بقلم علي الحسيني
جاء الإتفاق السعودي ـ الإيراني الذي جرى توقيعه برعاية صينيّة بتاريخ العاشر من شهر آذار ( مارس )الماضي، ليؤكّد مرّة جديدة، بأن المشاكل التي تعيشها المنطقة على الصعيدين السياسي والإقتصادي بالإضافة إلى التلويح الدائم بالحروب، كانت تحتاج إلى هكذا إتفاقات لتخفيف الضغط عن الدول المأزومة وأيضاً وضع حدّ لما يُسمّى بالدول القويّة بالتدخّل في شؤون الغير ومُمارسة التسلّط واتباع سياسة التطويع والإبتزاز. وهذا أبرز ما أفرزه هذا الإتفاق الذي كشف عن وجود جهات دولية مُتضرّرة منه خصوصاً إسرائيل التي اعتبرها كثيرون بأنها أبرز المُتضررين من سياسة الإنفتاح الإيراني ـ العربي خصوصاً أنه انعكس سلباً على حركة التطبيع الإسرائيلي باتجاه العرب حيث شهدت هذه الحركة فرملة أدّت إلى تجميد جميع الخُطط المُستقبلية التي كانت رسمتها إسرائيل.
أي هي الإنجازات؟
في مكان أخر، فبعد مرور نحو شهرين على الإتفاق السعودي ـ الإيراني، لا بد من طرح أسئلة تتعلّق بالخطوات التي أُنجزت حتّى اليوم ولو أنه من المُبكر الحديث عن هكذا خطوات أو ما يُمكن تسميته بالغنجازات، وما هو مُستغرب أيضاً، وجود تلميحات بعودة الصراعات العسكرية والسياسية إلى بعض دول المنطقة التي كان للإتفاق تأثير كبير عليها مثل اليمن ولبنان. في السياق، تُشير مصادر سياسية واسعة الإطلاع إلى أن الإتفاق ستبدأ إنعكاساته الإيجابية تظهر تباعاً من اليمن مروراً بالعراق، ووصولاً إلى سوريا بحيث سيلمس الجميع بأن التواصل السعودي ـ السوري والإنفتاح العربي على دمشق، هو جزء أساسي ممّا هو مُتفق عليه بين طهران والرياض وسيكون للبنان حُصّة الأسد من هذا الإتفاق.
أمّا في ما يتعلّق بلبنان بشكل مٌباشر، فتُشير المصادر إلى أن الإتفاق لم يُقارب الملف اللبناني بشكل مُفصّل ولا حتّى تطرق إلى الأزمة الرئاسيّة التي يُعاني منها لبنان منذ نهاية عهد الرئيس ميشال عون والدليل طرح الأفرقاء بالداخل مُرشحي تحديّ ممّا يؤكد عدم وجود صيغة إيرانية ـ سعودية مُشتركة تتعلّق بكيفيّة تجنيب لبنان، المواجهات السياسية بين فريقي المُعارضة والموالاة. وتعود المصادر لتؤكد أن الأمور سوف ترسو قريباً على تسمية شخصية ثالثة بديلة عن الأسماء الطروحة حالياً مثل قائد الجيش جوزف عون.
مهلة الشهرين.. أين أصبحت؟
بين مُهلة الشهرين التي منحتها الرياض للإنتقال من مرحلة التعهّدات واختبار حُسن النوايا الإيرانية قبل الدخول إلى التطبيقات السياسية والدبلوماسية مع طهران، وبين هدنة الستة أشهر التي جرى تحديدها لبناء الثقة بين الأطراف اليمنيين المُتنازعين ثم فترة الثلاثة أشهر لإطلاق المرحلة الانتقالية التي ستستمرّ سنتين يتمّ خلالها التفاوض حول الحلّ النهائي بين جميع الأطراف اليمنية، ثمّة سؤال يتبادر إلى الأذهان يتعلّق بالإتفاق تحديداً لجهة جديّة إلتزام الطرف الإيراني به خصوصاً وأنه ما زال يُناور على محطّات الإتفاق بدءاً من اليمن ومروراً بالعراق وسوريا، ووصولاً إلى لبنان؟
هنا، توضح مصادر إقليمية أنه مُنذ الإعلان عن الإتفاق السعودي ـ الإيراني، لم يحصل هناك أي تقدّم ملموس أو خطوة أساسيّة تؤكد أن الأمور ذاهبة باتجاه تثبيت الإستقرار في المنطقة، أقلّه من الجانب الإيراني الذي ما زال يُمارس سياسته المعهودة تحديداً في الشقّ المُتعلّق بتسليح جماعاته وتحديداً "الحوثيون" الذين تُسيطر من خلالهم إيران على بحر العرب وتُهدّد منطقة الخليج بأكملها، وأيضاً الذين سبق لإيران و"حزب الله" أن تحدّثا عن الدور اليمني في أي مواجهة مُستقبلية يُمكن ان تكون إيران طرفاً فيها وخصوصاً المواجهة مع إسرائيل.
مُناورة إيرانية!
وتًضيف المصادر: أن الإتفاق السعودي ـ الإيراني هو حتّى الأن مُناورة إيرانية أرادت من خلالها إيران تخفيف الضغط الدولي عليها في هذه المرحلة خصوصاً لناحية العقوبات وفي الوقت نفسه تحييد الدول العربية عن أي دور يُمكن أن تستغله أميركا أو إسرائيل لتوجيه ضربات ضد مُنشآت إيرانية من قبيل إستخدام هذه الدول كمحطة عبور للوصول إلى الأهداف. كما أن إيران أذكى من أن تقوم بسحب السلاح الذي مدّت به حُلفائها الحوثيين طوال السنوات الماضية، فقط من أجل هُدنة سياسية ما زالت غير محسومة النتائج، لذلك فإن القرار الإيراني سيقوم على المُناورة قدر المُستطاع إلى أن تكتشف السعودية نفسها بأن موافقة إيران على دخول هذا الإتفاق كان من باب شراء الوقت لا أكثر.
وذكّرت المصادر نفسها، أنه في الوقت الذي كانت تواصل إيران إجتماعاتها السريّة مع أطراف سعودية برعاية صينية وتحديداً قبل فترة قصيرة من توقيع الإتفاق، أعلنت فرنسا عن إستيلاء قواتها على زورق محمل بالأسلحة والذخائر قبالة الساحل اليمني أرسلته إيران لدعم الحوثيين، على متنه أكثر من 3 آلاف بندقية هجومية ونصف مليون طلقة و20 صاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات. هذا وحده يؤكد أن ما تلتزم به إيران في النهار، تعود وتسحبه في الليل، فسجلّ إتفاقاتها والتزاماتها حتّى الدولية منها، مليئ بنفض اليد والتراجع والإنقلاب.
حفلة جنون مُنتظرة
أمّا بما يتعلّق بانعكاس الإتفاق الإيراني ـ السعودي على الوضع في لبنان، تُشير المصادر الإقليمية إلى أننا رأينا كيف إنكفأت السعودية عن التدخل في ملفّ الإستحقاق الرئاسي، في وقت يواصل فيها "حزب الله" وحُلفاؤه مُمارسة سياسة الكيدية بدعم وضغط إيراني واضحين، ما يعني أن الأمور في لبنان ذاهبة إلى مرحلة إمّا أن يوصل فيها "الحزب" مُرشحه وإمّا أن لبنان سيشهد حفلة "جنون" تُعيدنا إلى زمن الإغتيالات ونشر السلاح في الطرقات وبطبيعة الحال لن تنتهي هذه "الحفلة" إلّا بتحقيق "حزب الله" الجزء الأكبر من شروطه إن يكن جميعها.