تفاصيل الخبر

إعـــــادة إعــمــــــار ســوريـــــــا شــاغــــــــل لــبـــــــنـــان فـــــي الــقــمـــــــة الــعــربــيــــــــة الاقــتــصــاديــــــــة!

24/01/2019
إعـــــادة إعــمــــــار ســوريـــــــا شــاغــــــــل لــبـــــــنـــان  فـــــي الــقــمـــــــة الــعــربــيــــــــة الاقــتــصــاديــــــــة!

إعـــــادة إعــمــــــار ســوريـــــــا شــاغــــــــل لــبـــــــنـــان فـــــي الــقــمـــــــة الــعــربــيــــــــة الاقــتــصــاديــــــــة!

بقلم وليد عوض

يقــــول المثـــــل الصينــــي: <إن لم يكن للمـــرء أذنان مـــن أجـــــل أن يسمــــع، فلــــن يـــكون لــــه دمـــاغ مــن أجل أن يحكم>.

ومما أوردناه لا يمكن لسلطة وحدها أن تملك الرؤية، بل ينبغي أن يتشارك في بسط هذه الرؤية كل عقل مفكر في البلد. والرؤية التي ملكتها الدولة، وبالأخص الرئيس ميشال عون، حكمت بتغييب الوفد الليبي عن القمة العربية الاقتصادية ما دام مصير الإمام موسى الصدر ضيف ليبيا صيف 1978 طي الكتمان ولم توضع فيه النقاط فوق الحروف. وحين يجتمع المجلس الشيعي الأعلى ويطلب عدم وجود الحكومة الليبية في القمة يكون قد عكس خواطر اللبنانيين، واعتبر تغييب الإمام موسى الصدر خطاً أحمر!

وقد تجلت صورة الإمام الصدر في إطارها الوطني عندما أطلق مؤتمره الصحافي في كنيسة الكبوشية عند منطقة باب ادريس وألقى كلمته الجامعة بين كل الطوائف والمذاهب، ولا يمكن أن أنسى ذلك الصيف الساخن الذي استدعاني فيه الإمام الى الكلية العاملية حيث كان يقوم بانقطاعه عن الطعام من أجل وحدة لبنان. وقد حدثني تلك الليلة حديث الأب لابنه، وقال لي: <اسمعني جيداً يا صديقي. أنتم رجال الإعلام القاعدة السياسية التي يقوم عليها الوطن. فتصرفوا من خلال هذه الحقيقة>.

ومن أجل ذلك رأيت في اجتماع المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى لصرف النظر عن مجيء الوفد الليبي الى القمة العربية الاقتصادية في بيروت، ولم أنظر لحظة واحدة الى كون الإمام الصدر شيعياً وصاحب مذهبية، بل كنت أرى فيه زعيماً وطنياً فوق المشارب الطائفية والمذهبية.

ولكن اسمحوا لي بالمقابل أن لا أجاري التجمع الطائفي الواحد كالذي دعا إليه البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس الأربعاء ضمن إطار الزعامات المارونية، لأنني أنظر الى الرئيس أمين الجميّل على أساس أنه زعيم وطني دارت عليه الدوائر، واضطر الى السكن في المنطقة الباريسية <لا ديفانس>، كما أرفض التعاطي مع الرئيس ميشال عون كزعيم للموارنة، وقد سعيت إليه زمان النصف الثاني من التسعينات عندما كان منفياً في منطقة <هوت ميزون> وأجريت معه حديثاً يشمل دعوة كل اللبنانيين الى الالتفاف حول وطنهم، وإعادة الاعتبار الى دوره في المنطقة.

كذلك الأمر بالنسبة للزعيم الشمالي سليمان فرنجية. فهو يأتي من بيت استقلالي بامتياز، ولا ينسى أصحاب الذاكرة القوية كيف ترأس عمه حميد فرنجية المرشح الرئاسي عام 1952 الوفد اللبناني الى مباحثات الجلاء في باريس بطلب من رئيس الوزراء رياض الصلح، وكيف كان جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية في مكتبه أمام الحديقة العامة في طرابلس يجمع المسيحيين والمسلمين، وهذه الخصوصية فضلته كرئيس للجمهورية عام 1970 على منافسه الياس سركيس. وما ينطبق على سليمان فرنجية ينطبق كذلك على النائب ميشال معوّض حامل إرث والده الراحل الرئيس رينيه معوّض، صديق المسيحيين والمسلمين معاً، والصديق الصدوق للرئيس الشهيد رشيد كرامي.

زوال القوة الضاربة!

حتى البطريرك بشارة الراعي ليس كباقي البطاركة في تاريخ لبنان، ما عدا البطريرك نصر الله صفير أول صوت تشجيعي لاتفاق الطائف مما أوقعه في مأزق مع أنصار العماد ميشال عون قائد الجبهة العسكرية عند بلدة سوق الغرب، واضطر في عز الشتاء أن ينتقل الى مقر البطريرك الصيفي في قضاء بشري، حتى يداخلنا الشك في مؤتمر الطائف صيف 1989، بوجود نية مبيتة للخروج من مقررات مؤتمر الطائف الى مؤتمر وطني جديد يعيد الاعتبار الى صلاحيات رئيس الجمهورية التي تبخرت في غمضة عين في مؤتمر الطائف. كان الميثاق الوطني يعطي رئيس الجمهورية صلاحية تأليف الحكومة وانتقاء الوزراء واختيار رئيس منهم.

ولقد حمل العماد عون على اتفاق الطائف لأنه نقل رئيس البلاد من الحاكم الآمر الناهي الى واحد من فرقة الحاكمين، وهذا في رأي ميشال عون ما يعطل التأليف النهائي للحكومة. حتى ان البعض نقل عن الرئيس عون ان اتفاق الطائف حوّل رئيس الجمهورية من بطل للمسرح الى <كومبارس> في حين ان كلمة من شفتي الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> تكفي لاتخاذ القرار الخاص بالبلاد، وكذلك فإن كلمة واحدة من المستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل> تبقى هي الميزان، والأمر نفسه ينطبق على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

واجتماع المطارنة في بكركي يوم الأربعاء الماضي لم يغفل عن ضياع صلاحيات رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومات، وحقه في أن يكون القوة الضاربة، لكن الطائف في نهاية الأمر، نقل البلاد من حكم الطائفة الى حكم الطوائف، وهذا ما جعل الرئيس كميل شمعون من وراء سريره المرضي في مستشفى <أوتيل ديو> يوعز الى مساعده الوزير الأسبق جوزف الهاشم متابعة الجهود مع العميد سمير شعراني، وكيل الرئيس رشيد كرامي في الحوار، وبذلك يكون أكبر رأس ماروني في الخمسينات قد مهد لاتفاق الطائف!

والاجتماع الماروني الذي دعا إليه البطريرك بشارة الراعي ظهر الأربعاء الماضي لم يلمح الى المطالبة بأي تغيير في اتفاق الطائف، وترك للهمسات أن تأخذ مجراها. إلا أن الزعيم الشمالي سليمان فرنجية وضع النقاط المتعلقة بمعركة رئاسة الجمهورية فوق الحروف، حين اتهم وزير الخارجية جبران باسيل بالسعي المتواصل الى أن يكون للتيار الوطني الحر أحد عشر وزيراً، وبذلك يحصل على الثلث الوزاري الضامن، بحيث يستطيع إسقاط الحكومة ساعة يريد، كما فعل الوزير السابق عدنان السيد حسين عندما قدم استقالته فجأة من حكومة الرئيس سعد الحريري، فيما كان رئيس الوزراء اللبناني على باب البيت الأبيض لمقابلة الرئيس السابق <باراك أوباما> فتحول الاجتماع الى مجرد تبادل عواطف بروتوكولية، وعاد الرئيس الحريري ليواجه حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي.

 

الحريري وجحر الثلث المعطل

ذلك كان الجحر والرئيس الحريري لا يحب أن يلدغ من الجحر مرتين!

ولكن أين الحكومة التي سيرئسها؟ ومتى يحين هذا الاستحقاق الدستوري؟! وقد أثبت الرئيس الحريري حتى الآن أنه يخاطب أهل الشرق الأوسط والعالم أفضل مما يخاطب اللبنانيين، إذ انتهز زيارة سفير إيران <محمد جلال فيروزيان> لبيت الوسط، فأعلن في <منتدى القطاع الخاص العربي> تألمه من غياب ليبيا عن القمة العربية الاقتصادية في بيروت. وهذا الألم منشؤه أن الشعب الليبي ليس مسؤولاً عن اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، بل يتحمل مسؤولية الاختطاف العقيد معمر القذافي وجهاز استخباراته!

أي أراد الرئيس الحريري أن تبقى خيوط الود موصولة بين الشعب اللبناني والشعب الليبي، وبذلك يبقى لبنان ملتقى العرب.

ولنكن من الصراحة بمكان ونسأل: لماذا غاب معظم الملوك والرؤساء عن القمة العربية الاقتصادية في بيروت؟!

في معلومات لـ<الأفكار> أن القادة العرب تشاوروا تليفونياً حول حضور القمة العربية الاقتصادية في سبيل أن يعرفوا مستوى التمثيل لكل بلد. وكان واضحاً أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد سيغيب عن هذه القمة مع أنه يحفظ للبنان أكثر مشاعر الود، ومثله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي لم ينف سفيره في لبنان نزيه النجاري مسألة حضوره أو غيابه، وإن كانت المعلومات السرية تقول إنه سيغيب عن القمة.

ويبقى الموضوع الأساس في القمة العربية الاقتصادية وهو سوريا. فإن سوريا لم تتلق دعوة من لبنان لحضور هذه القمة، وهذا سينعكس على مشاريع إعادة إعمار سوريا التي يبرع فيها لبنان، إضافة الى تشغيل مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس لدخول ورشة الإعمار. وحجب الدعوة عن سوريا مبعثه أنها لا تزال تحتضن إيران وحرسها الثوري، وهذا ما أشار إليه السفير الأميركي <دايفيد هيل> وهو يلتقي المسوؤلين اللبنانيين بدءاً من الرئيس ميشال عون. ولذلك جاء تطمين <هيل> للرئيس اللبناني بأن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وحزب الله لا تمنع التعاطف الأميركي مع لبنان، برغم الثغرة المصرفية التي فتحتها واشنطن مع لبنان بسبب حزب الله.

ولنقلها بصراحة: هل يمكن أن تتألف حكومة بدون حزب الله؟! وهل يمكن رسم المستقبل الآتي للبنان بدون حزب الله؟! فكيف إذا كان هذا الحزب متحالفاً حتى العظم مع حركة <أمل> والرئيس نبيه بري؟!

ومن عناصر التهدئة والسلام في الحياة السياسية اللبنانية أن السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله قالها غير مرة بأن الحزب يبارك استلام الرئيس الحريري لرئاسة الوزارة ولا يعترض.

ويبقى أن نؤكد بأن القمة الانمائية العربية أعادت لبنان الى خريطة المشاريع الاستثمارية من جديد، بدءاً من مقررات مؤتمر <سيدر> الباريسي، رغم غياب قادة عرب من الطراز الأول مثل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، ورئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي، واكتشف العرب أن لبنان هو أفضل أرض عربية للاستثمار وإقامة المشاريع، وهذا هو المردود الأكبر الذي وفرته القمة، وهكذا هو الانطباع الأول لحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد.

والعبرة الآن في الأيام المقبلة وفي حركة الأسواق العربية بعد هذه القمة.