بقلم علي الحسيني
على الرغم من الأجواء الإيجابية التي خلّفها الإتفاق الإيراني السعودي تحت المظلّة الصينيّة على لبنان وما تبعها من مواقف مُرّحبة لا سيّما على صعيد إعادة ترتيب البيت اللبناني الداخلي خصوصاً على الصعيدين السياسي والإقتصادي، إلّا أن الحقيقة الملموسة هي أن الجميع في لبنان قد فوجئ بهذا الإتفاق وعلى رأسهم "حزب الله" الذي حاول اللحاق بالإعلان وإجراء قراءة سريعة لكي يبني على الشيء مُقتضاه. كما أن خصوم "الحزب" في لبنان، تريّثوا بدورهم بالإعلان عن مواقفهم، خشية منهم بأن يُصيبوا الدبلوماسية السعودية بطريقة يُمكن أن تُكلّفهم في مجالات مُختلفة.
تأثير الإتفاق السعودي الإيراني في المنطقة
كما في كُل مرّة تتقارب فيها وجهات النظر بين دول المنطقة لا سيّما الدول العربية والإسلامية كما هو الحال بالنسبة إلى الإتفاق الذي حصل منذ أيّام بين السعودية وإيران، تبدأ التحليلات السياسية والدبلوماسية بفكفكة طلاسم الإتفاقات على قاعدة من الرابح ومن الخاسر ليتبيّن لدى جزء كبير من هؤلاء المُحللين، بأن الولايات المُتحدة الاميركية هي الخاسر الأكبر وبأن الصين هي المُستفيد الأكبر لدرجة وصفها بالقوّة الصاعدة. لكن في مُجمل الأحوال، فإن الإتفاق المُعلن، قد أرخى بظلاله الإيجابية بدءاً من الأزمة اليمنية ومروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان الذي ما تزال هُناك قُطبة مخفيّة تتعلّق بمصيره السياسي لا سيّما على صعيد الإستحقاق الرئاسي وذلك في ظل بعض الاحاديث التي تقول أنه لن يكون هناك تأثير مُباشر للإتفاق السعودي الإيراني على مُجمل الملف اللبناني.
في السياق، ثمّة تحليلات سياسية ذهبت إلى حد القول أنه في حال تمكّنت كُل من السعودية وإيران بالتعامل باليوان الصيني في تعاملاتها التجارية، خاصة النفطية، معها فستكون ضربة قاسية للدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمي، ما سيؤدي إلى تراجع حجم تداوله مقابل العملات الأخرى، ويمهد أكثر لعالم متعدد الأقطاب، وبان هذا الوضع قد يدفع الولايات المتحدة للسعي لإفشال الاتفاق السعودي الإيراني، واللعب على نقاط الخلاف الكثيرة بين البلدين، إما بممارسة ضغوط على الرياض للانسحاب منه أو تقديم إغراءات لتعزيز تحالفاتها معها، ليس أقلها مساعدتها على بناء برنامج نووي سلمي خصوصاً وأن السعودية كانت انتقدت قبل أيّام من إتفاقها مع إيران، الاتفاق النووي حيث وصفته بالغير مثالي ويجب أن يعالج مخاوف دول الجوار.
ماذا عن الملفّ اللبناني؟
لا يبدو حتّى الساعة، أن الإتفاق السعودي ـ الإيراني، سيكون له تأثير كبير على الملف الداخلي اللبناني على الرغم من إنعكاس الإتفاق إيجاباً على صعيد المواقف السياسية لا سيّما "حزب الله" الذي عبّر عنه عضو المجلس المركزي في "الحزب" الشيخ نبيل قاووق، معتبرا أن الاتفاق الإيراني السعودي يشكّل فشلاً استراتيجياً مزدوجاً لإسرائيل وأميركا، وضربة قاضية للمشروع الإسرائيلي الأميركي بإنشاء" ناتو "عربي إسرائيلي ضد إيران. هذا مع العلم، أن قاووق نفسه، كان وصف منذ فترة السفير السعودي في لبنان( وليد البخاري) ، بـسفير "الفتنة" الذي لا يريد للبلد أن يرتاح أو أن يخرج من الأزمة، وإنما يعمل لأجل التحريض والفتنة بين اللبنانيين، فيتدخل في الشؤون اللبنانية، ومن ثم يدعي أن السعودية على مسافة واحدة من اللبنانيين، ويطالب لبنان بألا يتدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، وكأن السفير اللبناني أو حزب الله يتدخلون بتشكيل الحكومة السعودية، أو أنهم يتدخلون في الانتخابات السعودية إذا كان هناك من انتخابات.
ويكشف خصوم "حزب الله"، أن الإتفاق ترك حالة من الإرباك داخل "الحزب" كما لدى بقيّة السياسيين والأحزاب اللبنانية، وبحسب المصادر أن قيادة "حزب الله" تريّثت في إعلان أي موقف مُتقدّم تجاه الإتفاق حيث أفسحت في المجال بداية أمام بعض السياسيين في داخله، لإعلان موقفهم الشخصي بشكل لا يُحرج القيادة التي عمّمت على مجالسها فوراً، عدم التطرّق للإتفاق من الناحية السلبيّة وترك الأمور لها لكي تُقرر طبيعة المسار وخصوصاً بما يتعلّق بالملف اللبناني مع قرار الإبتعاد عن لُغة توجيه الإنتقادات للسعودية أو للإتفاق خلال الفترة الحالية لكن مع التشديد على أن رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية سيبقى مُرشّح "الثنائي الشيعي".
أي دور لعبه الكاظمي في الإتفاق؟
بدوره كشف رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي عن تفاصيل دوره في انجاح الحوار السعودي الايراني مؤكداً أن حكومته كانت قد أسست لهذا الحوار الاستراتيجي الذي حصلت أولى إجتماعاته في بغداد على مستوى رؤساء الأجهزة وتناولت قضايا متعددة وكانت ناجحة جداً، موضحاً أن هذا الحوار الذي بدأ عام 2021 وكان صريحاً ومثمراً وأول تقدم هو أنهم التقوا للمرة الأولى وجهاً لوجه وتكلموا بكل صراحة والإيرانيون سمعوا وجهة النظر السعودية وسمع السعوديون وجهة النظر الإيرانية وحصل اعتراف بحدوث أخطاء بينها وما حصل للسفارة السعودية في طهران.
وأكد الكاظمي أنه كان يحضر ويدير جلسات الحوار والتي كانت تستمر أحياناً خمس أو ست ساعات وتعقد في مكان سري في بغداد حيث كان أمنهم هاجساً جدياً لديّ، لئلا يتعرض أحد منهم لأي خطر، مؤكداً أن نجاح الحوار السعودي - الإيراني ساعد على التهدئة في المنطقة والسعودية دولة مهمة جداً في المنطقة كما هي إيران وهما جارتان مسلمتان والمصالح المشتركة كثيرة بينهما.
وأشار الى أن علاقته مع السعودية بدأت عندما كان رئيساً لجهاز المخابرات، ونقل رسالة من الحكومة العراقية اليها وفيها أنه ليست لدينا مشكلة مع مذهب معين أو طائفة معينة، مشكلتنا مع التكفيريين أو الإرهابيين وكان جواب الأمير محمد بن سلمان، حقيقة، جواباً ذكياً وقال نحن لا نتعاطى السياسة على أساس المذاهب، بل نتعاطى على أساس المصالح المشتركة وعلى أساس انتماءاتنا الثقافية.