يمكن القول ان المجلس الدستوري في اول اختبار له من خلال القرارات التي اصدرها في خمسة طعون من خاسرين في الانتخابات النيابية في ايار ( مايو) الماضية، ضد فائزين في اللوائح المناطة لهم، من دون ان تصدر ردود فعل معترضة حتى من الطاعنين انفسهم، بل بالعكس صدرت مواقف تشيد باداء رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب والاعضاء الذين اتخذوا قراراتهم بالاجماع. وهكذا " اسقط" المجلس الدستوري كل الاتهامات التي سيقت ضده منذ ان تسلم الطعون حتى الامس القريب، ومنها تعرضه لضغوط لتغيير قراراته او لعدم اصدارها في بعض الطعون... وصولا الى حد اتهام رئيسه القاضي مشلب بتنفيذ " رغبات" رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و" التيار الوطني الحر". كل هذه الاتهامات التي رفضها القاضي مشلب في اكثر من مناسبة ارتدت سلبا على مطلقيها الذين سكتوا عن الكلام المباح لاسيما حزب " القوات اللبنانية" ورئيسه الدكتور سمير جعجع الذي اكثر من القول بان هناك من يضغط للتلاعب بالطعون في الانتخابات النيابية بغية نقل مقاعد من المعارضة الى الموالاة خصوصا في طرابلس ومرجعيون. ومع صدور القرارات ثم تثبيت نيابة كل من النواب: الياس الخوري في طرابلس، بلال الحشيمي في زحلة، سعيد الاسمر في جزين، جميل عبود في طرابلس، فراس حمدان في حاصبيا- مرجعيون، وعليه سيبقى النواب الخمسة في مقاعدهم في ساحة النجمة حتى ايار ( مايو) 2026، ومن بين هؤلاء نائبين لــ " القوات اللبنانية"" هما الياس الخوري وسعيد الاسمر!.
وقبل ايراد الاسباب التي استوجبت رد الطعون، لا بد من الاشارة الى ان الطعون الخمسة التي صدرت نتائجها هي جزء من 15 طعنا موزعة على مختلف الدوائر، وتوصف هذه الطعون بــ " الاسهل" كونها لم تستند الى اساس قانوني جدي ولم تستوجب اعادة فرز صناديق، كما هي الحال مع طعون اخرى اكثر صلابة، ويتوقع ان يعلن المجلس الدستوري دفعة ثانية من قراراته الاسبوع المقبل وهي مقدمة من : جوزيفين زغيب ضدّ النائب فريد الخازن عن المقعد الماروني في كسروان، حيدر زهر الدين عيسى ضدّ النائب أحمد رستم عن المقعد العلوي في عكار، إيلي خليل شربشي ضدّ النائبة سينتيا زرازير عن مقعد الأقليات في بيروت الأولى، النائب السابق فيصل كرامي ضدّ كلّ من النواب رامي فنج وإيهاب مطر وفراس السلوم في طرابلس، زينة منذر ضدّ النائب فيصل الصايغ عن المقعد الدرزي في بيروت الثانية والنائب وضاح الصادق عن المقعد السني في بيروت الثانية، جاد غصن ضدّ النائب رازي الحاج عن المقعد الماروني في المتن الشمالي والنائب آغوب بقرادونيان عن المقعد الأرمني في المتن، حيدر ناصر المرشح عن المقعد العلوي في طرابلس ضدّ إيهاب مطر وفراس السلوم ورامي فنج، سيمون صفير ضدّ نعمة أفرام وفريد هيكل الخازن في كسروان، واصف الحركة ضد النائب عن المقعد الشيعي في بعبدا فادي علامة، علماً أن هذه الطعون هي تلك التي تقدّم بها المرشحون الخاسرون ضمن مهلة شهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات والتي لم تتخط مهلة 16 حزيران ( يونيو) 2022. تلاها تكليف رئيس المجلس الدستوري لأحد أعضائه وضع تقرير بالطعن خلال مهلة 3 أشهر من تاريخ تكليفه. وبحسب النظام، يفترض أن يجتمع المجلس بعدها خلال مهلة شهر من إنجاز التقرير ويصدر قراره، رغم إمكانية تجاوز هذه المهل باعتبارها غير ملزمة. على أن ينحصر قرار المجلس برد الطعن والإبقاء على نيابة المطعون به (كما هي الحال مع الطعون الخمسة التي صدرت او إبطال نيابة النائب المطعون به مقابل إعلان فوز الطاعن أو المرشح الخاسر، أو إعادة إجراء الانتخابات على المقعد المطعون به بحسب النظام الأكثري طالما أن الشغور لم يتجاوز المقعدين (وهو ما حصل عند إبطال نيابة ديما جمالي الفائزة في انتخابات 2018 والتي فازت مجدداً بمقعدها بعد إعادة الانتخابات)، ووفق النظام النسبي في حال شغور ثلاثة مقاعد أو أكثر.
اسباب رد الطعون
وفي ما يأتي خلاصة للاسباب التي استند اليها المجلس الدستوري في رد الطعون الخمسة، وفق الطعون التي توافرت من مصادر في المجلس:
- ردّ الطعن المقدّم من المرشح بول الحامض بوجه النائب المنتخب الياس الخوري عن المقعد الماروني في دائرة طرابلس الثانية. ولفت إلى أن المستدعى ضده الخوري كان ترتيبه على لائحة "إنقاذ وطن"، بحسب نسبة الأصوات التفضيلية على القائمة الواحدة، سابقاً لترتيب المرشح العلوي على اللائحة إياها، وكان منحه المقعد الثاني من حصة اللائحة مطابقاً للقانون لأن اللائحة لم تكن اكتملت حصتها ولأن المقعد الماروني كان لا يزال شاغراً حين وصل التوزيع إلى اسمه.
- ردّ الطعن المقدم من المستدعي محمد شفيق حمود بوجه النائب الدكتور بلال الحشيمي المُعلَن فوزه عن المقعد السني في دائرة البقاع الأوسط. ورأى المجلس عدم اتّسام ما أدلى به المستدعي بالجدّية لجهة نسبه إلى وزارة الداخلية والبلديات الخطأ في احتساب الحاصل الفعلي.وذكر القرار أن أقواله وتبريراته لهذه الناحية جاءت خالية من الدقة والواقعية. وأضاف أن الجدّية توجب عند الاستناد إلى الأرقام تحديدها في شكل دقيق، وليس كما ذهب إليه باستعمال عبارات مثل "تقريباً"، و"كحدّ أقصى"، علماً أنه لم يبيّن أيضاً مصدر أرقامه المتناقضة.وأضاف أنه لم يقم أي دليل على أن اقتراعاً حصل عن المتوفين أو الغائبين، وفي حال حصول ذلك، فلا دليل على أنه كان لغير لائحة المستدعي أو للائحة المستدعى ضدّه، وليس لثبوت اقتراع أربعة أصوات أي تأثير على نتيجة الانتخاب. وعلى صعيد إدلاء المستدعي بسبب الطعن تكسير صندوق اقتراع في الدلهمية والعبث بأوراقه وتغيير النتيجة، وذلك إثر تدافع في القلم وتوقف العملية الانتخابية لنحو ساعة، تبيّن من نسخة عن محضر القلم المعني رقم 97 - الدلهمية المرفقة أنه بسب ازدحام الناخبين وتدافعهم على باب القلم ودفعهم إيّاه ورئيس القلم مرات عدّة، ضرب الرئيس بيده على مغلق صندوق الاقتراع فكُسر وتوقّفت العملية من الرابعة والدقيقة 46 إلى الخامسة والدقيقة 36 حيث أحضر المغلق وعادت عملية الاقتراع إلى طبيعتها.
- الطعن المقدم من كتلة الوفاء للمقاومة بنيابة الفائز فراس حمدان بالمقعد الدرزي في دائرة الجنوب الثانية. وقد ردّ المجلس الطعن المقدم من النائب حسن فضل الله في الشكل كونه فاز بالنيابة فيما القانون يحصر حقّ الطعن بالمرشح الخاسر. وهذا الأمر ينطبق على سائر المستدعين الفائزين لذا ردّ طعنهم شكلاً، معللاً أن قانون الانتخاب لا يشترط أن يقدّم من اللائحة بأسرها بعد صدوره لأن قانون المجلس الدستوري أعطى المرشح الخاسر حق تقديم طعن بصحة الانتخابات ولا يجوز أن يقيَّد هذا الحق بشرط موافقة اللائحة على تقديم الطعن، مفسراً أن القانون صريح لجهة احتساب الأوراق البيضاء، ويقضي بوجوب احتسابها في الحاصل الثاني وحسم الأوراق الباطلة.وعن سبب الطعن المُدلى به والمبني على وجوب إلغاء عدد من الأقلام الآتية من بلاد الاغتراب لعدم احترام موجب سلامة النقل وضرورة المواكبة الأمنية الجوية والبرية ولعدم الفرز في لجنة القيد العليا في بيروت، أورد المجلس أن المشترع علّق العمل استثنائياً بعدد من المواد المتعلقة باقتراع المغتربين، وبنتيجة ذلك بات اللبنانيون المقيمون في الخارج يقترعون لإحدى اللوائح المتنافسة في كل دائرة من الدوائر الانتخابية وتضم المغلفات المختومة الواردة من الخارج إلى تلك الواردة من أقلام الاقتراع في لبنان ليجري فرزها معاً.وذكر أن النتيجة المعلنة حول مجموع أصوات المعترض مروان خير الدين في القلم رقم 770 في عين جرفا وهي 17 صوتاً تفضيلياً، ويتّضح بعد التدقيق أنه نال 117 صوتاً تفضيلياً وأن اللائحة التي ينتمي إليها نالت في البلدة ذاتها 134 صوتاً وليس 34 صوتاً، ما يؤكد أن المئة صوت جرى احتسابها ضمن مجموع أصوات اللائحة ولا تأثير لهذا الواقع على الحاصل الانتخابي ولا على الكسر المعول عليه فيما بعد.وتبعاً لذلك ردّ المجلس الطعن المقدم من الكتلة في الشكل لعدم قانونية الوكالة ولمخالفة المادة 46 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري والمادة 24 من قانون إنشائه. كما ردّ الطعن المقدّم من كلّ من النائب فضل الله والمرشح مروان خير الدين.
- ردّ المجلس الطعن المقدّم من المرشح المحامي إبرهيم عازار بوجه النائبين شربل مسعد وسعيد الأسمر الفائزين عن المقعدين المارونيين في دائرة الجنوب الأولى. واعتبر أن صفة الموظف العام لا تنطبق على النائب الفائز كما ذهب الطاعن معللاً ذلك بإسهاب، ليخلص إلى أن المستدعى ضدّه لا يدخل في عداد الموظفين العامين ولا هو من رؤساء مجلس إدارة مستشفى جزين الحكومي أو أعضائه المذكورين في المادة 109 من قانون الانتخاب.
- وأشار القرار إلى عدم حصول تجاوزات في تلك الدائرة الانتخابية، ولم يتبيّن أن المستدعي أو أحد مندوبيه قد سجلوا اعتراضاً أو ملاحظة لدى أي جهة من الجهات المتخصّصة بشأن مخالفات أدلى بها، فبقي كلامه بهذا الشأن مبهماً ولم يستند إلى أيّ بينة أو بدء بيّنة تمكّن هذا المجلس من الاستقصاء والتحقيق في الأمر.
- أما لجهة السبب الآخر للطعن، والذي أدلى به المستدعي عازار بتجاوز سقف الإنفاق الانتخابي من المستدعى ضدهما، فتبيّن من مراجعة التقارير الحسابية الصادرة عن هيئة الإشراف على الانتخابات، التي أناط بها قانون الانتخاب مراقبة الإنفاق والتمويل الانتخابيين، بشأن البيانات الحسابية الشاملة العائدة لكل من المستدعى ضدّهما شربل والأسمر، أنّ الهيئة وافقت على البيانات الحسابية كافّة المقدَّمة من المرشحين جميعهم، ومنهم الذين يتبعون إلى حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، ولم يتبيّن تجاوز أيّ منهم لسقف الإنفاق الانتخابي، بما في ذلك بالتحديد المرشح مسعد، بحسب جوابها عن سؤال المجلس الدستوري.