ما زالت علامات الاستفهام تحيط بواقع العلاقات القائمة حالياً بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله بعد المواقف التي صدرت عن رئيس "التيار" النائب جبران باسيل حول إعادة النظر في التحالف القـــائم بين الحزبين من خــــلال إعادة تقييم التفـــاهم الذي ولــد في 6 شباط ( فبراير) من العام 2006. وما يزيـــد هذه التساؤلات اتساعــــاً مواقف تصدر عن نـــواب في "التيار" حول هذه العلاقة، تقابل بصمت شبه كامل من الحزب الذي يحرص على عدم وضع علاقته مع "التيار" في الواجهة راهناً. ويؤخذ على النائب باسيل انه طرح علناً مسألة تقييم التفاهم بين الحزبين، في محاولة منه لدرء ردود الفعل التي تعالت في صفوف القاعدة العونية حول الانعكاسات السلبية التي حصلت نتيجة العلاقة مع حزب الله والتي وصلت الى حد فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على النائب باسيل ومقاطعته كلياً من قبل الوفود الأميركية التي زارت لبنان خلال الأشهر الماضية.
واذا كان النائب باسيل الأكثر استهدافاً في ردود الفعل السياسية على علاقته مع حزب الله، فإن الأنظار تتجه أيضاً الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وقع على تفاهم 6 شباط مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، والذي يحرص دائماً على إعطاء علاقته مع حزب الله طابعاً خاصاً يندرج في اطار التعاون ومقاربة الأوضاع السياسية التي تواجه العهد من زاوية متشابهة. وكان لافتاً في هذا السياق ما صدر عن قصر بعبدا الأسبوع الماضي، من ان الحزب لا يضغط على الرئيس عون في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة ولا في أي موضوع آخر، لأن لكل من الطرفين مواقفه المعلنة في المسائل السياسية المطروحة على الساحة الداخلية. واعتبر البعض ان في كلام الرئيس عون "رسالة" استباقية الى قيادة المقاومة لعدم الضغط عليه في عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً بعد المواقف التي صدرت عن السيد نصر الله ونواب "كتلة الوفاء للمقاومة" حول ضرورة تسهيل عملية التشكيل. ويتحدث مراقبون عن ان موقف الرئيس عون من العلاقة مع حزب الله هو موقف يعني القضايا الاستراتيجية الاساسية، اما في ما خص التفاصيل السياسية الصغيرة فإن لكل من الطرفين وجهة نظره وموقفه وتصرفه.
اعلان النائب باسيل عن إعادة تقييم التفاهم مع حزب الله اقترن بتشكيل لجنة ثنائية من مسؤولين في الحزبين مهمتها درس التفاهم والنقاط الواجب تطويرها على ضوء التطورات والمستجدات التي حصلت خلال السنوات الـــ 15 الماضية. لكن هذه اللجنة لم تلتئم بعد في انتظار الانتهاء من تحديد النقاط التي لا بد من درسها وتقييمها بغية الوصول الى تصور مشترك حيالها من دون ان يعني ذلك، الوصول الى تفاهم حولها كلها، على رغم ان لكل من الطرفين رؤيته ونظريته في المواضيع المطروحة. والواقع ان هذه المواضيع أصبحت محددة في ضوء المواقف المعلنة لكل من السيد نصر الله والنائب باسيل وعدد من قيادات الحزبين، وتلخصها مصادر متابعة بالاتي:
مستقبل لبنان والنظام السياسي
- النقطة الأولى تتعلق بمستقبل لبنان ودوره في المنطقة على ضوء التطورات الداخلية والإقليمية والدولية خصوصاً مع تزايد الاحداث في لبنان وفي دول الجوار وفي منطقة الشرق الأوسط ككل وفي هذا السياق، اعد "التيار الوطني الحر" دراسة جيوساسية تناولت المستجدات وتأثيرها على الوضع اللبناني عموماً وعلى التركيبة اللبنانية خصوصاً. وفي الطرف الآخر، حدد حزب الله، أسس قراءته الاستراتيجية لهذا الملف من ضمن نظرة الحزب الى ما يجري من احداث والتي سبق للسيد نصر الله ان تحدث فيها باسهاب خلال مقابلته مع محطة "الميادين".
- النقطة الثانية تتعلق بالشأن الداخلي اللبناني لاسيما في كيفية مواجهة الفساد وإصلاح النظام اللبناني واستكمال او تطوير اتفاق الطائف وذلك من خلال تقييم ما جرى في السنوات الأخيرة والازمة السياسية والمالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان هذه الأيام. وتقول مصادر "التيار" إن اتفاق الطائف سيكون محور درس وتقييم مع قيادة حزب الله في ضوء التجربة التي حصلت في لبنان "والثغرات" الكثيرة التي ظهرت خلال تطبيق الاتفاق والتي تستوجب معالجة جدية ومسؤولة لتفادي "السقطات" السياسية التي حصلت خلال الأعوام الماضية والتي لم ينج منها أي عهد من العهود الرئاسية التي توالت بعد الطائف. وتشير المصادر الى ان ملاحظات "التيار" على اتفاق الطائف معروفة وسيكون البحث فيها مع حزب الله مناسبة لبلورة رؤية جديدة للاتفاق لا تمس جوهره وعناوينه الأساسية، بل تصحح ممارسته وتطبيقه.
- النقطة الثالثة تتناول الدور الإقليمي لحزب الله والاستراتيجية الدفاعية بعد الدور الذي قام به خارج لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة. وفي هذا السياق تأتي مسألة الاستراتيجية الدفاعية في طليعة عناوين هذه النقطة لاسيما وان الرئيس ميشال عون تقدم برؤية متكاملة للاستراتيجية الدفاعية عندما كان يرأس وفد "التيار" في اجتماعات الحوار في عهد الرئيس ميشال سليمان ولا شك ان هذه الرؤية تحتاج الى تطوير يأخذ في الاعتبار المستجدات التي حصلت خلال الأعوام الماضية ومواقف حزب الله من القرارات الدولية ولاسيما القرار 1701 وآليات تطبيقه خصوصاً وانه لم يطبق منه الا البند الأول وهو "وقف العمليات العدائية" في حين لن ينتقل التطبيق بعد الى بند "وقف اطلاق النار" ما يعني ان الواقع القائم في الجنوب حالياً يرتكز على ارادتين بعدم حصول أي تصعيد، الأولى من حزب الله الحريص على استمرار الاستقرار، والثانية من إسرائيل التي تدرك ان أي تصعيد من قبلها او خرق للقرار 1701 سيشعل المنطقة من جديد في فترة دقيقة جداً لا مصلحة لأي طرف فيها في اشعال عود الثقاب الذي يشعل ناراً قد تمتد الى دول أخرى على حافة الاشتعال.
قانون الانتخاب
- النقطة الرابعة تتصل بقوانين الانتخابات الجديدة وكيفية تطوير النظام الانتخابي على نحو يحفظ التوازن الداخلي ويتجاوز الإشكالات الناتجة عن القانون الحالي من خلال الالتزام بالنسبية وكيفية تجاوز الطائفية وإقامة الدولة المدنية. وهذا الملف يعتبر من الملفات الشائكة لأن مواقف الطرفين ليست قريبة من بعضها البعض في ما خص قانون الانتخابات النيابية، لاسيما وان حليف حزب الله الرئيس نبيه بري قدم اقتراحاً بأن تجري الانتخابات على أساس الدائرة الواحدة في كل لبنان وهو ما يتحفظ عليه "التيار الوطني الحر" والأحزاب المسيحية وعدد من المجموعات الحزبية في الطرف الآخر. لقد كانت انتخابات العام 2018 تجربة لقانون النسبية مع الصوت التفضيلي، فكانت لهذه التجربة سلبيات وايجابيات يقرأها كل طرف سياسي في لبنان كما يريد او كما يناسب مصالحه. من هنا فإن المصادر تتوقع ان يشهد هذا البند نقاشاً بين "التيار" و"الحزب" من دون ضمان الوصول الى اتفاق حياله.
- النقطة الخامسة تشمل العلاقات بين قاعدتي الفريقين في ظل الإشكالات التي حصلت خلال الأعوام الأخيرة والتي أدت الى بروز التباينات وانعكاسها على الواقع السياسي والمجتمعي والإعلامي، ودرس سبل تطوير العلاقات الثنائية على المستويات كافة. وفي هذه المسألة لا ترى مصادر "التيار" كما مصادر "الحزب" أي صعوبة في التعاطي لاسيما وان في استطاعتهما "ضبط" جمهور كل من الطرفين عند الضرورة وحصر ردود الفعل في الحد الأدنى.
- اما النقطة السادسة فهي ترتبط بكيفية مقاربة التطورات والاحلاف الجديدة التي تنشأ في المنطقة ومشروع التطبيع مع إسرائيل ومستقبل الصراع معها وقضايا الحياد وغيرها من التغيرات الدولية والإقليمية. وهذا البند يندرج في اطار المواضيع "الاستراتيجية" التي لا يختلف عليها الطرفان.
وتعتقد مصادر على خط تحضير اللقاءات المرتقبة، ان ثمة مواضيع أخرى تفصيلية يمكن ان تدرج على جدول الاعمال في اطار حوار مفتوح وصادق بين الطرفين خصوصاً في الشؤون الداخلية التي ستأخذ حيزاً كبيراً من البحث، خصوصاً اذا ما تم تجاوز عقد تشكيل الحكومة العتيدة.
في أي حال، التحالف بين "الحزب" و"التيار" باق اذ لم تؤثر فيه الخلافات "البسيطة"، كما يقول مسؤول في حزب الله إن النقاط الاستراتيجية تشكل قاعدة صلبة للتفاهم والمهم كيفية تطويره مستقبلاً لاسيما في ظل إرادة مشتركة بأن يبقى هذا التفاهم "نموذجاً" للعلاقة بين حزبين لكل منهما واقعه السياسي وجمهوره وبيئته.