بقلم خالد عوض
[caption id="attachment_83899" align="aligncenter" width="601"] شركة "مون اكسبرس" تسعى إلى إرسال بعثات استكشافية إلى القمر ابتداءً من ٢٠٢١.[/caption]التطور التكنولوجي منذ بداية التسعينات أحدث ثورات صناعية متتالية. فمنذ دخول الكمبيوتر الشخصي إلى عالمنا تتالت موجات القفز التكنولوجي في جميع القطاعات. ثم جاء الإنترنت ليزيد حجم هذه الموجات ويفتح المجال لثورة في الإتصالات اوصلتنا اليوم إلى الهاتف الذكي وتطبيقاته وإلى منصات التواصل الاجتماعي. وهذا بدوره ادخلنا في عصر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IOT) أي التواصل الرقمي للمعدات والأجهزة. ولكن في السنوات الخمس الأخيرة ظهر تطور صناعي جديد هو على وشك أن يحدث ثورة صناعية كبيرة جدا ليس فقط على الأرض بل حتى في الفضاء. تسميته المعروفة هي الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) ولكن مفاعيله ومتفرعاته ستكون بتأثير الإنترنت نفسه على الاقتصاد وربما أكثر.
الحلم في ٢٠٠٢ والواقع في ٢٠٢٠
قيل الكثير عن رئيس شركة "تسلا" للسيارات الكهرباية "إلون ماسك" الذي سيبلغ الخمسين سنة بعد ست شهور. هذا الصناعي الرؤيوي ولد في "بريتوريا" من أب جنوب أفريقي وأم كندية وانتقل إلى كندا في سن السابعة عشرة ثم إلى مدينة فيلادلفيا في الولايات المتحدة حيث تخرج من جامعة "بنسيلفانيا" بشهادتي الفيزياء والاقتصاد. ثم توجه إلى جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا لمتابعة الدكتوراه ولكنه ترك الدراسة بعد يومين فقط وقرر الانتقال إلى عالم الأعمال. أسس شركة برمجيات وتمكن من بيعها بأكثر من ٣٠٠ مليون دولار عام ٢٠٠٠ ثم أسس عام ٢٠٠٢ شركة "سبايس اكس" حالماً من خلالها أن يتوصل إلى نقل الناس إلى الفضاء. هو أبو صاحب الأفكار التي تبدو للوهلة الأولى "مجنونة" ليتبين بعد عدة سنوات أنها ليست عصية على التحقق. "ماسك" يرى عالم اليوم بمنظار لا يقل مداه عن عشرين عاماً. زادت ثروته خلال هذا العام وحده ١٠٠ مليار دولار بعد صعود أسهم شركة "تسلا" إلى مستويات قياسية، وأصبح ثاني أغنياء العالم بعد "جيف بيزوس" مؤسس شركة "أمازون". القيمة السوقية لشر
[caption id="attachment_83901" align="alignleft" width="372"] إلون ماسك" رئيس شركة "تسلا" ومؤسس شركة "سبايس اكس": سهولة السفر إلى الفضاء ابتداءً من عام ٢٠٢١.[/caption]كة "تسلا" التي تصنع السيارات الكهربائية أصبحت أكبر من القيمة السوقية لكل شركات صناعة السيارات مجتمعة بما فيها "تويوتا" و"جنرال موتورز" و"دايملر" مع أن أرباح الشركة ما زالت متواضعة. ولكن قصة "إلون ماسك" ليست محصورة بـ"تسلا" بل بما حققته شركة الفضاء "سبايس أكس" التي أطلقت بالشراكة مع وكالة الفضاء الأميركية "الناسا" أول رحلة مأهولة إلى محطة الفضاء الدولية القابعة في المدار الأرضي المنخفض وعادت بعد شهرين إلى الأرض. هذا لم يكن بحد ذاته حدثاً استثنائياً فقد بعثت عدة دول مركبات مأهولة إلى الفضاء. ولكن إرسال مركبة وإعادتها إلى
الأرض ثم إعادة إرسالها هي نفسها مرة جديدة بل عدة مرات خلال الأشهر المقبلة يغير كل المعادلات. المركبة الفضائية ستصبح من خلال "سبايس إكس" مثل الطائرة وكلفة الانتقال إلى الفضاء ستهبط من ٥٠٠ مليون دولار إلى أقل من مليون دولار خلال ثلاث سنوات وإلى أقل من مئة ألف دولار قبل عام ٢٠٢٧ شاملة الهبوط على القمر وقضاء بعض الوقت هناك. هذا يفتح المجال الواسع أمام اقتصاد جديد من خلال زيارة الفضاء، اقتصاد من المتوقع أن يصل حجمه إلى أكثر من ألف مليار دولار قبل عام ٢٠٤٠.
ماذا يعني اقتصاد الفضاء؟
انخفاض تكلفة السفر إلى الفضاء يؤدي بشكل مباشر إلى ازدهار السياحة الفضائية والاكتشافية والتواصل بين الكواكب وكل ما يعني ذلك من خدمات سياحية مواكبة. ولكنه يسمح أيضاً بوضع المزيد من الأقمار الصناعية في الفضاء واستخراج قواعد بيانات جديدة على الأرض ومواردها الطبيعية والتحكم بأمور كثيرة على كوكبنا لم تكن ممكنة في السابق. على سبيل المثال تنامي عدد الأقمار الصناعية يسهل قيادة السيارات من دون سائق وتخفيف المخاطر المتعلقة بها وتسريع الإتصالات ونقل البيانات بشكل غير مسبوق. ولكن الأهم في فتح "سوق الفضاء" أمام القطاع الخاص هو القدرة على التعدين على الكويكبات (ASTEROIDS) وعلى القمر
[caption id="attachment_83900" align="alignleft" width="331"] شركة “رلاتيفيتي سبايس” تطور مركبات فضائية بتكنولوجيا الطباعة[/caption]واستخراج منها مواد غير موجودة على الأرض تسمح بتطوير تكنولوجيات جديدة في مختلف القطاعات.
التكنولوجيا التي فتحت أبواب الفضاء..
كانت كلفة إرسال كيلوغرام واحد إلى الفضاء حوالي خمسين ألف دولار منذ عشر سنوات. أصبحت هذه الكلفة اليوم أقل من ٢٥٠٠ دولار للكيلوغرام ومن المتوقع أن تنخفض بسرعة إلى ألف دولار. ما سيسمح بهذا الانخفاض في السعر هو إعادة استخدام المركبات الفضائية أو أجزاء كثيرة منها ولكن الأهم هو الوعد التكنولوجي الذي أتى اليوم عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد. فمن الممكن في المستقبل القريب أن يتم صناعة أجزاء كثيرة من المركبات الفضائية والاقمار الصناعية بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد (3D PRINTING) مما سيخفض كلفتها ويسمح بإنتاج عدد كبير منها بسرعة كبيرة وبإنشاء منصات فضائية مختلفة بقواعد وركائز ثابتة تسمح بالبناء على القمر. من دون تقنية الطباعة الجديدة لم يكن واقعياً تخيل إنشاء منتجع أو فندق أو مطعم على القمر أو في منصات فضائية. هذا الخيال العلمي أصبح اليوم احتمالاً واقعياً يمكن تحقيقه خلال سنوات.
هناك أكثر من مئة شركة جديدة اليوم (أكثريتها أميركية) تتحضر لإطلاق مركبات فضائية مأهولة وغير مأهولة. منها من يسعى إلى اكتشاف مصادر جديدة للطاقة من خلال دفع موجات كهرومغناطيسية إلى الأرض، ومنها من يريد إنشاء مراكز على القمر، ومنها من يريد تخفيض كلفة السياحة الفضائية. ربما لن تنجح معظم هذه الشركات ولكن من الأكيد أننا سندخل في العام المقبل في مرحلة بناء مستقبل فضائي... واقعي.