اكثر المتحدثين عن وزراء التكنوقراط لا يشكلون تحديا لاحد وتكون لديهم خبرات اقتصادية ومالية للنهوض بالبلاد اقتصاديا، هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كرر في باريس ما يقوله في المختارة وكليمنصو واينما حلّ، من صفات للرئيس العتيد وان كان ادرك بعد زيارته الباريسية ان ساعة الحسم لم تحن بعد لانه يعتبر ان التعقيدات الاقليمية لا تزال ماثلة على رغم ابرام الاتفاق السعودي- الايراني، لاسيما وان الحوار الداخلي مقطوع والاصطفاف لا يزال عموديا بين القوة المتنافسة. والذين التقوا جنبلاط بعد عودته من العاصمة الفرنسية لاحظوا انه لم يفرط بالتوقعات الايجابية بل وضع نفسه في موقع المراقب الحذر خصوصا ان كل الدلائل تشير الى ان التفاهم الاقليمي والدولي حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد بات قريبا لاسيما وان الولايات المتحدة الاميركية لم تقل كلمتها بعد وهي تركت لفرنسا ان تتحرك على الساحة اللبنانية بالتنسيق مع السعودية لمعرفة نتائج هذا التحرك لتبني عليه موقفها، علما ان جنبلاط فهم من صديقه الرئيس نبيه بري ومن السفيرة الاميركية في بيروت" دوروثي شيا" ان واشنطن لم تحدد بعد موقفها ولم تحسم خياراتها ، واستطرادا لا بد من الانتظار لمعرفة على اي رصيف سترسو الباخرة الرئاسية ومن سيكون قبطانها الذي تريده واشنطن اصلاحيا وشفافا وبعيدا عن الفساد وغير منغمس بالصفقات او بعلاقات مع حزب الله. وعليه طرح جنبلاط مجموعة اسماء في باريس كان قد اعلنها في بيروت في مناسبات عدة في معرض اعتراضه على رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية، وحاول اقناع الجانب الفرنسي بها من دون ان يأخذ جوابا فرنسيا شافيا. ويبدو ان جنبلاط التقى في طرحه للرئيس التكنوقراطي الوسطي مع فريق من معاوني الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" ما شجعه على تكرار هذه المواصفات بعد عودته الى بيروت في اكثر من لقاء ومناسبة مع التأكيد انه لن يسير خارج المركب السعودي ولن يكون في خياره قريبا من خط الممانعة خلافا لرغبة صديقه الرئيس نبيه بري الذي حدد خياره مع حزب الله بدعم فرنجية.
ويرى مطلعون ان موقف جنبلاط بث الروح لدى المرشحين التكنوقراط الذين نشطوا في اكثر من اتجاه مسوقين انفسهم من جهة، ومركزين خصوصا على " خطورة" انتخاب " رئيس تحد" او " رئيس طرف" نظرا للوضع الراهن في لبنان. ولعل ما شجعهم ايضا هي مواقف السفراء الذين شاركوا في باريس في اللقاء الخماسي والذين استمعوا الى " اطروحة " من ممثل الولايات المتحدة في الاجتماع عن دور " المنظومة" السياسية اللبنانية التقليدية في ما وصل اليه لبنان من تدهور في مختلف المجالات. ويتبين من المعطيات المتوافرة ان لائحة المرشحين التكنوقراط تم تداولها ايضا في بكركي حيث بادر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى جمع اسماء مرشحين محتملين حملهم موفده الى القيادات المسيحية المطران انطوان ابي نجم الذي اشار في لقاءاته الى ان اللائحة المقترحة يمكن ان تضم اسماء جديدة عند الضرورة وان كانت الانطباعات السائدة بان البطريرك لن يغامر بطرح اسماء بشكل رسمي خوفا من تكرار ما حصل مع البطريرك مار نصر الله بطرس صفير في استحقاقين رئاسيين سابقين، علما ان بعض السفراء يلّح غلى البطريرك الراعي ان تكون له كلمته في الاستحقاق الرئاسي، فيما يرى البعض الاخر من فريق " اللقاء الخماسي" ان لا حاجة للتوقف عند رغبة البطريرك لان المهم ان يكون المرشح " المحظوظ" قادرا على تأمين حضور 86 نائبا يشكلون نصاب الثلثين حتى ولو نال هذا المرشح 65 صوتا في الدورة الانتخابية الثانية.
ازعور وبارود وحايك
ويأتي في طليعة " المرشحين التكنوقراط" الوزير السابق جهاد ازعور الذي يعتبره عدد من العاملين على الخط الرئاسي الشخصية القادرة على انقاذ السفينة المالية من الغرق من خلال تجربته في وزارة المال في فترة صعبة من تاريخ لبنان والتي صقلها على الصعيدين الاقليمي والدولي من خلال عمله في صندوق النقد الدولي وتوليه الاشراف على مصالح الصندوق في عدد من بلدان الشرق الاوسط وآسيا الوسطى. وعلى رغم ان ازعور لم يعلن ترشيحه الى سد الرئاسة الاولى، الا ان اسمه يتردد بقوة في الاندية السياسية وفي دول القرار، علما ان رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل كان اول من اقترح اسمه من ضمن اربعة اسماء قدمها الى البطريرك الراعي في زيارته ما قبل الاخيرة الى الصرح البطريركي يوم ابلغ سيده برفضه دعم رئيس تيار " المردة". ويقول مطلعون ان ازعور، وان غلب عليه الطابع التكنوقراطي، الا انه يحب السياسة ويجيدها وتمرس بها خلال وجوده في وزارة المال، واكتسب من خاله الوزير والنائب السابق جان عبيد الكثير من اسرارها وفنونـــها، لاسيما وان الراحل عبيد كــــان " المرشح الدائم" لرئاسة الجمهورية على مدى عقود، وهو كان سيكون الاوفر حظا لخلافة الرئيس ميشال عون لو بقي على قيد الحياة. ويلقى ازعور تأييد العديد من الشخصيات السياسية وان كان من خارج النادي السياسي التقليدي لانهم يرون فيه الرجل القادر على مواجهة الوضع الاقتصادي المتردي ووضع الحلول المناسبة وله " دالية" على جماعة صندوق النقد الدولي ويعرف اساليبهم وطرق مقاربتهم للازمات الاقتصادية في دول العالم، كما انه ليس بعيدا عن اجواء بكركي وعن الرئيس بري والرئيس فؤاد السنيورة وجنبلاط ( الذي اقترح اسمه من ضمن الاسماء التي طرحها). صحيح ان اسم ازعور لا ينزل بردا وسلاما على رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع ويتعاطى معه حزب الله بحذر على خلفية علاقته بالرئيس السنيورة وبالاميركيين، الا ان ثمــــة من يقــــول ان علاقتــــه مع الرئيس بري كفيلــــة بتوفير " ضمانات" له لدى الحزب خصوصا اذا ما بات رئيس " المردة" خارج السباق الرئاسي بقرار ينبع من ارادته هو. اما في الخارج، ففرنسا تعرف ازعور جيدا، وكذلك السعودية حيث كانت له في السنوات الماضية سلسلة لقاءات مع عدد من المسؤولين الكبار الذين يعتبرون من الحلقة الضيقة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومنهم المسؤول المباشر عن السياسة الاقتصادية التي يعتمدها ولي العهد في بلاده وقد كان زملاء ازعور في صندوق النقد الدولي. وينفي مقربون من ازعور ما ردده البعض عن علاقة وثيقة بالنائب باسيل الى درجة ادارة معركته الانتخابية، ويقولون انه التقى باسيل كما التقى غيره من السياسيين اللبنانيين، وان كان شقيقه انطوان ازعور، رجل الاعمال البارز، على صلة بباسيل من دون ان تكون له اي شراكة مهنية معه. كذلك ينفي المقربون من ازعور ان يكون التقى رئيس " كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، وان كان حصل تواصل غير مباشر بينه وبين مسؤولين في حزب الله بينهم النائب رعد.
في لائحة التكنوقراط يبرز ايضا اسم الوزير السابق زياد بارود الذي ورد اسمه ايضا في لائحة بكركي وهو يتردد ايضا في المحافل السياسية والديبلوماسية ويلقى ارتياحا لدى الكثيرين انطلاقا من حضوره منذ كان وزيرا للداخلية والبلديات مرتين في عهد الرئيس ميشال سليمان، ودوره في الحقول القانونية والدستورية، ومساهمته البارزة في الكثير من الندوات والحلقات الفكرية والثقافية التي ناقشت مواضيع مهمة مثل اللامركزية الادارية الموسعة التي اعد بارود ورقة مفصلة عنها لا تزال حتى اليوم الاساس لدى مناقشة هذا البند المهم الذي ورد في اتفاق الطائف. علاقات بارود في الداخل جيدة مع الاطراف كافة ولا تحفظات كثيرة عليه، كما له في الخارج علاقات ابرزها مع فرنسا وهو ما جعل الجانب الاميركي لا يبدي حماسة له عند ترداد اسمه. تميز بارود بمواقفه المتقدمة خلال مرحلة ما بعد احداث تشرين الاول ( اكتوبر) 2019 حين بدا قريبا من " التغيير الهادىء" البعيد عن الغوغانية والشعبوية والشعارات الرنانة، وهو نجح في معالجة مطالب حياتية كثيرة من خلال دفاعه عن حقوق الكثيرين وابرزهم المعلمين.
لقد اعطته السنوات ما بعد ولايته في وزارة الداخلية العديد من التجارب والخبرات وان كان يرى البعض انه كان في الوزارة " متساهلا اكثر من اللزوم" في قضايا عدة لعل ابرزها خلافه مع رئيس فرع المعلومات آنذاك اللواء الشهيد وسام الحسن، لكنه استطاع ان يجعل من هذه الخبرات خارطة طريق لادائه السياسي وعلاقته مع الناس التي تتسم بالقرب وبتفهم الحاجات والعمل على ايجاد حلول دائمة لها بدلا من الحلول الجزئية.
اسم ثالث من " التكنوقراط" بدأ يتردد بقوة في المحافل السياسية المحلية والخارجية هو اسم الدكتور زياد حايك الذي شغل لفترة طويلة منصب الامين العام للمجلس الاعلى للخصخصة الذي ولد في فترة تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة وهو الذي اختار حايك لهذا المنصب نظرا لخبرته وعلاقاته الخارجية من خلال تعاونه الاستشاري مع الملياردير المكسيكي الاصل كارلوس سليم الذي كلفه بالاشراف على العديد من المشاريع الاجتماعية والانسانية والرياضية التي قدم تمويلها في لبنان وكان يثق بحايك ويوكل اليه مهمات في غاية الدقة. ووجود حايك في مجلس الخصخصة اكسبه علاقات مع السياسيين اللبنانيين ضمن اختصاصه، ومع مسؤولين عرب واجانب، وهو يتميز بدقته والتزامه وخبرته الواسعة وقد قدم استقالته من منصبه منذ ان بدأت الازمة الاقتصادية لاعتراضه على الطريقة التي عالجت بها حكومة الرئيس حسان دياب بداية انهيار القطاعات الاقتصادية والمالية، الواحد بعد الاخر. وكان حايك اول من قدم برنامجه الرئاسي عندما اعلن ترشيحه ووصف البرنامج بانه اكثر جدية وواقعية. واللافت ان حايك لا يحيط تحركاته بضجة اعلامية كما يفعل غيره وان كانت لقاءاته البعيدة عن الاضواء، قريبة جدا من الملفات السياسية واجواء الترشيح للرئاسة الاولى. ولزياد حايك علاقات دولية مهمة تطورت خصوصا خلال وجوده الى جانب كارلوس سليم وهو يعمل اليوم على الاستفادة منها من اجل تقديمه خصوصا في دول القرار وقد رشحه لبنان لرئاسة البنك الدولي.
واذا كانت صفة " التكنوقراط" ملاصقة لازعور وبارود وحايك، الا ان اللائحة التي يتم تداول اسماء فيها، تتضمن ايضا اسماء مرشحين مخضرمين لديهم الكثير من الصفات التي تؤهلهم للمنصب الاول في الدولة وان لم يكونوا تكنوقراط في المفهوم الضيق للكلمة، وابرزهم : السفير جورج خوري الذي يتمتع بمروحة واسعة من التأييد، الوزير السابق روجيه ديب، الوزير السابق ناجي البستاني، والرئيس السابق للمجلس الدستوري عصام سليمان، الان بجاني وهو رجل اعمال تولى في مرحلة طويلة مركزا متقدما في مجموعة الفطيم الاستثمارية الاماراتية. وقد تضاف على اللائحة اسماء جديدة، لكن ابرزها يبقى ازعور وبارود وحايك.