بقلم وردية بطرس
عشرون مليون شخص يعانون من قصور القلب في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع ان يرتفع هذا الرقم نتيجة لزيادة عمر السكان. فقصور القلب يسبب معدلات وفاة تفوق ما يسببه أخطر أنواع السرطان مثل سرطان الثدي والأمعاء. والقصور في عضلة القلب من الأمراض المزمنة التي تصيب العضلة القلبية وله تأثير كبير على عملها، ومن ثم عمل بقية أعضاء الجسم وهو حالة مرضية خطيرة تصيب القلب او وظائفه ويحدث ذلك نتيجة اضطراب وخلل ما في وظائف القلب التي خلق القلب لها ويكون ذلك الخلل اما وظيفياً او عضوياً مثل عملية استقبال الدم او ضخ الدم بكميات كافية لجميع أعضاء الجسم لكي يتمكن الجسم من أخذ الأوكسجين والغذاء من الدم. ويحدث قصور القلب حين يعمل القلب بعلة ولكن أقل من الطبيعي وعادة يبدأ القصور في عضلة القلب في الجانب الأيسر (البطين الأيسر) ثم بعد ذلك في الجانب الأيمن (البطين الأيمن).
وقصور عضلة القلب مرض يضعف الجسم وقد يهدد حياة المريض لأن قلب المصاب لا يستطيع ضخ كميات كافية من الدم لتلبية حاجات الجسم من الدم والأوكسجين، وذلك في أغلب الحالات لأن عضلة القلب مسؤولة عن ضخ الدم وتضعف مع الوقت او تصبح صلبة. وعادة ما يحدث قصور القلب نتيجة حدوث إصابة بعضلة القلب. ومن الممكن ان يحدث ذلك في أعقاب الأزمات القلبية او الأمراض الأخرى التي تؤثر في القلب، او نتيجة ضرر يتزايد تدريجياً بسبب مرض السكر او ارتفاع ضغط الدم، او قصور الشريان التاجي، او ارتفاع الكولسترول، او الافراط في تناول المشروبات الكحولية، او ادمان المخدرات. وفي أغلب الحالات، لا ينتج قصور القلب عن سبب عامل واحد فقط، وتشمل أعراضه ضيق التنفس، التعب الشديد، واحتباس السوائل في الجسم، حيث تظهر تلك العوارض ببطء وتتفاقم مع مرور الوقت، مما يؤثر سلباً في جودة حياة المريض، الا انه لا يمكن للمريض ان يعيش حياة مديدة وصحية اذا تم تشخيص اصابته بالمرض مبكراً. ان مرض قصور القلب هو أحد الأسباب الرئيسية للوفيات بين المسنين ولمشاكل صحية عدة. ان واحداً من اصل خمسة أشخاص تزيد أعمارهم عن أربعين سنة سيعانون من قصور القلب خلال فترة حياتهم. وقصور القلب هو السبب الأول وراء دخول المرضى لتلقي العلاج في المستشفيات وذلك لمن تزيد أعمارهم عن السبعين عاماً. أكثر من 77 ألف مريض يعانون من مرض قصور القلب في لبنان، وعبء تكلفته الاقتصادية في لبنان يتجاوز المئة مليون دولار أميركي سنوياً. وقصور القلب يمثل عبئاً اقتصادياً صحياً ثقيلاً ويكلف العالم أكثر من مليار دولار سنوياً.
ومن الممكن ان يتفاقم قصور القلب وتزداد الحالة سوءاً تدريجياً ويطلق على ذلك <قصور القلب المزمن>، ولكن من الممكن ان تصاحب الحالة نوبات حادة (قصور حاد في القلب) اذ تسوء الأعراض وتستدعي حجز المريض في المستشفى لتلقي العلاج. وتزداد خطورة الإصابة بقصور القلب مع التقدم في العمر، والمرض منتشر بين الرجال والسيدات، ويعاني من المرض واحد من أصل 5 أشخاص (20 بالمئة).
أما عن أعباء قصور القلب فيمثل هذا المرض عبئاً صحياً اقتصادياً متزايداً، وأكدت الدراسات ان قصور القلب يؤثر على جودة حياة المرضى بمعدلات تفوق الأمراض المزمنة الأخرى. وقصور القلب له تأثير أساسي على حياة المرضى، فهم يعانون في حياتهم اليومية نتيجة لتزايد أعراض المرض اذ تصبح أكثر سوءاً مع الوقت، كما يزيد المرض من أعباء الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية للمرضى.
وبالنسبة لعلاج قصور القلب، فأولاً هذا المرض صعب ومعقد وليس من السهل السيطرة عليه. ويعتبر المرض حالياً من الأمراض التي لا يمكن علاجها، اذ يتسبب في وفاة نصف المصابين به خلال خمس سنوات من الإصابة. وتهدف العلاجات الحالية للسيطرة على أعراض المرض التي تسبب الضعف الشديد للمرضى مثل الاحتقان وضيق التنفس. هناك حاجة ماسة لعلاجات جديدة فعالة يمكنها الحد من الأعراض دون تدمير الكلى، والحد من حجز المرضى في المستشفيات لتلقي العلاج وخفض معدلات انتشار المرض والوفيات الناجمة عنه.
أما التعايش مع قصور القلب، فيقضي باتباع التعليمات الآتية للتخفيف والتعايش مع فشل القلب:
تناول الغذاء الصحي الغني بالفاكهة، الخضراوات والابتعاد عن الطعام الغني بالدهون، الابتعاد عن التوتر، الاقلاع عن التدخين والكحول. اذا كان السبب هو أحد العلاجات الدوائية فيجب مناقشة الأمر مع الطبيب المختص وتغير العلاج لعلاج يتلاءم مع وضع المريض الصحي. التخلص من الوزن الزائد، ممارسة التمارين الرياضية تبعاً لنصائح الطبيب، مراقبة الوزن وحالة تجمع السوائل في حال وجود تجمع للسوائل، ويفضل اتباع نظام غذائي قليل الملح.
فما هي اسباب حدوث قصور القلب؟ وماذا عن العوارض والعلاجات؟ والى اي مدى يهدد قصور القلب حياة المريض والمعاناة التي يواجهها؟
الدكتور سكوري وقصور القلب
بداية يعتبر الدكتور هادي سكوري رئيس لجنة قصور القلب في الجمعية اللبنانية لأطباء القلب وجراحيه ان هناك ضرورة لإطلاق حملة وطنية للتوعية حول مرض قصور القلب ويقول:
- مع ان قصور عضلة القلب مرض منهك الا انه لم يتم ادراجه بعد على الخريطة الصحية الوطنية. لذا ادعو الجهات المعنية من مقدمي الرعاية الصحة الى مجموعات دعم المرضى، والجهات الحكومية المختصة للتعاون في سبيل وضع خطة تهدف الى توعية الرأي العام حول أهمية التشخيص الدقيق، والعلاج الناجع، واعتماد أسلوب حياة صحي للمساهمة في ادارة أفضل للمرض في لبنان وبالتالي تحسين نوعية حياة المريض. ومرض قصور عضلة القلب يتزايد انتشاره في لبنان بنسبة كبيرة، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على المرضى، وعائلاتهم ومؤسسات الرعاية الصحية على حد سواء، بهدف تقييم العبء الاقتصادي الناجم عن هذا المرض على مقدمي الرعاية الصحية.
وبالسؤال عن إصابة الشباب بقصور القلب أيضاً يشرح الدكتور سكوري:
- أولاً، ان عدم قدرة القلب على ضخ الكمية الكافية من الدم الى أعضاء الجسم انما يرجع الى قصور وظيفة عضلة القلب بعد الإصابة بالجلطة القلبية أو تدريجياً كما يحدث في أمراض الصمامات، ارتفاع ضغط الدم، التهاب أغشية القلب، واختلال كهرباء القلب. وقصور عضلة القلب يصيب كل الأعمار ولكن طبعاً كلما تقدم الشخص في العمر تعرض للإصابة به اكثر، ولكن هذا لا يعني انه لا يصيب الشباب. وطبعاً هناك ضرورة لإدخال المريض الى المستشفى اذا كان متقدماً في السن لمعالجته.
وعن نسبة حدوث قصور القلب يقول:
- لأن الناس في يومنا هذا يعيشون لسنوات أطول، تزيد نسبة الإصابة بقصور القلب. ففي الماضي، كان الشخص يفارق الحياة اثناء نقله الى المستشفى بسبب تعرضه لذبحة قلبية، ولكن اليوم بفضل العلاجات والتطور الطبي، يتحسن وضع المريض ويساهم ذلك في تقليل نسبة موت الخلايا في القلب لأنه عندما تموت خلايا القلب لا تنمو مجدداً. ونسبة الإصابة بقصور القلب عالية اذ 26 مليون شخص يعانون منه على مستوى العالم ويبدو ان الرقم يتزايد. وفي لبنان هناك 77 ألف شخص يعانون من قصور القلب، و17 الى 45 بالمئة من المصابين بهذا المرض يموتون بسببه.
ــ وما هي أسباب قصور القلب؟
- 70 بالمئة من الإصابة بقصور القلب هي نوبات قلبية وهو أكثر مسبب لحدوث قصور القلب وانسداد شرايين القلب. ومن المسببات ارتفاع ضغط الدم فكلما كان الشخص يعاني من ارتفاع ضغط الدم يحدث معه قصور القلب، ويحتاج للأوكسيجين وانسداد الشرايين والالتهابات اذ يُصاب أحياناً بفيروس <الكريب> او الرشح، فيشعر بألم في قدميه ويظن انه مجرد <كريب> ولكن بعد مرور سنوات، يتبين انه لم يكن مجرد <كريب> بل كان احد العوارض للإصابة بقصور القلب. واذا اردت ان ألخص كل المسببات فهي على الشكل الآتي: نوبات قلبية سابقة، انسداد شرايين القلب، خلل في صمامات القلب، اختلالات خلقية في القلب، السكري، الافراط في شرب الكحول، تعاطي المخدرات، العلاج الكيميائي.
ــ وماذا عن العوارض؟
- ضيق في التنفس أثناء القيام بجهد جسدي، تسارع في دقات القلب، الاستيقاظ المتكرر بسبب ضيق في التنفس، والشخير، والحاجة الى المزيد من الوسائد لينام بشكل مريح، تعب ودوخة وغياب القدرة على التركيز، التبول المتكرر، زيادة سريعة في الوزن، فقدان الشهية، والغثيان.
وعن العلاجات يقول الدكتور سكوري:
- العلاجات ليست من اجل اطالة عمر المريض بل لتحسين نوعية حياة المريض. بعض الأدوية تؤدي الى احتباس الملح في الجسم والسوائل وهنا لا اعني الماء بل البوظة والشوربة والفواكه خصوصاً البطيخ. لذا ننصحه بشرب السوائل باعتدال. طبعاً للدواء أهمية ولكن على المريض ان يعتني بنفسه اكثر وان يحسن نمط حياته، لأنه اذا لم يعتنِ المريض بنفسه، لن ينفعه الدواء فقط. وهناك بطاريات او اللجوء الى زرع القلب او القلب الاصطناعي. وهناك علاجات تساعد المريض، ولكن منذ العام 2005 لم يُضف علاج جديد الى العلاجات، ولكن في العام 2015، أصبح هناك تغيير في نوعية العلاجات، وأول دواء يخفف ضربات القلب، ونحن لا نزال نستعمل هذا الدواء منذ سنوات لأن أوروبا تستعمله. والدواء الثاني اظهر انه يخفف نسبة الموت ويجنب ادخال المريض الى المستشفى، ويخفف العوارض والموت بسبب قصور القلب. وهناك علاجات ولكن طرق الوقاية مهمة الا وهي التخلص من التوتر والضغط النفسي.
ويتابع:
- ثاني شق من العلاجات هو البطاريات، فكل مريض يعاني من قصور القلب يفارق الحياة بشكل فجائي، فالبطارية تراقب القلب ولكن اذا مات المريض بشكل فجائي يموت بسبب الكوما. والنوع الثاني من البطاريات تحسن وضع القلب فيضخ بشكل أفضل. الضخ الطبيعي هو 55 بالمئة وما فوق. ولكن تحت 35 بالمئة يكون خطراً ويتسبب بالموت الفجائي فتحدث عوارض اكثر. وطبعاً للتدخين تأثير سلبي على وضع المريض اذ يتسبب له بتقرحات ويتجمد الدم في شريان القلب.
الدكتور قباني والملح... السام!
ونتابع مع الدكتور سامر قباني البروفيسور في الطب في الجامعة الأميركية اللبنانية الذي أجرى دراسة خلصت الى نتائج مهمة ومجموعة توصيات ويقول:
- أظهرت نتائج الدراسة التي أجريت مؤخراً في لبنان ان عدد مرضى قصور عضلة القلب يصل الى اكثر من 77 ألف مريض، والمجموع العام لتكلفة العناية بالمصابين به يفوق المئة مليون دولار أميركي سنوياً. نحن نواجه مشاكل عدة منها عدم ادراك المرضى لمدى خطورة مرضهم، وعدم تقيدهم بتوجيهات الطبيب، مما يؤدي لدخولهم المتكرر الى المستشفى. لذا يجب اتخاذ تدابير جذرية لمواجهتها بدءاً بنشر ثقافة الوعي، وتسهيل وصول العلاج الناجع للمرضى ومساندتهم، والتقيد بجداول تناول الأدوية حسب توجيهات الطبيب تفادياً للدخول المتكرر الى المستشفيات الذي من شأنه ان يتلف الأعضاء الحيوية.
وبالسؤال عن تورم الكاحلين اثناء الإصابة بقصور القلب، يشرح:
- يتجمع الماء في الكاحلين ولهذا يحدث تورم في الكاحلين اثناء الإصابة بقصور القلب، إضافة الى ضيق في التنفس. وطبعاً يعتبر الملح مثل السم لدى مرضى قصور القلب ولهذا على المريض ان يتجنب تناول جبنة مالحة والبزورات لأن هذه الأطعمة تمتص الماء في جسم الانسان، وبالتالي كلما تناول الملح يؤدي ذلك الى احتباس الماء. ومن المهم ان يقوم المريض بقياس وزنه وفي حال لاحظ ان وزنه قد زاد فعليه ان يعلم طبيبه لتعديل أدويته، ويجب ان يقوم بالتمارين.
ويتابع:
- ان 12 الف شخص يدخلون الى المستشفى سنوياً في لبنان، بسبب قصور القلب اي بمعدل 4 آلاف دولار كلفة الاستشفاء لمرة واحدة. وتدل المعطيات التي تم جمعها من جانب وزارة الصحة العامة ومن شركات التأمين الخاصة على ان وزارة الصحة تغطي تكاليف استشفاء نسبة 33 بالمئة من المرضى، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يغطي نسبة 25 بالمئة. وتظهر دراسة علمية أخرى شملت 700 مريض من مختلف المناطق اللبنانية ان مريض قصور القلب في لبنان يحتاج الى دفع نحو 900 دولار سنوياً لتغطية مصاريف العلاج خارج المستشفى. ان عبء المرض سنوياً في لبنان يصل الى مئة مليون دولار، وتعتبر فاتورة مرتفعة، الا ان سبل خفض عبء المرض الاقتصادية وتعزيز العلاج ترتكز على تعزيز التوعية في المجتمع للوقاية من الإصابة بقصور القلب، وتعزيز الاستراتيجيات لخفض كلفة الاستشفاء والحد من الاستشفاء المتكرر.