شكلت عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري نقطة تحول في مسار المشهد السياسي الداخلي على الأقل في مواجهة حركات التطرف والإرهاب وإعطاء الدعم اللازم للجيش والقوى الأمنية التي تخوض هذه المواجهة ضدها على أمل أن تكلل حركته بإنجاز الاستحقاق الرئاسي وإنهاء الشغور المتمادي منذ 25 أيار (مايو) المقبل وتعطيل عمل المجلس النيابي... فماذا يقول أعضاء كتلته عن هذه العودة؟
«الأفكار» استضافت في مكاتبها عضو كتلة المستقبل ورئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاطف مجدلاني وحاورته على هذا الخط بالإضافة إلى شؤون وشجون الوضع الداخلي أمنياً وسياسياً وأحوال المسيحيين عموماً بدءاً من السؤال:
ــ نراك انقطعت عن العمل الطبي وتفرغت للسياسة كلياً، فهل المزاوجة بين الاثنين غير ممكنة وألست نادماً؟
- صحيح، ولكنني لست نادماً لأن لا إمكانية للبحوث العلمية والعمل الجماعي، وبالتالي فالعمل الفردي في الطب ليس مستحباً وانشغلت بالسياسة، وكذلك الوضع الأمني جعلني أترك الطب، لكن بحكم كوني رئيس لجنة الصحة النيابية تقع على عاتقي كل المسؤوليات من تحضير مشاريع القوانين ودراستها والتعاطي مع أعضاء اللجنة ومع اللجان الأخرى ما يستلزم وقتاً إضافياً ولذلك لم يكن ممكناً أن أستمر في عملي الطبي.
ــ تحدثت عن الاعتبارات الأمنية، فهل جاءك أي تهديد؟
- لا... فالتهديد المباشر لم يحصل ولكن المناخ العام يجعلني أتوخى الحذر والانتباه.
ــ ألم يكسر الرئيس سعد الحريري هذا المناخ ويعود إلى بيروت؟
- هذا صحيح، لقد فعل.
عودة ميمونة للحريري
ــ ما هو الداعي لمجيئه في تقديرك خاصة بعدما اجتمعت به؟
- السبب الأساسي هو الوقوف في وجه الإرهاب والتطرف وإنقاذ الاعتدال في البلد، إذ إنّه بإنقاذ الاعتدال ينقذ العيش المشترك والوحدة الوطنية ولبنان خاصة وأن الرئيس الحريري وجد أن التطرف ينمو بالإضافة إلى ما حصل في عرسال وما تعرض له لبنان من خلالها وهو أمر خطير، وانطلاقاً من هنا كان هذا التحرك للرئيس الحريري ناهيك عن تحرك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وقيامه بالمبادرة الكريمة من خلال تخصيص هبة مالية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، ومن هنا كانت عودة الرئيس الحريري لمواجهة هذه الموجة الإرهابية والمتطرفة وأعتقد أنها عودة كريمة ومبادرة حميدة وتضحية كبيرة.
ــ هل صحيح أن عودته أتت للملمة الشارع السني الذي زاد في تطرفه ولجمع كلمة «تيار المستقبل» بعدما تمرد البعض خارج سرب الاعتدال؟
- «تيار المستقبل» موجود ومتماسك ولكن غياب زعيم هذا التيار كان له تأثيره السلبي على القواعد بحيث يضفي نوعاً من التراخي وبالتالي فالعودة تضبط الوضع وتلم القواعد وتحقق اندفاعة معنوية كبيرة للتيار لا بل أعطت أملاً كبيراً ليس لتيار المستقبل فقط بل لكل اللبنانيين وخير مؤشر على ذلك استقرار البورصة في بيروت وتعافيها.
ــ وهل ساهمت عودته أيضاً في تغيير لهجة النواب الثلاثة من الكتلة (محمد كبارة، خالد الضاهر ومعين المرعبي) والذين تمادوا في التهجم على المؤسسة العسكرية؟
- بداية النواب الثلاثة ليسوا من التيار باستثناء محمد كبارة بل هم حلفاء ومقربون منه وأعضاء في الكتلة وأحياناً يحصل نوع من الانفعال وردة الفعل العاطفية للتعبير عن خطأ صدر في مكان ما من شخص ما ويتحول إلى المؤسسة العسكرية وهذا خطأ... فالموقف الصادر عن النواب الثلاثة خاطئ بدون شك ولذلك تم التراجع عنه والرئيس سعد الحريري قال إنه لا يجوز إذا حصل خطأ من عضو في مؤسسة سواء كان ضابطاً أم غير ذلك فيجب أن يعاقب لكن لا يجب أن تعاقب المؤسسة كلها، وقال إنه إذا كان مرتكب الخطأ من أبناء عرسال فليس مستعداً للدفاع عنه لكن هو يضع نفسه أمام أهالي عرسال للدفاع عنهم. وواضح تماماً أن أهالي عرسال يعانون منذ فترة من الحرمان والإهمال وأمور أخرى وهم بحاجة لإنماء سريع، ولذلك خصّص الرئيس الحريري لهم 15 مليون دولار على اعتبار أن الإنماء أفضل سلاح في وجه التطرف والإرهاب.
الاستحقاق الرئاسي على المحك
ــ وهل عودته مرتبطة بملف الاستحقاق؟
- لا أعتقد ذلك والرئيس الحريري لا يربط بين الأمرين بل إن عودته هي لمواجهة هذه الموجة من التطرف والأصولية والإرهاب ولتعزيز الاعتدال والدفاع عن لبنان. وأعتقد أن الحرب على الاعتدال بدأت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، فهذه اللحظة كانت لحظة الهجوم على الاعتدال المتمثل بالحريرية السياسية بما تمثل من اعتدال وانفتاح ومن انتشار في مختلف الطوائف والمناطق. فهذه الظاهرة تزعج المتطرفين ولكن أيضاً تزعج من هم حولنا.
ــ الاستحقاق الرئاسي يؤجل للمرة العاشرة، ما يؤكد عدم صحة الشائعات التي أطلقت عن أن العماد جان قهوجي سيكون الرئيس المقبل ويتم إرضاء العماد ميشال عون بتعيين قائد فوج المغاوير شامل روكز قائداً للجيش وبمعنى آخر عرسال تأتي بقهوجي كما أتت معارك نهر البارد بقائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان عام 2008، فماذا تقول هنا؟
- هذه تكهنات وتحليلات، وحسب معلوماتي لا وجود لهذا السيناريو ولا يوجد أصلاً أي تحرك في موضوع الاستحقاق الرئاسي للأسف رغم كل الحركة التي يقوم بها النائب وليد جنبلاط ولا يوجد حتى الآن أي مؤشر إيجابي بهذا الخصوص.
ــ يعني لا ترى رئيساً في القريب العاجل؟
- لا أبداً مع الأسف.
ــ وألا يؤذي ذلك الشعور المسيحي؟
- أكيد.. فعدم وجود رئيس هو ضربة للوجود المسيحي وهذه الضربة مسؤول عنها كل من يعطل النصاب لانتخاب الرئيس وهو بالتالي المسؤول عن ضرب حقوق المسيحيين وأعني به الفريق الذي لا ينزل إلى المجلس ليؤمن النصاب.
التمديد للمجلس خيار
ــ في هذه الحالة التمديد للمجلس آتٍ ولا بد منه بدليل أن لا أحد يقوم بنشاط انتخابي رغم قرب موعد الانتخابات في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟
- الوضع الأمني أصلاً لا يسمح بالتجمعات الانتخابية بكل طمأنينة وأمان، وأعتقد أن معالي الوزير نهاد المشنوق كان صريحاً جداً مع الناس بشكل شفاف وواضح وبدون قفازات من حرير أو اعتماد أسلوب الاحتيال أو التمويه وقال إن الظروف الأمنية لا تسمح بإجراء الانتخابات كما أكدت له القوى الأمنية.
وتابع قائلاً:
- هذا من جهة ومن جهة أخرى، نحن متمسكون بالدستور الذي يقول إن هناك استحقاقاً رئاسياً وان المجلس منذ لحظة الشغور الرئاسي يتحول إلى هيئة ناخبة وبالتالي مهمة المجلس الأولى هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن يعطل النصاب هو المسؤول عن عدم وجود رئيس مسيحي ومسؤول عن ضرب الوجود المسيحي في أعلى سلطة في البلد... والرئيس الحريري رسم في الإفطار الرمضاني في البيان خارطة طريق وقال إن «تيار المستقبل» لا يقبل بأن تستمر الأمور بهذا الجمود وأن التيار ليس العامل المقرر للرئاسة لكنه عامل مساعد وعليه العمل بهذا الاتجاه ولذلك فالقضية ليست متروكة عند التيار.
ــ الرئيس نبيه بري يقول إنه ضد التمديد... فماذا يعني ذلك؟
- أنا أحب الرئيس بري، وأنا أقول لا للتمديد أيضاً، لكن إذا لم نمدد وإذا قال وزير الداخلية باستحالة إجراء الانتخابات لأسباب أمنية، فإلى أين سنصل؟! ألا نصل إلى الفراغ في المؤسسة التشريعية؟! وأليس هذا معناه تعميم الفراغ من الفراغ الحكومي إلى الرئاسي وبالتالي الوقوع في أزمة نظام بما يعبد الطريق نحو المؤتمر التأسيسي الذي وعدنا به حزب الله منذ سنة؟!
ــ هل هذا الأمر وارد طالما أن المعنيين يرفضون ذلك وأولهم الرئيس بري؟
- هناك من يخطط لظروف أحلاها مر، لكن بالنسبة له فهو المستفيد منها وبالتالي يقول إنه لن يسمح بانتخاب رئيس إذا لم يأتِ الرئيس الذي يريده فلا رئيس ولا انتخابات نيابية والحل في المؤتمر التأسيسي كما يريد هذا الفريق وهذا في رأينا يتناقض مع لبنان الحريات والتعددية والديمقراطية والعيش الواحد. ومع تقديري ومحبتي للرئيس بري، فهناك قوى أخرى تخطط لهذا الأمر.
ــ وكم مدة التمديد للمجلس في تقديرك وهل هي سنتان وسبعة أشهر لإكمال الولاية بعد التمديد الأول؟
- لا أعرف، وما أقوله إن الواجب ليس البحث في التمديد وكم هي المدة بل واجبنا هو تطبيق الدستور والذهاب لانتخاب رئيس للجمهورية لكي تنتظم المؤسسات وما بعدها تهون كل الأمور وتصبح عملية الانتخابات النيابية تحصيل حاصل.
ــ وهل الاستحقاق الرئاسي في يد اللبنانيين أم تحول إلى ورقة إقليمية دولية؟
- أعتقد أن العامل الخارجي ضعيف تجاه العامل الداخلي لأن الدول الخارجية منشغلة بأوضاعها الخاصة وبملفات أخرى هي أولوية عندها ولبنان ليس أولوية الآن لدى هذه الدول علماً أن هناك تفاهماً إقليمياً دولياً لمنع اهتزاز الاستقرار في لبنان وبالتالي هناك فرصة لجعل الانتخاب الرئاسي صناعة لبنانية طالما أن لبنان لأول مرة يستطيع تأمين هذا الاستحقاق لبنانياً بامتياز.
ــ يقول البطريرك بشارة الراعي إن المطلوب من المرشحين الأربعة الكبار أن يتنازلوا لخامس، فهل هذا هو الحل؟
-البطريرك الراعي محق ولذلك فالدكتور سمير جعجع ذهب بهذا الاتجاه وقال إن ترشيحه يمكن أن يسحبه في أي لحظة عندما يرى أن هناك مرشحاً يشكل الحد الأدنى من مسلمات قوى 14 آذار ووضع بالتالي حلولاً لا بل ذهب أبعد من ذلك وعبر عن استعداده للقاء العماد عون للتفاهم على اسم ثالث والذهاب إلى المجلس للتنافس بطريقة ديمقراطية.
ــ لكن الفريق الآخر قال إن ترشيحه هو لقطع الطريق على العماد عون ومنع وصوله. أليست هذه الحقيقة؟
- كيف ذلك؟ إذا ترشح الدكتور جعجع، فهل هذا يمنع العماد عون من أن يترشح؟! فهذا معناه أن الدكتور جعجع قوي جداً أو أنه يجعل العماد عون خائفاً لكي لا يترشح... فالموضوع هو أن هناك فريقاً يريد إلغاء الديمقراطية في لبنان وأن يكون انتخاب الرئيس تعييناً له ولذلك قال حزب الله لغبطة البطريرك بضرورة الاتفاق أولاً على الرئيس والذهاب بعد ذلك إلى المجلس لانتخابه، وأوضح أن العماد عون لا أمل له ورفض أن يصارحه بالأمر وترك ذلك حتى يقتنع العماد عون بنفسه.
إسرائيل والإرهاب وجهان لعملة واحدة
ــ هل أنت خائف على مصير المسيحيين وماذا عن دعوة البعض للتسلح؟
- نحن ككتلة تحركنا ونددنا بما يجري في الموصل وقلنا للمهجرين هناك إننا نقف إلى جانبهم ونتضامن معهم ونحمل موضوع الإرهاب في ضميرنا لأن هذه المسألة بالنسبة إلينا ليست قضية وطنية فقط وإنما هي قضية قومية ترقى إلى مستوى القضية الفلسطينية لأن القضية الفلسطينية ليست بعيدة عن هذا الموضوع.
ــ يعني هذا أن الإرهاب يوازي الاحتلال الإسرائيلي؟
- أكيد.. فإسرائيل والإرهاب وجهان لعملة واحدة ولهما أهداف عديدة، أولها ضرب التعددية في العالم العربي والقضاء على التنوع الموجود وإنشاء دويلات طائفية مذهبية عبر خلق الفتن والتهجير، وثانيها التعتيم على الإجرام الذي تقوم به الأنظمة الاستبدادية وثالثها تبرير مطالبة إسرائيل بإنشاء كيان عنصري ــ صهيوني على أرض فلسطين المحتلة، ورابعها تفتيت المنطقة ومن ثم وضع اليد على كل ثرواتها الطبيعية وأولها النفط. لذلك علينا واجب التوجه نحو الجامعة العربية ومطالبتها بموقف حازم لمواجهة هذا الإرهاب، والتوجه نحو المجتمع الدولي من مشرقه إلى مغربه ومطالبته بمواجهة الإرهاب ووضع حد له وللمجازر التي تحصل للمسيحيين والإيزيديين في العراق وسوريا، كما ندعو المرجعيات الدينية في كل العالم للوقوف في وجه هذا الإرهاب لا سيما الفاتيكان والأزهر الشريف.
وأردف:
- أما عن الدعوة للتسلح فنحن من المؤمنين بأن السلاح لا يحل المشكلة، فالمشاكل تحل عن طريق الحوار والإنماء فقط وهما الحل لمواجهة أي تطرف وأي أصولية.
ــ كرئيس لجنة برلمانية للصحة، هل أنت خائف من وصول مرض «الإيبولا» إلى لبنان؟
- لا... لأن وزارة الصحة اتخذت الاحتياطات اللازمة في المطار ولبنان خالٍ من هذا الفيروس وإذا انتقل الفيروس إلى لبنان فإنه يتم عبر مسافر يدخل إليه، والأمر مراقب والاحتياطات موجودة، أضف إلى ذلك أن المرضى لا يستطيعون السفر أصلاً حتى يصلوا إلى لبنان لأن وضعهم الصحي لا يسمح لهم بذلك وبالتالي فلا داعٍ للخوف خاصة وأن هذا الفيروس محصور في بعض دول أفريقيا فقط.
ــ بقدر ما تشكو وزارة الصحة من بعض المستشفيات التي تزوّر الفواتير وترفع من قيمتها ولا تستقبل المرضى أحياناً بقدر ما تشكو المستشفيات من عدم صرف الدولة لمستحقاتها المالية... فما هو الحل؟
- طبعاً هناك تأخير في دفع المستحقات ولكن هذا الأمر متوارث وعمره عشرات السنين ووزارة الصحة تتأخر والضمان أيضاً لكن هذا لا يعني أن توقف المستشفيات عملها. أما عن الفواتير، فقد وضع الوزير وائل أبو فاعور آلية جديدة وهي آلية جيدة لضبط أي عملية تزوير. ونحن ككتلة قدمنا اقتراح قانون لإنشاء هيئة البطاقة الصحية في وزارة الصحة والتي سبق أن طرحها الوزير السابق الدكتور محمد جواد خليفة زمن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وجرت دراسات آنذاك ونحن عملنا من خلالها وتوصلنا إلى تقديم هذه البطاقة على شكل اقتراح قانون.
ــ ما أهمية هذه البطاقة؟
- أولاً، هذه البطاقة تلغي أي سقف مالي للمستشفى وتسمح للمريض بالعلاج في أي وقت، وتنزع الذريعة من المستشفيات التي تتحجج بعدم وجود سرير للمريض على حساب وزارة الصحة.
ــ ولمن تعطى البطاقة؟
- تعطى لأي لبناني لا ينتسب إلى أي صندوق وغير مضمون في أي مؤسسة.
ــ وهل تتوحد الصناديق؟
- لا... فهذا مطلبنا منذ سنوات، لكننا اكتشفنا أنه مستحيل لدرجة استحالة تحويل لبنان إلى دولة علمانية لأن كل صندوق يتسلمه مسؤول من طائفة معينة، واليوم المشروع موجود في مجلس النواب ونأمل إقراره وقريباً سيتم بحثه في لجنة الصحة بعدما تجاوب معي الرئيس بري وأحاله إلى اللجنة.