تفاصيل الخبر

192 مكتبة تذكارية لضحايا تفجير 4 آب...

11/11/2020
192 مكتبة تذكارية لضحايا تفجير 4 آب...

192 مكتبة تذكارية لضحايا تفجير 4 آب...

 

بقلم عبير أنطون

 

الكاتبة والناشرة رانيا زغير: ستشكّل هذه النصب الثقافية محطات مطالعة تعمّ أرجاء الوطن!

  [caption id="attachment_82852" align="alignleft" width="277"] رانيا ..انتظرت حتى ألملم نفسي.[/caption]

 مبادرة هي بنت الطبيعة، قدّمت فيها الكاتبة رانية زغير تحيّتها لضحايا المرفأ الـ192 الذين قضوا في انفجار الرابع من آب (أغسطس) الماضي، وأرادت أن تثبّت لهم ذكرى ثقافية لا يمحوها نسيان، أو تعمّد نسيان، فيكون رحيلهم وكأنّ شيئاً لم يكن. فماذا في هذه المبادرة التي تُحَيّا عليها؟ ما الذي تنصح بقراءته للاطفال والصغار في هذه الفترة العصيبة التي تضافرت فيها عوامل فقدان الأمل وكأنّها امتحان لصبر اللبنانيين، وما خطورة ما نعيشه على عقول الاطفال ومخيلتهم؟

الأجوبة في لقاء "الأفكار" مع رانيا المصنّفة ضمن أكثر المؤلفين الذين يُقرأ لهم من قبل The   Economist في العام 2017، وهي أيضاً مؤسسة دار "الخياط الصغير" لنشر كتب الأطفال المُصوّرة والتي تُرجمت بعض مؤلفاتها الى عشرين لغة. وسألناها أولاً:

- كيف ولدت المبادرة، وهل كان الانفجار من دلّكِ عليها؟

 لم تولد المبادرة بعد الانفجار مباشرة واستغرقت حوالى الشهرين بعد وقوعه، إذ قبل ذلك لم أكن قادرة على التفكير بطريقة سليمة، وتعرفون ان أي مشروع او تجهيز فني يتطلب الصفاء الذهني واستجماع الأفكار، وكنت بحاجة لأن "ألملم" نفسي وأعود وأجد توازني. الفكرة انطلقت من سيري في الأحراش، فأنا امشي تقريباً بشكل يومي (في منطقة النعص) وبعد  الانفجار صارت رحلات المشي تطول، وكان ذلك يهدّئ فكري، فأستمع الى لغة الطبيعة، وهي من أوحت لي بالمباشرة بهذا المشروع، البلابل، الاغصان، حتى البيوت، إذ في الاحراش بيوت للعصافير ايضاً "همست" لي بذلك،  فقلت في نفسي انه يجب ان اربط  بين الأدوات التي اعرف استعمالها التي هي الكتب والتأليف والنشر، بضحايا الرابع من آب (اغسطس). وصودف أنني فكّرت بصوت عال مع صديق لي هو طوني الحج بطرس، وما إن طرحت عليه فكرة البيوت الصغيرة حتى شجعني، أعقبه اتصال مع المعلم "مفيد" النجار وكان البيت الأول.

[caption id="attachment_82854" align="alignleft" width="200"] كتاب بيروت للاطفال.[/caption]

وتضيف رانيا مؤسسة مبادرة "رن رن يا جرس" للقراءة مع النجوم ، ومؤسسة المؤتمر الدولي لأدب الطفل "قصتنا قصة":

 رحنا نتصوّر البيت، نركّب أجزاءه، وكان النموذج الأول في نصب، صحيح أنّه متواضع، الا انه مثقل بالمعاني، يشبه بيوت العصافير التي تزقزق محيية ارواح الضحايا. في جزئه العلوي وفي أسفله مكان مخصص للكتب، ويحمل كل مجسم اسم شهيد من الضحايا الـ192 وستنتشر هذه المجسّمات في محافظات لبنان التسع في تحية لهؤلاء الأبرياء، وفي إحياء لدور لبنان التثقيفي عبر الزمان. نحن مستمرّون في العمل والتركيب، وفي كل فترة نوزّع على البلديات لأنها الطريقة الأصحّ.. ولمّا لا نلمس تعاوناً من بلدية ما، فإننا نقصد الافراد، وفي كل نقطة نضع فيها هذا النصب التذكاري او المزار الفكري كما يحلو لي أن أسمّيه، تروننا نتفق مع الجار القريب من هذه النقطة او صاحب العقار ونطلب منه ان يبقي عينه عليه، اذا ما نقص او امتلأ ان يعطينا خبراً. أما المواد التي صنع منها البيت فهي الخشب، وهو بعمق 30 وارتفاع 60 سنتمتراً، واخترنا الخشب لأنها مادة طبيعية ونحن نصرّ على احترام البيئة والطبيعة اللبنانية التي لطالما تغنى بها كبار الادباء والشعراء العرب والتي تستباح اليوم على مرأى من العالم برمته. البيت مطليّ باللون الاصفر، وهو بسيط وجميل، كتب عليه اسم المشروع واسم الضحية وتاريخ الرابع من آب (اغسطس) .

 - اشرت عن بلديات لم تتعاون. ما تبريرها في ذلك؟

 لا يحبذون وضع الأسماء. إنها سياسة الانغلاق، الانغلاق على أنفسهم. فالمشروع ثقافي، والـ"برغي" الذي نعلق به البيت حتى، تكفّلت بثمنه. لا أطلب من البلديات شيئاً، اصلاً هي مفلسة وأعرف اوضاعها، ولا أحمّلهم فوق طاقتهم. الا ان غالبية البلديات وافقت وباركت.

- المشروع بمراحله كافة هو من جيبك الخاص؟

[caption id="attachment_82853" align="alignleft" width="375"] رانيا زغير ..من أكثر كُتّاب الأطفال قراءة.[/caption]

 التكلفة المادية مني، أي من القرّاء. فأنا من أين يأتي مدخولي؟ اليس منهم؟ كل ما هو من العلم والادب يعود للعلم والادب .

 - وعندما يكون من البلدة او القرية الواحدة اكثر من ضحية، هل يكون لكل منهم مزار ثقافي باسمه؟

طبعاً، الا أنني أودّ أن أشير الى ان قاعدة المعلومات المتعلّقة بالضحايا فوضوية وعشوائية، ولا معلومات عن ارقام هواتفهم او المنطقة التي يتحدرون منها او المستشفى التي توفوا فيها . لا نعرف سوى اسمائهم . كل ما نقوم به، نكوّنه بمجهود خاص لجمع هذه المعلومات.   

- النيّة الأساسية هي أن تضم هذه البيوت الكتب. من اي نوع هي، لمن تتوجه، وكيف يجري العمل في هذه المكتبات؟

هي كتب من كل نوع، لكل العائلة، ولكل من يريد. فمشروع مماثل لا يمكن أن نضع عليه قواعد لكيفية عمله. هو مشروع حرّ وبيئي وفي الهواء الطلق. في المرحلة الأولى، نحن نزوّد البيت بالكتب ويمكن للمجتمع المحلي في المنطقة ان يفعل بالمثل او أن يستعير الكتب، وشخصياً لي ملء الثقة بالناس. فهي بغاية الوعي، وتعرف ان تتصرف لمّا ترى بيتاً جميلاً صغيراً عليه اسم ضحية، ومن تلقاء نفسها سوف تهتم وتعتني به، خاصة واننا نضعه في عهدة شخص ما كما سبق وأشرت.

 - وماذا عن اختيار شعار "كان في عصفور ع الشجرة" الذي يُزين به كل بيت ؟

 هي عدّية ردّدناها جميعنا في طفولتنا، ومحفورة في  ذاكرتنا الجماعية. فمن منا لا يعرفها؟ ولاجل ذلك ارتأيت اختيار ما نعرفه كلنا ونتفق عليه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ اللبناني هو كما العصفور يهاجر، ويعود، وإن لم يعد فإنه يعيش هذا الحلم بالعودة. نحن نشبه العصافير جداً، نتنقّل ونتحرك مثلها، ومع وقوع الانفجار فررنا أيضاً كالعصافير وكأنه "ضرب قواص"، كأنه "جفت"، وكأن احداً ما يصطادنا. انطلاقاً من هذه الامور الثلاثة التي ذكرتها اخترت الشعار .

- والبعض وجد فيها رمزية الروح التي تنطلق من الجسد محلّقة كالعصفور..ما رأيك؟

لِم لا؟ المتلقي يمكنه أن يضع من نفسه وتفكيره، وهذه جمالية الأدب والفن.

 الطفل وحقوقه...

- ما هو وضع الطفل اللبناني اليوم بعد الانفجار؟  

[caption id="attachment_82855" align="alignleft" width="188"] مكتبة الطفلة الكسندرا نجار ..ضحية الانفجار.[/caption]

الطفل اللبناني محروم من أدنى حقوقه، يعيش من دون"جودة"، فهو محروم من المساحات العامة، محبوس بالشقق- العلب، لا يحظى بالتعليم المجاني، ولا بالطبابة المجانية، ولا بالحق في القراءة، ولا بمكتبات عامة تليق بتطلعاته. نادرة هي المكتبات العامة الـ153 التابعة للبلديات التي تليق بأن يزورها الاطفال والكبار حتى، فهي ليست مجددة ولا هي كما يجب ان تكون عليه هذه المساحة الثقافية ، فنجدها وكأنّها أشبه بالمستودع. واليوم بعد الانفجار أضحت الأمور اكثر صعوبة مع اقفال هذه المكتبات العامة حتى إشعار آخر، ومن دون ان نغفل النزف المستمر الذي يعاني منه هذا القطاع بشقه الخاص بعد الدمار الذي طال بشره وحجره.  

- اي نوع من القراءة للصغار يتلاءم مع هذه الفترة العصيبة؟

اعتقد أنه يجب ان نختار معهم الكتب التي تبرز كيف كان لبنان في الحرب وكيف تدمر وتهدّم  وكيف عدنا وبنيناه. أنا كأم احاول ان اطلع اولادي على بنايات تهدمت في الحرب مؤكدة لهم بأنه يمكن اعادة اعمارها، حتى يبقى الامل متّقداً، ولا يعتقدون بأن مدينتهم ستبقى مهدمة كل الحياة. فلنقرأ معهم كتباً عن تاريخ بيروت. وهناك كتب موجهة للصغار في هذا الاطار تحكي عن تاريخها. انا شخصياً الفت كتابا بعنوان "بيروت" في العام 2016. أفضّل التركيز على الادب الذي يحمل الأمل، المشكلة والحلّ، والذي يحكي عن مدينة جميلة ولو انهم لا يرونها كذلك في الواقع، الا ان هذا الحلم يجعل ببالهم ان يجملوها يوماً ما، لمّا يمتلكوا الأدوات والإمكانيات لذلك.  

 - البعض يدعو الى انتشالهم تماماً من الجو القاتم بتوجيههم الى ما هو طريف وفكاهي ..اي الى جوّ مختلف تماماً. ما رأيك بهذه المقاربة ؟

الجواب على سؤال "ماذا نقرأ لصغارنا اليوم" صعب. فكما أنّ كلاً منا نحن الكبار يداوي نفسه بالطريقة التي تريحه، فإن ذلك ينطبق على نوع القراءة ايضاً، إذ يجد كل منا سبيله الى اراحة نفسه بالطريقة المناسبة لوضعه والأمر سيان بالنسبة للطفل.

[caption id="attachment_82856" align="alignleft" width="473"] نصب ثقافي يشبه بيت العصفور..[/caption]

- ومن مؤلفاتك الخاصة وهي عديدة، ومنها ما ترجم الى عشرين لغة، اي كتاب تنصحين بقراءته في هذه المرحلة تحديداً ؟

   أختار كتابَي "بيروت" (حازت عنه جائزة معرض بيروت الدولي للكتاب - فئة افضل كتاب أطفال) وكتاب "فكريّة".

- وهل تفكرين بكتاب للاطفال عن الانفجار وما حدث؟

لا، بطريقة مباشرة هذا غير وارد. ليس أسلوبي ولا طريقتي في معالجة القضايا. انا في كتابتي أعتمد على الرموز وتفكيك الشيفرات، وأكون  لمّاحة غير مباشرة. المباشر برأيي لا يوصل الى اي مكان. الادب الذي يأتي بـ"الورب"، يكون لمّاحاً.

- بعكس الصور القاسية والمباشرة التي تبثها وسائل اعلامنا والتي دخلت عليها صور مواقع التواصل أيضاً. الى اي مدى يؤثر ذلك في نفسية الطفل وينطبع في ذاكرته؟

هذا الأمر بيد الاهل، ومن المفروض أن يكون لديهم الوعي الكافي لحماية أولادهم من صور مماثلة، والمفروض إبعادهم عن أحاديث الكبار وقد باتت مشبعة بالقلق وبالانغلاق. للاسف الكل ينغلق على نفسه في هذه الفترة.

- معروف عنك نشاطك الذي لا يهدأ من قراءة في المكتبات والاماكن المختلفة. اين انتم اليوم من ذلك في ظلّ "كورونا"؟

  للاسف، الأمر كلّه متوقف حاليّاً، والتحذيرات الصحية يجب ان نلتزم بها بغض النظر اذا ما كنا موافقين عليها ام لا .لا مدارس لا مكتبات لا جمعيات لا تجمعات، إلا اننا حاولنا ان نعوّض عبر برنامج بعنوان "الكنباية الزرقا" عبر يوتيوب، ما يمكن للصغار الدخول إليه لخمس دقائق،

[caption id="attachment_82857" align="alignleft" width="113"] ولجو عقيقي مكتبته...[/caption]

وهو يُقدَم لهم بطريقة مرتّبة وحلوة وتحترم ذائقتهم الفنية .

-هل في ذلك ملءٌ لفراغ القراءة المباشرة؟

هي ليست افضل من المباشر بكل تاكيد. ففي القراءة المباشرة هناك كيمياء في الدماغ تحدث عندما نسمع، ونحتكّ ونشم ونشغل كل حواسنا، الأمرالذي لا يمكن لـ"الاونلاين" أن يوفّره.

- حتى  بالنسبة للدروس الاكاديمية، وصفوفنا تعتمد الاونلاين اليوم ؟

إنها مقاربة رديئة جداً للتعلم، بعيدة كل البعد عن ان تفي بالغرض. هي "تقطيع وقت"، كمن يأكل في منامه.

- هل من مشروع كتاب جديد تعدّين له حالياً ؟

لا اشعر اليوم بالحاجة الى الكتابة. هناك امور اهم من الكتابة يجب ان اقوم بها.عليّ أن أقرأ بصوت عال، ان انشر المكتبات. ربما الناس لا تتوجه الى المكتبات، فسأجلبها انا اليهم. ولذلك نقوم بتركيز 192 نقطة مطالعة حرّة. فإلى تخليد ذكرى الضحايا، يقع بين اهداف مشروعنا تغطية العجز، عبر المجتمع المدني، عما تعاني منه الجهات المعنية بترميم المكتبات العامة عوضاً عن اقفالها، ودعم القطاع المكتبي الخاص الذي ينزف ويترنّح من خلال تقديم بدائل ما، والمضي قدماً بدور لبنان الثقافي الطليعي والمبتكر. وهنا اسمحوا لي أن أشكر البلديات التي تتعاون معنا ورحابة صدرها وتسهيلاتها، كذلك كل "الحبايب" الذين ساعدوا، على أمل أن تتحقق العدالة السماوية فتجازي كل من كان سبباً في تعاستنا وحزننا العميق.

- أخيراً نسألك هل لمستم ردات الفعل على مبادرتكم ام لا يزال من المبكر الحديث عن ذلك؟

 حتى اكون صريحة، لم يتسن لي الوقت بعد للوقوف عند مؤشرات النجاح. ما زلت "معجوقة" حتى انتهي من صنع كل البيوت وتوزيعها، وبمرحلة ثانية نجول ونسأل، مع املنا واصرارنا على نشر هذا المشروع الثقافي واحياء شعلته.