بقلم وردية بطرس
رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المركزة في مستشفى الروم الدكتور جورج جوفيليكيان: الكوليرا جرثومة تنتقل عبر المياه الملوثة ويمكن السيطرة عليها عند تأمين شبكة مياه صحية نظيفة والتقيد بالارشادات الوقائية
وصلت الكوليرا الى لبنان بعدما كانت قد سُجلت آخر اصابة به منذ 29 عاماً، حيث أعلنت وزارة الصحة العامة في تقرير نشرته عن حالات الكوليرا في لبنان تسجيل 46 اصابة جديدة بتاريخ 7 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 89. كما تم تسجيل حالة وفاة جديدة رفعت العدد التراكمي للوفيات الى 3. وكان لبنان قد سجل اصابة بمرض الكوليرا في محافظة عكار الشمالية لتكون أول حالة تشهدها البلاد المنهكة اقتصادياً منذ 29 عاماً، في وقت تشهد سوريا المجاورة انتشاراً للمرض. وقال وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض ان لبنان سجل أول حالة اصابة بالكوليرا منذ سنة 1993 ورجح أن يكون مصدرها جاء عبر الحدود من الوباء المتفشّي في سوريا.
ووفقاً لوزارة الصحة أن الكوليرا ناتجة عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو تناول مواد غذائية ملوثة، أو من شخص الى آخر عبر الأيدي الملوثة. وتمتد فترة حضانة المرض من يومين الى 5 أيام، وتشمل الأعراض اسهالاً مائياً غزيراً مسبباً مضاعفات قد تؤدي الى الوفاة في حال عدم المعالجة. وأوصت الوزارة اللبنانيين والمقيمين بعدم شرب أو استعمال مياه غير نظيفة ونصحت بشرب الماء من قوارير مياه معبأة مقفلة مضمونة المصدر، وأيضاً عدم الشرب والأكل من الأواني نفسها مع الآخرين. كما أوصت بغسل اليدين بالماء والصابون على نحو منتظم قبل تحضير الأطعمة أو تناولها، وبعد استعمال المرحاض، والحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة الأغذية، وطهي الطعام بشكل جيد جداً وتناوله مباشرة بعد طهيه، وأخيراً مراجعة الطبيب فوراً في حال ظهور اسهال مائي غزير.
تجدر الاشارة الى أن تفشّي الكوليرا في سوريا أودى بحياة العشرات ويمثل خطراً عابراً لجبهات القتال في الحرب المستمرة منذ 11 عاماً في البلاد، وهو ما يثير مخاوف في المخيمات المكتظة بالنازحين الذين تنقصهم المياه النقية والصرف الصحي. ويظهر مرض الكوليرا عادة في مناطق سكنية تعاني شحاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي، وغالباً ما يكون سببه تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة ويؤدي الى الاصابة باسهال وتقيؤ. وبحسب ما ذكرت الأمم المتحدة أن سوريا تشهد منذ أيلول(سبتمبر) الماضي تفشياً للكوليرا في محافظات عدة للمرة الأولى منذ العام 2009، في وقت أدى فيه النزاع المستمر منذ العام 2011 الى تضرر نحو ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الدماغ وثلث خزانات المياه. وللأسف في لبنان البنية التحتية للمياه متروكة دون صيانة وتعرّض النظام الصحي في البلاد لأضرار شديدة على مدى أزمة مالية مستمرة منذ 3 سنوات وخلال انفجار في مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 بشدة بالبنية التحتية الطبية الأساسية في العاصمة بيروت.
المنصة الموحدة لمواجهة الكوليرا
ومنذ أيام أعلن وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض عن المنصة الموحدة التي سيتم اعتمادها على مستوى وطني لجمع جهود مراكز الرعاية الصحية الأولية والجمعيات الأهلية والمنظمات الأممية التي تعمل على مواجهة الكوليرا، كما مجمل المعلومات عن الوباء، وذلك بالتنسيق مع غرفة ادارة الكوارث في السرايا الحكومية والصليب الأحمر. وأبلغهم ضرورة تحديد مندوب عن كل منها ليكون صلة الوصل مع وزارة الصحة بما يضمن عدم حصول ازدواجية في الأعمال التي يتم تنفيذها، فيُصار الى توزيع المهام على كل المناطق بما يضمن المواكبة الصحية لكل الذين يحتاجون الى ذلك ويحد من التأثيرات السلبية لمحدودية الموارد التي يعاني منها لبنان. ولفت الوزير بأن الجولات الميدانية التي قام بها في الأيام الأخيرة لرصد واقع انتشار الكوليرا في لبنان، أظهرت ضرورة دق ناقوس الخطر نظراً لاهتراء البنى التحتية الذي يشكل عائقاً أساسياً أمام تحدي احتواء الوباء، موضحاً أنه بالمقارنة مع الدول الأخرى التي تشهد انتشاراً للكوليرا، يتبين أن الشتاء والفيضانات عاملان اضافيان يسهمان في انتشار الوباء. وأن المرحلة المقبلة تتطلب عملاً مشتركاً يقوم على تنسيق الجهود وتوحيدها. فالادارة الجيدة لمواجهة الوباء تتطلب النقل السريع والسلس والدقيق للمعلومات لتحقيق الاستجابة المطلوبة والمنظمة في الوقت والزمان الصحيحين، وهذا ما تهدف اليه المنصة التي نحن بصددها. ومن الضروري تحفيز الوقاية بحيث يتم التركيز على أن الوباء لا ينتقل فقط بالعدوى من شخص الى آخر، بل ينتقل بطرق متعددة أبرزها المياه والطعام الملوثان بالجرثومة.
الدكتور جورج جوفيليكيان وطرق انتقال عدوى الكوليرا
فماذا عن الأعراض وطرق العلاج؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها "الأفكار" على رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المركزة في مستشفى الروم الدكتور جورج جوفيليكيان ونسأله:
* ما هي طرق انتقال عدوى الكوليرا للانسان؟
- الكوليرا هي جرثومة، وهناك الكثير من جراثيم الكوليرا ،ولكن التي تنتقل العدوى أو تسبب الأعراض هي التي تفرز مادة سامة مما تجعلها مضرة، بالتالي الكوليرا بدون "توكسين" ليست مضرة. أما كيف يضرّ فهو أنه يسبب اسهالاً شديداً وخسارة كبيرة للماء في الجسم وللملوحات، ولهذا فالأشخاص الذين يتضررون ويفارقون الحياة هو أنه يحصل معهم جفاف في الجسم. والكوليرا هو مرض يصيب الدول الفقيرة والنامية ولهذا ترينه في أفريقيا وبلدان آسيا... وتنتقل عدوى الكوليرا عبر المياه الملوثة بالدرجة الأولى عادة عندما يختلط الصرف الصحي بمياه الشرب في منطقة معينة، وهذا ما حصل عندنا في لبنان في منطقة في عكار حيث ظهرت حالات الكوليرا بين النازحين السوريين بسبب عدم القدرة على الاستحصال على مياه الشرب النظيفة بطريقة واضحة ومعقمة، ولهذا سبل العلاج مرتبطة بالمياه النظيفة.
الأعراض
* ماذا عن الأعراض؟
- اسهال شديد يؤدي الى الجفاف وخسارة الماء في جسم الانسان وأيضاً الملوحات. انما مشكلة الكوليرا فهي سهلة اذا توفرت الامكانية وهي من خلال تعقيم المياه لكي لا تشكل مصدراً لنقل العدوى، وطبعاً تعقيم الخضار والفاكهة لئلا تكون مصدراً للعدوى بعد ريها بالمياه الملوثة. فبكل بساطة هذه هي سبل العلاج لكي نمنع من تفشي الكوليرا. وبصراحة هناك نوعان من التطعيم لمرض الكوليرا ولكنها من أجل الوقاية وليس بعدما يُصاب الشخص بها. وهذان النوعان من التطعيم يتم تناولهام عبر لقاحين ولا أعتقد أنهما متوفران في لبنان، لأن الكوليرا لم تكن موجودة منذ سنوات طويلة.
النظافة الشخصية أساسية
* لم تُسجل اصابة بالكوليرا في لبنان منذ 29 سنة على الرغم من الظروف الصعبة والمشاكل التي عانى منها ولا يزال فما السبب؟
- بالفعل لم تُسجل اصابة بالكوليرا من سنوات طويلة لأن الشعب اللبناني يهتم كثيراً من حيث مياه الشرب النظيفة وتعقيم الخضراوات والفاكهة، وبالتالي النظافة الشخصية شكلت حماية للبنانيين على الرغم من كل الأزمات والظروف القاسية التي مرّ بها ولا يزال ، ولكن لا يغيب عن البال مسألة النازحين السوريين، حيث ظهرت أول حالات اصابة بالكوليرا في مخيمات في عكار. وفي المنطق نفسه يكون العلاج بالوقاية التي هي بكل بساطة تعقيم مياه الشرب والمياه التي نستخدمها. وطبعاً وسائل التعقيم أساسية لمواجهة الكوليرا من خلال ستخدام الكلور والكمية المطلوبة للتعقيم لكي لا يعد تشكل المياه مصدراً للعدوى.
ويتابع:
بعض الأشخاص تكون الأعراض لديهم خفيفة حيث لا يمرضون بسرعة بطريقة يتم الكشف عن اصابتهم وبالتالي يصبحون هم مصدراً للعدوى لنقل المرض لأنه ينتقل عبر البراز والاسهال. لهذا يبقى غسل اليدين خصوصاً بعد استخدام المرحاض أمراً أساسياً جداً للوقاية من الكوليرا، وأيضاً تعقيم المياه التي نستخدمها للاستحمام وللشرب لكي لا تنتقل العدوى للآخرين. وطبعاً تعقيم الخضار والفاكهة جيداً. وبهذه الطريقة يتم السيطرة على الكوليرا، لأن هذا المرض أسهل من غير أوبئة لأنه مصدره معروف، وبالتالي يكون السيطرة عليه أسهل بكثير من غيرها مثل الانفلونزا وفيروس كورونا وما شابه.
الأطفال وكبار السن معرضون للاشتراكات أكثر من غيرهم
* ولماذا الأطفال والمتقدمين في السن أكثر من يعانون عند اصابتهم بالكوليرا؟
- طبعاً يعانون أكثر لأن قدرتهم على الصمود أقل، يعني الأطفال وكبار السن يُصابون بجفاف الجسم، ويكون الاسهال شديداً وبالتالي هم معرّضون للاشتراكات أكثر من غيرهم لها علاقة بالمرض الشديد، ولهذا علاج الكوليرا يكون عبر تعويض السوائل التي يخسرها الجسم، وطبعاً بحسب الأعمار بتناول فيتامينات معينة والمعادن مثل الزنك وفيتامين "أ" وغيرها أي هي أمور ضرورية للعلاج.
احتواء المرض قبل تفشيه
* وبأي حالات يكون مرض الكوليرا شديداً على الشخص وكأطباء هل ترون الوضع مقلقاً بعد ارتفاع عدد الاصابات بالكوليرا في لبنان؟
- عندما نكون هناك كوليرا طبعاً يكون الأمر مقلقاً وليس عندما نتحدث عن عدد معين من الاصابات به، بل وجود الكوليرا بحد ذاته يجب أن يشكل قلقاً طالما ان هناك مصدراً ومصابين به وبالتالي يتم انتقال العدوى للآخرين. لهذا يجب معاينة المنطقة التي ظهرت فيها الكوليرا لنرى كيف يجب احتواء المرض وحصر سبل انتقاله والتي هي متعلقة بالمياه، وبالتالي عندما اكون هناك حالة أو حالتان يعني هناك حالات أخرى لم تظهر أعراضها السريرية بعد ـ ولكنها ستظهر حتماً، وبالتالي يجب أخذ الحيطة والحذر منها وأن ينتفض ويجيش الجهاز الطبي والوقائي والا فإن الشخصين المصابين سينقلونها لأربعة أشخاص من ثم لثمانية وهكذا دواليك. هناك أشخاص تظهر عليهم الأعراض أسرع من غيرهم ولكن الأعراض مرتبطة بالشخص واذا كانت الأعراض واضحة فهي عبارة عن اسهال شديد، والشخص لا يقدر أن يعوّض خسارة المياه بسبب الجفاف الحاصل وهذا يستدعي التدخل لئلا يحصل الوفاة. وربما يعاني من ارتفاع الحرارة ولكن أكثر عارض هو الاسهال الشديد على مدار اليوم ولهذا نتأكد أنه كوليرا.
* وهل ُيشفى الشخص اذا حصل على العناية المطلوبة؟
- طبعاً يُشفى المصاب ولكن يختلف الأمر عما اذا حصل على العناية متأخراً أم فور اصابته أو حسب عمره وكم خسر من المياه والملوحات ،وبالتالي على الجهاز الطبي أن يقوم بتعويض ما خسره سواء بالسوائل أو الملوحات والتأكد بأن الكلى لم تتأثر. وطبعاً لها علاقة بالملوحات لئلا تؤثرعلى القلب وبالتالي الدعم للوظائف باعادة تعويض السوائل التي خسرها والملوحات والنتيجة تكون جيدة. ويمكن أن يُصاب الشخس بالكوليرا مرات عديدة اذا لم يتنبه لما يقوم به. فمثلاً مسألة تسجيل اصابات في مخيمات النازحين السوريين فاذا لم يتم تنظيم الصرف الصحي من هنا مسؤولية المؤسسات العالمية التي ترعى شؤونهم للتنبه للأمر لمنع انتشار الأوبئة... للبنان قدرة محدودة لتحمّل المزيد، وأي بلد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين من ثم يزاد عليهم اكثر من مليونين حتماً سيؤثر ذلك على الحياة من كل النواحي حيث البنية التحتية تعاني بالأساس من مشكلة ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة.
* على الرغم من سوء الوضع في لبنان الا أنه يعتبر البعض أن مرض الكوليرا قد تأخر للوصول الى لبنان، فما رأيك؟
- هذا صحيح لأن النظافة الشخصية اساسية بالنسبة الينا، كلبنانيين كشعب نهتم بهذه الأمور مما شكل حماية لنا، والا كنا سنواجه الكوليرا من قبل، أي ما نقوم به كأفراد يحمينا في ظل الظروف الصعبة في البلد.
معالجة مصدر الكوليرا وحصرها
* هل ترى بأن الوضع سيزداد سوءاً اذا لم تكن هناك خطة سريعة لمواجهة تفشي الكوليرا في البلد؟
- أتصور أن الرقابة قائمة، والتشخيص لا يتم متأخراً أي لا أرى أن الأمر سيكون خارج السيطرة، الا أن مسألة القضاء على الكوليرا أمر مرتبط بمعالجة مصدر الكوليرا كما قلنا والمصدر يكون صعباً اذا كنا نتحدث عن مخيمات كبيرة حيث يخرج النازحون عبر الحدود ويعودون الى المخيمات ،وبالتالي لا نعرف عما اذا كانوا مصابين بالكوليرا. وطبعاً اذا استطعنا في مجتمعاتنا أن نسرع بمعالجة مشكلة مياه الشرب وغيرها فسيتم حصر الكوليرا. واذا لم يتمكن الناس من شراء قوارير مياه يمكنهم أن يقوموا بغلي المياه فتصبح نظيفة وأيضاً تعقيم الخضراوات والفاكهة باستخدام الكلور وفقاً للارشادات الوقائية لأن الملح والخل ليسا كافيين للقضاء على الكوليرا.