون من جهة، إضافة الى ان <الجنرال> ليس في وارد سحب ترشيحه الرئاسي غير المعلن رسمياً بعد من جهة ثانية. لذلك يتوقع المراقبون ان يبقى الملف الرئاسي من دون حسم خلال الأشهر القليلة المقبلة، بالتزامن مع إنجاز <ورقة إعلان النيات> التي أضيف إليها بند ثامن عشر يتعلق بالأرض والهوية، أي تملّك الأجانب وموضوع منح الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني، وهو الذي كان محور نقاش شبه وحيد بين وزير الخارجية جبران باسيل الذي قصد معراب وبحث مع جعجع في هذا الملف الحساس الذي يتوقع أن يكون مادة أساسية في المؤتمر الاغترابي المزمع عقده في شهر أيار/ مايو المقبل في بيروت.
وفي ضوء التفاهم على غالبية البنود في <إعلان النيات>، فإن البحث سينتقل الى نقاط أخرى <أكثر عملية> على حد تعبير النائب كنعان الذي يفضّل عدم الدخول في التفاصيل، لكنه يلتقي مع رياشي على وصف ما تحقق حتى الآن بأنه <إنجاز مهم>، لاسيما وانه أول مستند رسمي يجمع آراء الطرفين في ما يتعلق بـ18 قضية تشكل البنود الـ18 للوثيقة.
قواسم مشتركة
واستناداً الى معلومات <الأفكار>، فإن النقاط التي أفرزت <قواسم مشتركة> بين <العونيين> و<القواتيين> تتمحور حول الآتي:
- تصحيح الخلل في تطبيق اتفاق الطائف من دون أن يعني التخلي عنه أو عدم التزام بنوده الوفاقية والإصلاحية، والدعوة الى توافق مع <الشركاء في الوطن> على تطبيقه بشكل دقيق.
- المطالبة بتطبيق اللامركزية الإدارية ليس لأنها احدى نقاط اتفاق الطائف، بل لأن الظروف الراهنة باتت تحسم مثل هذه الخطوة، لاسيما وان النص المقترح حول بنود اللامركزية الإدارية يحظى بموافقة غالبية الكتل النيابية.
- تفعيل عملية الإصلاح الإداري وعدم إغراقها بالمحسوبيات السياسية والحزبية وإعادة <الوهج> الإصلاحي الى إدارات الدولة وأجهزتها الرقابية.
- المضي في الإصلاح المالي انطلاقاً من الملاحظات <الأساسية> التي وضعها التيار الوطني الحر خلال السنوات الماضية، لاسيما ما ورد منها في مستند <الإبراء المستحيل> من أرقام ووقائع بعيداً عن الاعتبارات السياسية التي رافقت وضع هذا الكتاب.
- الإسراع في معالجة أزمة النازحين السوريين التي تفاقمت على نحو خطير نتيجة <تردد> الدولة في حسم موقفها من توسع تدفق النازحين والتشديد على ضرورة تنفيذ الإجراءات المتخذة مؤخراً بشكل حاسم غير قابل للمساومة.
- تصحيح التمثيل الرئاسي من خلال التوافق على <الرئيس القوي القادر على ممارسة مسؤولياته من خلال شخصه ونصوص الدستور، علماً ان إعادة النظر ببعض هذه الصلاحيات الرئاسية كانت من النقاط المشتركة بين الجانبين.
- تصحيح التمثيل النيابي من خلال قانون انتخابي جديد لم يحسم النقاش نوعيته أو أسسه ومواده، وإن كان التوافق قد تم على ضرورة المحافظة على تمثيل مسيحي حقيقي في مختلف الدوائر، لاسيما التي تتداخل فيها الطوائف والمذاهب. وأبقي <نوع> القانون من النقاط التي يُفترض أن يبحثها عون مع جعجع عندما يلتقيان.
- تصحيح علاقة لبنان بمحيطه العربي والإقليمي بعد الخلل الذي اعترى هذه العلاقة. وقد بقي هذا البند <عاماً> من دون تفاصيل، علماً ان <القوات> و<التيار> التقيا على ضرورة المحافظة على تميز لبنان وخصوصيته في العلاقة مع دول الجوار والمحيط.
- دعم الجيش والمؤسسات الأمنية اللبنانية، وهو البند الذي استحوذ بحثاً مستفيضاً ليس من زاوية أحادية دعم المؤسسات الأمنية، بل في ما يتعلق بالسلاح غير الشرعي والممارسات التي تذكّر بوجود <دولة ضمن الدولة>. لكن الاتفاق انتهى الى ان دعم الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى يجب ألا يكون <دعماً مشروطاً> أو ناقصاً مهما كانت الاعتبارات.
نحو <ثنائية مسيحية>؟
وتؤكد مصادر مواكبة للتحضيرات الجارية بين الرابية ومعراب ان <مرحلة جديدة> ستتأسس في العلاقة بين <القوات> والتيار الوطني الحر تشبه الى حدٍ ما <الثنائية الشيعية> بين حركة <أمل> وحزب الله، على أن تتطور تدريجياً لتصبح مماثلة لها. ولعل القراءة الهادئة لما قاله جعجع عن <ثنائية مسيحية> تظهر ان هذا التوجه ليس بعيداً عن حسابات معراب، لكن ترجمته الأقرب تكون من خلال دعم القوات لترشيح العماد عون للرئاسة، وهو أمر لا يزال قيد الدرس وهو يدخل في خانة <المرحلة الأصعب> لأنها سترتب على عون وجعجع أن يترجما <إعلان النيات> من خلال المواقف العملية والحصص التي سترسم طبيعة مقاربة الملف الرئاسي ومن بعده <إدارة> الشأن المسيحي السياسي من خلال <الثنائية> التي لا تريد ان <تلغي الآخرين>، لكنها ستحد من تأثيرهم قطعاً!
في أي حال، تجمع مصادر الفريقين على القول ان المرحلة الأولى من حوار <القوات> و<التيار> قد انتهت مع إنجاز ملاحظات <القوات> ومن بعدها ملاحظات <التيار> عليها، وبدأ تحضير جدول أعمال المرحلة الثانية، وهي الأكثر دقة لأنها ستعني ترجمة <إعلان النيات> في خطوات عملية، لاسيما في ملفي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات... فهل سيصمد الاتفاق بين الرابية ومعراب؟!
<اتفاق تاريخي>!
من يستمع الى العماد عون والدكتور جعجع يخرج بانطباع واحد خلاصته ان أحداً لن يتمكن من <اللعب> على الأوتار الحساسة في العلاقة بين الرجلين، وبالتالي فإن <الاتفاق التاريخي> الذي ستعكسه ورقة <إعلان النيات> لا بد أن يؤسس لتقارب سياسي جدي بين حزبين متباعدين كانت منطلقاتهما مختلفة تماماً، وكذلك العلاقات كانت تصادمية الى أبعد الحدود. كذلك فإنه أسس لتكوين أجواء ومناخات عمل مشترك على أكثر من مستوى في النيابة والتشريع والإنماء، والتربية وقضايا الطلاب. ومثل هذه <الإنجازات> تشكل في حد ذاتها إجابة إيجابية عن الأسئلة المتعلقة بما أنتجه الحوار حتى الآن. لكن الرأي العام المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً ينتظر إيجابيات على غير صعيد من خلال تعويله أهمية كبرى على الحوار الجاري، وهذا ما يدفع بالعماد عون والدكتور جعجع الى استمرار التواصل وتبادل الآراء والمذكرات وصولاً الى الموعد المنتظر حين يفترض مناقشة الإجراءات التي تريح الشارع المسيحي وطي صفحة الخلافات الماضية، والتطلع الى مرحلة جديدة ومثمرة من التعاون على مختلف الصعد تبقي لبنان بمنأى عن الصراعات الخارجية وتعيد اللحمة الى المكونات المسيحية لتقوم بدورها على أكمل وجه في إطار تفعيل عمل المؤسسات واستعادة الحضور المسيحي فيها.
ولأن أبرز ما يعزز الحضور المسيحي هو الاتفاق على الملف الرئاسي، لذلك لا بديل عن فتحه خلال اللقاء المنتظر بين عون وجعجع، وما لم يتحدد موعد هذا اللقاء، فإن ذلك يعني ان الاتفاق لم يحصل بعد على الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإن ورقة <إعلان النيات> ستساهم في <تنفيس الاحتقان> المزمن بين العونيين والقواتيين، لكنها لن تؤدي الى وصول أحد الزعيمين (عون أو جعجع)... الى قصر بعبدا!