بقلم جورج بشير
لا شك إذا صحّ التعبير بأن القنبلة التي فجّرها قداسة البابا مار <فرنسيس> في وجه الصهيونية العالمية وكل الذين ساهموا وما زالوا يساهمون في ضرب مشروع قيام دولة فلسطينية كان لها دويّ هائل في جميع المحافل الدولية وخاصة الإسرائيلية والأميركية وحتى بعض المحافل العربية، بإعلان اعتراف دولة الفاتيكان بالدولة الفلسطينية بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تزامن الإعلان البابوي المشار إليه مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني من جهة تهجيره واقتلاعه من وطنه الأمّ وتشتيته في مخيمات. هذه الذكرى التي تناساها العالم وهي ما زالت تعصر أفئدة الذين أصابتهم، وهم الشعب الفلسطيني الذي غابت قضيته حتى عن القمة الأميركية - الخليجية في <كمب دايفيد>، هذه القمة التي ضمّت رئيس الولايات المتحدة الأميركية <باراك أوباما> مع زعماء دول الخليج العربي وكان جدول أعمالها مقتصراً على بحث <الخطر الذي تمثله إيران على أمن الخليج العربي ودوله، كون إيران باتت اليوم في العُرف الأميركي - الإسرائيلي هي العدوّ وليس إسرائيل>...
قرار البابا مار <فرنسيس> والكنيسة الكاثوليكية بالاعتراف بدولة فلسطين جاء ضربة معلّم قاسية على جميع دعاة قيام دولة يهودية في الشرق الأوسط بديلاً عن دولة اسرائيل <الديموقراطية> التي قامت على أنقاض دولة فلسطين التي منحها الأميركيون والبريطانيون والسوفيات والحلفاء وفق <وعد بلفور> الى الصهيونية العالمية، وباتت دولة اسرائيل هذه المرشحة لأن تُعلَن قريباً دولة ليهود العالم أقوى دول الشرق الأوسط قاطبة، بعد أن تدعّمت وتسلّحت بأقوى العتاد وفي طليعتها السلاح النووي الذي تنتجه مفاعلاتها ومصانعها في <ديمونا> على عيون العالم، ولا أحد يمانع أو يعترض أو حتى يُخضع هذه المصانع لأية رقابة مسبقة أو لاحقة، خصوصاً دول المنطقة الشرق أوسطية التي أصابها الوهن والخوف والصراع بين أنظمتها على الاستمرار ومراكز النفوذ، وتحوّلت بعض دولها العربية القوية كمصر وسوريا والعراق مثلاً الى <دويلات> تصارع الإرهاب المعلّب والمستورد بين طوائفها الكبرى ومكوّناتها، والمشاريع المطروحة في مطابخ القرار الدولي لتقسيمها الى دويلات بين السنّة والشيعة والكرد والعلويين...
... وقمة <كمب دايفيد>
لا أحد يعرف حتى إشعار آخر ما إذا تمكّن كارتيل إنتاج وبيع السلاح الأميركي الذي تنتجه مصانع الولايات المتحدة من عقد صفقات جديدة لبيع الإنتاج الأميركي والأوروبي الى الدول العربية والخليجية بالتحديد، على هامش قمة <كمب دايفيد>، كون الأحزاب الأميركية والأوروبية الحاكمة والمعارضة في آن يتصارع أركانها على الفوز بعقود من هذا القبيل للتمكن من تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وتجاوز الأزمات المالية التي يعانيها بعضها بغية تحقيق الفوز في السباق الانتخابي الذي بدأ فعلاً على صعيدي الرئاسة والكونغرس في أميركا، وعلى صعيد انتخابات المجالس النيابية الأوروبية.
لقد حاول الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> استباقاً لقمة <كمب دايفيد> أن يفوز لمصلحة مصانع إنتاج الأسلحة الفرنسية ببعض العقود في الزيارات الخاطفة التي قام بها لبعض دول المنطقة وحقق بعض النتائج. لكن العقود الثمينة بقيت بانتظار ما سيتمكن الخليجيون من تحقيقه من نتائج في محادثاتهم التي استمرت ثلاثة أيام مع الإدارة الأميركية، أي مع الرئيس <باراك أوباما> في البيت الأبيض في واشنطن، وبعد ذلك مع أركان إدارته في <كمب دايفيد>.
يعرف العالم كلّه أن أمن دولة اسرائيل هو من أمن الولايات المتحدة، وأي عدوان أو هجوم تتعرّض له دولة اسرائيل تعتبره الولايات المتحدة عدواناً وهجوماً عليها، وهي لذلك أعلنت مراراً وتكراراً منذ حرب الخامس من حزيران/ يونيو سنة 1967 التزامها الكامل بالدفاع عن أمن دولة إسرائيل، باعتباره جزءاً من الأمن القومي للولايات المتحدة. لذلك فإن ما يمكن تسجيله لزعماء دول الخليج العرب بعد قمة <كمب دايفيد> فوزهم بإعلان صدر عن الرئيس الأميركي عقب القمة <بأن أميركا تلتزم بأمن دول الخليج العربي، إذا ما تعرّض لأي عدوان أو هجوم>، وهذه رسالة أميركية واضحة لإيران... ويبدو للمراقبين ان الرئيس الأميركي وأركان إدارته فهموا جيداً المعاني السياسية التي انطوى عليها قرار العاهل السعودي الملك سلمان، والعاهل البحريني، وأمير دولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطان عُمان بالتغيّب عن القمة، وكأن مهرجان الخيول الذي رعته الملكة <إليزابيت> البريطانية في لندن وشارك فيه ملك البحرين في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه قمة <كمب دايفيد> أهم من القمّة مع الرئيس الأميركي <أوباما>...
نالت دول الخليج العربي من الرئيس الأميركي الوعد العتيد بالالتزام بالدفاع عن هذه الدول في حال تعرّض أي منها لعدوان أو هجوم خارجي. وفي المقابل، <فإن الشرح الذي قدّمه الرئيس <أوباما> لأركان هذه الدول عن مفاوضات بلاده مع إيران حول الملف النووي لم يعرف خارج نطاق التصريحات التي أدلى بها بعضهم بعد القمة وفي الإعلان الرسمي ما إذا كان الزعماء الخليجيون قد اقتنعوا مع الرئيس الأميركي بأن السلاح النووي الإيراني سلمي وليس سلاحاً مدمّراً أو مهدّداً لأي من دولهم، وبأنه بالإمكان إقامة حوار بين دول الخليج وإيران بعد قمة <كمب دايفيد>، وأن بإمكان واشنطن أن تلعب دوراً إيجابياً في مثل هذا الحوار، توصلاً الى توافق خليجي - ايراني>!.
قلمون، يا قلمون!
بعيد الإعلان عن نتائج القمة الأميركية - الخليجية في <كمب دايفيد>، قرأ المراقبون بإمعان البيان المشترك الصادر عن هذه القمة ليتبيّنوا ما إذا كان في صلبه فقرة تشير فعلاً الى التمسك بقيام دولة فلسطين. لكن أحداً لم يتمكن من أن يقرأ مثل هذه النتيجة حول <إصرار المشاركين في هذه القمة على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية ودعوة دول العالم الى الاعتراف بها أسوة بما أعلنه البابا مار <فرنسيس> لمناسبة ذكرى نكبة الشعبين الفلسطيني والعربي عن اعتراف دولة الفاتيكان بدولة فلسطين. صحيح أن دولة الفاتيكان لا تمتلك جيشاً ولا نفطاً، وليست قادرة على شنّ الحروب دفاعاً عن الدول، بل ان هذا الاعتراف من البابا كان بمنزلة قوة دفع لا يستهان بها ذات فاعلية سياسية وديبلوماسية وروحية في جميع أنحاء العالم، خصوصاً وأنها قد أعلنت في ذكرى النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة والدول الكبرى خصوصاً منها بريطانيا صاحبة <وعد بلفور>.
ولقد تزامن سقوط المواقع الاستراتيجية في جبال القلمون الفاصلة ما بين لبنان وسوريا مع نهاية قمة <كمب دايفيد>، وهذا السقوط المدوّي في هذه المرحلة بالذات ألحق هزيمة مدوية بالإرهابيين الذين كان انتشارهم وإقامتهم للمواقع العسكرية المحصنة على طول السلسلة الشرقية الواقعة على الحدود اللبنانية - السورية مهدّداً بشكل مباشر للبنان والمناطق والمدن والقرى اللبنانية المنتشرة على مدى السلسلة الشرقية من جبال عكار الى جبال الهرمل وبعلبك امتداداً الى البقاعين الشمالي والجنوبي، هذه المدن والقرى اللبنانية التي تعرّضت على مدى السنوات الأخيرة وطوال الحرب السورية لاعتداءات أمنية، وكادت تتطور أخيراً لولا هذه الهزيمة التي ألحقت بالإرهابيين الى تهديد مباشر للبقاعين الشمالي والجنوبي، سواء باستهدافها بالصواريخ أم بالاعتداءات على السكان، تمهيداً لدخول هؤلاء الى لبنان، وربما الى تهجير بعض السكان اللبنانيين.
مع هذه الهزيمة الاستراتيجية اللاحقة بالإرهابيين، ما زال مطلوباً من الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها وخاصة الجيش وقوى الأمن الداخلي ان تحسم أمرها وتقيم زناراً أمنياً عسكرياً فاعلاً لا يغض الطرف عن أية محاولة اعتداء جديدة على السيادة الوطنية والأراضي اللبنانية والسكان اللبنانيين الآمنين الذين اتحدوا بشكل واضح دفاعاً عن وطنهم الى جانب جيشهم، لأن أي تراخٍ في هذا المجال أو تقصير لا سمح الله سيدفع بجحافل الإرهاب رغماً عنها الى دخول الأراضي اللبنانية بالقوة للاحتماء، وهنا بيت القصيد.. فهل تحسم حكومة لبنان أمرها في هذا المجال وتؤكد لشعبها المهدّد في البقاعين انها قادرة على هذه المهمّة وتضع أمن البلاد والعباد قبل أي هوى سياسي أو حزبي أو غير ذلك؟!