لا يزال ملف النازحين مفتوحاً على كافة الاحتمالات والمفاجاّت غير السارة، لاسيما وان الانقسام في مقاربة هذا الملف يتعمق اكثر فأكثر بين لبنان البلد المضيف وبين المجتمع الدولي الذي يمول النازحين ويمدهم بعناصر البقاء . وبعيداً عن مقولة " المؤامرة" وما شابه فقد بات واضحاً ان المجتمع الدولي يريد إبقاء النازحين في أماكن وجودهم خوفاً من توجههم الى أوروبا رغم علمه الكامل ان لبنان لا يمكن ان يتحمل هذا العبء الكبير من كل النواحي، إذ بعد تصويت البرلمان الأوروبي على بقائهم في لبنان ، كرر المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون" هذه المعزوفة ، وأشار في كلمة له امام مجلس الامن الدولي أوائل هذا الأسبوع الى ان "الظروف ليست موائمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم وطوعي"، لافتاً الى انه "رغم الجهود الدبلوماسية لاتزال الأراضي السورية منقسمة، و90 بالمئة من السوريين يعيشون دون خط الفقر وهذا خطير جدا"، داعياً المجتمع الدولي للتعاون من "أجل إيجاد حل مأساة المفقودين والمختفين والمحتجزين في سوريا".
في المقابل أكد رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، أن أزمة النازحين السوريين تشكل تهديدا مباشرا على وجود لبنان كنموذج للتنوع، معتبرا أن قرار البرلمان الأوروبي انتهاك لسيادة بلده، وقال في كلمة له خلال "مؤتمر روما لمناقشة الهجرة عبر المتوسط" : "أقف أمامكم اليوم لتسليط الضوء على بعض القضايا العاجلة التي لا تؤثر فقط على كل منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، لكن لها وقعا وأثرا شديدا على بلدي لبنان بشكل خاص، وهي الهجرة وأزمة اللاجئين والأمن والسلام والاستقرار والازدهار".
وأضاف ميقاتي: "على الرغم من عدم توقيعه اتفاقية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951، يجب الاعتراف بالمرونة والرحمة التي أظهرها لبنان في توفير المأوى والمساعدة للسوريين خلال الحرب السورية، وذلك بموارد محدودة للغاية، ونقص شديد في فرص العمل الجذابة في البلاد، إلا أن اللبنانيين رحبوا باللاجئين بأذرع مفتوحة، وتقاسموا معهم كل ما يملكون لدعمهم خلال هذه الأوقات الصعبة"، مشيرا إلى أن "75 عاما من التحديات المؤرقة والصراعات والحروب الدورية وخيبات الأمل العابرة للأجيال والفرص الضائعة واستراتيجيات التنمية غير الملائمة… تفوق قدرة بلد واحد على التحمل!".
وتابع: "كما تعلمون جيدا، أجبر الصراع في سوريا الملايين من الناس على الفرار من ديارهم، بحثا عن السلامة والمأوى في البلدان المجاورة مثل لبنان، ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه.. ما الذي يتصوره هؤلاء اللاجئون لمستقبلهم؟ هل يرون لبنان موطنهم الدائم، أم أنهم يطمحون إلى الوصول إلى أوروبا بحثا عن فرص واستقرار أفضل؟ الإجابة معقدة وتختلف مع اختلاف التطلعات الفردية، ويجب علينا جميعا اليوم فهم هذه الآمال والتطلعات، لوضع سياسات ملائمة لمعالجة هذه المسألة".
وأردف ميقاتي: "موقف الحكومة اللبنانية من هذا الموضوع هو التالي.. بما أن الصراع في سوريا انتهى، نحتاج إلى وضع خطة للعودة الآمنة والمضمونة لجميع اللاجئين إلى وطنهم. ويجب على المنظمات الدولية والجهات المانحة، عوضا عن تمويل إقامتهم في لبنان، إعادة توجيه هذه الأموال لدفعها وبشروط، للأفراد والأسر التي تقرر العودة إلى وطنها.. حاليا يعتبر الوضع في لبنان حرجا بشكل خاص، وذلك بعد استضافته أحد أكبر أعداد اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم! وهذا الوضع الحالي يصبح غير مستدام بشكل متزايد يوميا، فلبنان البلد الصغير نسبيا، والبالغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، يتحمل الآن مسؤولية استيعاب حوالي مليوني لاجئ سوري، ولتوضيح هذا الموضوع، سيكون الأمر كما لو أن إيطاليا تستقبل وتستضيف 20 مليون لاجئ!".
واستطرد ميقاتي: "يضع هذا العبء غير المتناسب ضغطا هائلا على البنية التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي في البلاد، التي تضررت بالفعل بشدة من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة. للأسف، يبدو أن قرار برلمان الاتحاد الأوروبي الأخير (RC-B9-0323-2023) يتغاضى عن التعقيدات والتحديات المتعددة الأوجه التي تواجه لبنان، فبدلا من الاعتراف بمرونة بلادي وتحفيزها -وبيقظة القوات المسلحة اللبنانية- في مواجهة أزمة اللاجئين، نجد أنفسنا موضع لوم، أو بالأحرى معاقبين على حسن ضيافتنا وجهودنا!"، وقال: "أود أن أكرر خيبة أمل لبنان للقرار الأخير الذي أصدره برلمان الاتحاد الأوروبي.. هذا القرار هو انتهاك واضح للسيادة اللبنانية، ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف وتطلعات اللبنانيين.. إن الضغط الذي تفرضه هذه الأزمة علينا والتداعيات الشديدة للوجود الطويل الأجل للنازحين السوريين في لبنان، يزعزع استقرار النسيج الاجتماعي في البلاد ويشكل تهديدا مباشرا على وجوده كنموذج للتنوع، إون لبنان يتحمل هذا العبء الكبير باستضافة اللاجئين السوريين منذ 12 عاما، في حين تشهد بلادي أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها.. مواردنا محدودة للغاية، إن وجدت، لاحتواء تأثير أزمة اللاجئين هذه على نسيج المجتمع اللبناني والبنية التحتية بشكل عام".
وأكد ميقاتي أن "لبنان على أهبة الاستعداد للدخول في حوار بناء وتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لوضع خارطة طريق مشتركة لمعالجة هذه الأزمة، ونحن حريصون على تعزيز تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي في هذا المسعى".
وكان هذا الملف موضع حلاف داخلي لاسيما بين وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي استقال من رئاسة لجنة النزوح الحكومية وبين وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي شنّ هجومًا عنيفًا على بوحبيب، ووَصفه بالمرتَهن إلى الخارج، وبأنّه لا يريد حلّ ملف النزوح السوري ، معتبراً ان التشويش الذي قام به بو حبيب أعادنا إلى المربع الأول وسبّب في تضييع الوقت.
وكان مجلس الوزراء قد ابدى عدم ممانعته من ان يتابع الوزير شرف الدين المهمة المطلوبة منه، على ان يرفع تقارير دورية بهذا الخصوص الى مجلس الوزراء بعد التعاون والتنسيق مع وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار.