يتردد في أروقة السياسيين في لبنان، ان احد أسباب تأخير الرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومته من خلال تقديمه أسماء يعرف ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سوف يرفضها، يعود الى رغبة الرئيس الحريري في ان تحل حكومة تصريف الاعمال برئاسة الدكتور حسان دياب موضوع رفع الدعم عن مواد أساسية نظراً لتراجع الاحتياطي في مصرف لبنان بحيث تتحمل حكومة دياب مسؤولية هذه الخطوة لا ان تتحملها حكومته الجديدة لأن الحريري راغب في ان يستلم البلاد "على بياض" ولا يريد ان يتحمل وزر ما فعلته حكومة دياب. وهذا الامر يعتبره الحريري من المسلمات لأنه يريد ان ينطلق في حكومته من مفاهيم أخرى لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.
في المقابل، فإن عملية رفع الدعم عن المواد الأساسية المدعومة من مصرف لبنان لم تكتمل فصولها لاسيما وان البطاقة التموينية، او البطاقة الائتمانية، التي ستكون البديل لدعم بعض هذه المواد لم تنته بعد على رغم انها تؤمن تمويلاً بسيطاً بشكل شهري للبنانيين الأكثر فقراً ليتمكنوا من مواجهة المرحلة... اما سبب التأخير في انجاز البطاقة التي كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اول من كشف عنها قبل اشهر، هو الحاجة الى تحديد المرجعية، أي الوزارة، التي يفترض ان تتسلم تحديد المستفيدين وتوزيع البطاقات وسط شكوى من وجود "كباش" بين الوزارات للامساك بهذا الملف، فضلاً عن وجود سبب آخر مهم وهو تأمين التمويل اللازم، خصوصاً ان حاكم مصرف لبنان يريد ان يتخذ قراره بالتمويل بناء على معطيات دقيقة وواضحة فضلاً عن تحديد المرجعية.
مصادر معنية توقعت ان يشهد الأسبوع الذي يلي أسبوع العطلة الميلادية والسنة الجديدة، انعقاد سلسلة اجتماعات لبت هذا الموضوع لاسيما وان عملية ترشيد الدعم انطلقت أصلاً من وزارة الاقتصاد والتجارة، بعد التخفيض الذي طرأ على السلة الغذائية المدعومة بنسبة تتراوح بين 55 و60 في المئة، على ان تشمل قريباً الادوية التي تشترى من دون وصفة فيتم توفير نحو 250 مليون دولار من ترشيد الدعم في هذا القطاع. الا ان ثمة إشكالية برزت وهي تتعلق عما اذا كان الترشيد سوف يشمل النفط لأنه أساسي ومطلوب من جهة، ويؤثر على مختلف القطاعات من جهة أخرى....
وفي هذا السياق، تشير الدراسات المعدة في هذا الخصوص الى انه في حال رفع الدعم الجزئي عن البنزين بحيث يتم حينها اعتماد سعر الدولار وفقاً لمنصة (مصرف لبنان) أي 3900 ليرة للدولار (السعر الرسمي 1500 ليرة والسوق السوداء فوق 8000 ليرة)، فسيرتفع سعر صفيحة البنزين من نحو 24 الف ليرة لبنانية الى 39 الف ليرة، بغياب شبكة حكومية للنقل العام، وعدم شمول هذا النقل، وإن وجد، كل المناطق، فضلاً عن انه غير منظم ويعاني الفوضى والعشوائية".
إضافة الى ان اللبنانيين يعتمدون بشكل أساسي على خدمة النقل التي يقوم بها القطاع الخاص من خلال 40 الف سيارة عمومية و13 الف فان (حافلة صغيرة) وتقتصر وسائل النقل الحكومية على 37 باصاً لتسعة خطوط في بيروت لخدمة مليوني نسمة، ولا يستخدم النقل المشترك الا اثنان في المئة من الركاب.
ويقول مصدر في وزارة الشؤون الخارجية ان الأرقام المتوافرة تفيد بوجود نحو 650 الف عائلة ستكون بحاجة للمساعدة مع ترشيد ورفع الدعم مشدداً على ان قواعد الاختصاص تفرض على وزارة الشؤون تحديد من يحق له ان يستفيد من البطاقات التمويلية المفترض إصدارها. علماً ان الوزارة وضعت خطة لانشاء نظام متكامل للمعلوماتية، أي نظام مركزي يستقبل كل قواعد البيانات الموجودة بالادارات العامة لتحديد الأشخاص الواجب ان يستفيدوا من هذه البطاقات، ويضيف المصدر ان 60 في المئة من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، مما يعني ان هؤلاء الأشخاص يستأهلون الاستفادة من البطاقات التمويلية. اضف ان دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية ومديرية الاحضاء المركزي في لبنان خلصت الى ان 74 في المئة من أصحاب الدخل يعدون مستضعفين، وبالتالي يستأهلون الحصول على الدعم .
ويشرح المصدر بأن "مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً رفع عدد المستفيدين الى 50 الفاً علماً بأنه ومع شبكة الأمان الاجتماعية الممولة عبر مشروع قرض البنك الدولي وقيمته 246 مليون دولار فإنه من الممكن مساعدة 150 الف عائلة جديدة، مما يرفع العدد الإجمالي الى 200 الف عائلة تستفيد من بطاقات ائتمانية غير البطاقات التي يفترض ان تصدر لتغطية أعباء رفع الدعم". ويضيف : " ندفع كي يكون هناك نوع من التكامل بين مشروع الدعم ومشروع شبكة الأمان وبرنامج الأسر الأكثر فقراً، لا ان يحل الواحد مكان الآخر، على ان يتولى (مصرف لبنان) تمويل مشروع الدعم او من خلال الحصول على قروض جديدة".
ويرى مطلعون انه يجب تشخيص المشكلة قبل طرح حلول لها والانطلاق من معطى أساسي وهو ان الدولة مفلسة ولا وجود لاموال لنفقات حكومية باعتبار ان 70 في المئة من مداخيل الدولة تذهب لرواتب الموظفين في القطاع العام، والدعم الذي يقوم به مصرف لبنان من الاحتياطي الذي يتدهور يؤدي الى نفاد ما تبقى من أموال المودعين التي لن يتبقى منها الا الشيء القليل. ويضيف هؤلاء ان المطلوب هو ضخ السيولة في الاقتصاد اللبناني لانشاء شبكة امان بالحد الادنى والقيام بالإصلاحات كي يتمكن الاقتصاد من تمويل الخدمات الأخرى، وهذا يحصل اما من خلال فرض مزيد من الضرائب، وهو أمر مستحيل حالياً واما من خلال الاستدانة وهذا أيضا امر غير متاح لأننا لم ندفع الديون المتوجبة علينا أصلاً. اما الخيار الثالث هو وصول مساعدات دولية لاسيما من صندوق النقد الدولي، وهذا الامر غير متاح قبل تشكيل الحكومة الجديدة التي لا تزال المشاورات في شأنها مستمرة من دون نتيجة!.